خامسًا: «سياسات القَبول في التعليم العامِّ والعالي والتدريب المهني…»
بإصلاح التعليم انبثقت الشرارة الأولى، فانطلقت نهضة دوَل كثيرة، وتَحقَّق تقَدُّم أُمم ومُجتمعات، ومن التعليم كانت البداية للتحَوُّلات العميقة في مختلف المجالات والأنشطة والحقول العلميَّة والاقتصاديَّة والتنمويَّة والاجتماعيَّة والثقافيَّة… التي نمَتْ مؤشِّراتها وأزهرت يرقاتها وتحَوَّلَت بلدان عدَّة في آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينيَّة إلى أيقونة ونموذج لِمَا بلغته من تقَدُّم ونُموٍّ ورخاء.
وكنتُ قَبل سفري إلى رواندا أقرأ في تجربة هذه الدَّولة المثيرة التي شهدت نهضة شاملة انبثقت من المِحنة، من رحم المذابح والقتل وعمليَّات التطهير العِرقي، فكانت البداية من التعليم الذي عُدَّ كـ»أساس لتطوير القوى البَشَريَّة». فقَدْ «ركَّز البنك الدولي على برنامج أسموه «التعليم الأساس لتطوير القوى البَشَريَّة» بقِيمة مئتي مليون دولار» كان اللبنة الأولى لنهضة «رواندا»، قاد قطار الازدهار الاقتصادي والتنموي. وفي دراسة حديثة، نشرتها مجلة «العلوم الإنسانيَّة والطبيعيَّة»، توصَّلت إلى مجموعة من النتائج والتوصيات، أكَّدت فيها «أنَّ التعليم يُشكِّل عنصرًا مُهمًّا في زيادة النُّمو الاقتصادي ودفع عجلة التنمية الاقتصاديَّة، وأوصت الدراسة بأنَّ على التربويِّين والمختصِّين الأخذ بتجارب ماليزيا وسنغافورة وكوريا الجنوبية كنماذج باعتبار أنَّ المعلم أساس التنمية الاقتصاديَّة». والتعليم في حالة تحَوُّل وتبدُّل متسارعين في مناهجه ودروسه ونظريَّاته وتحصيلاته العلميَّة، وفي عصرنا الذي شهد وما زال، ثورات علميَّة متتابعة برزت والتطوُّرات في محتوى مناهج التعليم التي تتجدَّد مع كُلِّ نتائج وثمرات ومعلومات تقَدِّمها التجارب والأبحاث والدراسات والمختبرات تكنس وتخطئ ما سبقها، بل حتى التخصُّصات العلميَّة والمِهن والوظائف والأعمال التي يحتاجها سُوق العمل بقوَّة في الماضي القريب تراجعت هذه الحاجة إليها وانحسرت اليوم، والكثير مِنْها لَنْ يصبحَ لها مكان في سُوق العمل مع الاعتماد شِبْه الكامل على الآلة والتقنيَّات والإنترنت وبرامجه ووسائله الحديثة والروبوتات وصناعات الذَّكاء الاصطناعي… وهموم التعليم وشؤونه وأوضاعه في سلطنة عُمان ومعظم البُلدان العربيَّة حاضرة بقوَّة في خريطة المشهد الوطني، يجد اهتمامًا واسعًا وحوارات لا تنقطع ورؤى وأفكارًا وملاحظات تتدفق في سواقي ومجاري الإعلام ووسائل التواصل والمنتديات والمجالس الثقافيَّة ودراسات الشورى والندوات، وفي أحاديث الأصدقاء والأُسر. وهَمُّ التعليم في بُلداننا يتحمل أعباءه والتفكير فيه أكثر، المُجتمع أفرادًا وأُسَرًا والمربُّون والطلبة والغيورون على المستقبل… وهؤلاء لا يملكون سُلطة القرار والتغيير والتطوير، فمسؤوليَّاته ـ أي التعليم ـ ووضع سياساته وإعداد مناهجه وتطبيق أساليبه ووسائله تقع على وزارات التعليم على اختلاف مسمَّياتها، مع عدم الإغفال بالطبع، بأنَّ إصلاح التعليم وتطويره وتمكينه من تقديم مخرجات قويَّة قادرة على المنافسة والإسهام في إحداث نهضة واسعة، وقيادة البلاد إلى مستقبل مزدهر يخصُّ كُلَّ فرد وأُسْرة، على أساس أنَّ المصلحة والفائدة سوف تصل في النهاية إلى كُلِّ بيت، ولكنَّ الحكومات ومؤسَّسات التعليم لَمْ تتمكَّن حتى الآن من إحداث تحَوُّلات إيجابيَّة وإصلاحات فاعلة في العمليَّة التعليميَّة بمناهجها ووسائلها ومُعلِّميها… وأخفقت في إشراك المُجتمع والأُسْرة، بل وحتى المُعلِّم في وضع استراتيجيَّات وإعداد سياسات تنهض بقِطاع التعليم، فما زالت طُرقه وأساليبه تقليديَّة، ولا تواكب مناهجه التقَدُّم الهائل والطفرة المتسارعة التي يشهدها العالَم، ولا يزال المُعلِّم يقبع في ذيل قائمة الوظائف من حيث الاهتمام والمزايا ودَوْره التشاركي هامشي، ومخرجاته ـ أي التعليم ـ تثير الشكوى لِمَا تعانيه من ضعف… فأُمنية الحصول على فرصة تعليميَّة في جامعات الغرب والبُلدان المتقَدِّمة أُمنية يحلم بها الطالب والآباء والأُمَّهات. إصلاح التعليم وتعزيز دَوْره في نهضة عُمان وتقييم مخرجاته ومحاولة تقديم أفكار ورؤى وتوصيات عمليَّة لتطوير مناهجه ووسائله وتحقيق مكانة تليق بالمُعلِّم، كانت حاضرة بقوَّة في أجندة مؤسَّسة الشورى، بل إنَّها تتصدر القائمة في عدد الدراسات والتقارير وأوراق العمل المُعدَّة عَنْه، بدليل عددها المتنامي والتي رفعها إلى سُلطان البلاد ومجلس الوزراء والوزراء المختصِّين على مدى ثلاثة عقود، ولَمْ يقصِّر «المجلس الاستشاري» كذلك في تقديم أفكاره ومقترحاته العمليَّة عن التعليم، والتي تناولتُها في كتابي «الشورى والتنمية». أولى هذه الدراسات كانت بعنوان «سياسات القَبول في التعليم العام والعالي والتدريب المهني في السَّلطنة»، ركَّزت الدراسة على «المُعلِّم باعتباره إحدى ركائز العمليَّة التعليمية» اجتمع المجلس وقْتَها، بالمسؤولين عن التعليم وقيادات تربويَّة، واطلع على العديد من التقارير ذات العلاقة بموضوع دراسته، واستطلع ميدانيًّا ـ وفي لقاءات مكثَّفة ـ أوضاع العاملين في سلك التدريس… وتوصَّل إلى جملة من التوصيات عالجت محاور «اختيار وإعداد المُعلِّم ـ قواعد وشروط وأساليب اختيار الهيئات التدريسيَّة الوافدة وسُبل تحسين أدائها ـ تعمين الوظائف في الهيئات التدريسيَّة بمدارس التعليم العامِّ ـ تحسين وتطوير أساليب التوجيه والإدارة المدرسيَّة واختيار وإعداد العناصر الوطنيَّة في هذا المجال ـ متابعة وتقويم أداء المُعلِّم في الميدان والارتقاء بمستواه، وتحسين الأوضاع الوظيفيَّة والاجتماعيَّة للمُعلِّم العُماني…». وفي مراجعته «للنظام التعليمي المقترح في استراتيجيَّة عُمان 2020»، طالب المجلس بالاستمرار في «مجانيَّة التعليم في جميع مراحله باعتباره أحد أهمِّ مكتسبات النهضة المباركة، وتخصيص الموازنات الكافية للإنفاق على تطويره، والعمل على تنويع مسارات التعليم العالي في السَّلطنة بما يخدم أغراض التنمية الشاملة في البلاد…». وفي دراسته الأخرى الخاصَّة بـ»دَوْر الجامعات والكُليَّات الخاصَّة»، خلص المجلس إلى التأكيد على «أهمِّية زيادة الطَّاقة الاستيعابيَّة بمؤسَّسات التعليم العالي الخاصَّة والحكوميَّة على السَّواء، وتشجيع القِطاع الخاصِّ على الاستثمار في هذا المجال بمختلف محافظات السَّلطنة، وسنِّ قانون شامل للتعليم العالي، ووضع خطَّة لإعداد الكوادر الوطنيَّة لتلبية احتياجات مؤسَّسات التعليم العالي الخاصِّ من الوظائف الأكاديميَّة، والإسراع بعمليَّة دمج وتجميع الكُليَّات الخاصَّة بمحافظة مسقط تحت مظلة جامعة خاصَّة واحدة، ووضع خطَّة زمنيَّة لإجراء تقييم شامل للجامعات والكُليَّات الخاصَّة بعد مُضي مُدَّة معقولة على تأسيسها…». تقييم التعليم العامِّ، أوضاع المدارس الخاصَّة و»دَوْرها في العمليَّة التعليميَّة التعلُّميَّة»، «الاستيعاب والقَبول في كُلِّيَّة الطِّب بجامعة السُّلطان قابوس»، «تطوير التعليم التقني والتدريب المهني كأحد روافد التنمية البَشَريَّة في السَّلطنة»… ودراسات وتقارير وجهود أخرى متنوِّعة أنجزها مجلس الشورى؛ إسهامًا مِنْه في تطوير التعليم، فهل استفادت مِنْها مؤسَّسات التعليم المختلفة، على ضوء الانتقادات اللاذعة التي ترتفع وتيرتها والهجوم الحادِّ والملاحظات الواسعة على سياسات ومناهج وأساليب التعليم والقرارات التي تصدر، وتمتلئ بها قنوات وبرامج وسائل التواصل؟
سعود بن علي الحارثي
Saud2002h@hotmail.com
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية:
التعلیم العام
ة التعلیم
إقرأ أيضاً:
مجلس عُمان يشارك في أعمال جلسة البرلمان العربي بالقاهرة
شارك مجلس عُمان في أعمال الجلسة العامة الخامسة لدور الانعقاد الأول من الفصل التشريعي الرابع للبرلمان العربي، التي عقدت أعمالها بمقر جامعة الدول العربية بالقاهرة، برئاسة معالي محمد بن أحمد اليماحي، رئيس البرلمان العربي.
وبدأت أعمال الجلسة بكلمة لرئيس البرلمان العربي، والتي جدد فيها مناشدة الضمير الإنساني الحي والمؤسسات الدولية، وعلى رأسها مجلس الأمن الدولي، قائلًا: "كفى صمتًا وكفى الكيل بمكيالين، لقد آن الأوان لصحوة ضمير عالمية، تُنهي هذه المجزرة المفتوحة، وتعيد إلى الشعب الفلسطيني حقه في الحياة، والكرامة، والحرية".
وأعرب اليماحي عن تطلع البرلمان العربي إلى أن يكون التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار بين إيران وكيان الاحتلال بداية لعودة الهدوء والاستقرار للمنطقة، وبداية لتوجيه أنظار العالم بشكل أخلاقي ومسؤول نحو معاناة الشعب الفلسطيني، مؤكدًا أن القضية الفلسطينية ستظل في صدارة أولويات البرلمان العربي، باعتبارها قضية العرب المركزية الأولى، وحجر الزاوية في تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم.
وشهدت أعمال الجلسة إعادة انتخاب نائب لرئيس البرلمان العربي بعد خلو المنصب، حيث تم تزكية النائب سعد العتيبي من مجلس الشورى السعودي لمنصب النائب الأول لرئيس البرلمان العربي.
كما ناقشت الجلسة خلال أعمالها تقارير اللجان الدائمة، منها تقرير لجنة الشؤون الخارجية والسياسية والأمن القومي، ولجنة الشؤون الاقتصادية والمالية، وتقرير لجنة الشؤون التشريعية والقانونية وحقوق الإنسان، وتقرير لجنة الشؤون الاجتماعية والتربوية والثقافية والمرأة والشباب، وتقرير لجنة فلسطين.
وتناولت الجلسة العامة واجتماعات اللجان الدائمة العديد من الموضوعات المتعلقة بالتطورات الجارية على الساحة العربية، ومستجدات الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، والمستجدات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية وحقوق الإنسان في الوطن العربي، وعدد من الموضوعات مثل: رؤية عربية لتعزيز الدبلوماسية البرلمانية والوقائية، وآخر مستجدات التحضير لعقد مؤتمر لدعم الاقتصاد الأزرق في الوطن العربي، ومشروع قانون مكافحة الهجرة غير المشروعة، ووثيقة استرشادية بشأن تمكين ريادة الأعمال الاجتماعية والأسر المنتجة، ورؤية لتطوير التعليم الإلكتروني في العالم العربي، بالإضافة إلى عدد من الموضوعات الأخرى، وذلك تمهيدًا للنظر في إقرارها واعتمادها من البرلمان العربي.
وكان مجلس عُمان قد سبق الجلسة بمشاركته في أعمال اجتماعات اللجان الدائمة للبرلمان العربي، هذا بالإضافة إلى مشاركته في الحلقات التدريبية لأعضاء البرلمان العربي حول "البرلمانات والذكاء الاصطناعي: تطبيقات وتحديات عملية" التي عُقدت على هامش الاجتماعات.
وضم وفد مجلس عُمان المشارك في أعمال الجلسة الخامسة من دور الانعقاد الأول من الفصل التشريعي الرابع للبرلمان العربي كلًا من: سعادة سعيد بن حمد السعدي نائب رئيس مجلس الشورى ونائب البرلمان العربي، والمكرم الشيخ الدكتور طالب بن هلال الحوسني عضو مجلس الدولة، وسعادة حميد بن علي الناصري عضو مجلس الشورى.