(4 اكتوبر 2017 )

حين أسمع عن النهب المسلح لبيوت أهل اليسار ومتاجرهم (قبل أن يقبلوا على كل بيت آخر) من قبل بعض قوات الدعم السريع لا أصرفه كمجرد عدوان على حق الغير بل كثقافة سياسية. وسيتضح لك المعني الذي أقصده من قولي إنه ثقافة سياسية متى استمعت إلى حميدتي في كلمة له بعد فضه الفظ لاعتصام القيادة وفيما ينفق من مال لبدا ليكون هو نفسه في مساكن أهل اليسار.

فقال إنه لو استمر عنفهم على المعتصمين بالقيادة لأكثر من يومه لفر أهل العمارات في الخرطوم لتخلو للفئران. وخص العمارات بالذكر وأهلها أقل أهل الخرطوم. ومشروع إسكان صفوته في هذه العمائر، من الجهة الأخرى، معروف.
أما فيلسوف هذه الثقافة في حسد أهل النعمة في الخرطوم على نعمائهم فهو الفريق (خطيب) الماظ من حركة العدل والمساواة. فتداولت المنابر كلمة له غبراء عن الخرطوم في جمع من أنصار الحركة مناهم فيها بمغادرة منازل ضنكهم في الريف إلى الخرطوم ليستحموا ساونا صباح مساء، وترطب "الاسبلت" جلودهم المكدود. ولم يذكر للخرطوم الأخرى أنه لم تطلق سراحه فحسب بل هيأت له أيضاً أن يصعد في منابر اعتصام القيادة ليطلق لسانه عن مأثرة عملية "الذراع الطويلة" لحركته في 2008. لم يزعه عن الفخر بها أنها كانت الأجيرة لتشاد ولم تقض وطراً وكبدت البلد وأهلها عسفاً بليغا.
طرأت لي ثقافة الخرطوم البرجوازية والشعبية في كلمة منذ 2017 علقت فيها على قصيدة للمرحوم علي عبد القيوم عنوانها "جرداق للمطر". وهي ثمرة زيارة له لنيالا في 1965 قابل فيها بين الثقافتين ببلاغة طبقية. فمايز بينهما بما استعدت به مقطعاً شعرياً قديماً منسوباً لإسماعيل حسن لو أذكر. وكان ذلك أول عهدنا بسكن العمارات فقال:
بين الديوم والعمارت شارع ظلط
وهو شارع محمد نجيب هذا الحي وموجود.
وجاء من الدعم السريع من جاء لايري من "بنت دار الصبح" في قول علي عبد القيوم، سوى "العمارات السوامق والأسامي الأجنبية". وعاس فساداً وتغضن الوطن. فإلى كلمتي القديمة:
كنت من شهود الظهيرة "ندية العيون" التي صورها علي عبد القيوم بعبارات استثنائية في قصيدته "جرداق للمطر". بل كنت في مجالس القوم الذين علم علي عبد القيوم أول ما علم بكلمة "جرداق" التي جعلها عنواناً للقصيدة.
كنت عند مشهد ميلاد القصيدة في رحلة لجمعية الثقافة الوطنية بجامعة الخرطوم لنيالا في نحو أبريل 1965. والجمعية ذراع من أذرع الجبهة الديمقراطية. وكنا صحبة أذكر منها علي عبد القيوم والمرحوم محمد عبد الحي، وجلال الطيب، ومحمد فائق وسهوت عن آخر. وكنا أردنا من الرحلة التعرف على ضروب الثقافة في جنوب دارفور. والتقط عبد القيوم كلمة "جرداق"، الذي هو جنس نظم دارفوري لشعب البقارة (اسمع طرفاً منه "جرداق الليل" على اليوتيوب)، من لقاءاتنا الباكرة مع أهل الاختصاص. ونزلنا في منزل من بيوت المجلس الريفي مفتوح على السوق. وجاءنا يوماً من نقل لنا خبر فوز الشيوعيين بغالب دوائر الخريجين. ولربما لم يصدق ليومه أن يلقى خبره منا تلك البهجة العريضة لا تستثني أحدا.
كانت ظهيرة يوم حين جلدت الأمطار نيالا. دخلت علينا امرأة شيخة استأذنتنا بأن تحتمي بمضيفتنا حتى تكف السماء مدرارها. وما كفت حتى تأهبت لمواصلة مشوارها ولكن ليس قبل أن تقول: "ارقدوا عافية". وهي دعوة توقف عندها الدكتور حسن بلة الأمين في كتابه "أطباء السودان الحفاة". ففرق فيه بين الصحة كخلو من المرض والعافية وهي الصحة كأمن بدني ونفسي وحياتي. وضرب من حديث أفضل البشر مثلاً: "لم يؤت أحد بعد اليقين خيراً من العافية". وقال إن دعاء السودانيين لبعضهم بالعافية لأبعد شأواً من الثورة الصحية. إنه أمن أوسع نطاقاً.
وخرجنا بعد المطر نتكرف ابتلال المدينة. ووقفنا عند الباب. جف الماء. تشربته "فوهة الرمال" في قول عبد القيوم. وأخذنا ننظر إلى سوق بدا لي أنه سوق نساء من رواكيب. وتخطر لي إلى يومي هذا هدومهن المشرورة بأعالي الرواكيب. قال عبد القيوم:
وانتشرت ثياب العاملات في الأسواق
كالشباك
تصطاد كل نسمة وكل وهجة شمسية
تشعب بنا ليومنا خطاب المركز والهامش. بل ضل بنا حين لم ير ناشطو الهامش من المركز سوى ما جاءت رشاقة اللغة عند عبد القيوم:
وهذه الخرطوم، بنت دار الصبح،
لصة الذراع
وبنو استراتيجيتهم على عمليات "الذراع الطويل" يريدون احتلال بنت دار الصبح هذه. وما قضوا منها وطراً لأنهم لم يتواضعوا أمام الحكمة القائلة: "البلد بشقوها بولدها". وولدها هو القوى السودانية المدينية الحية التي "تبينت" في الحركة الوطنية والنقابية وفي أكتوبر 1964 وأبريل 1985. فاستبخس ثوريو الجبل ثوريّ السهل وأحالوهم للاستيداع فرحاً بالسلاح. والأدهى أن طاقم السهل في الخرطوم، لصة الذراع، الذي منتهى خبرته تنظيم قوى المدينة وتثويرها، قبل بكسل عجيب أن يعمل مستكيناً تحت ظل بندقية الهامش وبوعودها الجريئة المرتدة. وصارت رحلاتهم إلى تخوم الهامش في التحالفات والمؤتمرات حيلة عجز.
واستغشوا عن قول عبد القيوم:
لكنما ربيعنا ... ربيعكم
لو تبغضونه، يجيئكم
مزدهر الكفين، راقص الشهاب
بعد الخريف الواعد السحاب
لأن لصوصية الخرطوم، التي تسرق نداوة رذاذ تلك الظهيرة الندية، قد عرّفها الشاعر طبقياً. فمتى سرقت الخرطوم رذاذ تلك الظهيرة استقرت:
في بيوت السادة الكبار
بعد الخريف، ذهباً وجلنار
ومركبات حافلات بالعوين والخدم.
وفي نشيده "أي المشانق" عين الشاعر "طلائع الصباح" للمدينة والهامش معاً: فانوس الحقيقة:
ونميط عن زيف الغموض خمارها
"يا علي المُعَلى" وهي عبارة علي عبد القيوم في رثاء علي المك.

• صورة لشخصي وعبد الحي وجلال الطيب في قطار الرحلة إلى نيالا، 1965


IbrahimA@missouri.edu  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: علی عبد القیوم

إقرأ أيضاً:

الماسكارا الأنبوبية.. الحل السحري لتلافي تلطخ العيون في حرارة الصيف

مع ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف وزيادة التعرق، تعاني الكثير من النساء من مشهد مألوف ومزعج: انسياب "الماسكارا" من على الرموش، مما يؤدي إلى تلطخ العين وإفساد إطلالتها، ويُحوّل العيون إلى لوحة فوضوية من البقع السوداء غير المرغوبة.

ولمواجهة هذا الكابوس التجميلي الذي يتكرر مع كل صيف، أوصت مجلة "ستايل بوك" الألمانية المعنية بالموضة والجمال باللجوء إلى نوع خاص من "الماسكارا" يُعرف باسم الماسكارا الأنبوبية (Tube Mascara)، ويُشار إليها أحيانا بـ"Tubing Mascara". ويكمن تميّز هذا النوع في أنه مقاوم للحرارة والعرق، مما يجعله مثاليا لفصل الصيف والأجواء الحارة التي يصعب فيها الحفاظ على ثبات مستحضرات التجميل.

البوليمرات بدلا من الزيوت

وبخلاف أنواع الماسكارا التقليدية التي تعتمد على مزيج من الزيوت والشمع، فإن الماسكارا الأنبوبية تعتمد في تركيبتها على البوليمرات، وهي مركّبات كيميائية تتكون من سلاسل طويلة من الوحدات المترابطة. هذه السلاسل تتيح للبوليمرات قدرة عالية على التماسك، مما يمنح الماسكارا ثباتا فائقا يدوم لساعات دون تلطخ.

أصبحت الماسكارا الأنبوبية خيارا مفضلا للعديد من النساء في المواسم الحارة أو في المناسبات التي تتطلب ثباتا طويلا (شترستوك)

وعند وضع هذه الماسكارا على الرموش، تشكل البوليمرات ما يشبه غلافا مرنا يلتف حول كل رمش على حدة، ليمنحه الكثافة والطول، وفي الوقت ذاته يحافظ عليه من أي انزلاق أو ذوبان بفعل التعرق أو درجات الحرارة المرتفعة. هذا "الغلاف" يمنع الماسكارا من التسرب أو التلطخ، ويجعلها تبقى في مكانها طوال اليوم، حتى في ظل الظروف الجوية القاسية.

إعلان إزالة سهلة للبشرة الحساسة

ورغم مقاومتها العالية، فإن الماسكارا الأنبوبية تُعد أيضا سهلة الإزالة مقارنة بأنواع الماسكارا المقاومة للماء. فبدلا من استخدام مزيلات مكياج قوية قد تهيج العين أو البشرة، يكفي ببساطة تبليل قطعة من القطن بالماء الفاتر، ثم وضعها برفق على العين لبضع ثوانٍ، وبعد ذلك يُسحب القطن بلطف نحو الأسفل دون الحاجة لفرك شديد أو ضغط.

وبسبب الخصائص الفيزيائية للبوليمرات، لا يمكن إزالة الماسكارا الأنبوبية باستخدام الماء البارد، لكنها تتفكك بسهولة تحت تأثير الماء الدافئ، مما يجعلها خيارا مثاليا للنساء ذوات البشرة الحساسة أو اللواتي يبحثن عن منتجات تجميل تجمع بين الثبات وسهولة التنظيف.

تعاني الكثير من النساء من انسياب الماسكارا من على الرموش مما يؤدي إلى تلطخ العين وإفساد إطلالتها (شترستوك) كيف تعرفين الماسكارا الأنبوبية؟

لتمييز الماسكارا الأنبوبية عن غيرها، توصي مجلة "ستايل بوك" بالتدقيق في قائمة المكونات على العبوة. عادة ما تحتوي هذه الماسكارا على مكونات تنتهي بمقطع "بوليمير" (polymer)، مما يدل على وجود مركبات البوليمر التي تشكل الأساس في تركيبتها.

من بين أشهر هذه المكونات، يُذكر على سبيل المثال "كوبوليمر الأكريليك" الذي يُستخدم بكثرة في صناعة هذا النوع من الماسكارا.

وبفضل خصائصها الفريدة، أصبحت الماسكارا الأنبوبية خيارا مفضلا للعديد من النساء في المواسم الحارة أو في المناسبات الخاصة التي تتطلب ثباتا طويلا وإطلالة مثالية دون الحاجة إلى تعديلات متكررة.

مقالات مشابهة

  • بعد معارك عنيفة مع “الدعم”.. الجيش السوداني: الخرطوم خالية من التمرد
  • مجلس السيادة يعلن إكتمال “تطهير” كامل الخرطوم من قوات الدعم السريع وظهور رئيس الوزراء الجديد في أول إجتماع برئاسة البرهان ويتحدث عن الحكومة المقبلة
  • أمن العيون يوقف شخصاً صدرت في حقه 16 مذكرة
  • كسر في الذراع.. نجوى فؤاد تكشف تفاصيل تطورات حالتها الصحية
  • الناطق باسم الجيش : “نقترب من تطهير كامل ولاية الخرطوم”
  • إطار لجنائزية الصورة في مجموعة «وجه صغير يتكدّس في كل ظهيرة»
  • مساعد وزير السياحة يلتقي ممثلي الحج والمركز السعودي
  • دليل كامل لمكياج العيون بحسب شكلها
  • “خدمات طبية مجانية” .. صحة الخرطوم و منظمة الطوارئ الإيطالية يبحثان التعاون الصحي
  • الماسكارا الأنبوبية.. الحل السحري لتلافي تلطخ العيون في حرارة الصيف