مفوض حقوق الإنسان: الحكم العسكري لن يحقق الاستقرار في السودان
تاريخ النشر: 13th, September 2023 GMT
مفوض حقوق الإنسان، اعتبر أن الفشل في محاسبة المسؤولين عن الجرائم والانتهاكات الماضية ساهم بشكل رئيسي في عدم الاستقرار المستمر في السودان.
التغيير: وكالات
قال مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إن شعب السودان تحمل معاناة وتضحيات هائلة في سعيه لتحقيق السلام والعدالة، وإن الصراع العقيم الحالي وعقود الدكتاتورية العسكرية التي سبقته، أظهروا بشكل قاطع أن الحكم العسكري لن يحقق الاستقرار في السودان.
وفي خطابه أمام جلسة حوار تفاعلي حول السودان في إطار الدورة الرابعة والخمسين لمجلس حقوق الإنسان، قال فولكر تورك إن الحكم العسكري لن يُحسن الحوكمة في السودان أو الاقتصاد ولن يعزز حقوق الإنسان وإنما سيُولد مزيدا من الاضطرابات والمعاناة.
وشدد على أن الوقت قد حان لأن ينهي قائدا القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، أعمال العنف ويعودا إلى المحادثات السياسية، ويمتثلا على الفور لالتزاماتهما بموجب القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
المحاسبةوأضاف مفوض حقوق الإنسان أن الوقت قد حان أيضا لتحديد مرتكبي الانتهاكات الجسيمة والتحقيق معهم ومحاسبتهم، وكسر دائرة الإفلات من العقاب.
وقال تورك إن الفشل في محاسبة المسؤولين عن الجرائم والانتهاكات الماضية ساهم بشكل رئيسي في عدم الاستقرار المستمر في السودان منذ عقود، وأدى في النهاية إلى تأجيج الأعمال العدائية الحالية.
وباء العنف الجنسيواستنكر فولكر تورك تفشي ما وصفه بوباء العنف الجنسي المرتبط بالنزاع. وقد تلقى مكتبه تقارير موثوقة عن وقوع 45 حادثة، شملت ما لا يقل عن 95 ضحية، من بينهم 75 امرأة ورجل واحد و19 طفلا.
وأشار إلى أن هذا الرقم لا يعبر عن العدد الفعلي للضحايا قائلا: “من المرجح أن يكون هذا قمة الجبل الجليدي”. وذكر أن التقارير ترد بشكل رئيسي من ولاية الخرطوم ودارفور وكردفان. وذكر أن غالبية الجناة – حوالي 78% منهم – كانوا رجالا يرتدون زي قوات الدعم السريع أو رجالا مسلحين تابعين لقوات الدعم السريع.
المدنيون والصراعوأبدى مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان قلقه البالغ إزاء الدعوات التي أطلقها مسؤولو القوات المسلحة السودانية، ومنهم الفريق أول عبد الفتاح البرهان لتسليح المدنيين. وأشار إلى دعوات مماثلة من قادة المجتمع المحلي، بما في ذلك سلطان المساليت مؤخرا.
وشدد على ضرورة عدم تشجيع المدنيين على المشاركة في الأعمال العدائية أو تعريضهم لتأثير العمليات العسكرية.
وأشار إلى مؤشرات مثيرة للقلق عن تورط الميليشيات في الصراع غالبا على أسس قبلية أو عرقية. وقال إن حملات التعبئة التي تقوم بها القوات المسلحة السودانية تهدد بإثارة التوتر بين المجتمعات وإشعال مزيد من الصراع بينها.
الصراع في السودان، الذي اندلع في الخامس عشر من أبريل بين الجيش وقوات الدعم السريع، أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 1500 مدني- وفقا لوزارة الصحة- وتشريد أكثر من 5.1 مليون شخص.
كما أصاب الصراع اقتصاد السودان بالشلل، ودفع الملايين إلى حافة الفقر، وأدى إلى توقف شبه تام للخدمات الأساسية في المناطق المتضررة من القتال.
وفي ختام كلمته شدد المسؤول الأممي على الحاجة إلى إرادة سياسية منسقة ومشاركة وتعاون من أصحاب النفوذ في المجتمع الدولي لوضع حد لهذه المأساة. كما أكد على ضرورة زيادة الدعم المالي للوكالات الإنسانية التي تبذل كل ما في وسعها للوصول إلى ملايين الأشخاص المحتاجين.
وقال إن هذا الصراع المروع يجب أن يتوقف قبل فوات الأوان لانتشال السودان من الكارثة.
* مركز أخبار الأمم المتحدة
الوسومالخرطوم السودان الصراع القوات المسلحة دارفور فولكر تورك قوات الدعم السريع كردفان مجلس الأمن الدولي مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسانالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الخرطوم السودان الصراع القوات المسلحة دارفور قوات الدعم السريع كردفان مجلس الأمن الدولي مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان القوات المسلحة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان حقوق الإنسان الدعم السریع فی السودان
إقرأ أيضاً:
المقال الثاني: قراءة الوضع الدستوري لنظام الحكم والقضاء
*تمهيد:*
عن المقال الأول، اهتم كثير من أهل القانون بالمحكمة الدستورية في السودان وتقييم تجربتها ومحاولة البعض بالعودة بها إلى الماضي كدائرة من دوائر المحكمة العليا، وتمسك بعضهم بتبعيها لرئيس القضاء ونسي هؤلاء أمر القضاء كله وحاجته للإصلاح ، ومدى أثر قيام كبار القضاة واهتمامهم بالعمل الإداري وتجاوزهم للعمل القضائي وتمسكهم بمركزية القضاء ، مما أثر سلباً على دقة الأحكام وسلامتها ونتج عن ذلك مراجعة أحكام المحكمة العليا مرة وأخرى وتدخلات المحكمة الدستورية في كثير منها.
وسعدت بتداخل أعضاء من المحكمة الدستورية مولانا العالم الجليل محمد محمود أبو قصيصة ومولانا العالم عبد الرحمن يعقوب أعضاء المحكمة الدستورية بسرد لتجربتهم.
وكل ما سبق وتحديد المحكمة الدستورية وقيامها مستقلة أو كدائرة، وإصلاح القضاء مسائل جميعها، ووفقاً للمنطق السليم مرتبطة بتحديد نظام الحكم في الدولة، هل هو مركزي أم فيدرالي، وعلى ضوء تشريعات ومؤتمر نظام الحكم وجدية الدولة في تحديد النظام، وقد اقترح البعض ومنهم الدكتور عبد الله دِرف، ليس تعليقا على المقال، بطلب لوزير العدل بتقديم مشروع قانون لتشكيل مجلس القضاء العالي وتشكيل المحكمة الدستورية وفي تقديري كما سيأتي في الحديث عن الإصلاح، وجود معوقات منها مسائل خص بها الوثيقة الدستورية مجلس السيادة ، كما ويسبق كل ذلك نهاية الحرب، ويبدو أن ذلك هو ما دفع البعض بأن يرى أن العنوان والإصلاح مجرد خواطر وليست رؤى.
*نظام الحكم منذ الاستقلال وحتى دستور 2005*
شهد السودان منذ استقلاله في 1956 مسيرة سياسية معقدة ومتغيرة تميزت بتعاقب أنظمة حكم مختلفة تراوحت بين المركزية الشديدة واللامركزية ، وصولاً إلى محاولات تطبيق الحكم الاتحادي والفيدرالي.
ولقد شكلت هذه التحولات استجابة للتحديات الداخلية المتعددة بما في ذلك مسألة الدستور ومشكلة الجنوب (التي أدت إلى انفصاله)، ومعضلة التنمية الشاملة المتوازنة، بالإضافة إلى الصراعات السياسية ، أثرت كلها بشكل مباشر على طبيعة نظام الحكم ، وتعكس الصراع المستمر حول شكل الدولة سواء كانت مركزية أو تسعى نحو اللامركزية والفيدرالية.
ففي 1972 تم توقيع اتفاق أديس أبابا للسلام والذي منح الجنوب منطقة حكم ذاتي وهي أول محاولة جدية لتطبيق اللامركزية في السودان وإن كانت محدودة بمنطقة الجنوب.
في 2005 تم توقيع اتفاقية نيفاشا وكانت هذه الاتفاقية نقطة تحول محورية نحو تبني نظام حكم فيدرالي حقيقي حيث نصت على تقاسم السلطة والثروة، وحق تقرير المصير والقضاء، ونتج عن ذلك دستور السودان لسنة 2005 والذي أولى اهتماماً كبيراً لمبدأ اللامركزية والفيدرالية بتخصيص فصل كامل لنظام الحكم، وبالإشارة الصريحة في الديباجة إلى الالتزام بإقامة نظام حكم لامركزي وديمقراطي تعددي ، ووجود باب كامل للولايات ومنطقة أبيي والذي يتناول تفاصيل أجهزة الولاية واختصاصاتها القضائية والتشريعية والتنفيذية، ووجود جداول تحدد الاختصاصات القومية واختصاص حكومة جنوب السودان واختصاص الولايات والاختصاصات المشتركة مما يعكس بنية فدرالية واضحة.
*الوثيقة الدستورية 2019*
صدرت الوثيقة الدستورية 2019 ولم يتم فيها الإشارة الصريحة أو فصول مخصصة لمبادئ اللامركزية او الفيدرالية وجاء بالمادة الرابعة منها في البند الأول حول طبيعة الدولة أنها لا مركزية ، ونص في المادة 9 على أجهزة الفترة الانتقالية دون تفصيل على مستوى الاتحادي والإقليمي والمحلي بسلطات يحددها القانون وإلى حين إعادة النظر في التقسيم الجغرافي وتوزيع السلطات يستمر العمل بالنظام القائم وكأنه أحيا دستور 2005 .
وفي 2020 قام المشرع بتعديل الوثيقة الدستورية وحذف في المادة 1 عبارة لا مركزية واستبدلها بكلمة فيدرالية وأيضا في البد 1 من المادة 9 وأضاف في البند ثانياُ عبارة : على أن يكون قيام الأقاليم وهياكلها بعد قيام مؤتمر نظام الحكم.
وضمَّن التعديل أيضاً اتفاقية جوبا 2020، وهي اتفاقية بين الحكومة الانتقالية وعدد من الحركات المسلحة، عبارة عن وثيقة شاملة تهدف إلى معالجة جذور الصراع وتحقيق سلام مستدام ، ويبدو أن ما نالته الحركات المسلحة في 2020 ولاستمرار الوثيقة الدستورية وتسميتها للفترة القادمة بفترة انتقالية أتى تفسير الحركات للحقوق التي نالوها بالاستمرار مضاعفة، وهو التمديد الثاني إذ نصت الاتفاقية على انتهاء الفترة الانتقالية بعد 39 شهرا من تاريخ توقيع الاتفاق أيضاً.
كما نصت الاتفاقية على توفير حكومة السودان مبلغ 750 مليون دولا سنوياً لمدة عشر سنوات لصندوق دعم سلام دارفور ، كما منحت الاتفاقية منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق حكما ذاتياً ، كما خصصت الاتفاقية نسبة من الوظائف في الخدمة المدنية والسلطة القضائية والنيابة العامة والسفراء وتمثيل المرأة بل استثنت قادة الحركات من المادة 20 من الوثيقة الدستورية والتي تمنع شاغلي الوظائف الدستورية من الترشح للانتخابات التي تلي الفترة الانتقالية.
كما تم تعديل الوثيقة الدستورية في هذا العام (2025) وقد وسعت التعديلات من صلاحيات مجلس السيادة في تعيين وإعفاء رئيس الوزراء وتعيين وإعفاء الولاة وحكام الأقاليم وتعيين رئيس القضاء ورئيس وأعضاء المحكمة الدستورية بما يكون وبمفهوم المخالفة الالتفات عن تشكيل مجلس القضاء العالي ، ووضع السياسة الخارجية كما أن أهم ما جاء بالتعديلات الأخيرة هو الحق في إصدار مراسيم مؤقتة لها قوة القانون.
ويمكن القول بأن هناك نحو 25 دولة في العالم تطبق نظاماً فيدرالياً منها أمثلة ناجحة كالولايات المتحدة الأمريكية ، ألمانيا، سويسرا، ماليزيا، كما تطبق الإمارات العربية ذلك النظام، ويمكن أن تكون أمثلة يسهل، وفي ظل توفر المعرفة، استلهام تجاربها ، وكان السودان ثاني دولة أفريقية تأخذ بالنظام الفدرالي منذ 1994 ، إذ يشكل التنوع العرقي والإثني والديني واللغوي والثقافي عنصر ثراء، إلا أن غياب الإرادة السياسية والمركزية المتجذرة وهيمنة المركز والخلط بين مفهومي اللامركزية والفدرالية وضعف الموارد وعدم التوزيع العادل للثروة والسلطة وغياب التوافق الوطني ، وغياب الوعي كلها فاقمت من النزاعات والصراعات، كما أن ضعف الكوادر باعد بين السودان والاستقرار المنشود .
ويمكن تلخيص الأمر بأن لنظام الحكم في السودان رحلة متذبذبة بين أقصى درجات المركزية بغض النظر عن طبيعة النظام عسكريا أم مدنياً، ومحاولات خجولة ومتعثرة نحو اللامركزية والحكم الفيدرالي وإن مال الأمر الآن نحو التوجه نحو الفيدرالية، وقد فرضت باسم الحكم الذاتي منطقتين باتفاقية جوبا 2020 ، وفي ظل غياب مجلس تشريعي وتأخر تشكيل مجلس الوزراء واستمرار الصراعات المسلحة، بما يفرض على السيد رئيس الوزراء ولحاجة الدولة الماسة لتشريعات عديدة وفي كافة المجالات أن يتقدم بتشريع يصدر بأمر مؤقت بتشكيل لجنة للقوانين وإصلاحها، تسارع في تطبيق الإصلاح الذي دعا إليه وما يدعو له في كتابيه، وللقيام بصلاحيات مجلس الوزراء في إعداد مشاريع القوانين وتقديمها للسلطة التشريعية، وتكون عونا له في أن يصدر القرارات واللوائح اللازمة لتنفيذ السياسات العامة، ويحفظ التوازن بين هذه الصلاحيات وصلاحيات مجلس السيادة بما لا يقود إلى الصراع بين السلطتين .
*النظام القضائي في السودان*
يُعد النظام القضائي ركيزة أساسية لأي دولة حديثة ويعكس مدى استقرارها وتطورها ، وكما سبق لنظام الحكم فقد شهد القضاء أيضا تحولات عديدة وتأثر بالاضطرابات السياسية والعسكرية التي مرت بها البلاد . وقد أكسبت الدساتير السودانية المتعاقبة القضاء استقلالا كاملا بأن السلطة القضائية هي المسؤولة عن القضاء والمحاكم في الدولة وتحقيق العدالة والفصل في المنازعات ، وأن رئيس القضاء هو رئيس السلطة القضائية القومية، وسبق ذلك دمج القضاءين الشرعي والمدني.
وفي ظل النظام المايوي ودستور السودان 1973 شهد السودان تحولاً من التركيز على دور رئيس القضاء كمسؤول إداري وحيد إلى تبني نموذج مجلس القضاء الأعلى، والذي يهدف نظريا إلى تعزيز استقلالية القضاء وتوزيع السلطة، رغم أنه يعزز من هيمنة السلطة التنفيذية على القضاء بوجود أكثرية من التنفيذيين والبرلمانيين ويؤثر على استقلال القضاة في ترقياتهم ونقلهم وغيرها من مسائل الإدارة.
واستحدث دستور السودان لسنة 1998 المحكمة الدستورية كمحكمة مستقلة كما سبقت الإشارة في المقال الأول. وقد كنت الأمين المناوب للجنة القومية للدستور والتي كانت برئاسة مولانا خلف الله الرشيد واللجنة الفنية والتي كانت برئاسة مولانا دفع الله الرضي رحمهما الله رحمة واسعة، وقد كان مقترح اللجنة القومية للدستور أن تكون دائرة دستورية بالمحكمة العليا إلا أنه تم تعديل ذلك بواسطة دكتور حسن الترابي رحمه الله ، مما أثار رفض اللجنة والتي قدمت مذكرة اعتراضا إلا أن المجلس الوطني أقر قيام محكمة دستورية مستقلة عن المحكمة العليا وكان ذلك من اتجاه قيادة المجلس في تبني الحكم الفدرالي واستقراءً لما يمكن أن يحدث بين السلطات ودور المحكمة الدستورية المأمول والذي كان من أسباب المفاصلة داخل نظام الإنقاذ أيضا.
ومما أذكره للتاريخ بعد قيام المحكمة الدستورية الأولى برئاسة مولانا جلال على لطفي رحمه الله اتصل بي وكنت مستشار المجلس الوطني في ذلك الوقت ورأي ان يجمع لقاءا بين المحكمة ورئيس المجلس ، وتم اللقاء وتبادلا الحديث حول دور المحكمة الدستورية ، وأذكر للتاريخ أن مولانا رحمه الله القاضي حسن البيلي عضو المحكمة الدستورية ونائب رئيس المحكمة كان غاضبا جداً من الدعوة واللقاء إذ رأى أن اللقاء يفقد المحكمة استقلاليتها وحيادها ، وقد قضت المحكمة الدستورية في القضية الشهيرة رقم لسنة 2000 دستورية، بين إبراهيم يوسف هباني وآخرون ضد رئيس الجمهورية وأرست قاعدة أن لرئيس الجمهورية أن يمارس حقه في إصدار ما يراه من قرارات في الرابع من رمضان 1420 هجرية وفقا للدستور وما يتصل به من أعراف وما هو معمول به في البلدان الأخرى وما اقتضته الظروف الاستثنائية والضرورية والمصلحة العامة، كما أضاف أن الوضع الدستوري قد تغير في السودان بعد إنشاء المحكمة الدستورية وأصبح من اختصاصها أن تنظر في كل المسائل سواء كانت سياسية أم غير سياسية، وهذه القضية مثارها أهل الفقه عند نقاش مشروع القانون بإذن الله.
*القضاء في دستور 2005*
في هذا الدستور تم تخصيص فصل كامل للجهاز القضائي لجنوب السودان وأسند الاختصاص القضائي في الجنوب إلى مؤسسة مستقلة تسمى السلطة القضائية لجنوب السودان، وأكدت على استقلاليته عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، وتتكون من المحكمة العليا لجنوب السودان وأعطيت صلاحيات منها الفصل النهائي في الدعاوي المدنية والجنائية ، كما منحت الفصل الابتدائي في النزاعات الدستورية التي تنشأ عن الدستور الانتقالي لجنوب السودان ودساتير ولايات جنوب السودان والفصل في دستورية القوانين ومراجعة أحكام الإعدام . ورغم الأخذ بالقضاء الفدرالي ووجود نص عن القضاء الاتحادي والولائي في الدستور إلا أن السلطة القضائية مكنت من مركزية القضاء في الإدارة والتعيين والنقل وغيره في بقية ولايات السودان.
*القضاء في الوثيقة الدستورية 2019 وتعديلاته*
رغم أنه من بنود مهام الفترة الانتقالية في المادة 8 من الوثيقة الإصلاح القانوني وإعادة بناء وتطوير المنظومة الحقوقية والعدلية وضمان استقلال القضاء وسيادة حكم القانون ، إلا أن الوثيقة وفي الفصل الثامن نصت على إنشاء مجلس القضاء العالي ليحل محل المفوضية القومية للخدمة القضائية وأن هذا المجلس يعين رئيس وأعضاء المحكمة الدستورية ورئيس القضاء ونوابه كما نص في المادة 31 على المحكمة الدستورية كمحكمة مستقلة ومنفصلة عن السلطة القضائية، فقط هكذا ولم تنص على كيفية تعيين بقية القضاة في المحكمة العليا أو كيفية إدارة القضاء ونظامه مركزي أم فدرالي ، وحيث استمر الوضع غير المفهوم منذ 2019 ولم يقم مجلس القضاء العالي بل رفض التجديد لقضاة المحكمة الدستورية بعد أن أتموا مدتهم وهي سبع سنوات قابلة للتجديد ورفض التجديد لهم حتى جاءت تعديلات الوثيقة الدستورية 2025 وجاء نص المادة 12:خامسا بإلغاء الفقرة (و) والاستعاضة عنها بالفقرة الجديدة والتي تنص على: تعيين رئيس القضاء ونوابه ورئيس وأعضاء المحكمة الدستورية بعد ترشيحهم من مجلس القضاء العالي ، ولحين تشكيل المجلس يعينهم مجلس السيادة ولم تحدد الوثيقة آلية التعيين أو شروط التعيين.
*القضاء في اتفاقية جوبا 2020*
تتضمن الاتفاقية عدة بنود ومحاور تتعلق بشكل مباشر أو غير مباشر بالقضاء منها إصلاح القضاء كأحد القضايا القومية بهدف تعزيز استقلال القضاء وضمان نزاهته ومراجعة القوانين وإعادة هيكلة المؤسسات القضائية وتدريب وتأهيل القضاة والعاملين في هذا القطاع وإنشاء محاكم خاصة وتمثيل الحركات المسلحة في السلطة القضائية تمثيلاً عادلاً، ونص أيضاً على تقاسم السلطات ومنها السلطة القضائية وفق الصلاحيات المتفق عليها في مستويات الحكم المختلفة مما يشير إلى أهمية أن تولي الدولة أهتماماً لقيام مؤتمر نظام الحكم في السودان.
*خلاصة:*
بالتعمق في هذه الوثائق وبالنظر إلى الظروف الموضوعية وفي ظل غياب التشريعات والحاجة الماسة لها أجد أن البروفسير كامل إدريس قطعاً مهموم بهذه المسائل والتعقيدات وخاصة إذا كانت دستورية إذ أن الدستور هو قمة الهرم القانوني ويسمو على كافة التشريعات والقوانين ولا يجوز لأي قانون أن يتناقض معه مما اقترح وللحاجة الماسة أن يشكل رئيس الوزراء لجنة للتشريعات من القانونيين وأهل الاختصاص في كل موضوع واستعجال تقديم مشروعات متعلقة بمجلس القضاء العالي وتشكيله ، كما أنه من الضروري إصدار تشريعات تتعلق بعودة الحياة وإعادة الإعمار بأتمتة المعاملات سواء في المؤسسات العدلية (وبالمناسبة تم عمل ذلك في عهد المرحوم بروفسير حيدر دفع الله رحمة الله عليه إلا أن عقلية الارتباط بالتاريخ في العمل القضائي منع من التطبيق) وغيرها ولتصدر بمراسيم مؤقتة ، وإلزام الولاة والوزراء بأن يكونوا ممن يعرفون أصول التقنية لتسهيل حياة المواطنين والعمل على تقنين ذلك والسعي لتوفير الكم الهائل من الورق والايصالات وانتظار التوقيعات ، والعمل على اقتراح التشريعات قانوناً أو لوائح أو أوامر داعين للسودان بالعودة سريعاً إلى المعافاة والتنمية .
دكتور عوض الحسن النور *
** قاض سابق
إنضم لقناة النيلين على واتساب