تعرف على كيفية خلق سيددنا ادم عليه السلام
تاريخ النشر: 10th, September 2023 GMT
أخبر الله -تعالى- ملائكته بأنّه سيخلق بشراً من طين؛ حيث ورد في القرآن الكريم: (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ)،وقد شكّل الله -تعالى- هيئة آدم التي خُلق عليها بيديه ثمّ بقي نموذجاً شكله أربعين سنةً صلصالاً كالفخار، فكان إبليس يمرّ من جنبه ينقر عليه فيصدر صوتاً كالنّقر على الفخار، ثمّ بعد أربعين سنة نفخ الله -تعالى- فيه الروح فانبعثت الحياة في جسمه حتى وصلت روحه إلى رأسه وعطس، فقال: الحمد لله ربّ العالمين، فقال له الله: يرحمك الله، وفي رواية أخرى: رحمك ربك يا آدم، وجعل الله -تعالى- يوم خلق آدم يوماً مميزاً وعظيماً، حيث كرّمه بسجود الملائكة وإبليس له؛ حيث قال: (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ).
فكان السّجود له قمّة التكريم والتعريف بقيمته وقدره عند الله تعالى.ورد عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في وصف كيفيّة خلق آدم أنّه من طين الأرض التي عاش عليها، حيث قال الرّسول عليه الصّلاة والسّلام: (إنَّ اللهَ -تعالى- خلق آدمَ مِن قبضةٍ قبضَها من جميعِ الأرضِ، فجاء بنو آدمَ على قدْرِ الأرضِ، جاء منهم الأحمر، والأبيَضُ، والأسودُ، وبينَ ذلِكَ، والسَّهلُ، والحزْنُ، والخبيثُ، والطيِّبُ، وبينَ ذلكَ)،.
وأمّا شكلُ آدم -عليه السّلام- حين خُلق فقد ورد في الحديث: (إذا قاتل أحدُكم أخاه، فليتجنَّبِ الوجهَ، فإنَّ اللهَ خلق آدمَ على صورتِه).
وقد اختلف العلماء في تأويل حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فبعضهم ذكر أنّ المقصود هو صورة آدم -عليه السّلام- التي تقلّب فيها في الجنّة ثمّ نزل فيها إلى الأرض، ولأنّ آدم -عليه السّلام- خُلق على تل الهيئة دون أن يمرّ بمراحل عمريّة في الصّغر، ودون أن يكون له رحم ونسل سابق، فقد ذهب بعض العلماء كالنّووي والمناويّ أنّ ذلك المقصود من الحديث الشّريف، ورأى علماء آخرين كابن تيمية -رحمه الله- أنّ المقصود من قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: على صورته؛ أي على صورة الله -تعالى- بلا تشبيه ولا تكييف ولا تمثيل؛ لأنّ الله -تعالى- قال: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)، فالقصد أنّه وجه يليق بخلق الله تعالى.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: علیه الس الس لام ل الله
إقرأ أيضاً:
من الخلاص إلى التمكين
ثمَّة إدراك مُفتاحي يجب أن يُعين آفاق الحركة الإنسانية، جوانية وبرانية؛ وهو إدراك مُستقى من آية سورة الذاريات (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ). هذا الإدراك يجعل كل تصور إنساني لأي أفق توقيفي للحركة الآدمية، أو تصور نهائي لمآل دنيوي مُعين لها؛ ليس سوى وهمٍ من الأوهام البشريَّة. وإذا كان القرآن الكريم قد عيَّن -تحديدا- وظيفة المكلَّفين ومهمَّتهم المركزيَّة (وهي الخلاص بالعبادة بمعناها الواسع)؛ فإن المآل الوحيد المبتغى يصيرُ هو مرضاة المعبود مُجرَّدة، سواء أفضى ذلك إلى شيءٍ من "التمكين" الدنيوي المادي -كما يتصوره المتأخرون- أم لم يُفضِ؛ فإنه سُبحانه: "لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ".
والجلي أن مدلول "التمكين" نفسه قد التبس على أجيال المُحدَثين بفعل تصورات بعض ذراري المسلمين المشوَّهة وعلو صوتهم. ثم أزاح هذا الالتباس المشوه مركزيَّة الخلاص الإنساني بالدين/ العبادة من وعي المسلم وروعه، بوصفه غاية الوجود والحركة؛ وزيَّن له نهاية أخرى وأفقا ماديّا آنيّا سماه زورا بـ"التمكين".
والتمكين من الشيء لغة هو الإعانة عليه، والتمكين فيه جعل السلطة والقدرة على الشيء للمُمَكَّن. ويُقال مَكُنَ الرجل أي صار ذا منزلة وشأن ومكانة، ومَكُنَ البناء أي صار قويّا مكينا. وهو وصفٌ صار يُفيد الاستقرار والتوقُّف والسكون عند المحدَثين، أي أن هذا التمكين أمسى عندهم غاية ونهاية بذاته. بيد أن عين الأمثلة القرآنية التي يستند إليها الحداثيون أصحاب الرؤية "التمكينية" الدنيوية؛ لا تُفيد إلا الحركة والفعل، والذي يعقُب منَّة "التمكين" التوفيقي ويتلوه مباشرة. وسوف نحاول تبيُّن "نتائج" التمكين القرآني المفترضة، قبل أن نستكنه مدلول التمكين نفسه في تلك الآيات، بل لعل نتيجة التمكين في الكتاب العزيز تكون مما يُعين المدلول الرباني ويُحدده.
يقول جلَّ شأنه (سورة الحج؛ 41): "الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَر وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ". ويقول (سورة النور؛ اﻵية 55): "وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ". ويقول سبحانه (سورة الكهف؛ اﻵية 84): "إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبا".
ففي الأولى كانت حركة المؤمنين التالية على التمكين إقامة لشعائر الإسلام الأساسية؛ من صلاة وزكاة وأمر بمعروف ونهي عن المنكر: أي تمكين لأمر الله من نفوسهم ومجتمعهم. وفي الثانية كان إفراد المولى سبحانه بالعبادة رديفا لتمكين دين المؤمنين الذي ارتضاه جل شأنه، مع التوكيد على أن الاستخلاف/ التكليف شطر التمكين. وفي الثالثة، يُقرر القرآن الكريم حركة ذي القرنين في الآية التالية مباشرة: "فَأَتْبَعَ سَبَبا"؛ أي اتبع سببا من الأسباب التي أوتيها من لدن من مكَّن له في الأرض سبحانه، فصار الأخذ بها نتيجة لهذا التمكين منها.
وللوهلة الأولى، ثمة ثلاث ملاحظات تتجلَّى بداهة من هذه الآيات المباركات: الأولى أنه لا يوجد ما يُسمَّى بـ"التمكين" المادي مُجرَّدا؛ فإن "التمكين" لفظة استعمَلَها القرآن للدلالة على تمكين الله لدينه في نفوس المؤمنين وفي الواقع، وهو تمكينٌ يقتضي تيسير الأدوات الماديَّة التي تُعينهم على مهمتهم وحركتهم في الوجود. أما تمييز بعضهم بين تمكين "مادي" وآخر "معنوي" فهو تلاعُبٌ مُلبِس مُضِل. فقد سمى المولى "بسط" الرزق المادي وتيسيره للكفار بأسماء أخرى غير التمكين؛ فهو: ابتلاء، إمداد، عطاء.. إلخ. والثانية أن هذا "التمكين" للدين وللمؤمنين قد يكون جزءا من رحلة "خلاصهم"، وقد لا يكون؛ فإنه مآل توفيقي لا توقيفي، منوطٌ بأمر الله تعالى واطلاعه سبحانه على حال العُصبة المؤمنة، ومعرفته جلَّ شأنه بما يُصلحها. والثالثة أن هذا التمكين الإلهي التوفيقي ينبني على التزام من المكلَّف وفي الوقت نفسه يُغذي هذا الالتزام، وليس مُجرَّد شعارٍ هوياتي، أو انتماء أجوف، أو ثمن مُقابل وضع لافتة فوق جبين الفرد أو المجتمع.
ومن أسف أن مدلولات "التمكين" المشوَّهة قد شاعت بسبب توظيف "الإسلاميين" لها لا بسبب سوء تأولات الزنادقة أو العلمانيين. إذ حرف الإسلاميون الكلم عن مواضعه انسياقا وراء الأوهام الحزبيَّة، ورغبتهم بالاندماج في الحياة السياسية الحديثة، مهما كان الثمن. لقد شُوِّه مدلول اللفظة في خطابهم المعاصر تحت سطوة المخيلة البروتستنتية، التي تجعل من العلو المادي في الأرض دليلا على رضا الإله؛ وهو وهم لا يُعبر عن التصور الإسلامي أصلا، بل ولا يدخل في أفق التكليف إلا توفيقا؛ أي أنه ليس غاية يُعمَلُ لها، بل مكافأة عاجلة قد ينالها بعض المكلَّفين، ولا ينالها بعضهم الآخر؛ فإن جزاء الإخلاص الموعود للمؤمنين هو الجنة فقط: فردوس الآخرة الحق، لا الفردوس الأرضي الموهوم!
وقد أفضى التعلُّق بأوهام الفردوس الأرضي البروتستنتية/ اليهوديَّة إلى هيمنة تصورات مشوهة فاسدة عن "تمكين" توقيفي لكل أحد، وفي كل زمان ومكان؛ كأنه نتيجة مُباشرة لصفقة ماديَّة لا تمييز فيها بين مؤمن وكافر. وهو ما أفضى إلى غياب تصورات الخلاص الدنيوي والأخروي، الذي يجعل من التمكين التوفيقي أفقا أوسع وأكثر إنسانيَّة، بل واحتمالية أعظم رُجحانا لإخلاص المؤمن في رحلة خلاصه. فكأن الانهمام بالأرض والتمكُّن منها يُشقي، والتعلُّق بأمر السماء والخلاص بتعاليمها يُهدي سلطان الأرض كله لمن زهد فيه ابتداء!
وبعبارة أخرى، فكأن تعلُّق المؤمن بصفات الربوبيَّة مُجرَّدة مؤد إلى خزي لا يُصيب الكافر في الدنيا؛ فإن العبد المؤمن الذي استجاب لكونه خُلق للعبادة يتعلَّق بصفات الألوهيَّة أولا طلبا لخلاصه، فإن ما دونها من تيسيرٍ مكفولٌ بحول الله تعالى لكل أحد.
لقد جعل المولى سبحانه وتعالى من "التمكين" هيمنة كليَّة للوحي على اجتماع بني آدم، بِيَد دُعاة إلى الله ارتضى لهم هذا الدور، وعلم مقدرتهم على التجرُّد في الاضطلاع به. أما نيل العوائد الماديَّة أو أسبابها؛ فهو ليس تمكينا، وإنما هو النتيجة المقدورة في نواميس الله لكل من سعى في الأرض واجتهد في أسبابها. وهاهُنا أيضا يفترق مفهوم "عمارة الأرض" عمَّا شاع بسبب هؤلاء المشوَّشين؛ فإن المكلَّف المخلص هو الذي استُخلف واستُعمِر لأنه مؤمن قادر على الانسجام بحركته العابدة مع الكون العابد المهيأ بالقهر، وتعميره بالعبادة مُختارا. فليست عمارة الأرض ها هنا هي اتخاذ المصانع والمعابد والمساكن الفخمة، وإنما هي استكمال "معزوفة" العبادة التي قُهِرَ عليها الكون كله، بعبادة المكلَّف مُختارا مُريدا؛ فهذا السعي المخلص للخلاص هو وحده الذي يرفع قدر الإنسان، ليصير مُعمرا للأرض قائما بواجب الاستخلاف فيها.
وإذا كانت التشوهات الدلاليَّة والعقديَّة ساوت اليوم بين المؤمن والكافر، وجعلت "عمارة الأرض" مهمة يتساويان فيها بالطاعة والمعصية، وسوَّت بين الخلاص والتمكين، بوصفهما -في التحليل الأخير- "مسعى مادي" مجرَّد! فقد صار طالب "التمكين" اليوم باحثا عن العلو المادي في الأرض، وموجَّها له دون غيره، حتى صار غير مستعد لأي تضحيات أو مكابدات أو مُعاناة لا "يُثاب" عليها في أفق دنيوي منظور. وإذا كان الأمر كله -عند هؤلاء- معلَّقا بهذه الدار، والمسعى كله في سبيل فردوس أرضي؛ فإن أية تأجيل للثواب إلى أجل غير مُسمَّى يصيرُ مرفوضا وصارِفا لا عن السعي فحسب، وإنما عن الملَّة والتكليف جُملة. ولأن هذا التصور الفردوسي حلولي في جوهره؛ حلَّ "تمكين" الدين التوفيقي في تمكين "المؤمن" التوقيفي وأزاحه، وصارت نُصرة "الديانة" مُعلَّقة بتطلُّعات أجيال هذا "التمكين" الماديَّة، وبمقدرتها على غزو الواقع البراني وإخضاعه. فإذا فشل هذا الغزو؛ تبدَّت هشاشة إيمان هذه الأجيال التي تتحطَّم بسرعة لأنها لم تؤمن -على الحقيقة- بشيء يتجاوزها ويتجاوز تطلُّعاتها المادية/ الحزبيَّة. لقد أخفق "الإيمان" الهش برغباتها وأطماعها، إذ لم يبلغ بها فردوس "التمكين المادي"؛ فراحت هذه الأجيال تخرج من دين الله كما تفشَّى ذلك عقب فشل ما سُمي بـ"الربيع العربي". وهذا ما سنتناول بعضه في مقال لاحق، إن شاء الله.
x.com/abouzekryEG
facebook.com/abouzekry