بالنسبة لكل أولئك الذين سئموا وجود علماء الجغرافيا السياسية فى مواقع التصوير، وتحليلاتهم غير الواقعية على الإطلاق، وخاصة فيما يتعلق بمسألة الحرب الأوكرانية، لا يسعنى إلا أن أوصى بتحليلات باسكال بونيفاس، المتاحة على قناته على موقع «يوتيوب».. لقد جمعها للتو ونشرها فى كتاب صغير يتمتع بقراءة صحية ويتعارض بشكل جيد مع تيار التفكير السائد، حتى لو كنا نود أن يخوض فى المزيد من التفاصيل حول الحقائق فى تحليلاته.


فكرته الرئيسية والعامة هى أن المراقبة والتحليل الجيوسياسى للحرب الأوكرانية ليس عقلانيًا أوموضوعيًا ولكنه عاطفى فى الأساس. وأن هذا بالتالى يحكم علينا بإعادة إنتاج نفس الأخطاء مع نفس العواقب فى المستقبل على مواضيع أخرى «الصين وتايوان على سبيل المثال».
وفيما يتعلق بأوكرانيا، يفترض أن توسع حلف شمال الأطلسى شرقًا هو الذى دفع روسيا إلى غزو أوكرانيا لكنه يرفض التقليل من مسئولية فلاديمير بوتين ونظامه فى اندلاع هذه الحرب.. بل إنه يوضح على وجه التحديد أن هذه المسئولية «غير المبررة وغير المقبولة» سوف تمنع العودة إلى العلاقات الطبيعية مع روسيا، ما دام فلاديمير فلاديميروفيتش بوتين «أو نظامه» على رأس هذه العلاقات. ويشير ويأسف لأنه من المستحيل الدفاع عن هذا التحليل المزدوج اليوم: «هل يمكننا أن نقول إن العالم الغربى ارتكب أخطاء فيما يتعلق بروسيا فى فترة ما بعد الحرب الباردة، وأن العدوان الروسى غير مقبول وروسيا، فى الوقت نفسه، غير مقبولة»، بالإضافة إلى العدوان، ارتكبت جرائم حرب متعددة؟ إنها الحقيقة.
هذا الكتاب لباسكال، والذى يحمل عنوان: «الحرب فى أوكرانيا، موجة الصدمة الجيوسياسية ضد تيار التحليلات العاطفية» يتكون من ثلاثة أجزاء:
يغطى الفصل الأول حتى الفصل الثالث؛ المشاعر التى تحيط بالتحليل الكامل لهذه الحرب. ويسلط بونيفاس الضوء بشكل خاص على الهيستيريا الكاذبة التى تستهدف أى شخص يجرؤ على التعبير عن فكرة أن روسيا «لا تتحمل ١٠٠٪ من المسئولية عن هذه الحرب»، حيث قال: «إن حقيقة تنصيب نفسك كعاطفى مناهض لبوتين تمنحك مكانة متخصص وخبير فى الشأن الروسي؛ حيث تسود اللعنة على المنطق والمعرفة!».. وهنا أود أن أعرب عن رأى ناقد إلى حد ما وهو أنه إذا لاحظ باسكال بونيفاس «التضليل» الذى يهيمن على وسائل الإعلام حاليا، فإنه لا يحاول تحليل وتفنيد سبب هذا الإجماع على هذا الرأى فى وسائل الإعلام.
أما الجزء الثانى «الفصول من الرابع إلى السادس» فيركز على الأسباب «الجيوسياسية» للحرب الأوكرانية. وهذه أفضل فصول الكتاب، وخاصة الفصلين الرابع والخامس. وبطريقة كلاسيكية للغاية، يستذكر بونيفاس نظريات زبيجنيو بريجنسكى الذى أراد فصل أوكرانيا عن روسيا لإضعاف الأخيرة، ثم يصف الطريقة التى «خسر بها» الغرب روسيا، قبل أن ينظر- بطريقة أقل إقناعا بكثير- كيف خسرت روسيا روسيا. أوكرانيا «المفقودة».
وفيما يتعلق بالكيفية التى خسر بها الغرب روسيا، يسلط بونيفاس الضوء على أهمية توسع منظمة حلف شمال الأطلسى شرقًا. ويصف ببراعة الحلقة المفرغة التى أدت إليها: «إن تضاعف المهام وانضمام الأعضاء الجدد، كما رأينا من مقر منظمة حلف شمال الأطلسى، كان سببًا فى خلق حلقة حميدة: فكلما زاد عدد الدول التى انضمت، كلما تعززت الديمقراطية. لكن هذا التمديد كان له أثر غير مقصود فى توتر روسيا. ولذلك كان من الضرورى تعزيز حلف شمال الأطلسى، الأمر الذى زاد من غضب روسيا. وهنا حدثت الحلقة المفرغة» فى هذا الفصل انتقاد غير مقنع لسياسة «المحافظين الجدد» الأمريكيين، الذين يتزينون بزخارف القيم العالمية، فى خدمة سياسة القوة.


ولكن على المدى القصير، لم يكن لدى الولايات المتحدة وأوروبا أى مصلحة فى دفع روسيا إلى أحضان الصين، ومع ذلك فإن هذا هو ما فعلته بالضبط. يؤكد بونيفاس أيضًا على ضعف أوروبا الذى ترك الولايات المتحدة - القوة المفرطة على حد تعبير هوبير فيدرين - لحل مسألة الأمن فى أوروبا. وهذا سؤال أساسى لمستقبلنا: متى سنتولى مسئولية أمننا؟
فى جزئه الثالث «الفصلين السابع والثامن»، يتناول بونيفاس الجوانب المباشرة للحرب: الطريقة التى حول بها زيلينسكى، رجل الإعلام الهائل، المشاعر العامة ليفرض روايته وإرادته: «إنه لا يلتمس ولا يتوسل؛ بل يطالب، ويقتحم، ويجعل من لا يلبى مطالبه يشعر بالذنب».. هو إذن يتصرف بشكل جيد. للحكم، ما عليك سوى إلقاء نظرة على طريقة تعامل إيمانويل ماكرون فى هذا الملف.. وبحسب بونيفاس فى كتابه: «لقد كانت النتيجة الأكثر مباشرة والأكثر كارثية؛ انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبى ولم يستطع القادة الأوروبيون مقاومة صدمة الآراء فى مواجهة صور المجازر والفظائع وجرائم الحرب التى ارتكبها الجيش الروسى فى أوكرانيا بعقلانية، وهذا القرار كارثى، لكن الجميع يرحب به بالتأكيد على أنه إشارة. وفى المقام الأول، فهى إشارة تشير إلى أن القادة يواجهون صعوبة فى الدفاع عن مصالحهم، وأنهم يميلون إلى سياسات الاتصالات التى تحركها العاطفة أكثر من كونها رؤية طويلة الأمد».
وفى الختام، فإن بونيفاس، الذى يتطلع إلى المستقبل، يؤكد على الدور الجديد لبولندا، التى ستصبح بسبب هذه الحرب، الركيزة الأمريكية الجديدة للأمن الأوروبى، والتقسيم الجديد للعالم، «البقية»، بقية العالم الذى لم يعد يقبل ازدواجية الغرب وبطريقة ما، فإن هذه الحرب، أيًا كانت نتائجها، تمثل نهاية الهيمنة الغربية: «إن الغربيين الذين لا يتوقفون أبدًا عن دق المبادئ العالمية، التى رغم ذلك كثيرًا ما رأوها تُداس بالأقدام بينما يلعبون دور أبكم دور الحريات»، فى الواقع تعمل ضد مصالح العالم الغربى. كنت أتمنى أن ينهى بونيفاس كتابه بأن يرسم، ولو بضربات فرشاة واسعة، السيناريوهات المختلفة للخروج من هذه الحرب ولكنه بشكل عام كتاب جيد.. وبغض النظر عن بعض الانتقادات، فإن كتاب باسكال بونيفاس هذا منعش فى صدق تحليله، وصراحة كلماته.. وهذا أمر نادر جدا وسط البث المستمر للأخبار اليومية عن تلك الحرب.
Guerre en Ukraine، l'onde de choc géopolitique
 

معلومات عن الكاتب: 
فريديريك إيبارفييه.. باحث ومدير تنفيذى فى شركة فرنسية استراتيجية كبرى.. يعرض لنا أهم ما ورد فى كتاب باسكال بونيفاس حول الحرب فى أوكرانيا.


 

 

 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: فى أوکرانیا هذه الحرب

إقرأ أيضاً:

ما هي الأسلحة النووية التي تمتلكها روسيا إذا قررت ضرب أوكرانيا؟

في تصريح للرئيس الأميركي السابق جو بايدن في أكتوبر/تشرين الأول 2022 قال: "لم نواجه احتمال وقوع كارثة هائلة من هذا النوع منذ عهد كينيدي وأزمة الصواريخ الكوبية، إنه (بوتين) لا يمزح عندما يتحدث عن الاستخدام المحتمل للأسلحة النووية أو الأسلحة البيولوجية أو الكيميائية، لأن أداء جيشه، ضعيف للغاية".

جاء هذا التصريح في سياق مخاوف غربية واضحة من استخدام الروس للسلاح النووي خلال الحرب مع أوكرانيا، ولذلك كان دعم حلف الناتو لأوكرانيا محسوبا خطوة بخطوة، بهدف واحد وهو عدم استثارة الروس لأي رد فعل نووي.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2عقيدة المحيط.. هل تسعى إسرائيل لحرق العرب بنار "الأقليات"؟list 2 of 2عقدة أوكرانيا.. لماذا فشل الغرب في هزيمة روسيا حتى الآن؟end of list

لكن الأمر لا يقف عند حد الحرب الأوكرانية، فقد كان السلاح النووي طوال الوقت أهم وسيلة للتفاوض لدى الروس.

تاريخ طويل للخوف

لفهم أعمق لتلك النقطة يمكن أن نتأمل وثيقة من 6 صفحات نشرتها الحكومة الروسية في الثاني من يونيو/حزيران 2020 تحدد منظورها بشأن الردع النووي، وعنونت رسميا المبادئ الأساسية لسياسة الدولة للاتحاد الروسي بشأن الردع النووي، وفيها يعتبر التهديد الروسي بالتصعيد النووي أو الاستخدام الفعلي الأول للأسلحة النووية هو سلوك من شأنه أن يؤدي إلى "خفض تصعيد" النزاع بشروط تخدم روسيا.

لكن في هذا السياق، تعتبر روسيا الأسلحة النووية وسيلة للردع حصرا، وتضع مجموعة من الشروط التي توضح تلك النقطة، فيكون الحق في استخدام الأسلحة النووية ردا على استخدام الأسلحة النووية أو أنواع أخرى من أسلحة الدمار الشامل ضدها أو ضد حلفائها، أو هجوم من قبل الخصم على المواقع الحكومية أو العسكرية الحساسة في الاتحاد الروسي، والذي من شأنه أن يقوض أعمال رد القوات النووية، أو العدوان على الاتحاد الروسي باستخدام الأسلحة التقليدية عندما يكون وجود الدولة نفسه في خطر.

إعلان

على الرغم من أن هذا يعد تخفيفا لسياسة روسيا النووية المتعلقة بالردع، إلا أنه لا يزال مراوغا ويمكن أن تستخدم أي من تلك الشروط لتعني أي شيء على الأرض.

في الواقع، يرى العديد من المحللين والعلماء في هذا النطاق -من الجانب الأميركي والأوروبي- أن روسيا -ومن قبلها الاتحاد السوفياتي– طالما اتبعت عقيدة تدمج الأسلحة النووية في التدريبات العسكرية الخاصة بها، ما يشير إلى أنها قد تعتمد بشكل أكبر على الأسلحة النووية، يظهر هذا بوضوح في تقارير تقول إن التدريبات العسكرية لروسيا بدت كأنها تحاكي استخدام الأسلحة النووية ضد أعضاء الناتو.

لهذه العقيدة تاريخ طويل متعلق بأن السلاح النووي هو أفضل الطرق في حالات الضعف، فحينما تراجع الاتحاد السوفياتي سياسيا وعسكريا خلال الحرب الباردة، ثم مع انهياره، كان الضامن الوحيد بالنسبة للروس هو السلاح النووي، بحيث يمثل أداة ردع رئيسة.

لكن إلى جانب كل ما سبق، هناك سبب إضافي أهم يدفع بعض المحللين للاعتقاد أن روسيا تضع استخدام السلاح النووي في منطقة الإمكانية، وهو متعلق بتحديث سريع وكثيف للترسانة النووية.

الثالوث النووي

أجرى الاتحاد السوفياتي أول تجربة تفجيرية نووية في 29 أغسطس/آب 1949، أي بعد 4 سنوات من استخدام الولايات المتحدة للقنبلة الذرية ضد اليابان في الحرب العالمية الثانية، اختبر الاتحاد السوفياتي نسخته الأولى من القنبلة النووية الحرارية عام 1953، ومنذ ذلك الحين نما المخزون السوفياتي من الرؤوس الحربية النووية بسرعة، بشكل خاص خلال الستينيات والسبعينيات وبلغ ذروته عام 1986 بحوالي 40 ألف رأس حربي نووي.

بحلول الستينيات، كانت روسيا قد طورت ثالوثا من القوات النووية مثل الولايات المتحدة الأميركية: الصواريخ الباليستية العابرة للقارات "آي سي بي إم إس" (ICBMs)، والصواريخ الباليستية التي تُطلق من الغواصات "إس إل بي إم إس" (SLBMs)​​، والقاذفات الثقيلة المجهزة بأسلحة نووية. وتسمى هذه المجموعة من أدوات الحرب بالأسلحة النووية الإستراتيجية، أي تلك التي تتمكن من الضرب على عدو يبتعد عن الدولة مسافة كبيرة (الضرب عن بعد).

إعلان

على مدى أكثر من نصف قرن، انخرطت روسيا في اتفاقات ومعاهدات تخفّض من أعداد الرؤوس الحربية النووية الخاصة بها، لذلك منذ الثمانينات انخفضت أعداد الرؤوس الحربية الروسية إلى حوالي 6 آلاف فقط، لكن في مقابل هذا الخفض في الأعداد اهتمت روسيا بسياق آخر يقابله، وهو تحديث الترسانة بالكامل.

في ديسمبر/كانون الأول 2020، أفاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن الأسلحة والمعدات الحديثة تشكل الآن 86% من الثالوث النووي لروسيا، مقارنة بنسبة 82% في العام السابق، وأشار إلى أنه يتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 88.3% خلال عام واحد، وصرح أن وتيرة التغيير في جميع المجالات الحاسمة للقوات المسلحة سريعة بشكل غير عادي اليوم، مضيفا: "لو قررت التوقف لثانية واحدة، ستبدأ في التخلف على الفور".

ذراع روسيا الطويلة

يبدو هذا جليا في نطاقات عدة. على سبيل المثال، تواصل روسيا حاليا سحب صواريخها المتنقلة من طراز "توبول" (Topol) بمعدل 9 إلى 18 صاروخا كل عام، لتحل محلها الصواريخ الباليستية العابرة للقارات من النوع "يارس-24" (RS-24).

اختبرت روسيا يارس لأول مرة عام 2007 وتم اعتماده من قبل قوات الصواريخ الإستراتيجية الروسية عام 2010، وبدأ إنتاجه خلال نفس العام. واعتبارا من عام 2016، تتضمن الترسانة الآن ما يزيد على 147 صاروخا من هذا النوع، منها 135 يمكن أن يوضع منصة متحركة (عربة مكونة من 16 عجلة) و12 منصة ثابتة.

الصاروخ النووي الروسي العابر للقارات "يارس-24" (RS-24) (مواقع التواصل)

مدى يارس يصل إلى 12 ألف كيلومتر (هذا يساوي عرض دولة مثل مصر 12 مرة)، ويمكن أن يحمل 6 -10 رؤوس نووية بقوة تتراوح بين 150- و500 كيلوطن لكل منها، والصاروخ السابق توبول كان يحمل رأسا حربيا واحدا.

كذلك صمم يارس للتهرب من أنظمة الدفاع الصاروخي حيث يقوم بمناورات أثناء الرحلة ويحمل شراكا خداعية وبالتالي لديها فرصة لا تقل على 60-65% لاختراق الدفاعات المضادة، وتؤهل التقنية "ميرف" (MIRV) هذا الصاروخ لحمولة صاروخية تحتوي على العديد من الرؤوس الحربية، كل منها قادر على أن يستهدف هدفا مختلفا.

إعلان

ويصيب يارس الهدف بدقة تكون في حدود 100-150 مترا من نقطة الهدف فقط، كما أن إعداد الصاروخ للإطلاق يستغرق 7 دقائق، وبمجرد أن تكون هناك حالة تأهب قصوى، يمكن لصواريخ يارس مغادرة قواعدها عبر السيارات التي تجري بسرعة 45 كيلومترا في الساعة، ثم العمل في مناطق الغابات النائية لزيادة قدرتها على التخفي.

إله البحار

أحد الأمثلة التي يُستشهد بها على نطاق واسع أيضا هي "ستاتوس-6" (Status-6) المعروف في روسيا باسم "بوسايدون" (Poseidon) (إله البحار)، وهو طوربيد طويل المدى يعمل بالطاقة النووية والذي وصفته وثيقة حكومية روسية بشكل صارخ بأنه يهدف إلى إنشاء "مناطق التلوث الإشعاعي الواسع التي قد تكون غير مناسبة للنشاط العسكري أو الاقتصادي أو أي نشاط آخر لفترات طويلة من الزمن"، السلاح مصمم لمهاجمة الموانئ والمدن لإحداث أضرار عشوائية واسعة النطاق.

بدأ السوفيات تطوير هذا السلاح عام 1989 ولكن توقف الأمر بسبب انهيار الاتحاد السوفياتي ونهاية الحرب الباردة وكذلك مع سياسات نزع السلاح النووي.

ومع ذلك، عادت روسيا لتطوير هذا السلاح، وفي عام 2015 تم الكشف عن معلومات حول هذا السلاح عمدا من قبل وزارة الدفاع الروسية. وبحسب ما ورد من معلومات عنها، يبلغ مدى هذه المركبة 10 آلاف كيلومتر، ويمكن أن يصل إلى سرعة تحت الماء تصل إلى 200 كيلومتر في الساعة). هذا أسرع بكثير من قدرة الطوربيدات الحربية المعتادة على السفر.

علاوة على ذلك، من المخطط أن يعمل بوسايدون على أعماق تصل إلى ألف متر؛ مما يجعل من الصعب اعتراضها، بل ويعتقد أنه يمكن لهذه القطعة التقنية المرعبة أن تعمل تحت صفائح الجليد في القطب الشمالي، هنا يصعب جدا اكتشافه والاشتباك معه. ومن المقرر أن يبدأ بوسايدون في العمل الفعلي داخل الترسانة النووية الروسية خلال أعوام قليلة.

نار من توبوليف

قاذفة القنابل الإستراتيجية فوق الصوتية ذات الأجنحة متعددة الأوضاع "توبوليف تي يو-160" كانت أيضا واحدة من مكونات أحد أطراف الثالوث النووي التي تم تطويرها مؤخرا.

إعلان

وعلى الرغم من أن هناك العديد من الطائرات المدنية والعسكرية الأكبر حجما إلا أن هذه الطائرة تعد الأكبر من حيث قوة الدفع، والأثقل من ناحية وزن الإقلاع بين الطائرات المقاتلة. ويمكن لكل طائرة من هذا الطراز حمل ما يصل إلى 40 طنا من الذخائر، بما في ذلك 12 صاروخ كروز نوويا يتم إطلاقها من الجو. وبشكل عام، يمكن أن تحمل القاذفات من هذا النوع أكثر من 800 سلاح.

قاذفة استراتيجية من طراز توبوليف تي يو -160 بلاك جاك تُحلّق فوق الساحة الحمراء خلال عرض يوم النصر في موسكو، روسيا، 9 مايو/أيار 2015. (رويترز)

كانت هذه الطائرة آخر قاذفة إستراتيجية صممت من طرف الاتحاد السوفياتي، إلا أنها لا تزال تستخدم إلى الآن.

أضف لذلك أن هناك برنامجين محدثين متميزين لتطوير الطائرة توبوليف يتم تنفيذهما في وقت واحد: برنامج أولي يتضمن "تحديثا عميقا" لهيكل الطائرة الحالي لدمج محرك من الجيل التالي، بالإضافة إلى إلكترونيات طيران جديدة وملاحة ورادار حديث يعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي، وبرنامج آخر يتضمن دمج أنظمة مماثلة في هياكل جديدة تماما للطائرة.

وفي الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني 2020 أعلنت روسيا أن أحدث نسخة من توبوليف تي يو-160 (يسميها الناتو بلاك جاك) قد انطلقت من كازان مدعومة بمحركات "إن كيه-32-02" (NK-32-02) الجديدة، مع قوة دفع تبلغ 55 ألف رطل، ويعد هذا المحرك أكبر وأقوى محرك تم تركيبه على الإطلاق في طائرة عسكرية.

استغرقت الرحلة الأولى للقاذفة المحدثة مع المحركات الجديدة ساعتين و20 دقيقة، وسافرت على ارتفاع 6 آلاف متر، المحرك الجديد يرفع نطاق الطائرة بحوالي ألف كيلومتر.

يارس وبوسايدون وتحديثات قاذفة القنابل توبوليف هي أمثلة قليلة من حالة كبيرة من التطوير تمر بها الترسانة النووية الروسية، إلى جانب ذلك تعمل روسيا على تنويع نطاق التطوير، فهي لا تعمل فقط على السلاح النووي الإستراتيجي (الذي يضرب العدو البعيد)، بل أيضا هناك خطوات واسعة في تطوير السلاح النووي اللإستراتيجي (التكتيكي)، وهو إصطلاح يشير إلى الأسلحة النووية التي صممت لاستخدامها في ميدان المعركة مع وجود قوات صديقة بالقرب وربما على أراض صديقة متنازع عليها.

أحدث نسخة من القاذفة الروسية الإستراتيجية "توبوليف تي يو-160" (مواقع التواصل) مخزون روسيا

من بين مخزون الرؤوس الحربية النووية الروسية، هناك ما يقرب من 1600 رأس حربي إستراتيجي جاهز للضرب، حوالي 800 رأس منها على الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، وحوالي 624 على الصواريخ الباليستية التي تُطلق من الغواصات، وحوالي 200 في قاذفات القنابل الإستراتيجية.

إعلان

إلى جانب ذلك يوجد حوالي 985 رأسا حربيا إستراتيجيا آخر في المخزن، وحوالي 1912 رأسا حربيا غير إستراتيجي (تكتيكي).

بالإضافة إلى المخزون العسكري للقوات العملياتية، هناك حوالي 1760 من الرؤوس الحربية المتقاعدة ولكنها ما زالت سليمة إلى حد كبير تنتظر التفكيك وإعادة التشغيل، ما يجعل إجمالي المخزون حوالي 6 آلاف- 6300 رأس حربي، علما أن هذه فقط هي أرقام تقديرية، حيث لا تعلن الدول عن العدد الحقيقي لرؤوسها الحربية النووية.

إذن الخلاصة أن برامج التحديث النووي الروسية، مع زيادة عدد وحجم التدريبات العسكرية، والتهديدات النووية الصريحة التي تلقي بها ضد دول أخرى (فما حدث في حالة أوكرانيا 2022 ليس جديدا)، والعقيدة الروسية المتعلقة بالسلاح النووي؛ كلها أمور تسهم جميعها في دعم حالة من عدم اليقين بشأن نوايا روسيا النووية.

ويرى المحللون أن روسيا أبعد ما تكون عن استخدام السلاح النووي حاليا، لسبب واحد وهو أن الجيش الروسي مستقر نسبيا ولا يواجه أية تهديدات وجودية في الحرب الحالية، ومن ثم نشأت فكرة تقول إن الحرب في وجود "السلاح النووي" ممكنة، لكن في سياق ألا تزيد مساحة المعارك، والضرر المتعلق بها، عن حد معين يضع الروس في توتر.

لكن على الجانب الآخر، "فعدم اليقين" كان هدف الروس الدائم في كل الأحوال، لأنه -في حد ذاته- سلاح ردع رئيسي بالنسبة لهم، وعلى الرغم من أن الأوكرانيين تلقوا المساعدات، إلا أن الروس واصلوا تقدمهم في سياق "قبة" حماية سببها الأساسي هو السلاح النووي.

مقالات مشابهة

  • الحرب في أوكرانيا.. بريطانيا تعلن عقوبات جديدة على روسيا
  • ما هي الأسلحة النووية التي تمتلكها روسيا إذا قررت ضرب أوكرانيا؟
  • مستشار وزير خارجية أوكرانيا: الحرب مع روسيا تحولت إلى حرب استنزاف
  • روسيا تسيطر على قريتين شرق أوكرانيا.. وكييف تعلن إسقاط 41 مسيرة خلال الليل
  • عادل الباز يكتب: كيف نرد على عدوان الإمارات؟ (2)
  • روسيا تشن أكبر هجوم بالمسيرات على أوكرانيا منذ بدء الحرب
  • حقائق و بديهيات «للأسف يجب ان تقال»
  • روسيا تعلن تحقيق تقدم جديد في شرق أوكرانيا
  • عقدة أوكرانيا.. لماذا فشل الغرب في هزيمة روسيا حتى الآن؟
  • روسيا تشن هجوما بطائرات مسيّرة على أوكرانيا