لجريدة عمان:
2025-05-17@17:05:04 GMT

نوافذ: «فوي فوي».. أيها الخلاص!

تاريخ النشر: 1st, October 2023 GMT

يحتجزنا التردي الاقتصادي، باعتبارنا «طبقة وسطى» في تخبط مُضنٍ، دون يقين بأسباب انحدار نمط معيشتنا، الأمر الذي يجعلنا أمام خيارين، يتمثلُ أحدهما في إطلاق العنان للخيال والتمنّي، أو الإعلاء من نبرة الهجرة إلى أراضي الفرص، وهذا ما رجّحه أبطال الفيلم المصري «فوي فوي فوي»!

حرّضني الخبر الذي أعلنته نقابة المهن السينمائية في مصر عن اختيار هذا الفيلم للمنافسة على جائزة الأوسكار ضمن فئة أفضل فيلم أجنبي، على الذهاب لحضوره، باعتباره: «الأكثر تماسكا على مستوى الإخراج والسيناريو والديكور وأداء الفنانين».

حيثُ ينسجُ الفيلم قصّة اللهاث البشري لجعل الحياة أفضل. فكما يبدو نحن «نعيش في متاهة تغيّر الواقع الذي يمنعنا من استقراء الأحداث التي تمر بنا»، هذا ما يذكره كتاب «الاقتصاد العالمي الخفي»، للوريتا نابوليوني، والصادر عن دار العربية للعلوم ناشرون. تجد نابوليوني أنّ البيئات المتخيلة تتسع في أوقات الشظف لأنّ الانحطاط الاقتصادي ينخر المجتمع المدني، ويُموه الواقع، ويُعيد تشكيل بيئة غير واقعية من حولنا، وربما يكون هذا هو ما دفع أبطال الفيلم لأن يتلبسوا لبس العمى!

عبر كوميديا سوداء ساخرة، يُناقش الفيلم في صميمه قضية الهجرة غير الشرعية، فلقد استقى المؤلف والمخرج عمر هلال، فكرته من قصّة حقيقية، كُتبت في الصحافة عام 2015، «حيث سافرت بعثة للمكفوفين إلى بولندا للمشاركة في البطولة الدولية لكرة الجرس، إلا أن أفراد البعثة هربوا قبل المشاركة، وتبيّن لاحقا أنهم مبصرون، وكشفت التحقيقات تورّط رئيس النادي ومسؤولين في اتحاد رياضات المكفوفين في القضية، حيث دفع كل لاعب مبلغ 50.000 جنيه مصري نظير الحصول على تأشيرة»!

والسؤال: أعلينا أن نُدين الكذبة، أم علينا أن ننظر وراء ظروف نشأتها بشفقة؟

يُحذرنا التاريخ من أن التفاوت المتطرف في الدخل له آثار مدمرة على المجتمعات، إلا أنّ هنالك من يضع «العصي في عجلات الحراك الاقتصادي»، إلى أن نفقد ما تطلق عليه نابوليوني «البوصلة الأخلاقية».

لم يرغب «غاتسبي العظيم» في تغيير العالم وإنّما القفز فوقه، كما فعل بطل الفيلم تماما عندما ادّعى أنه ضرير، ليكتشف أنّه لم يكن وحده في هذه اللعبة الخطرة. تشير نابوليوني إلى أنّ «السعي وراء تغيير الحياة، سحق النوازع الأخلاقية، وسهَّل التلاعب المشبوه من أجل المال».

ثمّة ما تغيّر من حولنا حقا، ولكننا لا نرصده كما ينبغي، نُفضل في الغالب تجاهل قبضته المستشرسة، ففي الشارع لا تدور الأحاديث اليوم إلا حول: فواتير الكهرباء والماء والمشتريات اليومية التي تطبقُ قبضتها على خناق الراتب الهزيل. إننا نقعُ ضحية محاولة جعل العالم أرخص من حولنا، «فالتضخم يُغيّرُ الطريقة التي يفكر بها الناس تجاه حاجياتهم». بات كل واحد منا يُعيد التفكير في الأماكن التي يذهب إليها، يُفكّر بعدد المرات التي يخرج فيها لنزهة، وقود السيارة الذي سينفقه، والضريبة التي تصعد على ظهر مشترياته، لدرجة أنّ أحدنا قد يسأل «فيما لو كانت حياته طبيعية على هذا النحو؟».

من الأكيد أننا لسنا وحدنا، تقول نابوليوني بأنّ «العالم مُبتلى بالتضخم» إلا أنّ ما يُصعب الأمر هو أفول نجم الطبقة الوسطى التي تُعلي قيم التعليم والمعرفة، لنغدو فجأة مهووسين بالمشاهير وقصصهم التافهة، «لمزيد من الغرق في أحلام اليقظة وإنكار الواقع»!

لم تخبُ قوة اللقطة البصرية في الفيلم، فقد عكست بؤس الشوارع والبيوت بأثاثها المتواضع، والعوائل الضاغطة، وتخلي الحبيبات. إلا أننا نتّفق بصورة كبيرة مع ما ذهب إليه الكاتب أحمد كامل الذي حلل تصريح أداء بطل العمل محمد فراج، باعتباره شخصية بسيطة وغير مركبة، «لم تتمكن من استبصار الصراعات التي دفعت الشخصية إلى هذا التظاهر». لم ينجح المخرج في تعميق ألم الشخصيات ودوافعها الأكثر ديناميكية، كما أنّ مسحة التعاطف بينها وبين ذويها بدت ساذجة. يرى كامل أنّ مرد ذلك يعود إلى «ضعف مستوى الكتابة» الذي ألقى بظلاله على التفاصيل الصغيرة، رغم توفر القصّة والحبكة التي تنهض عليها المفارقات. إلا أنّ مشهد الركض الجماعي في نهاية الفيلم وخلع معالم العمى، كانت لاستبصار أمل مُخبأ، وكأن كل واحد منهم يتمثل كلمة «فوي» الإسبانية والتي تعني «أنا قادم»، ويستخدمها اللاعبون لتفادي الاصطدام. لقطة عميقة للانفلات من كل شيء، تاركين وراء ظهورهم حياة كاملة من الخيبات.

هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: إلا أن

إقرأ أيضاً:

محمد عمر يطرح رؤية مستقبلية لمكتبات مصر باستخدام تقنيات الواقع المعزز في مؤتمر 2025

شارك محمد عمر، مسئول العلاقات العامة بمكتبة مصر العامة، في المؤتمر الثاني لمنظومة مكتبات مصر العامة لعام 2025، ببحث علمي لافت حمل عنوان: "دور الواقع المعزز في تطوير الخدمات المعلوماتية وتنمية مهارات المستفيدين – دراسة استشرافية".

وقد نال البحث إشادة واسعة من اللجنة العلمية المنظمة للمؤتمر ومن الحضور، نظرًا لما قدّمه من طرح استشرافي يربط بين التقنية الحديثة واحتياجات المكتبة العامة كمؤسسة معرفية في قلب التحول الرقمي، ووصفت اللجنة البحث بأنه يمثل إضافة نوعية في مجال تطوير الخدمات المكتبية، خاصة في ظل توجه الدولة نحو رقمنة المؤسسات الثقافية.

سلط البحث الضوء على أهمية تسخير تقنيات الواقع المعزز (Augmented Reality) في تعزيز تجربة رواد المكتبة، وخاصة فئة الشباب والطلاب، عبر حلول مبتكرة تدمج المعلومة بالتقنية، ومن أبرز ما طرحه محمد عمر إمكانية استخدام تطبيقات الواقع المعزز لتوجيه المستفيدين داخل المكتبة من خلال خرائط ثلاثية الأبعاد، أو عرض معلومات الكتب مباشرة عند توجيه الهاتف المحمول إلى الغلاف، ما يحوّل تجربة المطالعة إلى رحلة تفاعلية ممتعة.

كما استعرض البحث دور الواقع المعزز في تحقيق العدالة الثقافية، من خلال ربط فروع مكتبات مصر العامة – سواء الثابتة أو المتنقلة – بمنظومة رقمية موحدة، تُسهّل تبادل الخدمات والمحتوى والخبرات، وتُسهم في توسيع قاعدة المستفيدين في المحافظات والمناطق الأقل حظًا.

وأكد المشاركون في المؤتمر أن البحث يعكس وعيًا عميقًا بالتحولات المعرفية والتكنولوجية، ويضع أسسًا عملية لمكتبة المستقبل، حيث تندمج التكنولوجيا مع الرسالة الثقافية في قالب يخاطب تطلعات الجيل الجديد.

يُذكر أن المؤتمر، الذي عقد هذا العام، جاء تحت عنوان"الدور الاجتماعي لمكتبات مصر العامة"، وهدف إلى تسليط الضوء على المبادرات والمقترحات التي تعزز من مكانة المكتبة كمحور ثقافي وتنموي داخل المجتمع، وتدعم دورها في تحقيق التنمية المستدامة عبر الثقافة والمعرفة.

وبهذا البحث، يفتح محمد عمر أفقًا جديدًا أمام مكتبات مصر العامة لتصبح أكثر تفاعلًا واندماجًا مع العصر الرقمي، دون أن تفقد هويتها الثقافية والاجتماعية.

طباعة شارك مكتبة مصر العامة محمد عمر مكتبات مصر العامة التحول الرقمي رقمنة المؤسسات الثقافية

مقالات مشابهة

  • “أسئلة الرواية السعودية”.. قراءة نقدية في تحوّلات الواقع عبر السرد
  • الأسس الفكرية في رواية مئة عام من العزلة لماركيز
  • لوثت الإنقاذ، وقبلها حكومة نميري، الوعي العام بمثاليات زائفة وخطابات منفصلة عن الواقع
  • عبد الله الجنيبي: أفتخر بتمثيل الإمارات في «سينما الواقع»
  • وداعاً أيها الشاعر الذي أزعج الظالمين والقتلة والفاسدين كثيراً ..!
  • وزير الصحة يبحث مع السفير القطري تعزيز الواقع الصحي في سوريا
  • محمد عمر يطرح رؤية مستقبلية لمكتبات مصر باستخدام تقنيات الواقع المعزز في مؤتمر 2025
  • سناب تشات تختتم أول تحدٍ من نوعه لعدسات الواقع المعزز في السعودية
  • وداعاً للسلاح.. حزب العمال بين متغيرات الواقع وخيار السلام
  • الرئيس أحمد الشرع: وقد استجاب الرئيس ترامب لكل هذا الحب، فكان قرار رفع العقوبات قرارا تاريخيا شجاعا. أيها السوريون، إن الطريق لا يزال أمامنا طويلاً، فاليوم قد بدأ العمل الجاد، وبدأت معه نهضة سوريا الحديثة، لنبني سوريا معاً نحو التقدم والازدهار والعلم والع