مشهد عظيم وحشود ملايينية اليمن يحتفل بالمولد النبوي الشريف
تاريخ النشر: 28th, September 2023 GMT
الملايين تدفقوا إلى 14 ساحة بالعاصمة والمحافظات بعد ظهر أمس حباً وولاء لرسول الله «صلوات الله عليه وعلى آله» الحشود رفعت صور المصحف الشريف وهتفت بالتفويض لقائد الثورة ورددت الأناشيد والمدائح النبوية
الثورة / تقرير من صنعاء والمحافظات
أحيا الشعب اليمني يوم أمس الأربعاء 12 ربيع الأول 1445 هجرية، مناسبة المولد النبوي الشريف بحشود مليونية غير مسبوقة، حضرت في الساحات والميادين المعدة للاحتفال العظيم بالمناسبة المباركة، حيث اكتظت الساحات والميادين المخصصة للاحتفالات المحمدية في العاصمة صنعاء والمحافظات بالملايين الذين تدفقوا إليها منذ صباح أمس، حاملين الأعلام والرايات المعبّرة، وصور المصحف الشريف، مرددين الهتافات والأناشيد والمدائح النبوية.
في كل عام يحيي الشعب اليمني هذه المناسبة بشكل واسع، لكن هذا العام كانت الحشود أكبر من كل عام، فالساحات والميادين التي أعدت للاحتفالات لم تتسع للمحتفلين، وقد توزعت الساحات على العاصمة صنعاء وعلى المحافظات، وبلغت 14 ساحة وميداناً شهدت حضوراً مليونياً غير مسبوق، أما ميدان السبعين في العاصمة صنعاء فما اتسع للحشود التي تدفقت نحوه وامتدت إلى جولة 45 شرقا، وإلى شارع 14 أكتوبر جنوبا، وإلى جولة المالية شمالا، وإلى جولة ريماس غربا، بل وامتدت الحشود خارج الميدان إلى الشوارع المحيطة بما يمثل أربعة أضعاف الميدان.
وأما في المحافظات، فحسب مراسلينا، فقد شهدت الساحات المعدة للاحتفالات حشوداً غير مسبوقة، وأكدوا أن هذه الحشود هي الأضخم من كل الأعوام السابقة، فيما يتساءل مراقبون عن أي ساحات ستتسع لجماهير الشعب اليمني حين يحتفل بالمولد النبوي الشريف في العام القادم، أن هذه الاحتفالات المنقطعة النظير تعبّر عن يمن الإيمان والحكمة، وعن هوية وارتباط وانتماء وولاء.
لم يكن يوماً عادياً يوم أمس الأربعاء الثاني عشر من ربيع الأول 1445هجرية، حيث لم تقتصر هذه المناسبة على حجمها الكبير، وحشودها العظيمة، بل جاء خطاب القائد الذي أعلن فيه المرحلة الأولى من التغييرات الجذرية ليضيف إلى المشهد العظيم، ما يصلح أحوال الشعب ويتقدم به نحو النهوض الشامل.
هذا اليمن المتدفق بالملايين في مناسبة المولد النبوي الشريف، مولد رسول الله محمد صلوات الله عليه وآله وسلم، لم تعد الساحات تتسع لحشوده المحبة والعاشقة لرسول الله صلوات الله عليه وآله وسلم، وقد تحولت اليمن يوم أمس إلى ساحة كبرى للاحتفاء بذكرى مولد الرسول الأعظم، ملأ الدنيا فرحة وبهجة بالمظاهر البهيجة التي زين بها السماء والأرض والنهار والليل، منذ بدأ شهر ربيع النور.
في العاصمة صنعاء، اكتظ ميدان السبعين والشوارع المحيطة به، بكتلة بشرية هائلة تدفقت من كافة مديريات العاصمة ومداخلها المختلفة منذ ساعات الظهيرة، تقدم فخامة المشير الركن مهدي المشاط – رئيس المجلس السياسي الأعلى، الحشود الملايينية التي توافدت إلى ساحة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف استجابة لدعوة قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي لأبناء الشعب اليمني بالحضور الكبير والمشرف لإحياء هذه المناسبة العظيمة.
رسمت الحشود المليونية التي تقاطرت من كافة مديريات العاصمة ومحافظة صنعاء وعزلها وقراها، مشهداً محمدياً مهيباً وفريداً يجسد ولاء وارتباط أبناء الشعب اليمني بنبي الأمة ورسول الإنسانية وتمسكهم بالهوية الإيمانية اليمانية، وكانت شوارع ومداخل العاصمة صنعاء شهدت تدفق سيول بشرية وطوابير طويلة من السيارات التي حملت على متنها الآلاف من ضيوف رسول الله، ورسمت لوحة بديعة ومشرفة لأبناء وأحفاد الأنصار، شعب الإيمان والحكمة، حبا وتعظيما لسيد البشرية وقائدها ومعلمها الأول صلوات الله عليه وعلى آله وسلم.
ومثل العاصمة صنعاء كذلك محافظات اليمن الحرة، التي اكتظت ساحاتها بالحشود البشرية الضخمة، واحتفلت بالمولد النبوي الشريف، وحملت الحشود اللافتات والشعارات التي كتبت عليها عبارات التلبية والتعظيم والتمجيد والتبجيل للرسول الأعظم، وكذا المعبرة عن الولاء والاتباع للنهج المحمدي وما حمله للأمة من قيم ومبادئ إيمانية لإصلاح شأنها واستعادة مكانتها وعزتها وكرامتها،
ورددت الملايين شعارات البراءة من أعداء الله، والشعارات، والأناشيد المعبرة عن الفرحة والبهجة بمولد خير خلق الله ومنقذ البشرية ومخرجها من الظلمات إلى النور، كما هتفت بالتأييد والتفويض لقائد الثورة في كل ما يتخذه من إجراءات وقرارات لإصلاح مؤسسات الدولة المركزية والمحلية، وتلبية تطلعات أبناء الشعب اليمني وتحقيق أهداف ثورته المجيدة الحادي والعشرين من سبتمبر.
واكتست الساحات والميادين بالأعلام الخضراء واللافتات التي حملت شعار «لبيك يا رسول الله» في مشهد إيماني لا يتكرر سوى في بلد الإيمان والحكمة، ومن قبل أبناء وأحفاد أنصار رسول الله، وصدحت بالأناشيد والموشحات والمدائح النبوية قدمتها العديد من الفرق المشاركة من مختلف الألوان التراثية اليمنية، ابتهاجاً وفرحاً بهذه المناسبة الإسلامية الجامعة، التي شكلت محطة فاصلة غيّرت واقع البشرية وأخرجتها من براثن الظلم والضلال إلى رحاب الحق والحرية والعدالة.
كان المشهد الذي حدث بالأمس عظيماً لا يوصف، وقبله كانت الأيام الماضية تشهد فعاليات مكثفة، الاحتفالات كانت مشرفة، وتليق بمقام رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله، المشهد العظيم الذي سطره الشعب اليمني هذا العام في ربيع محمد صلوات الله عليه وآله وسلم، لا مثيل له، وللعالم كله أن يتساءل عما حدث ليتذكر مولد أزكى الرسل وأطهر البشر رسول الله محمد صلوات الله عليه وآله وسلم.
ومن هذه المناسبة العظيمة التي ملأت الدنيا فرحاً، أعلن قائد الثورة المرحلة الأولى من التغييرات الجذرية، بتشكيل حكومة كفاءات وإصلاح القضاء، جاء ذلك في خطابه العظيم بالمناسبة المحمدية العظيمة، كان للإعلان وقعه على الحشود المليونية، التي هتفت بـ«فوضناك يا قائدنا فوضناك»، ولم تتردد أثناء خطاب القائد عن الهتافات المدوية، وبإعلان قائد الثورة التغييرات الجذرية، كانت فرحة اليمنيين اليوم فرحتين، الأولى احتفالا بمناسبة المولد النبوي الشريف، والثانية بالإعلان عن المرحلة الأولى من التغييرات الجذرية. مشهد عظيم وحشود ملايينية اليمن يحتفل بالمولد النبوي الشريف السابق 1 من 7 التالي
المصدر: الثورة نت
كلمات دلالية: بالمولد النبوی الشریف التغییرات الجذریة العاصمة صنعاء هذه المناسبة الشعب الیمنی رسول الله
إقرأ أيضاً:
من سبأ إلى حمير .. اليمن التي علّمت التاريخ معنى السيادة
يُعدّ اليمن مهدًا لحضارات ضاربة في عمق الزمن، تشكّلت على أراضيه دول وممالك قديمة عظيمة لعبت أدوارًا محورية في تاريخ شبه الجزيرة العربية، والعالم القديم عمومًا، على امتداد آلاف السنين، ظهرت في اليمن ممالك مثل سبأ، ومعين، وقتبان، وحضرموت، وحِميَر، لم تقتصر إنجازاتها على الحدود الجغرافية للجنوب العربي، بل امتدت آثارها إلى أعماق الشام والعراق وشرق إفريقيا، وحتى الإمبراطوريات الكبرى مثل روما وفارس.
يمانيون/ تقرير/ طارق الحمامي
يتناول هذا التقرير استعراضًا لتاريخ الممالك اليمنية القديمة، بدءًا من النشأة والتطور، مرورًا بأهم إنجازاتها الحضارية في مجالات الري والزراعة والتجارة والكتابة، وانتهاءً بعلاقاتها المتشعبة مع الممالك والدول المجاورة، من الحبشة إلى فارس، ومن كندة إلى بيزنطة، كما يتوقف التقرير عند مواطن القوة التي جعلت من هذه الممالك حضارات مزدهرة قادرة على التأثير العالمي، وكذلك مواطن الضعف التي ساهمت في تراجعها وسقوطها، سواء بسبب الانقسامات الداخلية أو الأطماع الخارجية.
تكمن أهمية هذا التقرير في كونه يسلط الضوء على فترة تاريخية شديدة الغنى لكنها لا تحظى غالبًا بالاهتمام الكافي في الوعي العربي العام، رغم أنها تمثل أحد أهم جذور الهوية التاريخية والحضارية لليمن والمنطقة، فمن خلال دراسة هذه الممالك، نفهم ليس فقط كيف تشكّلت الدولة في جنوب الجزيرة، بل كيف كان للعرب دور فعّال في صناعة التاريخ الإقليمي والدولي منذ عصور مبكرة.
مملكة سبأ .. العظمة برائحة البخورقامت مملكة سبأ في الألف الأول قبل الميلاد، وكانت عاصمتها مأرب، اشتهرت ببناء سد مأرب، أحد أقدم وأعظم مشاريع الري في التاريخ، والذي سمح لها بالتحكم في الزراعة والمياه ، واستخدمت الخط المسند، ونشرت تأثيرها السياسي والديني في المنطقة ، وارتبطت بشخصية الملكة بلقيس، التي ورد ذكرها في القرآن الكريم ، وامتدّت بنفوذها إلى شمال الجزيرة وإفريقيا الشرقية.
مملكة معين .. إمبراطورية القوافلنشأت في منطقة الجوف، واتخذت من قرناو عاصمة لها، واشتهرت بتنظيم التجارة عبر طريق البخور ، وأنشأت شبكة قوافل تجارية محكمة تصل الهند بموانئ الشام ومصر كما حافظت على استقلالها رغم قربها من ممالك منافسة.
مملكة قتبان .. الازدهار الصناعي والتجاريتمركزت في وادي بيحان، وازدهرت من خلال الزراعة، والصناعة، وتجارة اللبان ، وكانت تمنع مركزًا سياسيًا وتجاريًا متقدمًا ، كما شاركت في التحكم بطريق التجارة بين حضرموت والبحر الأحمر.
مملكة حضرموت .. كنوز اللبان والموانئ الحيويةعاصمتها شبوة، وامتدت أراضيها إلى سواحل المحيط الهندي ،واشتهرت بإنتاج وتصدير اللبان ، كما أنشأت موانئ بحرية قوية مثل قنا، وعززت العلاقات مع الهند وشرق إفريقيا ،واحتفظت باستقلال طويل قبل أن تخضع لحمير.
مملكة حمير .. التوحيد والقوة العسكريةظهرت في القرن الثاني قبل الميلاد، ونجحت في توحيد اليمن السياسي تحت سلطتها ، وتحولت إلى اليهودية في القرن الرابع الميلادي ، حيث خاضت صراعات دينية وسياسية مع مملكة أكسوم المسيحية حتى تدخلت فارس لإسقاط الاحتلال الحبشي بطلب من الحميريين.
العلاقات الإقليمية والدولية للدول والممالك اليمنيةمع ممالك الجزيرة العربية ، تفاعلت مع كندة وبقية القبائل الكبرى في نجد والحجاز ، وساهمت في نشر ثقافتها ودياناتها شمال الجزيرة.
مع الحبشة (أكسوم) ، شهدت العلاقات تحولًا من التجارة إلى صراع مسلح ، حتى غزت أكسوم اليمن بدعم بيزنطي في القرن السادس الميلادي.
مع الإمبراطورية البيزنطية والرومانية ، كانت اليمن شريكًا تجاريًا هامًا ، وحاولت روما وبيزنطة الالتفاف على احتكار اليمنيين لطريق البخور.
مع فارس (الساسانيين) ، استجابت لحلفاء من حمير لمساعدتهم ضد الأحباش ، وأصبحت اليمن ولاية فارسية حتى الفتح الإسلامي.
التوازن بين الازدهار والتحديات في مسيرة الدول والممالك اليمنية القديمةلقد مرت الدول والممالك اليمنية القديمة، على مدار أكثر من ألف عام، بفترات ازدهار لافتة، جعلتها من أبرز الحضارات في جنوب الجزيرة العربية، لكن هذا الازدهار لم يكن خاليًا من التحديات، فقد جمعت هذه الدول والممالك بين عناصر القوة المتعددة، وبين نقاط ضعف كامنة ساهمت لاحقًا في إضعافها وتعرضها للتدخل الخارجي والانهيار.
لقد كان الموقع الجغرافي لليمن، المتاخم للبحر الأحمر والمحيط الهندي، وكونه عقدة رئيسية على طريق البخور واللبان، من أبرز العوامل التي ساعدت على صعود هذه الممالك، وقد مكّنها هذا الموقع من تطوير شبكات تجارية واسعة امتدت إلى الشام، وبلاد فارس، والهند، وشرق إفريقيا، مما جلب ثروات ضخمة عززت نفوذها السياسي والعسكري، كما أسهمت البنية الاجتماعية المنظمة، القائمة على القبائل المستقرة، والأنظمة الإدارية المركزية، في تعزيز الاستقرار الداخلي نسبيًا داخل بعض الممالك مثل سبأ وحمير.
في المقابل، واجهت هذه الممالك تحديات خطيرة، من أبرزها التنافس المستمر بينها، حيث أدت الصراعات الداخلية إلى إضعاف الجبهة اليمنية أمام الأطماع الخارجية. كما أن التحولات الدينية، خاصة في أواخر عهد مملكة حمير، أدت إلى تفكك النسيج الاجتماعي والسياسي، وخلقت مبررات للتدخل من قِبل قوى أجنبية، مثل مملكة أكسوم الحبشية، ثم الإمبراطورية الفارسية. يُضاف إلى ذلك اعتماد هذه الممالك بشكل كبير على التجارة العابرة، مما جعل استقرارها الاقتصادي هشًا في حال تغيرت طرق التجارة أو ظهرت موانئ بديلة.
ورغم كل ذلك، ظلت الممالك اليمنية قادرة في فترات طويلة من تاريخها على التكيّف مع هذه التحديات، بل وتحويلها أحيانًا إلى فرص للبقاء والتمدد ، كانت القوة تكمن في القدرة على إدارة الموارد، وبناء التحالفات، وتوظيف العقيدة والهوية في تعزيز الشرعية السياسية، أما مواطن الضعف، فقد كانت في الغالب نتيجة لعدم الاتفاق على وحدة مستدامة، مما سهّل اختراق البلاد في اللحظات الحرجة.
إن هذا التوازن بين القوة والتحديات، هو ما يضفي على تجربة الممالك اليمنية القديمة عمقها وثراءها، ويجعل من دراستها نموذجًا لفهم كيفية صعود وسقوط الحضارات في سياقات معقدة ومتشابكة.
القوة العسكرية المنظمة .. كيف أصبحت اليمن مقبرة الغزاة؟على امتداد العصور القديمة، لم تكن الدول والممالك اليمنية مجرد كيانات مزدهرة اقتصاديًا وثقافيًا، بل كانت تملك قوة عسكرية منظمة ومؤثرة جعلتها في فترات طويلة عصية على الاحتلال الخارجي، وصعبة الاختراق حتى على أعظم الإمبراطوريات في العالم القديم، أظهرت النقوش والآثار اليمنية القديمة إشارات واضحة إلى وجود هياكل عسكرية منظمة لدى معظم الممالك، حيث تشير نقوش مملكة سبأ وحمير إلى فرق عسكرية متخصصة، وقادة ميدانيين، واستخدام متقدم للأسلحة التقليدية في تلك المرحلة مثل السيوف، والرماح، والدروع، والعربات القتالية،
كما اتبعت بعض الممالك، خصوصًا حمير، سياسة التجنيد القبلي وتشكيل جيوش شبه دائمة، كان يتم تدريبها لحماية الطرق التجارية والمعابد والمدن، وكذلك لردع الغزوات الخارجية، مما ساعد على تأمين الاستقرار السياسي والاقتصادي
كما تميزت مدن اليمن القديمة بوجود تحصينات دفاعية قوية، فقد بُنيت كثير من العواصم والمراكز الحضرية فوق مرتفعات جبلية أو خلف أسوار عالية، كما في شبام، وقرناو، وظفار، وهو ما صعّب على الغزاة مهمة اختراقها، وكانت تلك المدن مجهزة بأنظمة إنذار ومراقبة، وتمتلك طرقًا ملتوية للدخول تجعل أي غزو مباشر محفوفًا بالمخاطر.
تاريخ اليمن القديم مليء بالأمثلة على التصدي الناجح لمحاولات الغزو الأجنبي ، حيث حاولت الإمبراطورية الرومانية إرسال حملة بحرية إلى اليمن في عهد الإمبراطور أغسطس، لكنها فشلت في تحقيق أي اختراق فعلي ، على الرغم من تمكن الأحباش من احتلال أجزاء من اليمن في القرن السادس الميلادي، إلا أن المقاومة الحميرية لم تهدأ، ونجحت في استدعاء الفرس لطرد الغزاة بعد معارك طويلة ،
وما تجدر الإشارة إليه أن الممالك اليمنية القديمة لم تُستعمر استيطانيًا من قبل أي قوة أجنبية قبل العصر الحديث، بل كانت تتمتع دائمًا بمساحة من الاستقلال والندية .
لقب “مقبرة الغزاة”… استحقاق له جذور تاريخيةما يُعرف اليوم بـ”مقبرة الغزاة” ليس مجرد وصف حديث، بل يعكس تراكمًا تاريخيًا طويلًا من الفشل الخارجي في إخضاع اليمن بالكامل ، فقد واجه اليمنيون الحملات الخارجية بالصبر والمقاومة، مستخدمين وعورة التضاريس، وتماسك القبائل، والخبرة القتالية في الجبال والصحارى، لتحويل أرضهم إلى شَرَكٍ للمعتدين ، وكانت القوة العسكرية المنظمة أحد أعمدة الصمود في الممالك اليمنية القديمة، ولم تكن هذه القوة تعتمد فقط على العدد والعدة، بل على الاستراتيجية، والتحصينات، وروح المقاومة، وقد ساهم هذا العامل، إلى جانب الهوية الثقافية المتجذرة، في جعل اليمن في نظر الغزاة أرضًا عسيرة لا تستسلم بسهولة، بل تقاوم وتنتصر، أو تموت واقفة.
الهوية اليمنية القديمة .. كيف حافظت على خصوصيتها الثقافية والسياسية والاجتماعية؟رغم تعاقب القوى، احتفظ اليمن القديم بهويته الخاصة التي تميزت عن باقي حضارات المنطقة ، حيث استخدموا الخط المسند، ورفضوا استيراد نظم كتابة أجنبية، ووثقت النقوش والمجسمات أزياء وزينة تقليدية ما تزال مؤثرة حتى اليوم ، كما أنها احتفظت بنمطها المعماري الفريد، أبرزها معابد أوام ومدينة شبام ، وحافظوا على طقوس محلية حتى مع دخول الديانات السماوية ، أما التقاليد الاجتماعية كالزواج والميراث والملكية القبلية، ساعدت في بناء تماسك اجتماعي قوي واستقلال إداري حتى في ظل الاحتلال، استمرت النظم المحلية في العمل، ورفض اليمنيون الانصهار في الثقافات المفروضة عليهم.
خاتمةإن الدول والممالك اليمنية القديمة لم تكن مجرد كيانات سياسية، بل حضارات متكاملة حافظت على خصوصيتها، وهويتها، وأسهمت في تشكيل ملامح المنطقة تاريخيًا وثقافيًا. واليوم، لا تزال آثارها شاهدة على ماضٍ مجيد، يستحق أن يُدرس ويُحتفى به، ليس كتراث محلي فقط، بل كجزء من ذاكرة الإنسانية المشتركة.