بقلم: فالح حسون الدراجي ..

عندما يمرض الشاعر، يتوقف موكب الجمال برهةً من الزمان في وسط جادة الإبداع، حتى يتبين له خيط البشائر الأبيض، من خيط الأحزان الأسود ..

وحين يمرض ويتوقف شاعر ثان وثالث، وآخر يرقد في سرير العلل، وخامس يتنقل من مشفى الى آخر بحثاً عن العلاج، فهذا يعني أن الجمال يتعرض الى خيانة كونية، تستهدف صناع الحياة والحب والربيع والروعة، باعتبار أن الشعر عمود الفنون الفقري، والشاعر أحد اهم روافد العطاء الإنساني.

. لذلك يكون من الطبيعي جداً أن تتعرض الحياة برمتها الى أزمة جمالية، تتعطل بموجبها، لغة الخلق، والابتكار والتشكيل بالمرّة.

لذلك، وضعت يدي على قلبي خوفاً – على الحب والحياة- حين سمعت أن الشاعر جليل صبيح، يمر بوضع صحي مرتبك، لا يفتقد للخطورة، لكنه ليس خطيراً بإذن الله ..

وجليل صبيح هو الشاعر الرقيق، الطيب، المسامح، المكتنز بالموهبة، بل قل بالمواهب، والمزدحم أبداً بكل شطحات الخيال.. وستجد في هذا ( الجليل) شعراً، والجميل خلقاً، الكثير من الجنون، والقليل من الجدية، إلا حين يتعلق الامر باعداد برنامج، او تنفيذ مهمة فنية طارئة يكلف بها من قبل (رئيسه) في شبكة الإعلام، فسيكون الامر هنا مختلفاً ..

وجليل الذي عرف بعديد القصائد التي تتغزل بالعراق، وفقراء العراق، وبكتابة قصائد غير مألوفة و(متميزة)، حيث غرد فيها مرات ومرات لوحده خارج السرب العام، كما في قصيدته عن كميلة الحارسة، ومجنون النهضة، وأهل البسطيات وضحية نقيق الضفادع، وتمثال السياب والرصافي والبصرة والموصل ودجلة والفرات، وغيرها من الروائع الشعرية المميزة، إلا أنه لم يعرف قبل ثلاثين عاماً، ولم يشتهر خارج أسوار مدينة الثورة، إلا بقصيدته التي صارت هوية جنونه الشعري والجمالي.. وأقصد بها قصيدة ( جسر الجمهورية صديقي).. تلك القصيدة التي بكى فيها (أبو ياسر) صديقه جسر الجمهورية (شعراً) عبر قطعة فنية حوارية مرعبة، اعتبرتها ومعي الكثير من الجمهور الشعري، أفضل (دمعة) شعرية سقطت من عين (قريحة) شاعر عراقي، حزناً على صديق (جريح) مثل جسر الجمهورية، حتى بات جليل وهذه القصيدة صِنوانِ لا يفترقانِ، أو مثل شيء وظله، فلا يذكر جليل إلا ومعه جسر الجمهورية، والعكس صحيح أيضاً، على الرغم من ان ثمة الكثير من الشعراء كتبوا عن جسر الجمهورية قصائد رائعة ايضاً، مثل قصيدة الشاعر الكبير جواد الحطاب، وغيره، لكن الجميع كتب عن هذا الجسر من زوايا مختلفة عن الزاوية (الحرجة) التي كتب منها هذا الفتى (الضمداوي) القادم من قطاع ٤٢ في مدينة الفقر والشعر والشهداء .. مدينة الثورة والابداع والعطاء ..

إن (جسر الجمهورية صديقي) صرخة شعرية (شعبية) عالية، أطلقها جليل صبيح بوجه العتاة الهمجيين الذي ألقوا بكل قنابل الموت على رأس هذا الجسر الجميل، بعد المغامرة الرعناء التي فتح بها (المتخلف) صدام حسين سماء وأرض العراق امام الآلة الحربية الأمريكية وحليفاتها لتدمر كل ما في العاصمة بغداد من بناء جميل وحضاري.. وقد حصل ذلك بسبب (قزو) الكويت المشؤوم !

لقد أصابت تلك الهجمات الجوية والصاروخية جسر الجمهورية إصابات قاتلة في حرب عام 1991 حتى اسقطته في نهر دجلة آنذاك وسط دموع الناس،

فكانت قصيدة جليل صبيح عن ( استشهاد) جسر الجمهورية، ملحمة فنية، اقترب منها كثيراً المخرج الكبير سامي عبد الحميد -مسرحياً تراجيدياً ابداعياً- ولكم ان تتخيلوا أي عمل مرعب سيكون، ذلك الذي يكتبه شاعر مجنون من قطاع ٤٢ ، ويخرجه فنان كبير بحجم سامي عبد الحميد؟!

ختاماً أقول لجليل صبيح الراقد الآن في مستشفى الفاروق في السليمانية، والذي بدأ قبل يومين أولى جرعات (الكيمياوي) هذه الكلمات القليلة: أخي العزيز أبا ياسر، سأنتظرك عند جسر الجمهورية بعد شهر، حيث سأكون هناك، وسأزعل عليك إن أخلفت الوعد، وانت (تكره زعلي) كما قلت لي قبل أيام.. أنا واثق أنك ستجيء، مثلما واثق من حضوري عند صديقك جسر الجمهورية حيث ستقرأ لي قصيدة الجسر التي أحبها، وسأقرأ لك قصيدتي ( أنا وياك وصفنتي وآخر الليل) التي تحبها أنت.. إذاً الى اللقاء أيها الطيب حدّ الكفر ..

المصدر: شبكة انباء العراق

كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات جسر الجمهوریة

إقرأ أيضاً:

افتتاحية.. تكنولوجيا العمل التي لا تنتظر أحدا

بدأت يد التكنولوجيا تعبث بنماذج العمل والوظائف منذ الشرارة الأولى في ورشة الحدادة ودولاب الماء الذي أدار الرحى، وتضاعف أثرها مع ظهور خطوط التجميع ثم الحاسوب والآلة الحديثة، ومع ذلك ظل جوهر العمل ثابتًا: «أن نفهم الأدوات التي نبتكرها، ثم نعيد تنظيم حياتنا حول ما تتيحه من إمكانات».

وتقف البشرية أمام حقبة تختلف جذريًا عن كل ما سبقها؛ إذ لم تعد التكنولوجيا تتطور على خط مستقيم، بل تتوالد وتتسارع بطريقة تكاد تتجاوز قدرة المؤسسات على الفهم والتخطيط، حيث تشير تقارير المنظمة العالمية للملكية الفكرية إلى أن العالم يسجّل اليوم أكثر من 3.5 مليون براءة اختراع سنويًا، وهو أعلى رقم في التاريخ وبزيادة تتجاوز 25% خلال العقد الماضي فقط.

وفي مجالات الذكاء الاصطناعي فقط تضاعفت طلبات البراءات أكثر من سبع مرات منذ عام 2013، بينما يقول المنتدى الاقتصادي العالمي: إن التكنولوجيا الرقمية باتت تقصر دورة حياتها إلى نحو 18 شهرًا فقط مقارنة بدورات امتدت لعقود خلال الثورة الصناعية الأولى والثانية. هذا يعني أن ما كان ابتكارًا بالأمس يصبح قديمًا اليوم، وأن المؤسسات تُجبر على إعادة تصميم طرق العمل والإنتاج بوتيرة لا تمنحها وقتًا للتأمل الطويل.

ومع هذا التدفق المهول للتقنيات تتغير أسئلة المؤسسات فلم يعد السؤال: «أي تقنية سنستخدم؟»؛ بل أصبح «كيف نعيد تعريف العمل ذاته؟ وكيف نبني مؤسسات قادرة على التكيّف السريع على أرضية خوارزميات متقلبة؟».

وفي هذا العدد من «ملحق عُمان الاقتصادي»، نفتح ملفًا واسعًا حول تحولات العمل والإنتاج في عصر التكنولوجيا الصناعية الجديدة وجذورها، ونبحث في كيفية تأثير الذكاء الاصطناعي التوليدي على هيكلة الوظائف، ودور المنظومات الذكية في تسريع التصنيع، والتحديات الأخلاقية والإنسانية التي تظهر حين تتحرك التكنولوجيا أسرع مما تتحرك قدراتنا بالإضافة إلى ملفات اقتصادية أخرى منوعة.

رحمة الكلبانية محررة الملحق

مقالات مشابهة

  • رقم كبير.. النجف تكشف كمية الأمطار التي تم تصريفها من شوارع المحافظة
  • وزير الثقافة يعلن موعد انطلاق فعاليات المؤتمر العام لأدباء مصر في دورته الـ37 بمدينة العريش 26 ديسمبر جاري
  • حكم نهائي يُفجّر أزمة شيرين عبدالوهاب مع شركة The Basement
  • هجوم مُركّز من التيّار على وزير الطاقة
  • ارتفاع وتيرة العمليات النوعية التي تنفذها أوكرانيا ضد روسيا
  • الشاعر جمال بخيت يُعلق على أزمة محمد صلاح عبر فيسبوك
  • الحمزاوي يتأهل.. ولجنة تحكيم "شاعر الراية" تمنح بن هندي كارتها الذهبي
  • الإدارة التي تقيس كل شيء.. ولا تُدرك شيئًا
  • قصائد تتغنّى بالإمارات في «بيت الشعر» بالشارقة
  • افتتاحية.. تكنولوجيا العمل التي لا تنتظر أحدا