الحاجة للابتعاد عن صراع الثنائيات المتضادة
تاريخ النشر: 30th, September 2023 GMT
الحاجة للابتعاد عن صراع الثنائيات المتضادة
هل حقاً أن الحل العربي يكمن في العيش مع الدولة القطرية الفاشلة مهما كانت نواقصها؟
هل حقاً أن واحدة من المجتمعات الأخرى قد حسمت تلك الثنائيات، بالمعنى الذي نريده في بلاد العرب؟
قوة ومكانة أمريكا والصين وروسيا وألمانيا والهند والاتحاد الأوروبي، أحد أسبابهما الرئيسية هو اتحاد مكوناتها وأممها في وحدة سياسية لدولة واحدة.
موضوع الدولة القطرية ودولة الوحدة القومية يجب أن يخرج من عبث الثنائيات المتصارعة، ويدخل في حوار التناغم والفعل والتقوية لكلا المكونين حالياً.
مر أكثر من قرنين والمثقفون والإصلاحيون يدورون في حلقة مفرغة. ولا أعرف أمة أنهكت قواها العقلية والتحاورية في الصراعات حول الثنائيات، كما فُعل بأمتنا.
القوى السياسية الثلاث التي طرحت الوحدة العربية لم توفق في إيصال مشاريعهم إلى بر الأمان، لأسباب خارجية وداخلية كثيرة فصلت في مئات الكتب والمؤتمرات.
عن أية دولة وطنية قطرية عربية يتحدثون؟ ألم يمرّ على وجودها قرن وفشلت فشلاً ذريعاً في تنمية إنسانية مستدامة، والانتقال إلى الديمقراطية والتخلص من الاستبداد؟
هل تعيش الثنائيات جنباً إلى جنب بجميع المجتمعات البشرية، وأن الذي حسم هو وجود نظامي تحاور وتنافس متسامحين، بين كل ضدين، وترك الأمر للزمن ولتبدل الأحوال ليقررا حياة هذا أو موت ذاك.
* * *
لا يتعب المثقفون العرب من الرجوع المتكرر لثنائيات الأفكار، ومسالك الفعل الضروري مع ما يرافقه من ذرف دموعهم بسبب عدم قدرتهم على حسم موضوع تلك الثنائيات.
وفي الأغلب يرجعون أسباب عدم الحسم إلى عجز الأمة الفكري والثقافي والسلوكي التاريخي، وإلى بلادة الفرد العربي في التعامل مع الفكر والواقع مع كثير من التحامل الجارح.
وقد مر أكثر من قرنين والمثقفون والإصلاحيون يدورون في هذه الحلقة المفرغة. ولا أعرف أمة أنهكت كل قواها العقلية والتحاورية في الصراعات حول الثنائيات، مثل ما فُعل بأمتنا ومثلما فعلت بنفسها.
منذ طفولتنا ونحن نسمع الصراخ والعويل حول ثنائية الإيمان والعقل، الأصالة والحداثة، الدين والعلمانية، الفرد والجماعة، القطر العربي والوطن العربي، العروبة القومية والإسلام، الرجل والمرأة، الولد والبنت، العلوم والآداب، وغيرها من الثنائيات المتواجهة المتصارعة التي يراد، بإصرار طفولي عجيب، لأحدها أن يزحزح الآخر ويعلو عليه وفي النهاية يعلن انتصاره كمبدأ أو شعار، أو فكر، أو استراتيجية، أو أيديولوجية تتبناها غالبية الناس.
ولا يعرف الإنسان سبب عدم قبول تعايش وتحاور وتنافس تلك الثنائيات، من دون أن يعلن الحكم بانتصار هذه أو تلك، بل يسأل الإنسان نفسه:
هل حقاً أن إحدى المجتمعات الأخرى قد حسمت تلك الثنائيات، بالمعنى الذي نريده في بلاد العرب؟ أم أن جميع المجتمعات البشرية، من دون استثناء، تعيش فيها كل أنواع الثنائيات جنباً إلى جنب، وأن الذي حسم هو وجود نظامي تحاور وتنافس متسامحين، بين كل ضدين، وترك الأمر للزمن ولتبدل الأحوال لكي يقررا في النهاية حياة هذا أو موت ذاك.
دعنا نأخذ مثال ثنائية الدولة القطرية ودولة الوحدة القومية، لقد طرح الموضوع منذ خروج العرب أولاً من تحت عباءة الحكم العثماني، ثم طرح بعد أن أمعن الاستعمار الغربي في تمزيق الوطن العربي إلى دول وطنية متباعدة.
وكان طبيعياً أن يكون رد فعل البعض هو طرح شعار وحدة الأمة في دولة اندماجية واحدة، خصوصاً بعد أن زرع الكيان الصهيوني في فلسطين، وبدأ يشكل خطراً وجودياً على كل العرب.
لكن القوى السياسية الثلاث التي طرحت شعار الوحدة العربية، وهي حزب البعث العربي، والحركة الجماهيرية الهائلة التي قادها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر ونظام الحكم في مصر، وحركة القوميين العرب، لم يوفقوا في إيصال مشاريعهم إلى بر الأمان، لأسباب خارجية وداخلية كثيرة فصلت في مئات الكتب والمؤتمرات.
لكن ما إن تعثّر ذلك المشروع العربي الكبير، حتى أطل علينا البعض، بالعقلية الثنائية إياها، لا بالمناداة لإصلاح ما تعثر في الماضي، وإنما بإعلان انتصار الدولة القطرية التي أصبحت قدراً لا راد له عند هؤلاء.
والواقع أن الموضوع برمته يطرح بشكل خاطئ، إذ ما المشكلة في التعامل مع وجود الدولة الوطنية القطرية، والعمل على أن تقوم بواجباتها التنموية، والانتقال بها إلى مرحلة ديمقراطية متقدمة وحقيقية، وفي الوقت نفسه، ومن دون تضاد أو صراع أو الدخول في معركة الثنائيات، العمل على أن تتوجه الدولة الوطنية نحو تحقيق وحدة عربية متدرجة تضامنية وتعاونية في البداية، إلى أن تنضج شروط قيام وحدة أكثر اقتراباً من الاندماج والانصهار المتفق عليه بتراض ٍ ديمقراطي شعبي في المستقبل؟
ما الذي تجنيه الحملة التي تعتبر أن الإيمان بوحدة الأمة العربية يوتوبيا خيالية، وصلت إلى مرحلة الموت، وأنها أيديولوجية من مخلفات القرن الماضي العربي المتعثر، وبالتالي آن أوان إغلاق ملفها، وأننا لم نعد بحاجة إلى تجذيرها ونشرها بين صفوف الشابات والشباب العرب؟ ثم عن أية دولة وطنية قطرية عربية يتحدثون؟
أليست هي الدولة العربية الحديثة، التي مرّ على وجودها قرابة القرن ومع ذلك فشلت فشلاً ذريعاً في بناء تنمية إنسانية مستدامة، وفي الانتقال إلى الديمقراطية والتخلص من الاستبداد، وفي تقديم مشروع تجديد ثقافي وحضاري، وفي استقلال وطني حقيقي بعد أن أصبحت مستباحة من قبل كل من هب ودب من دول الاستعمار، وفشلت في الدخول في عصر العلم والتكنولوجيا، وفي ألف ساحة وساحة أخرى؟ هل حقاً أن الحل العربي يكمن في العيش مع الدولة القطرية الفاشلة مهما كانت نواقصها؟
ثم ألا يرى هؤلاء أن قوة ومكانة بلدان مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا وألمانيا والهند، بل قوة ومكانة تكتل مثل الاتحاد الأوروبي، أحد أسبابها الرئيسية هو اتحاد مكوناتها وأممها في وحدة سياسية لدولة واحدة؟ أو في تكتل تضامني تعاوني قائم على أسس متينة؟
ما نحتاج أن نعلمه لشباب الأمة هو أنهم في الوقت الذي يتعايشون حالياً مع الدولة القطرية ويسعون إلى تحسين أوضاعها الكلية، عليهم، وفي الوقت نفسه، أن يطالبوا هذه الدولة الوطنية بالسير في طريق خطوات وحدوية تنتهي بقيام وحدة الأمة العربية في كيان وحدوي قوي يساعدها على أن تكون في مصاف الأمم القوية سياسياً واقتصادياً وعلمياً وتكنولوجياً ومعرفياً، أي إنسانياً بكل معنى الكلمة، وأن تخرج من جحيم مشاكلها الحالية.
موضوع الدولة القطرية ودولة الوحدة القومية يجب أن يخرج من عبث الثنائيات المتصارعة، ويدخل في حوار التناغم والفعل والتقوية لكلا المكونين حالياً، مع الأمل أن لا يطلب أحد التضحية بأحلام هذه الأمة في وحدتها الوجودية الشاملة التامة في المستقبل.
*علي محمد فخرو وزير بحريني سابق، وكاتب قومي عربي
المصدر | الشروقالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: العرب فلسطين الدولة القطرية الوحدة العربية الكيان الصهيوني الدولة القطریة هل حقا
إقرأ أيضاً:
الحكومة السورية ترحب بأي مسار مع قوات سوريا الديمقراطية من شأنه تعزيز وحدة وسلامة أراضي البلاد
دمشق-سانا
أكدت الحكومة السورية ترحيبها بأيّ مسار مع قوات سوريا الديمقراطية من شأنه تعزيز وحدة وسلامة أراضي البلاد، مجددة التمسك الثابت بمبدأ “سوريا واحدة، جيش واحد، حكومة واحدة”، ورفضها رفضًا قاطعًا أي شكل من أشكال التقسيم أو الفدرلة.
وقالت الحكومة السورية في بيان تلقت سانا نسخة منه: في ضوء التطورات الأخيرة المتعلقة بتنفيذ الاتفاق الموقع مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، تؤكد الحكومة السورية ترحيبها بأي مسار من شأنه تعزيز وحدة وسلامة الأراضي السورية، وتشكر الجهود الأمريكية المبذولة في رعاية تنفيذ هذا الاتفاق، انطلاقًا من الحرص على استقرار البلاد ووحدة شعبها.
وأضافت: تجدد الدولة السورية تمسكها الثابت بمبدأ “سوريا واحدة، جيش واحد، حكومة واحدة”، وترفض رفضًا قاطعًا أيّ شكل من أشكال التقسيم أو الفدرلة التي تتعارض مع سيادة الجمهورية العربية السورية ووحدة ترابها.
وأشارت إلى أن الجيش السوري يُعد المؤسسة الوطنية الجامعة لكل أبناء الوطن، وتُرحب الدولة بانضمام المقاتلين السوريين من قسد إلى صفوفه، ضمن الأطر الدستورية والقانونية المعتمدة.
وقالت في بيانها: وإذ تُبدي الحكومة تفهمها للتحديات التي تواجه بعض الأطراف في قسد، فإنها تُحذر من أن أي تأخير في تنفيذ الاتفاقات الموقعة لا يخدم المصلحة الوطنية، بل يعقّد المشهد، ويُعيق جهود إعادة الأمن والاستقرار إلى جميع المناطق السورية.
وأضافت: تؤكد الدولة السورية على ضرورة عودة مؤسسات الدولة الرسمية إلى شمال شرق البلاد، بما في ذلك مؤسسات الخدمات والصحة والتعليم والإدارة المحلية؛ لضمان تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين، وإنهاء حالة الفراغ الإداري، وتعزيز الاستقرار المجتمعي.
ولفتت إلى أن التجربة أثبتت أن الرهان على المشاريع الانفصالية أو الأجندات الخارجية هو رهان خاسر، والمطلوب اليوم هو العودة إلى الهوية الوطنية الجامعة والانخراط في مشروع الدولة الوطنيّة السوريّة الجامعة.
وأكدت الحكومة السورية أن المكوّن الكردي كان ولا يزال جزءًا أصيلًا من النسيج السوري المتنوع، مشددة على أن حقوق جميع السوريين، بمختلف انتماءاتهم، تُصان وتُحترم ضمن مؤسسات الدولة، وليس خارجها.
وختمت الحكومة بيانها بتجديد دعوتها لجميع القوى الوطنية إلى توحيد الصفوف والعمل المشترك تحت راية الوطن، بعيدًا عن المصالح الضيقة أو التدخلات الخارجية، وصولاً إلى سوريا آمنة، موحدة، مستقلة وذات سيادة كاملة على أراضيها.
2025-07-09Hassan Nasrسابق الوحدة وحطين يقلبان موازين البلاي أوف.. واللقب ينتظر الجولة الأخيرةالتالي وزير الطاقة يبحث سبل التعاون مع شركة جزائرية في قطاع الكهرباء انظر ايضاًوزير الطاقة يبحث سبل التعاون مع شركة جزائرية في قطاع الكهرباءدمشق-سانا بحث وزير الطاقة المهندس محمد البشير اليوم في دمشق مع وفد من شركة جزائرية …
آخر الأخبار 2025-07-09الحكومة السورية ترحب بأي مسار مع قوات سوريا الديمقراطية من شأنه تعزيز وحدة وسلامة أراضي البلاد 2025-07-09الوحدة وحطين يقلبان موازين البلاي أوف.. واللقب ينتظر الجولة الأخيرة 2025-07-09السفير باراك: الحكومة السورية أبدت حماساً لا يصدّق لضمّ قوات سوريا الديمقراطية إلى مؤسساتها 2025-07-09الرئيس الشرع يصدر مرسوماً بتعديل بعض مواد قانون الاستثمار 2025-07-09وزارة الرياضة تطلق منصات إعلامية جديدة لتعزيز التواصل الجماهيري 2025-07-09إنجاز آسيوي جديد للرباع السوري قسورة جغيلي 2025-07-09منتخب سوريا لكرة السلة للرجال تحت 16 عاماً يستعد لمعسكر خارجي قبل بطولة غرب آسيا 2025-07-09سيناتورة أمريكية: رفع القيود عن سوريا خطوة نحو التعافي والاستقرار 2025-07-09وزير الزراعة: تقديرات أولية تشير إلى احتراق 15 ألف هكتار في اللاذقية 2025-07-09الرئيس الشرع يصدر مرسوماً بإحداث الصندوق السيادي لتنفيذ مشاريع تنموية وإنتاجية مباشرة والاستثمار الأمثل للموارد
صور من سورية منوعات محرك طائرة “يبتلع” رجلاً في أحد مطارات إيطاليا 2025-07-09 وصية فريدة… صيني يورث ثروته لقطته ويبحث عن راعٍ أمين 2025-07-09
مواقع صديقة | أسعار العملات | رسائل سانا | هيئة التحرير | اتصل بنا | للإعلان على موقعنا |