#الدين واحد وإن تعددت #الشرائع
بقلم : د. #هاشم_غرايبه .
درج محرك البحث المسمى (جوجل google) على الاحتفاء بأعياد ميلاد الأشخاص المهمين، من علماء وفلاسفة وفنانين، وحتى المغنين والراقصين والرياضيين، فيضع تصميما لشعاره مكرس لتلك المناسبة طوال ذلك اليوم.
في ذكرى ميلاد محمد صلى الله عليه وسلم، أعظم الشخصيات تأثيرا في التاريخ، تجاهلها (جوجل) تماما واختار الاحتفاء بمناسبة هزيلة.
لا يمكن تفسيرالأمر بالجهل، فلا أحد في عالم اليوم يجهل أنبياء الله، لكنه تجاهل أملاه الفكر الغربي الجمعي، المتعصب ضد الإسلام، لأنه يغلق العقل دون البحث لمعرفة ما يكرهه، فيجعل حتى العالم جاهلا.
أحد الأردنيين الذي كان يُحضّر للدكتوراة في أمريكا، عرض عليه أستاذه مرة فنجان قهوة فاعتذر بأنه صائم، فسأله: إذن أنت متدين.. ولكني لا أراك تذهب الى الكنيسة، فقال: أنا مسلم ولست مسيحيا، ارتبك الأستاذ في فهم كيف يكون الإنسان مؤمنا من غير أن يؤمن بالمسيح عليه السلام إلهاً.
طبعا شرح له العلاقة المعروفة وقال له أن الدين عند الله واحد لكن الشرائع مختلفة، فقال أستاذه: إذاً يمكنك أن تختار بينها ما تشاء حسب الإله الذي أرسلها!، فأجابه: ليس الأمر كمن يختار بين شرب القهوة البرازيلية أو الكينية، القضية هي أن الشرائع السماوية نزلت من عند الله متتالية، ولا ينقض بعضها بعضا لأنها من عند إله واحد، ولذلك يفترض أنها استكملت كافة أركان الدين في الرسالة الختامية.
لم يقتنع الأستاذ تماما، فسأله: لماذا أرسل الله مع كل نبي شريعة مختلفة طالما أنها كلها تصب في دين واحد؟، أجابه: سأضرب لك مثلا: لقد درسنا البيولوجي (علم الأحياء) في المدرسة، لكن مستواه كان بسيطا حتى يتناسب مع مداركنا في ذلك العمر، ثم درسناه مرة أخرى في الجامعة لكن بمستوى أعمق، وأنت درسته في برنامج الدكتوراة وفق أعمق مستوى وصله ذلك العلم، وبذلك استكملت المعرفة وأصبحت أستاذا عالما، لكن معرفتك هذه لم تتناقض مع معرفتك في المرحلتين السابقتين، وإنما استكملت ما لم تكن تقدر على حمله فيهما.
قال الأستاذ: فهمت مغزى قولك، لكني لا زلت لا أفهم لماذا يعبد كل أتباع دين إلها مختلفا؟ فأجابه: لم يقل أي من الأنبياء الثلاثة ما ينقض قول آخر، ولم يقل أي منهم أن اعبدوني من دون الله، بل دعا إلى عبادة الله وحده وصدّق كل واحد بما جاء به من قبله، لكن البشر الذين اتّبعوهم هم الذين فرّقوا الدين، ورفض أتباع كل نبي ما جاء به مَنْ جاء بَعدَهُ تعصباً وحسداً من عند أنفسهم، ولذلك تفرّقوا واختلفوا.
الحقيقة أن هذا الحوار يلخص كثيرا من الجدل الذي يدور بين أتباع الرسالات السماوية الثلاث، لكن من هم مؤمنون حقا لا يُفرّقون بين نبي ونبي في الإحترام، فجميعهم مرسلون من الله عز وجل، وبهدف عبادته، ولا يعتبرون كتاباً سماوياً شريرا وآخر طيبا، فجميعها جاء لخير الناس ولإسعادهم.
من غير المنطقي أن يعترف إنسان بنبي ويصدق بأنه رسول من الله، وينكر نبوة آخر أو يقول أن كتابه ليس من عند الله، هذا الشخص لا يمكن أن يكون مؤمنا بالله وإن قالها بلسانه، لأنه ينكر قدرة الله في إرسال أنبياء ورسل آخرين، وهو بذلك يشرك هواه ورغبته في أمر الله، بل ويقدمها على إرادة الله عز وجل.
قد تتفهم أن شخصا ينكر وجود الله أصلا، لأن ذلك عائد الى رغبته في التحلل من التزامات الإيمان أو الى ضحالة فكره، لكنك لا يمكن أن تتفهم إيمانه بنبي ودين وإنكاره لآخر.. أما الأعجب في أمر بعض هؤلاء، هو من يقتنع بفكرة أن القرآن الكريم من تأليف النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أو أعانه عليه شخص لا يعرف العربية، أما الفكرة الأكثر سخفا قولهم أنهم منسوخ عن التوراة! فإن كانوا يصدقون بالتوراة، فهل من أنزلها عاجز أن ينزل القرآن !؟، المدهش أن من يردد هذه الترهات ببغائية ليس أميا، فهو يستطيع قراءة القرآن الكريم واكتشاف أنه فوق قدرة البشر.
إذاً الموضوع ليس إلحادا بل تعصبا ضد الدين، أي انغلاقا فكريا.
المصدر: سواليف
إقرأ أيضاً:
علي جمعة يوضح الفرق بين القلب والفؤاد..فتعرف عليه
قال الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف عبر صفحته الرسمية على فيس بوك إن يقول سبحانه وتعالى يقول: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام: 110].
الفرق بين القلب والفؤاد
إذًا فهناك ما يُسمَّى بالقلب، وهناك ما يُسمَّى بالفؤاد. وكلمة «القلب» في اللغة العربية سُمِّيَت بذلك؛ لأن القلب له أحوال، فهو يتقلَّب في هذه الأحوال. وقال الشاعر:
وما سُمِّيَ القلبُ إلَّا أنَّه يتقلَّبُ * وما أوَّلُ ناسٍ إلَّا أوَّلُ النَّاسِ
فأوَّل مَن نَسِيَ سيدُنا آدمُ عليه السلام.
وسُمِّيَ القلبُ لأنَّه يتقلَّب في الأحوال، ولذلك يقول سيدُنا ﷺ: «إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ». إذًا تقلُّبُ القلب بين الأحوال هو من أمر الله؛ فالله سبحانه وتعالى هو الذي يُثبِّت القلوبَ على حالٍ، أو يُقَلِّبُها بين حالٍ وحالٍ؛ فكلُّ ذلك بيد الله سبحانه وتعالى، يفعل ما يشاء. فإذا كان القلب في حالة الثبات على الخير، فإنَّه يُسمَّى «فؤادًا».
إذًا القلب يتقلَّب بين الأحوال؛ بين الخير والشر، وبين العلو والنقصان، فالإيمان يزيد وينقص. فإذا كان في حالة العلو، وكان في حالة الوضوح، وكان في حالة الثبات، كان «فؤادًا». لكنَّ الإنسان لا ينبغي له أن يأمَنَ مكرَ الله، بل لا بدَّ أن يُراقِبَ نفسَه، وأن يكون دائمَ المراقبة حتى لا يَذِلَّ، ولا يُخطِئ، ولا يتدهور حالُه مع الله سبحانه وتعالى من حيث لا يشعر؛ لأنَّه قد يُستدرَج وتتدهور حالُه دون أن يشعر. قال تعالى في شأن هؤلاء: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ ۚ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [الأعراف: 182، 183].
إذًا فالإنسان العاقل يكون خصيمَ نفسِه، متدبِّرًا في حاله، يخشى أن يُستدرَج. فإن ترك الإنسانُ نفسَه للمعاصي استُدرِج، وتدهوَر؛ فتراه يرتكب المعاصي وهو يُنكِرها أوَّلًا، ثم يألفها ثانيًا فلا يُنكِرها، ويفعل المعصية دون نكير، لا يجد في قلبه حرجًا من فعلها، ثم بعد ذلك يتدهور حالُه مع الله سبحانه وتعالى فيستحلُّها.
في البداية يُبرِّرها لنفسه بقوله: «كلُّ الناس تفعل ذلك»، ثم يألفها حتى لا يرى فيها بأسًا، ثم يستحسنها، ثم يُخطِّئ مَن يُخالِفُه فيها؛ فالمعصية التي يفعلها هي في نظره «الصواب»، وغيرُها هو الخطأ. إذًا هذا استدراج.
في الأولى فعلها وهو مُتوجِّسٌ خيفةً،
وفي الثانية فعلها من غير توجُّس،
وفي الثالثة فعلها مُستَحِلًّا لها،
وفي الرابعة فعلها مُستَحسِنًا لها، ومُخطِّئًا مَن خالفها.
فهل لا يزال قلبُ ذلك الإنسان على حالةِ الفؤاد، أم أنَّه قد خرج من حالة الفؤاد إلى حالةٍ أخرى؟ يبدو أنَّه قد قُلِب.
الفؤاد
إذًا حالةُ الفؤاد قد تكون هي الحالةَ العُليا الصافية، ثم ينقلب على عَقِبَيْه، فإذا انقلب القلبُ لم يَعُدْ يُؤدِّي وظيفتَه، فيدخُل عليه الكِبْر، وهذا الكِبْر يمنعه من أداء وظيفته، فلا تستطيع أن تضع فيه شيئًا، ولا أن تستفيد منه فيما صُنِع له. فيصف الله حالَ هؤلاء بقوله: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ}؛ فما معنى هذا؟
أوَّلًا: أنَّهم كانوا على حالة الفؤاد، وهي حالةٌ خيِّرة.
ثانيًا: أنَّ الله سبحانه وتعالى قد استدرجهم، فأخرجَ الفؤادَ من حالته.
ثالثًا: أنَّه قَلَبَه؛ فنتج عن هذا القلبِ تعطيلُ الوظيفة؛ فالفؤاد الذي كان محلًّا لنظر الله، ولتَنَزُّلِ الرحمات من عند الله، أُغلِق وقُلِب، فذهبت وظيفتُه: وظيفةُ التلقِّي، ووظيفةُ الشفافية، ووظيفةُ البصيرة، ووظيفةُ الرؤية السليمة الربانية الإلهية التي يرضى عنها ربُّنا سبحانه وتعالى.