قفز اسم مدينة «كركوك» العراقيَّة إلى بؤرة الاهتمام والمتابعة السِّياسيَّة قَبل بضعة أيَّام، ليس بسبب ما قاله أعضاء لجنة الحكماء الأميركيَّة التي تشكَّلت بعد الاحتلال الأميركي للعراق 2003، بما يُفيد بأنَّ كركوك هي عبارة عن «قنبلة موقوتة» مزروعة في أحشاء الدَّولة العراقيَّة الحديثة. هُم لَمْ يخطئوا في هذه المخاوف، خصوصًا وأنَّ كركوك بَقِيَتْ ضحيَّة الشَّدِّ والجَذْب بَيْنَ بغداد العاصمة وأربيل، عاصمة إقليم «كردستان العراق».
ومَردُّ المخاوف من انفجار الأوضاع في «كركوك» هو أنَّها مدينة يسكنها موزائيك إثني وديني متناقض ومتنافر أحيانًا، بسبب رواسب الضغائن العنصريَّة التاريخيَّة، بل وحتَّى الدينيَّة والطائفيَّة المتواصلة منذ تأسيس الدَّولة العراقيَّة الحديثة، عام 1933: فسكَّان كركوك يتكوَّنُونَ من أقليَّات عربيَّة وتركمانيَّة وكرديَّة. وقَدْ عَدَّ الكُرد بقيادة مسعود البرزاني، والمرحوم والده (الملا مصطفى) كركوك مفتاحًا لانفصال كردستان عن العراق؛ نظرًا لأنَّ كركوك تحتضن أوَّل وأغزر حقول النفط العراقيَّة (حقول بابا كركر) التي اكتُشفت واستُثمرت منذ نهايات الدَّولة العثمانيَّة. إذًا كركوك تُشكِّل القلب الاقتصادي الذي لا يكلُّ من ضخِّ البترول للدَّولة العراقيَّة مذاك حتَّى اللحظة، ناهيك عن حقيقة أنَّها تُمثِّل الشريان الاقتصادي لكردستان
العراق في حالة محاولة أربيل إعلان استقلال «كردستان» عن العراق، وهو الاستقلال الذي يُهدِّد الدولتَيْنِ التركيَّة والإيرانيَّة في آنٍ واحد؛ لأنَّهما تحتفظان بأقليَّات كرديَّة. ودلالة ذلك، أنَّ سكَّان كركوك العرب (الذين جاءت بهم حكومات بغداد المتتالية)، بهدف «تعريب» كركوك يُمكِن أن يقعوا ضحايا الانفصاليين الكُرد الذين يعدُّون كركوك حلمًا قوميًّا لا يُمكِن «تمرير» كردستان، كدَولة مستقلَّة، بِدونِه! أمَّا الضحيَّة السكَّانيَّة الأضعف، فهُمْ «التركمان»، وهُمْ أقليَّة من العنصر التركي استقرَّت في كركوك منذ حقب قديمة، هُمْ يتكلَّمون لهجة من لهجات اللُّغة التركيَّة ويطالبون بـ»حماية» الحكومة التركيَّة لوجودهم الاثني المجهري في كركوك، خشية محاولة أربيل «تكريد» كركوك من خلال تهجير العرب والتركمان وتمكين الكُرد من السيطرة على المدينة وما حَوْلَها من حقول نفطيَّة غزيرة لا تنضب! زِدْ على ما تقَدَّم أنَّ عمليَّات «تعريب» كركوك من قِبل حكومات بغداد المتعاقبة أدَّت كذلك إلى احتضانها ديانات متنوِّعة (سوى الإسلام) كالمسيحيَّة والمندائيَّة وربَّما اليهوديَّة، زيادة على السكَّان السنَّة والشيعة. وهذا عنصر تنافر إضافي لا يُمكِن تجاوزه، بقَدْر تعلُّق الأمْرِ بمستقبل هذه المدينة المهمَّة! أمَّا تساهل بغداد مع الكُرد اليوم (أي بعد الاحتلال الأميركي 2003)، فإنَّه يُنذر بانفجار الوضع وتفتُّت السِّلم الأهلي في هذه المدينة المتنوِّعة الأديان والأعراق؛ نظرًا لأنَّ الكُرد عملوا مذاك بمثابرة «لتكريد» كركوك حتَّى يهيمنَ العنصر الكردي على المدينة وأطرافها الزاخرة بآبار النفط.
أ.د. محمد الدعمي
كاتب وباحث أكاديمي عراقي
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
الرئيس العراقي يتسلم رسالة خطية من نظيره الروسي
تسلم الرئيس العراقي عبد اللطيف جمال رشيد، رسالة خطية من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تتعلق بتعزيز العلاقات بين البلدين والتنسيق المتبادل تجاه القضايا ذات الاهتمام المشترك.
وجاء ذلك خلال استقبال الرئيس العراقي اليوم الجمعة 16 مايو، في قصر السلام بالعاصمة بغداد، نائب وزير الخارجية الروسية المبعوث الخاص للرئيس الروسي في الشرق الأوسط ودول إفريقيا ميخائيل بوغدانوف.
وفي اللقاء رحب الرئيس ببوغدانوف، الذي نقل له "تحيات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وتمنياته بنجاح قمة بغداد وتحقيق الأهداف التي ستعقد من أجلها".
كما حمل رشيد، المبعوث الخاص شكره وتحياته للرئيس بوتين، مشيرا إلى ضرورة تطوير العلاقات الثنائية من خلال تفعيل الاتفاقيات وزيادة التبادل التجاري بين البلدين وبما ينسجم وتطلعات الشعبين الصديقين.
وأكد الرئيس العراقي أن القمة العربية التي يرعاها العراق تهدف إلى تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة عن طريق دعم الجهود الإقليمية والدولية الساعية لتخفيف التوتر وتوسيع آفاق التعاون بين الجميع.
وأشار إلى أن العراق يتمتع اليوم بالاستقرار الداخلي على مختلف المستويات ويمتلك علاقات دولية متميزة تؤهله لأداء دوره المحوري في حلحلة الأزمات وترسيخ الاستقرار الإقليمي.
من جانبه عبر نائب وزير الخارجية الروسي المبعوث الخاص عن سروره بلقاء الرئيس العراقي "الذي يأتي في إطار التشاور والتعاون المشترك الذي يميز العلاقات الروسية العراقية"، مؤكدا حرص روسيا على أمن واستقرار العراق وشعبه حتى تحقيق أهدافه وتطلعاته.