«يا بيوت السويس يا بيوت مدينتى.. أستشهد تحتك وتعيشى انتى.. أستشهد والله وييجى التانى.. فداكِى وفدا أهلى وبنيانى».. أبيات شعر كتبها الشاعر الكبير الراحل عبدالرحمن الأبنودى، وغناها لأول مرة الفنان محمد حمام، وأعاد غناءها الفنان محمد منير.. هذه الكلمات التى وثقت ببساطة المقاومة الشعبية لأهالى السويس ضد العدو فى حصار لمدة 101 يوم صمدت فيها المدينة وأهلها بأقل الإمكانيات أمام جيش معتدٍ، بل وانتصرت عليه فى «معركة السويس».

فى يومى 24 و25 أكتوبر 1973 وقعت معركة السويس، التى كانت أشبه بحرب مصغرة، وتعد آخر معركة كبرى فى حرب أكتوبر، قبل سريان قرار وقف إطلاق النار، إذ قررت إسرائيل فى 23 أكتوبر اقتحام السويس بلواء مدرع وكتيبة مشاة من المظليين، لكن لسوء حظهم أنهم لم يكونوا على دراية جدية بطبيعة أهل السويس، ومدى فدائيتهم تجاه أرضهم، وبعد 23 أكتوبر وعقب قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار.

وقبيل وصول مراقبى الأمم المتحدة، قررت إسرائيل اقتحام السويس، فى السادسة والربع من صباح 24 أكتوبر، وبدأت بالقصف الجوى والمدفعى على المدينة؛ لمحاولة ضرب الروح المعنوية للأهالى المحاصرين بالداخل، إلا أن الجيش المصرى ورجال المقاومة لاحظوا تجنب القصف الإسرائيلى ضرب المداخل الثلاثة للمدينة، ما يعنى وجود خطة لاقتحام المدينة من خلال تلك المحاور.

40 ألف ضابط وجندى ونحو 250 دبابة ومدرعة حاولوا الاستيلاء على السويس، لكن أهالى السويس كان لهم رأى آخر، فقدموا ملحمة سجلها التاريخ تضامناً مع القوات المسلحة، حتى وجدت إسرائيل نفسها فى حضرة شعب لا يعرف الاستسلام، وكبّدها خسائر فادحة وفاضحة بأقل الإمكانيات.

العميد عادل إسلام، القائد العسكرى للسويس، مساء 23 أكتوبر، يعيد تنظيم وترتيب المقاومة، مستعيناً بالفدائيين وأهالى السويس، ولكن قبل الاقتحام بدقائق، فوجئ أهالى السويس بالعدو يقطع عنهم إمدادات المياه والكهرباء وكذلك الاتصالات، ليتم عزل السويس عن باقى المحافظات، ولا يعرف أحد ما سيحدث فى الداخل، واعتقدت إسرائيل أنها ستدخل السويس وتسيطر عليها فى دقائق، وأن أهل السويس سيرفعون الرايات البيضاء مستسلمين، ولكن ما حدث كان درساً فى تاريخ المقاومة والمعارك، ظل يروى فى العالم أجمع، وتتناقله الأجيال، كان فيه الجيش والشعب روحاً واحدة.

فى صباح يوم 24 أكتوبر، وبالتحديد مع الفجر، فوجئ العدو بصيحات التكبير: «الله أكبر.. الله أكبر»، إذ أعلن شعب السويس عن نفسه وعن استعداده للشهادة قبل التفريط فى الأرض التى تمثل له العرض، وبحسب ما قاله قيادات الجيش الإسرائيلى المشاركون فى المعركة، فإنهم تفاجأوا بنيران تنطلق نحوهم من بؤر متعددة، وصفوها بـ«نيران الجحيم».

وبعد قصف استمر 3 ساعات متواصلة، بدأت كتيبة مدرعة التقدم من الجانبين، إلا أنها واجهت كميناً شرساً من رجال الجيش المصرى ومقاومة السويس، دمروا الدبابة الأولى أعلى الكوبرى الضيق، فتراجعت باقى الدبابات للخلف، ولكن بعدها فى تمام الساعة العاشرة وخمسين دقيقة، تقدمت القوة الرئيسية فى 3 موجات متفرقة، كل واحدة مكونة من 8 دبابات تتبع كل واحدة مدرعة، وظلت تمر فى شوارع المدينة ولم تطلق عليها أى رصاصة من جانب الجيش المصرى أو المقاومة، ولكن كل هذا كان أمراً مخططاً له، حتى يعتقدوا فى داخلهم أن السويس سقطت واستسلمت.

الأهالى نصبوا فخاً لقوات إسرائيل فى ميدان الأربعين وجنودها واجهوا الموت ففروا هاربين 

ومع وصول الموجة الأولى إلى ميدان الأربعين، انفجرت شوارع السويس كبركان من الغضب، وتفاجأ العدو بقذائف «آر بى جى» مصوبة نحو دباباته ومدرعاته، حتى تم تحويلها إلى ركام، وبقيتهم لا يصدقون ما يحدث، إذ تحول ميدان الأربعين إلى قطعة من الجحيم، بحسب ما قاله قائد قوة المظلات فى معركة السويس، يعكوف حيساوى، فى تصريحات تليفزيونية.

بدأت قوات إسرائيل يصيبها الهلع والذعر، وكلما حاولت الاحتماء فى أى مخبأ، تجد أهالى السويس يسيطرون عليه، وعلى الفور حاولت الموجتان الثانية والثالثة التراجع إلى الخلف والهرب، بعد رؤيتهما لما حدث فى الموجة الأولى، وخوفاً من تكرار الأمر معهما، وفى المقابل تواجه القنابل اليدوية وزجاجات المولوتوف الملقاة من أيادى المقاومة عليهما، هذا التسليح البسيط والخوف دب الرعب فى نفوس المدرعات والدبابات، التى بدأت الهرب كالفئران.

وحاولت كتيبة مدرعة أخرى، كانت متمركزة فى منطقة مبنى المحافظة، أن تتقدم، إلا أن أولى دباباتها اصطدمت بلغم مضاد للدبابات زرعه رجال المقاومة، وتسبب فى قطع جنزيرها، وما إن رآها قادة الدبابات حتى استداروا للخلف منسحبين إلى منطقة الزيتية، واختبأ البعض من جنود إسرائيل فى مبنى قسم شرطة الأربعين، بعد أن فقدوا الاتصال ببعضهم البعض، وأصبحوا غير قادرين على معاونة أنفسهم والصمود أمام ثأر رجال المقاومة السويسية.

وبعد أن كان الجيش الإسرائيلى يظن أن السويس سترفع الرايات البيضاء لهم، ويسمح أهلها بدخولهم، إلا أن العكس هو ما حدث تماماً، إذ طلب جنود الجيش الإسرائيلى الاستسلام أمام شعب السويس بعد أن انهارت معنوياتهم، وتأكدوا أن هذه المدينة غير أى مدينة أخرى دخلوها وسيطروا عليها، وأن شعبها لا يعرف معنى الاستسلام.

ويفضل الاستشهاد على أن يترك أرضه فى يد العدو، ومع أذان المغرب كانت المدرعات الإسرائيلية تنسحب من مواقع الاشتباك، تاركين خلفهم 15 دبابة ومدرعة تم تدميرها بالكامل، فقرروا على الفور الانسحاب، واكتفوا بالحصار من الخارج للسويس لمدة نحو 100 يوم، حتى جاء توقيع اتفاقية فض الاشتباك فى 18 يناير 1974، تم فك الحصار بعد أن دفعت إسرائيل الثمن غالياً بسقوط 80 جندياً من قواتها فى معركة السويس.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: حرب أكتوبر حرب الاستنزاف خط بارليف الجيش الذي لا يقهر بعد أن إلا أن

إقرأ أيضاً:

معركة العقول: كيف تسيطر إسرائيل على السردية العالمية؟

 

وبحسب حلقة "معركة العقول" من برنامج "المقاطعة" التي بثت على موقع الجزيرة 360 بتاريخ (2025/12/11) ويمكن متابعتها من (هذا) الرابط، فإن منظومة متكاملة من الأدوات التي يستخدمها الاحتلال لفرض روايته، بدءا من تأسيس صحيفة "جيروزاليم بوست" عام 1948 لترويج السردية الإسرائيلية للرأي العام الغربي، وصولا إلى عقود بمليارات الدولارات مع عمالقة التكنولوجيا.

ورصدت الحلقة كيف تحولت حركة المقاطعة (BDS) إلى "خطر إستراتيجي" بنظر الحكومة الإسرائيلية، حيث نُقل ملفها عام 2013 من وزارة الخارجية إلى وزارة الشؤون الإستراتيجية التي كانت تُعنى بملفين فقط: البرنامج النووي الإيراني وحركة المقاطعة.

وأنفقت إسرائيل واللوبي الصهيوني، وفق تقرير مجلة "ذا نيشن"، نحو 900 مليون دولار لمحاربة حركة المقاطعة خلال سنوات قليلة، في حين تجاوزت ميزانية وزارة الشؤون الإستراتيجية 70 مليون دولار سنويا لإدارة عمليات "دعاية سوداء" وتشويه وتجريم للناشطين.

وفي سياق متصل، وثّقت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أكثر من ألف حالة رقابة على محتوى داعم لفلسطين مارستها شركة "ميتا" خلال أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني 2023 وحدهما، في نمط ممنهج من الإقصاء الرقمي.

وسلّطت الحلقة الضوء على مشروع "نيمبوس" الذي وقّعته الحكومة الإسرائيلية عام 2021 مع شركتي "غوغل" و"أمازون" بقيمة 1.2 مليار دولار، ويوفر للجيش الإسرائيلي أدوات متقدمة للتعرف على الوجوه وتتبع الأشياء وتحليل المشاعر.

حملة مضايقات

وعرضت شهادة المهندسة زيلدا مونتيس، التي فُصلت من يوتيوب بعد مشاركتها في احتجاجات ضد المشروع، حيث وصفت كيف تعرّضت لحملة مضايقات منظمة واتُهمت بـ"معاداة السامية" لمجرد معارضتها تواطؤ الشركة مع الاحتلال.

ومن جهة أخرى، استعرضت الحلقة تجربة عمدة برشلونة السابقة آدا كولاو التي علّقت علاقات مدينتها مع تل أبيب، وواجهت حملات تشويه وشكاوى جنائية، مؤكدة أن "منع مظاهرات لصالح فلسطين أمر غير ديمقراطي وينتهك الحقوق الأساسية".

وعلى صعيد الأصوات اليهودية المعارضة للصهيونية، أبرزت الحلقة شهادة المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه الذي وصف كيف يُهندَس المجتمع الإسرائيلي ليصبح "عنصريا ومتفوقا"، محذرا من أن الجيل الجديد "أكثر عنصرية من الأجيال السابقة".

وأكد الحاخام يرحميئيل هيرش من حركة "ناطوري كارتا" أن الصهيونية "تناقض مطلق لما يجب أن يكون عليه اليهودي"، مشيرا إلى أن 99.9% من اليهودية الأرثوذكسية عارضت الفكرة الصهيونية تاريخيا.

وختمت الحلقة بشهادة الفنان البريطاني روجر واترز، مؤسس فرقة "بينك فلويد"، الذي تعرّض لحملات ممنهجة لتدمير مسيرته الفنية بسبب دعمه لفلسطين، مؤكدا أن "حركة المقاطعة حققت خطوات مذهلة" رغم كل محاولات التشويه والإسكات.

Published On 11/12/202511/12/2025|آخر تحديث: 20:07 (توقيت مكة)آخر تحديث: 20:07 (توقيت مكة)انقر هنا للمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعيshare2

شارِكْ

facebooktwitterwhatsappcopylink

حفظ

مقالات مشابهة

  • المقاومة الشعبية بمحلية كوستي تؤكد جاهزيتها للمشاركة في الحشد الجماهيري للاصطفاف خلف القوات المسلحة
  • “حماس” تطالب منظمة “العفو الدولية” بسحب تقريرها حول أحداث 7 أكتوبر
  • معركة العقول: كيف تسيطر إسرائيل على السردية العالمية؟
  • "الأحرار" تدين تقرير العفو الدولية لتبنيه الرواية الإسرائيلية واتهامه المقاومة بارتكاب جرائم في 7 أكتوبر
  • حماس تستهجن تقرير "العفو الدولية" الذي يزعم ارتكاب جرائم يوم 7 أكتوبر
  • حماس تهنئ الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في ذكرى انطلاقتها الـ58
  • “حماس” تهنئ الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في ذكرى انطلاقتها الـ58
  • الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين: مقاومة العدو الاسرائيلي حق أصيل وخيار وطني لابديل عنه
  • “لجان المقاومة في فلسطين”: الجبهة الشعبية شكّلت علامة مضيئة في مسيرة الكفاح الوطني الفلسطيني
  • مشعل: وجه “إسرائيل” القبيح كُشف أمام العالم بعد السابع من أكتوبر