إيكونوميست: صفقة التطبيع السعودية الإسرائيلية ستقلب الشرق الأوسط رأسا على عقب
تاريخ النشر: 26th, September 2023 GMT
سلطت مجلة "إيكونوميست" الضوء على اقتراب إبرام صفقة لتطبيع العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل، واصفة إياها بأنها "ستقلب الشرق الأوسط رأسا على عقب".
وذكرت المجلة البريطانية، في تقرير ترجمه "الخليج الجديد"، أن ولي عهد المملكة الأمير، محمد بن سلمان، لم يخف استمتاعه بمنظور معاهدة استراتيجية بين أمريكا واسرائيل والسعودية، وعبر عن ذلك بوضوح في مقابلة تلفزيونية نادرة يوم 20 سبتمبر/أيلول الجاري، مع شبكة "فوكس نيوز" الأمريكية، واعترف بأن الاتفاق بات قريبا، واصفا المعاهدة بأنها قد تكون "أكبر صفقة تاريخية منذ الحرب الباردة".
ونوهت المجلة إلى علاقات تجارية هادئة بين الرياض وتل أبيب، حيث تشتركان في معارضة التهديد الإيراني، لكن توقعت انضمام السعودية إلى اتفاقيات إبراهيم في حياة الملك، سلمان بن عبدالعزيز، الذي ينتمي لجيل يعتقد أن العلاقات مع إسرائيل خارجة عن التفكير.
ومع ذلك، فقد زادت المحفزات للصفقة، إذ تسعى السعودية لإبرام معاهدة استراتيجية جديدة مع الولايات المتحدة، تضمن لها "معاهدة دفاع رسمية"، وليس أقل من ذلك، لأن إيران تزيد من برامجها النووية وتقف على أعتاب إنتاج الأسلحة النووية، ما سيقلب مستوى القوة الأمنية بالمنطقة.
وتشمل المحادثات أيضا تطوير مفاعل للطاقة النووية يخصب اليورانيوم في داخل السعودية وتحت إشراف أمريكي، وعلى نفس الطريقة التي أدارت فيها الولايات المتحدة شركة أرامكو العملاقة في بدايتها.
ومع أن هذا المفاعل سيكون مدني الطابع، إلا أن الهدف الأمريكي النهائي هو منع سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط، ما يجعل الأمر محل قلق لدى واشنطن، خاصة أن ولي العهد السعودي يقول إن بلاده لها الحق في امتلاك الأسلحة النووية إذا امتلكتها إيران.
وبالنسبة للرئيس الأمريكي، جو بايدن، فإطار دبلوماسي أمني تدعمه الولايات المتحدة ويقوم على القوتين الإقليميتين، سيكون إنجازا مهما في سياسته الخارجية قبل بدء عامه الانتخابي. وهنا تشير المجلة إلى التغير في مواقف بايدن من السعودية، ففي أثناء حملته الانتخابية صرح بأنه لا يريد التعامل معها، لكن الواقعية السياسية هي التي تحكم اليوم، وترى إدارته في الصفقة الثلاثية مع السعودية وإسرائيل وسيلة للتكيف مع العصر الجيوسياسي الجديد.
وستظل الولايات المتحدة، في هذا العصر، الضامن النهائي لأمن دول الخليج وعلى مدى العقود القادمة، حتى لو استمرت اقتصاديات هذه الدول تنحرف نحو آسيا، وبالتالي إحباط محاولات إيران وتهدئة أسواق الطاقة ومنع الصين من دفع الشرق الأوسط نحو فلك تأثيرها.
اقرأ أيضاً
القيادة الأمنية في إسرائيل تحذر من اتفاق تطبيع محتمل مع السعودية.. لماذا؟
لكن لا تزال هناك عقبات محلية في السعودية أمام الاتفاق، فنسبة 2% من الشباب السعودي فقط يدعمون التطبيع، وذلك بحسب دراسة لمسح الشباب العربي 2023، مقارنة مع 75% في الإمارات و73% في مصر.
ويفسر ذلك تصريحات بن سلمان في مقابلته مع "فوكس نيوز" بشأن الاحتلال الإسرائيلي، حيث قال: "بالنسبة لنا، فالقضية الفلسطينية مهمة جدا ونحن بحاجة لحل هذا الجزء".
وتجري محادثات متوازية مع الفلسطينيين، ومن المتوقع زيارة وفد فلسطيني الرياض في أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
ولم يذكر بن سلمان في مقابلته التليفزيونية المبادرة العربية للسلام، وهي خطة أقرتها السعودية والدول العربية في 2002، وتقوم على التطبيع مع إسرائيل مقابل انسحابها من الأراضي التي احتلتها عام 1967، بما فيها القدس الشرقية وإنشاء الدولة الفلسطينية.
وبدلا من ذلك، قدم بن سلمان وعودا غامضة مثل منح الفلسطينيين "احتياجاتهم" والتأكد من توفير "حياة جيدة لهم".
شرق أوسط جديد
وتتحدث الأطراف كلها عن صورة "شرق أوسط جديد" تربطه المواصلات والطاقة، حيث تتغلب الفرص الاقتصادية على الكراهية.
وتعلق المجلة على ذلك بأن غموض ولي العهد السعودي بشأن الحقوق الفلسطينية، هو اعتراف بمشاكل نتنياهو الداخلية، فقد تطلع كل زعيم إسرائيلي لإنهاء عزلة الدولة العبرية الإقليمية والتي استمرت منذ إنشائها.
وبالنسبة لنتنياهو، الذي يقود حكومة متطرفة، ويواجه احتجاجات واتهامات بالفساد، فصفقة مع السعودية ستكون فرصة ذهبية لكي يلمع إرثه المشوه.
فالأشهر التسعة الفوضوية من حكومته، تفسر السبب الذي يدفع نتنياهو، الذي بنى مسيرته السياسية على المعارضة القوية للبرنامج النووي الإيراني، لإبداء استعداده للموافقة على برنامج للطاقة النووية يتم فيه تخصيب اليورانيوم داخل السعودية.
اقرأ أيضاً
نتنياهو: إسرائيل على عتبة التطبيع مع السعودية
لكن صفقة مع السعودية قد تخلق ترددات وتداعيات، فالائتلاف الحكومي الإسرائيلي يضم أحزابا دينية وقومية متطرفة ومستوطنين يعارضون فكرة التنازل للفلسطينيين.
ولدى المستوطنين تمثيل قوي داخل حزب الليكود، وكلهم يحذرون من أنهم سيعارضون أي تنازلات أو صفقة تتخلى فيها إسرائيل عن المناطق الفلسطينية.
ويبدو أن الزعيم الفلسطيني، محمود عباس، توصل لنتيجة وهي أن السعوديين لن ينتظروا إنشاء الدولة الفلسطينية حتى يقيموا علاقات مع إسرائيل، لكنه يريد من إسرائيل تخفيف نشاطاتها الاستيطانية ومنح السلطة حكما ذاتيا أوسع في الضفة الغربية.
انهيار تحالف نتنياهو
وقد تؤدي الصفقة لانهيار تحالف نتنياهو الحالي، إذ أن الصيغة الوحيدة التي يدعمها التحالف، هي حصول الفلسطينيين على المال السعودي لاحتياجاتهم، دون مزيد من الحقوق.
ولذا فإن دعم بن سلمان المطالب الفلسطينية يعني خسارة نتنياهو دعم بعض تحالفه على الأرجح، ومعه غالبيته في الكنيست، وخياره الوحيد هو استخدام اتفاق تاريخي للحصول على دعم أحزاب الوسط، التي رفضت حتى الآن الانضمام لحكومته، وستطالب بتغيرات مهمة في السياسة لكل تفعل هذا. وربما يرحب نتنياهو بهذه الخطوة لإعادة تشكيل ائتلافه واستبدال المتطرفين بأحزاب الوسط.
ورغم دعم الوسط، بقيادة بيني جانتس ويائير لبيد لصفقة مع السعودية، إلا أن الأخير طرح بعض التحفظات حول تخصيب اليورانيوم في المملكة، وكلاهما لديه تجربة مُرّة في التعامل مع نتنياهو ولديهما الأسباب لعدم المشاركة في حكومة معه.
وربما وجد بايدن صعوبة في تسويق الصفقة، فحصول السعودية على مفاعل نووي قد يقلق الأمريكيين الخائفين من انتشارها الأسلحة النووية في الشرق الأوسط. كما أن التقدميين المعارضين للسعودية والجمهوريين، سيحاولون عرقلة الصفقة، بحسب ترجيح "إيكونوميست".
وتخلص المجلة البريطانية إلى أن أمل بايدن الوحيد، هو حفاظ نتنياهو على شعبيته بين الجمهوريين لحرف معارضتهم ودفعهم لدعم الصفقة، ما يعني أن إمكانيات صفقة أمريكية-إسرائيلية- سعودية كبيرة، لكن النافذة السياسية لتحقيقها تظل صغيرة، ولذا قال نتنياهو: "لو لم نحققها (الصفقة) في الأشهر القليلة المقبلة، فربما نأخرها للسنوات القادمة".
اقرأ أيضاً
المعارضة الإسرائيلية ترفض أي اتفاق للتطبيع مع السعودية يسمح لها بتخصيب اليورانيوم
المصدر | إيكونوميست/ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: السعودية إسرائيل التطبيع الشرق الأوسط الولایات المتحدة الشرق الأوسط مع السعودیة بن سلمان
إقرأ أيضاً:
عالم يُقسَّم.. والشرق الأوسط يدفع الثمن
فـي الوقت الذي يتطلع فيه العالم إلى إنهاء الحروب، وبناء نظام دولي أكثر عدلا، تقود إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الثانية تحولا مقلقا في السياسة العالمية يتمثل في الانتقال من منافسة القوى العظمى إلى التفاهم معها، حتى وإن جاء ذلك على حساب الحلفاء والدول الصغيرة. هذه ليست مجرد إعادة ضبط للعلاقات الدولية، بل هي بداية خريطة جديدة للعالم تُرسم بين الكبار، بينما يُطلب من الآخرين أن يتقبلوا ما يُفرض عليهم.
قبل سنوات فقط، تبنّت واشنطن استراتيجية واضحة: التنافس مع الصين وروسيا لحماية التفوق الأمريكي والدفاع عن الديمقراطية. كانت هذه الاستراتيجية -رغم صراحتها- تقوم على فكرة أن الولايات المتحدة تواجه خصمين يسعيان إلى تغيير النظام العالمي. ولهذا ركزت الإدارتان السابقتان -إدارة ترامب الأولى ثم إدارة بايدن- على صدّ النفوذ الروسي في أوكرانيا، ومنع توسّع الصين في آسيا، وبناء تحالفات أوسع حول العالم.
لكن الآن، يبدو أن الرئيس ترامب قد غير رأيه. هو لا يريد مواجهة الصين وروسيا، بل يريد الاتفاق معهما على إدارة العالم معا، كل في منطقته، وكل بما يراه مناسبا. وفقا لهذا المنطق الجديد، يمكن لروسيا أن تحتفظ بأراض من أوكرانيا، ويمكن للصين أن توسّع نفوذها في بحر الصين الجنوبي، بل وربما في تايوان لاحقا. مقابل ذلك، تتوقع واشنطن أن تظل هذه القوى على الحياد عندما تمارس الولايات المتحدة نفوذها في مناطق أخرى، بما فيها الشرق الأوسط.
هنا، تصبح المسألة خطيرة؛ لأن الشرق الأوسط هو المنطقة التي تأثرت أكثر من غيرها بقرارات القوى العظمى، وغالبا من دون أن يُؤخذ رأي سكانه بعين الاعتبار. واليوم، في ظل هذا التوجه الجديد، تصبح حروب مثل الحرب في غزة، أو الأزمة السورية، أو الملف النووي الإيراني، ملفات لا تُحل بمنطق القيم أو القانون الدولي، بل بمنطق «ما يناسب الكبار». وإذا اتفقت واشنطن مع موسكو أو بكين على تسوية ما، فالجميع مطالب بالقبول بها.
لكن هل هذا هو الطريق إلى السلام؟ وهل يمكن بناء استقرار عالمي من خلال تجاهل إرادة الشعوب والتفاهم مع الأنظمة القوية فقط؟ التجربة تقول لا. لقد جُرب هذا النموذج من قبل في أوروبا في القرن التاسع عشر، فيما عُرف بـ«نظام الوفاق»، حيث اتفقت القوى الكبرى على إدارة القارة وتجنب الحروب.
لكن النظام لم يصمد، وانتهى إلى صراعات أكبر؛ لأنه تجاهل التغيرات الحقيقية على الأرض.
في الشرق الأوسط، الناس لا يبحثون عن وفاق بين زعماء العالم، بل عن عدالة، وحرية، ومستقبل لا تُقرره القوى الكبرى خلف الأبواب المغلقة. التحديات التي تواجه المنطقة - من الاحتلال والنزاعات المسلحة، إلى الفقر والبطالة والتغير المناخي - لا يمكن حلها من خلال «صفقات جيوسياسية» لا تراعي مصالح الشعوب.
ما يحدث اليوم هو أن السياسة الدولية تعود إلى لعبة «تقاسم النفوذ»، بينما تُهمّش المؤسسات الدولية، وتُضعف التحالفات، ويُعاد تعريف المصالح بناء على من يملك القوة لا من يملك الحق.
وهذا يجب أن يقلق الجميع.
في نظام دولي عادل، لا ينبغي أن يكون مصير أوكرانيا أو فلسطين أو أي دولة أخرى موضوع تفاهم بين واشنطن وموسكو وبكين فقط؛ لأن العالم - ببساطة - لم يعد يتحمل نظاما يُدار كما لو أنَّ الآخرين غير موجودين.