لماذا يجب علينا أن ندعم الجيش السوداني ونرفع له القبعات؟
تاريخ النشر: 16th, September 2023 GMT
رغم كل حفلات الشيطنة وسهرات الأكاذيب الحمراء، هل سألت نفسك التي بين جنبيك، كيف اجتمعت أسماء متنافرة سياسياً وعلى قطيعة أيديولوجية، خلف جيش بلادك، تشد من أزره، بصورة لم نألفها من قبل؟
خذ عندك الدكتور عبد الله علي إبراهيم، الدكتور محمد جلال هاشم، الدكتور عشاري محمود، ساندرا فاروق كدودة، ميادة قمر الدين، قصي همرور، الصادق الرزيقي، الكابتن صلاح الضي، عمرو يس، مصلح نصار الرشيدي، وأخرون من دونهم بلغ بهم الأمر حد الاستنفار.
بالطبع لن تحصل على إجابة واحدة مُختصرة، وربما يذهب بك الظن أنهم شعروا بخطورة المؤامرة، أو أنهم يحبون هذه البلاد ويخافون عليها، وقد أدركوا بالفعل أنها قوية بجيشها، وأي محاولة لضربه وتفكيكه، كما فعلت ميليشيا التمرد، سوف تنتهي بنا على أسوأ مما نتخيل، مزيداً من النزوح مزيداً من الضياع وبلا وطن. ولذلك لم يجد قائد مثل أردوغان أي حرج في أن يردد تلك العبارة “قبابنا خوذاتنا مآذننا حرابنا والمصلون جنودنا، هذا الجيش المقدس يحرس ديننا وهويتنا”.
وعندما تستغرق في قصة الحرب وتداعياتها، تخطفك الحيرة، كيف بدأت بمقاومة صغيرة خلف أسوار بيت الضيافة، وبعدد محدود من أبطال الحرس الرئاسي، أجهضوا أخطر مؤامرة على البلاد، كانت تسعى لاختطاف السودان لصالح أسرة مدفوعة بأهواء شيطانية، تسورت المحراب، وغدرت بالجميع، وأرادت أن تحكم فوق الجماجم والدماء، لمائة عام أو يزيد مِن طُغيان آل دقلو وعربان الشتات،
ومع ذلك تعامل معها الجيش بطريقة احترافية، فلم يدمر المدينة والجسور، ولم يستهدف الأبرياء ولم يعرض الأسرى تحت الكاميرات كما يفعلون، وحدد مدى نيرانه بدقة، حتى لا تتسبب في مجازر وسط المدنيين، رغم أن هذا أبطأ حركته، وأثار الشكوك في قدرته على الحسم،
لكنه التزم بمواثيق الحرب، وفقاً لما جاءت في اتفاقية جنيف وفي الإسلام، مثل ما رأينا اليوم أيضاً ذلك المشهد الإنساني الرهيب والذي قضى بتسليم ممثلي اللجنة الدولية للصليب الأحمر (٣٠) طفلاً، كانت قد احتجزتهم القوات المسلحة السودانية أثناء مباشرتهم للقتال ضمن صفوف ميليشيا الدعم السريع المتمردة،
على أن يقوم ممثلي المنظمة الدولية بتسليمهم إلى المجلس القومي لرعاية الطفولة تمهيداً لتسليمهم لذويهم. وبالمقابل تقوم المليشيا المُنحلة، بإطلاق الدانات والصواريخ بصورة عشوائية داخل الأحياء، مما يتسبب في سقوط الضحايا المدنيين، وتقوم بتصوير ذلك بصورة معاكسة واتهام الجيش به، رمته بدائها وانسلت،
وما يحدث في الثورة والجرافة وود البخيت وفي مايو جنوب الخرطوم وبحري ودارفور فضح تلك المزاعم، وكشف عن الوجه القبيح للمليشيا التي جعلت من الأعيان المدنية ثُكنات عسكرية، ومن السكان الأبرياء دروعا بشرية، ومن أجساد النساء ساحات لمعارك جنسية، ووصل بها الأمر درجة الإبادة الجماعية ومحاولة التخلص من مكونات بعينها، وما حدث في الجنينة ليس ببعيد.
بدأت المؤامرة، كما يعلم الجميع، بمحاولة التخلص من قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، وكان حميدتي يتحدث منذ صباح الغدر، بأن قواته بالقرب من البدورم، يقصد مبنى إدارة العمليات، وخلال ساعات سوف يقبض على قائد الجيش، وقد جهز كتيبة إعدام من قوات النخبة لتنفيذ المهمة التي تدربوا عليها تحت يد فاغنر، ومع ذلك فشلت خطتهم، وصمد قائد الجيش داخل أسوار القيادة وقاد المعارك بشجاعة، حتى أصبح حميدتي بكل الزخم الذي أحيط به، عبارة عن ظاهرة صوتية تعزز فرضيه هلاكه،
وهرب شقيقه عبد الرحيم دقلو إلى كينيا، وجن جنون الحكّامات والسحرة، وقد أُسْقِطَ في يدهم، خروج البرهان من القيادة ليدير المعركة السياسية والدبلوماسية،
حد أن الزيارات التي قام بها إلى مصر وجنوب السودان وقطر وإرتريا وتركيا، رسمت خطوط نهاية التمرد ووضعت البلاد في وجهتها الصحيحة،
وقد سقط فولكر ومشروعه أيضًا، ولذلك من المهم أن يقود البرهان وفد السودان إلى نيويورك، للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة، فمن شأن ذلك أن يضمن حضور السودان القوي في هذه الفعالية، ويركز نحوه الأضواء، ويمنح الوفد فرصة أكبر ليشرح للعالم حقيقة ما جرى، بل يعزز ذلك شرعية الجيش والتقدير الداخلي الذي يحظى به، والحق المكفول في حماية السيادة الوطنية، ويزيل الغبار عن تلك الصورة السوداوية التي رسمها حلفاء التمرد، وكثير من الأكاذيب المصنوعة تحت أوهام الحرب الأهلية.
فما جرى ليس بالأمر الهين، لست وحدي من يقول ذلك، وقد أفلح الجيش في القضاء على محاولات اختطاف البلاد، وظل كالألف الممدود، منذ أن خطف قلب عائشة الفلاتية في كرن، عصي على الهزائم، يؤمن الظهر وينتظر منا أن لا نطعنه في الخاصرة، وأن نحترم قادته، منذ الفريق أحمد محمد الجعلي وإلى كباشي والبرهان، لأن المعركة الأن تدور في جبهات مختلفة، منها معركة إعلامية وسياسية تنطلق من التشكيك في قيادة الجيش والحديث عن تقسيم السودان وإشاعة اليأس والإحباط بين الناس.
عزمي عبد الرازق
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
ذعادل الباز يكتب: الرباعية في خبر كان… لماذا؟ (2/2)
فيما أرى
عادل الباز
الرباعية في خبر كان… لماذا؟ (2/2)
1
في نهاية الحلقة الأولى من هذا المقال، تساءلت: لماذا تصر أبوظبي على إبعاد الجيش من الفترة الانتقالية؟ ولماذا استماتت في حشر موضوع حكومة “تأسيس” في بيان الرباعية في واشنطن، لدرجة أنها تتجشم عناء مواجهة مصر والسعودية في هذا الملف، وللدرجة التي نسفت معها الرباعية؟
2
تعتقد حكومة أبوظبي أن الجيش يسيطر عليه الإسلاميون الذين تطاردهم بلا غبينة، وبقاء الجيش في المشهد يعني استمرار تأثير الإسلاميين على أي وضع سياسي قادم، فحتى لو نجحت في إعادة استزراع عملائها في سدة الحكم، فإن الأوضاع لن تستتب لهم!!
إبعاد الجيش من الحكم يمكنها من إضعاف البلاد بصورة عامة، وقد يساعد في تفككها، وبذا يسهل السيطرة عليها. تعتقد أبوظبي أن إبعاد الجيش عن الحكومة يتيح للمليشيات أن تنمو من جديد وتسيطر على أجزاء من البلاد، ريثما تستعيد قوتها لتنقض مرة أخرى على المركز.
إذا نجح مشروع “إبعاد الجيش”، وتحولت قوات الدعم السريع إلى واجهة سياسية معترف بها، فإن السودان سيذهب إلى سيناريو يمني بامتياز:
ميليشيا – نفوذ أجنبي – فراغ دستوري – تقسيم فعلي. الإصرار على إبعاد الجيش من المرحلة الانتقالية، وفرض واقع مزدوج لحكم البلاد، ليس سوى نسخة كربونية من الخطة اليمنية: إضعاف الجيش، تمكين المليشيا، ثم إغراق الدولة في انقسامات لا نهائية.
في اليمن، كان سقوط الجيش بوابة سقوط الدولة. وفي السودان، يريد البعض إسقاط الجيش كي يسقط السودان. لكن ما لم يدركوه هو أن التاريخ لا يُستنسخ بالذكاء الاصطناعي… فالسودانيون ما زالوا يحملون جينات المقاومة التي اسقطوا بها امبراطوريات كانت لاتغيب عنها الشمس. الجيش السوداني صمد أمام مشروع الاسقاط والتفكيك، الآن بعد أن فشل الدعم السريع في الحسم العسكري، جاء وقت الخداع السياسي، عبر حيلة “حكومة تأسيس” التي يُراد لها أن تصبح غطاءً سياسياً للميليشيا يُراد لقوات الدعم السريع أن تستلم الدولة بصيغة تصوغها أبوظبي ويصادق عليها الغافلون أو المتواطئون.
3
أما لماذا تصر أبوظبي على نفخ الروح في جثة اللقيطة أو حكومة “تأسيس”، فلقد قدم د. أمجد فريد إفادة جيدة تجيب على بعض من هذا السؤال، حين قال في مقال له أمس: (موقف الإمارات هذا هو محاولة لإضفاء طابع رسمي على الدعم السريع، لتُقدَّم في المحافل الدولية كحكومة، لا كمليشيا، والهدف أن تتحول الحرب من صراع بين حكومة شرعية ومتمردين إلى نزاع بين “حكومتين”، فتجلس قوات الدعم السريع لاحقًا على طاولة المفاوضات كطرف مساوٍ).
ويمكنني أن أضيف: إذا نجحت أبوظبي في تسويق حكومة “تأسيس”، فمن شأن ذلك أن يفرض وجوداً للميليشيات في الساحة السياسية بدون “كدمول”… وهذه الخطوة مهمة، لأنها في ظل المناخ الدولى الحالى ، لا أحد سيقبل المليشيا التي دمغت بـ”الإبادة” و”جرائم الحرب” على رأس أي سلطة مدنية أو عسكرية أو أسرية.
فأبوظبي تحتاج لموطئ قدم في الحكم في المستقبل القريب، أي في الفترة الانتقالية، لهندسة المشهد سياسيًا بالداخل باستخدام المال السياسي، التكتيك الذي اتبعته في تونس، فأطاحت بحكومة الثورة، وجاءت بحكومة تابعة لها (قيس سعيد).
أبوظبي تدرك أن حلفاءها في “صمود” من الوهن السياسي وخفة الوزن، بحيث لن يستطيعوا خدمة أجندتها أياً كانت، سواء في محاربة الإسلاميين أو نهب الموارد، فالأصلح لهذه المهمة هم “الجنجويد”، فهم أساتذة في “الشفشفة” وقتلة محترفون، وهم أقدر وأنسب لتنفيذ أجندة أبوظبي كاملة، بعد خلع الكدمول ولبس البدلة تحت مظلة حكومة وهمية، هي مظلة “تأسيس”، ولذا هي حريصة على وضع “تأسيس” في البيان، لتكسبها شرعية دولية باكرة، ولكن لا يحيق المكر السوء إلا بأهله، فإذا بالعالم كله يرفض الاعتراف بالحكومة اللقيطة، لتموت في مخدعها قبل أن تتنفس.
4
السؤال الأول الذي طرحناه في مقدمة هذا المقال، يمكن طرحه بذات الصياغة على الموقف المصري: لماذا تقف مصر مع الجيش السوداني؟ ما مصلحتها؟
مصر تعلم أن المليشيا لا يمكن أن تحكم دولة، ومن تجربتها مع الجيش السوداني، أن وحده قادر على صنع الاستقرار، وذلك عبر التاريخ، ومنذ الاستقلال وما قبله، لم تؤتَ مصر من الجنوب، وظلت حدودها الجنوبية آمنة تمامًا، بل هي، في لحظات الخطر، أصبح السودان هو ظهرها الذي تتكئ عليه.
وهذا الجيش، الذي تقف مصر مدافعة عن حقه في الوجود، مؤسَّسٌ وطنيًّا، هو ذات الجيش الذي قاتل جنوده كتفًا بكتف مع الجيش المصري في كل حروبه عبر التاريخ.
تدرك مصر أنها إذا تركت حدودها الجنوبية نهبًا للمليشيات والدول التي تدعمها، فإن أمنها القومي سيصبح في مهب الريح، إسرائيل التي تتربص بها، رغم اتفاقات السلام، ستكون في خاصرتها، أضف إلى الفوضى في ليبيا، لتكون مصر بذلك في دائرة اللهب: فإسرائيل فوقها، وتحتها، وبالجنب.
5
تُراهن الإمارات على منطق النفوذ السريع والمال السياسي، بينما تراهن مصر على منطق الاستقرار التاريخي وشبكات الأمن القومي المتجذرة.الصراع هنا ليس فقط على السودان، بل على من يقود الإقليم في هندسة ما بعد الفوضى.
الرباعية التي لم تنعقد، كانت أصدق من كل البيانات. فقد قالت بانسحابها، إن التزوير السياسي لا يُفرض بالمال، وإن الخرائط تُرسم بالتاريخ لا بالشيكات.
6
مصر تقف هذا الموقف ليس دفاعًا عن السودان وجيشه فحسب، إنما دفاعًا عن نفسها، وريادتها، وأمنها، وهي في ذلك قد تخسر الإمارات، الحليف الداعم بالمليارات، والمستثمر الأول، ولكن كل ذلك لا يمكن أن تقايضه مصر بتاريخها، وخاصة أن “الطارئين على التاريخ” يحاولون أن يغيروا مجراه بفلوسهم، لكن الأموال لا تشتري تاريخًا، قد تصنع واقعًا مزيفًا تتسيده أوهام القوة وأحلام السيطرة والنفوذ، لكن لا تمنحها جذورًا في أرض لم تعرف لها يومًا ظلاً ولا انتماء.
الإماراتالجيش السودانيالرباعية