بالفيديو: من هي طائفة الأحمديين في باكستان وما سبب اضطهادها؟
تاريخ النشر: 5th, October 2023 GMT
لا يستطيع الأحمديون المشاركة في الانتخابات خشية تعريض أنفسهم للانتقام. وبمجرد معرفة عقيدتهم، يتم نبذهم من صف المدرسة وصولا إلى الحياة المهنية.
لقي والد سعدية حتفه بسبب انتمائه الديني، بعد أن طعنه أحد الإسلاميين المتشددين في الشارع لأنه ينتمي إلى الطائفة الأحمدية التي تعرضت للتمييز والاضطهاد لعقود في باكستان.
كان حينها ينتظر في محطة للحافلات في آب/أغسطس 2022 في بلدة ربوة، عندما اقترب منه رجل غريب وطلب منه أن يردد مديحا لداعية اسلامي متطرف. ورفضه حينها للطلب كلفه حياته.
تقول سعدية أمجد، التي لم تشأ كشف اسمها الحقيقي لدواعي الحماية، لوكالة فرانس برس "يتم التعامل معنا وكأننا غير موجودين، ولا نُعتبر حتى بشرا".
كان قاتل والدها يدرك أنه سيعثر على الأحمديين في منطقة ربوة، في إقليم البنجاب الواقع في وسط شرق باكستان، وهي بلدة يبلغ عدد سكانها 75 ألف نسمة وتقطنها الطائفة الرئيسية في البلاد.
من هي طائفة الأحمديين في باكستان؟والأحمديون الذين هاجروا من الهند إلى باكستان بعد قرار التقسيم في العام 1947، هم من المسلمين. لكن تيارات إسلامية تعتبر ان اعتقادهم بنبي آخر بعد محمد بدعة.
انتشرت الطائفة والتي يقدر عدد اتباعها بنحو 10 ملايين شخص في جميع أنحاء العالم.
يصنفهم الدستور في باكستان على أنهم غير مسلمين منذ العام 1974، ويحظر القانون منذ العام 1984 عليهم التصريح بكونهم مسلمين ونشر عقيدتهم.
وعلى عكس الأحمديين في البلدان الأخرى، لا يمكنهم تسمية مكان عبادتهم "بمسجد"أو رفع الأذان أو الذهاب للحج إلى مكة. ويواجهون عقوبة السجن لمدة ثلاث سنوات لمجرد إلقاء التحية "السلام عليكم".
وعلى الرغم من ذكر منطقة ربوة في القرآن، إلا أن السلطات غيرت اسمها في التسعينيات.
تقول سعدية "لقد كنا ضحايا التمييز منذ الطفولة، ويصل هذا إلى حد التطرف".
وتضيف المدرسة البالغة من العمر 26 عاما "لقد وصلنا إلى مرحلة يتم فيها سلب حقنا في الحياة. في السابق كان الأمر مجرّد عداء، لكن حياتنا الآن مهددة".
وكان قاتل والدها مناصراً شاباً لحزب "حراك لبّيك باكستان"، وهو حزب إسلامي يقف وراء حملات العنف ضد من يعتبرهم ملحدين.
تهمة الإلحاد تعاقب بالإعدام في باكستانتؤكد باكستان على أن كل الأقليات الدينية آمنة في البلاد وفقا للدستور الذي يضمن حريّة المعتقد.
لكن أفرادا من الأقليات، وفي مقدمهم الأحمديون، يُدانون في كثير من الأحيان بتهمة الالحاد، وهي تهمة يعاقب عليها بالإعدام حتى لو لم يتم تطبيقها من قبل.
وتكشف احصاءات قامت بها الطائفة أنه منذ العام 1984 واجه 4آلاف من الأحمديين ملاحقات جنائية بسبب عقيدتهم من بينهم 334 بسبب تهمة الالحاد.
وشدد رئيس الوزراء أنور الحق كاكار مؤخراً على أن من "الواجب كمؤمن" أن يحرص على "حماية أرواحهم وممتلكاتهم وكرامتهم".
لكن أزرا بارفين (اسم مستعار آخر) ربة البيت البالغة من العمر 56 عامًا والتي فقدت ابنها في العام 2020 بعد أن قتله متطرف مراهق، في البنجاب، لا تصغي ولا تكترث لهذه الوعود.
وتتابع "المسؤولية تقع على عاتق الدولة" غير القادرة على صد الإسلاميين.
لا يستطيع الأحمديون المشاركة في الانتخابات خشية تعريض أنفسهم للانتقام. وبمجرد معرفة عقيدتهم، يتم نبذهم من صف المدرسة وصولا إلى الحياة المهنية.
تتعرض تجارتهم للهجوم والمقاطعة بشكل دوري.
كان سجاد أختر (اسم مستعار) البالغ خمسين عاما، رجل أعمال ثريا من منطقة لاهور، عاصمة اقليم البنجاب. ولكن عندما عرفت ديانته، تم تقديم شكوى ضده، متهمين إياه بنشر عقيدته ما دفعه للهروب مع عائلته.
ويفصح "كنت أتوقع أن يكون هناك رد فعل عندما أكشف عقيدتي، لكنني لم أعتقد أنه سيكون متطرفا على هذا النحو".
أماكن للعبادة منهوبةيقوم المجتمع المدني في ربوة، حيث يشكل الأحمديون 90% من السكان، بتمويل البنية التحتية بشكل عام أو جزئيً. وفي المدينة مدارس جيدة، مجانية ومفتوحة لغير الأحمديين، ومستشفى لأمراض القلب، ومرافق رياضية.
دفن عبد السلام الأحمدي، الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء في العام 1979، في ربوة. وأزالت السلطات كلمة "مسلم" من على قبره.
وعلى الرغم من أنهم أكثر أمانًا في ربوة من أي مكان آخر في باكستان، حيث يختلطون مع باقي الديانات الأخرى، فإن الأحمديين لا يشعرون بما يكفي من الأمان.
فيديو: باكستانيون يتخلون عن حلم الهجرة إلى أوروبا بعد غرق المئات في البحر المتوسطباكستان تحقق مع رجال دين لدورهم في إثارة أعمال الشغب المتعلقة بالتجديفشاهد: مسيحيون يصلّون وسط الأنقاض بعد اتهامات بالتجديف في باكستان"لا تنتهي الملاحقة بموت أحمدي"تتعرض أماكن عبادتهم للنهب بشكل متكرر ويتم تدنيس مقابرهم، أحيانًا تحت أعين الشرطة.
ويقول محمود افتخار أحمد ظفار، أحد المتحدثين باسمهم إنه "حتى بعد وفاتهم، لا يغفر للأحمديين. لا تنتهي الملاحقة بموت أحمدي".
وتظل الطائفة في باكستان والتي يراوح عدد معتنقيها بين 400 ألف و500 ألف نسمة، وفقاً لتقديراتها، واحدة من أكبر الطوائف في العالم. لكن المنتسبين إليها يغادرون البلاد بشكل جماعي، خصوصا منذ مقتل أكثر من 80 أحمديًا في العام 2010 في هجومين انتحاريين على أماكن للصلاة في لاهور.
لا ترى سعدية أملا في المستقبل وتخلص "لا أعتقد أننا سنُمنح حقوقنا أو يُسمح لنا بالعيش بأمان وحرية وبدون قيود".
المصادر الإضافية • أ ف ب
شارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية شاهد: باكستان تشيع قتلى التفجير الانتحاري الذي أودى بحياة أكثر من 50 شخصا ارتفاع عدد الضحايا إلى 40 قتيلًا في التفجير الانتحاري قرب مسجد في بلوشستان في باكستان باكستان: إجلاء نحو 100 ألف شخص من مناطق غمرتها فيضاناتٌ تسببت بها الهند باكستان مجتمع تمييز سياسة حقوق الأقليات حقوق الإنسانالمصدر: euronews
كلمات دلالية: باكستان مجتمع تمييز سياسة حقوق الأقليات حقوق الإنسان فرنسا السعودية إسرائيل أذربيجان تغير المناخ الشرق الأوسط قتل أرمينيا جيش فلسطين المناخ فرنسا السعودية إسرائيل أذربيجان تغير المناخ الشرق الأوسط یعرض الآن Next فی باکستان فی العام أکثر من
إقرأ أيضاً:
طفولتي تلاشت ببساطة.. عرائس الرياح الموسمية في باكستان
إقليم السند – كانت "آسفة" تجلس على أرضية منزل عائلتها الطينية الباردة عندما دخل والداها الغرفة ليخبراها بزفافها وهي طفلة صغيرة. وبسبب حالات كهذه، تشهد المنطقة تنظيم عروض ثقافية ومجتمعية للتوعية بهذه الظاهرة ومخاطرها.
كانت الشمس قد بدأت تغرب عن القرية الصغيرة التي تأوي 250 عائلة، والرابضة في قلب إقليم السند جنوب شرقي باكستان، ملقية وهجا دافئا على المشهد القاحل المحيط. تتذكر آسفة بوضوح رائحة العشب الجاف التي حملتها الريح.
كان من الصعب قراءة وجه أمها، لكن آسفة أدركت أن شيئا ما مختلف اليوم. نظر والداها إلى بعضهما البعض للحظة قبل أن يلتفتا إليها. قال لها والدها "لقد تم ترتيب زواجك".
كانت آسفة تبلغ من العمر 13 عاما فقط.
في البداية، لم تستوعب الموقف تماما. ذهلت بخواطرها إلى الملابس الجديدة، والمجوهرات اللامعة، والاحتفالات التي سمعت عنها من الفتيات الأكبر سنا في القرية. الزفاف يعني هدايا، وأدوات زينة، وأزياء جديدة.
تتذكر آسفة بصوت مثقل وهي تجلس خارج منزل زوجها على "تشارباي" (سرير نهاري منسوج تقليدي) ملونة، وتنظر إلى الأرض المتشققة للقرية التي نشأت فيها "ظننت أنه سيكون احتفالا كبيرا". هي ملتفة بـ"دوباتا" (وشاح تقليدي) وردية باهتة، وشعرها الداكن يؤطر وجهها الصغير. تبلغ الآن 15 عاما، وهي أم لطفل رضيع، عمره بضعة أشهر، تحمله بحنان بين ذراعيها.
يقف منزلها المبني من الطين والقش خلفها، سقفه من القش وقد صقلته سنوات من الرياح القاسية والأمطار والشمس الحارقة.
تقول "لم أفهم حقا ما الذي ينطوي عليه الزواج". "لم أدرك أبدا أنه سيعني أن أكون مع رجل أكبر مني سنا، شخص لم أكن أعرفه أو أختره".
علاوة على ذلك، تقول إن زوجها مدين بعد أن اقترض 300 ألف روبية باكستانية (عملة باكستان) ليعطيها لعائلتها عندما وافقوا على الزواج. "لا يستطيع سدادها".
إعلانلم يكن قرار العائلة بتزويج ابنتهم البالغة من العمر 13 عاما نابعا من التقاليد، بل من يأس مطبق.
تضرر والدا آسفة بشدة من الفيضانات الكارثية التي اجتاحت باكستان عام 2022. لأجيال، زرعت عائلتها الأرز والخضروات مثل البامية (نوع من الخضار)، والفلفل الحار، والطماطم، والبصل في المشهد الذي كان غنيا يوما ما في وادي نارا الرئيسي، لكن المياه المتصاعدة تركت حقولهم غير معروفة الملامح، غارقة وعقيمة.
المال الذي كانت العائلة تأمل في كسبه من محاصيلهم والمدخرات الصغيرة التي خصصوها لمستقبل ابنتهم، تبددت كلها. لشهور، حاول والداها إعادة بناء ما فقدوه، وإنقاذ ما استطاعوا إنقاذه من بقايا أرضهم، والاقتراض من الأقارب في محاولة لتغطية نفقاتهم. لكن الخسارة المدمرة لمحاصيلهم، إلى جانب ارتفاع أسعار الضروريات ونقص الوصول إلى المياه النظيفة، جعلت البقاء على قيد الحياة مستحيلا.
مع وجود 3 أطفال آخرين أصغر سنا في المنزل، خلص الزوجان إلى أنهما لم يعودا قادرين على إعالة آسفة، ناهيك عن منحها التعليم الذي كانا يأملان فيه يوما ما.
تقول آسفة بحزن "لم يكن لديهم خيار آخر".
في قرية خان محمد ملاح، حيث الزراعة وصيد الأسماك وتربية الماشية هي مصادر الدخل الرئيسية، فإن تجربة آسفة ليست غريبة. لقد تركت فيضانات عام 2022 ندوبا عميقة في المجتمع، مما أغرق العائلات، التي تعيش الآن تحت رحمة تقلبات الطقس، في فقر مدقع.
مع تدمير المنازل، وجرف المحاصيل، وتحطم سبل العيش، تتزايد ظاهرة زواج الأطفال، حيث يدفع الرجال مبلغا متفقا عليه للعائلات مقابل الزواج من فتيات لا تتجاوز أعمارهن التاسعة.
في العام الماضي، سُجلت 45 حالة لأطفال -معظمهن فتيات، ولكن بعض الفتيان أيضا- تحت سن 18 عاما تم تزويجهم في هذه القرية وحدها، وفقا لمنظمة سوجاغ سانسار (منظمة غير حكومية تعمل على مكافحة زواج الأطفال في المنطقة).
ليست هذه مسألة تقاليد بسيطة، كما يقول ماشوق برهماني، مؤسس سوجاغ سانسار. حدد قانون تقييد زواج الأطفال الباكستاني لعام 1929 السن القانونية للزواج للفتيان عند 18 عاما و16 عاما للفتيات. في أبريل/نيسان 2014، تبنت جمعية السند قانون تقييد زواج الأطفال في السند، الذي غير الحد الأدنى للسن إلى 18 عاما لكل من الفتيات والفتيان.
يعتقد برهماني أن ارتفاع نسبة زواج الأطفال مرتبط مباشرة بالفيضانات. وبشكل حاسم، حدث ثلث هذه الزيجات دون السن القانونية في مايو/أيار ويونيو/حزيران -قبل بدء هطول الأمطار الموسمية مباشرة- مما يشير إلى أنها تمت تحسبا للضرر الذي كان متوقعا من الأمطار الغزيرة.
يقول برهماني "قبل أمطار عام 2022، لم تكن الفتيات يتزوجن في سن مبكرة جدا في هذه المنطقة". "ظلت مثل هذه الحالات نادرة. كانت الفتيات الصغيرات يساعدن والديهن في صنع الحبال للأسِرة الخشبية أو العمل في الأرض".
بالنسبة للعديد من العائلات، أصبح قرار تزويج الفتيات الصغيرات وسيلة للبقاء، ولكنه يأتي أيضا على حساب تعليم الفتيات وصحتهن ومستقبلهن.
إعلانفي السنوات الأخيرة، أصبحت آثار تغير المناخ واضحة بشكل متزايد. الأمطار الموسمية (المونسون)، التي كانت يوما شريان حياة لملايين المزارعين في باكستان وحاسمة في الدورة الطبيعية لإنتاج الغذاء، أصبحت متقلبة وشديدة بشكل متزايد، مما ألحق دمارا بالأراضي الزراعية وفاقم نقص الغذاء. بالإضافة إلى ذلك، يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى تسريع ذوبان الأنهار الجليدية في شمال البلاد، مما يساهم في تضخم الأنهار وإرهاق دفاعات الفيضانات.
أثارت أزمة المناخ الظاهرة التي أصبحت تُعرف باسم "عرائس الرياح الموسمية". لم يتم إجراء دراسات رسمية حول زواج الأطفال، لكن المنظمات غير الحكومية مثل سوجاغ سانسار تقول إن الأدلة المتناقلة تشير إلى أن هذه الممارسة أصبحت أكثر انتشارا في جميع أنحاء البلاد ككل. في إقليم السند، يُعتقد أن ما يقرب من ربع الفتيات يتزوجن قبل سن 18.
يقول غولشير بانهوار، مدير المشاريع في سوجاغ سانسار "كان هناك ارتفاع ملحوظ في الزيجات القسرية، لا سيما خلال الفيضانات الأكثر كارثية في تاريخ البلاد، تلك التي وقعت في أعوام 2007 و2010 و2022".
بالنسبة للكثيرين، وخاصة النساء، هذه الكوارث الطبيعية ليست كوابيس بعيدة.
مرت السنوات، ولكن بالنسبة لسلوى (40 عاما) لا تزال ذكرى يوم زفاف ابنتها صعبة التحمل. في حين تداعب حفيدتها البالغة من العمر 4 سنوات، تصبح نبرتها حزينة وهي تبدأ في سرد القصة التي أدت إلى واحد من أحلك أيام حياتها.
تتذكر قائلة "كنا نعيش يوما ما في أرضنا، ولكن عندما دمرت الرياح الموسمية كل شيء في عام 2010، أُجبرنا على مغادرة منزلنا والبحث عن ملجأ في إقليم آخر". العائلة، التي انتقلت من بلوشستان (إقليم في جنوب غرب باكستان)، تعتمد على زراعة القطن والأرز الوفير، لكنها كافحت لتغطية نفقاتها في خان محمد ملاح ولجأت إلى تزويج ابنتها الصغرى.
في عام 2010، زوّجت سلوى ابنتها التي كانت تبلغ من العمر 12 عاما آنذاك لرجل يبلغ من العمر 20 عاما مقابل 150 ألف روبية.
تقول سلوى بصوت متصدع "عندما أخذوها إلى منزلها الجديد، تشبثت بي، وبكينا كلتانا. أندم بشدة على هذا القرار، لكنني لم أر خيارا آخر في ذلك الوقت". هي نفسها كانت قد تزوجت في سن 13 لأن عائلتها لم تكن تملك ما يكفي من المال لإطعامها.
على الرغم من زواج ابنتها، عادت هي وزوجها للعيش مع سلوى في خان محمد ملاح بعد ذلك بوقت قصير. تقول سلوى وهي تتنهد، والتجاعيد على وجهها تفضح إرهاقها "لم يكن لديهم ما يكفي من المال للبقاء على قيد الحياة بمفردهم. كانوا مجرد أطفال. نحن نعيش الآن في فقر ولكن على الأقل نحن مجتمعون مرة أخرى".
اليوم، سلوى جدة لأطفال ابنتها الأربعة. الأكبر يبلغ من العمر 15 عاما ويدرس في المدرسة، وكذلك إخوته. تقول سلوى إنها تأمل أن يمكّنهم التعليم الذي يتلقونه من الزواج بإرادتهم الحرة، وكسر الحلقة التي حاصرت الفتيات في عائلتها لأجيال.
إنه أمل هش حيث تشهد باكستان أحداثا مناخية أكثر تواترا وشدة مثل الفيضانات والجفاف وموجات الحر.
تحذر الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) من أن باكستان، لكونها واحدة من أكثر البلدان ضعفا، ستواجه آثارا متفاقمة على الزراعة وتوافر المياه وتوفير الغذاء، مما يزيد من الفقر وعدم الاستقرار الاجتماعي.
أغرقت فيضانات عام 2022، الأكثر فتكا حتى الآن، ثلث باكستان، مما أسفر عن مقتل أكثر من 1700 شخص، وتشريد حوالي 33 مليونا -أي ما يقرب من ثلث سكانها- وغمرت مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، ودمرت العمود الفقري الزراعي للبلاد.
إعلانتضررت الزراعة -التي تساهم بربع الناتج المحلي الإجمالي للبلاد وتدعم وظيفة واحدة من كل 3 وظائف- بشدة خصوصا، حيث فُقدت أعداد هائلة من المحاصيل بسبب الفيضانات. تأثر ما يقرب من 15% من محصول الأرز في البلاد و40% من محصول القطن. بلغت التكلفة الإجمالية للأضرار التي لحقت بقطاع الزراعة حوالي 12.97 مليار دولار أميركي، وشكلت المحاصيل 82% من هذا المجموع.
في إقليم السند، تُركت قرى بأكملها في حالة خراب.
يعد إقليم السند معرضا بشكل خاص للفيضانات بسبب قربه من نهر السند، الذي غالبا ما يفيض خلال الأمطار الموسمية الغزيرة. تزيد أنظمة الصرف الصحي السيئة وإزالة الغابات وتغير المناخ من خطر الفيضانات.
وفي هذه المنطقة، تضرر ما يقرب من 4.8 ملايين شخص من فيضانات عام 2022، نصفهم من الأطفال.
يقول بانهوار "مع تدمير سبل العيش وعدم وجود دخل موثوق به، غالبا ما يلجأ المزارعون، اليائسون لتغطية نفقاتهم، إلى تزويج بناتهم مقابل مبلغ متواضع مثل سعر بقرة، أو حتى أقل".
ويوضح بانهوار أنه تم إنجاز الكثير من العمل منذ عام 2010 لحماية الفتيات الصغيرات من الزيجات المبكرة والناس يدركون الآن أن تزويج أطفالهم جريمة. "ولكن عندما تُشرّد العائلات في مخيمات الإغاثة من الفيضانات، فإنهم يشعرون أن بناتهم يواجهن خطرا أكبر للاعتداءات الجنسية لأنهن لم يعدن محميات داخل منازلهن. أملهم أيضا هو حمايتهن من الفقر المدقع مع جمع أموال كافية لإعالة بقية أفراد الأسرة".
وفقا لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، تعد باكستان موطنا لما يقرب من 19 مليون عروس طفلة. في حين ذكرت المنظمة في عام 2023 أنه كان هناك "تقدم كبير" في الحد من زواج الأطفال في البلاد، حذرت من أن فيضانات الرياح الموسمية لعام 2022 يمكن أن تقضي على الكثير من هذا التقدم.
حذرت المنظمة في تقريرها العام الماضي "نتوقع زيادة بنسبة 18% في زيجات الأطفال".
وفقا للمسح الديمغرافي والصحي الباكستاني (PDHS) لعام 2018، فإن 3.6% من الفتيات دون سن 15 و18.3% من اللاتي تقل أعمارهن عن 18 عاما متزوجات. وجد التقرير نفسه أن 8% من الفتيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 15 و19 عاما إما أنهن أنجبن بالفعل وإما أنهن حوامل بطفلهن الأول. واحدة من كل 6 نساء في باكستان تزوجت وهي طفلة.
ويقول سيد مراد علي شاه، باحث قانوني في جامعة آزاد جامو وكشمير "هناك جدل مستمر بين المشرعين حول زواج الأطفال في باكستان". "يصر أحد الأطراف على الالتزام الصارم بسن الزواج القانوني، في حين يجادل الطرف الآخر بضرورة مراعاة الحقائق الاجتماعية والاقتصادية وأنه يجب الحكم على كل حالة على حدة".
أبرزت دراسة أجراها باحثون من جامعة ولاية أوهايو عام 2023، نُشرت في المجلة الأكاديمية "العمل الاجتماعي الدولي"، الصلة بين الكوارث المناخية وزيادة معدلات زواج الأطفال، لا سيما في البلدان التي تحدث فيها مثل هذه الزيجات بالفعل. كما أشار تقرير لمنظمة إنقاذ الطفل لعام 2020 إلى أن جميع البلدان الـ25 التي لديها أعلى معدلات الزواج المبكر تقريبا تعاني من النزاعات والأزمات الممتدة والكوارث المرتبطة بالمناخ.
استجابة لزيادة أعداد "عرائس الرياح الموسمية" في السنوات الأخيرة، أطلقت سوجاغ سانسار العديد من المبادرات المجتمعية لمعالجة الأسباب الجذرية لزواج الأطفال. يوضح المؤسس برهماني "نتواصل مع الزعماء الدينيين والمعلمين والآباء والفتيات الصغيرات لإنشاء شبكات دعم ومقاومة". "من خلال المشاريع الفنية والثقافية، نعزز الحوار ونرفع الوعي".
"التعليم هو مفتاح كسر حلقة زواج الأطفال. عندما يتم تمكين الفتيات بالمهارات، لم يعد يُنظر إليهن على أنهن أعباء بل كأفراد قادرين على بناء مستقبلهم الخاص".
تنظم سوجاغ سانسار عروضا مسرحية وموسيقية مجتمعية تكون بمثابة منصة للنقاش في 5 مناطق داخل السند.
يسمح استخدام المسرح بجمع أعضاء مختلفين من المجتمع معا لمشاركة قصصهم من خلال الفن. يوضح برهماني "بدعوة كل من الرجال والنساء للمشاركة، نخلق مساحة للتفكير والمحادثة". كما تقدم المنظمة تدريبا مهنيا للنساء والفتيات لمساعدتهن على إيجاد الاستقلال المالي، ودعما للصحة النفسية.
مكتب سوجاغ سانسار في منطقة دادو، الواقعة على طول نهر السند في جنوب شرق السند، يعج بالطاقة في حين تتجمع مجموعة صغيرة من النساء في الخارج. يشكلن دائرة على الأرض، الرمال الناعمة تحت أقدامهن منقطة بالورود المتناثرة.
إعلانتحمل كل امرأة شمعة، ألسنة اللهب تومض بلطف في هواء المساء، ملقية وهجا دافئا على وجوههن. تتردد الأصوات في حين تتحدث النساء عن حياتهن. البعض يضحك، والبعض الآخر يتحدث بهدوء، لكنهن جميعا متحدات في هدفهن: وضع حد لممارسة زواج الأطفال.
بينهن "سامينا" التي ترتسم ابتسامة لطيفة على وجهها وهي تحتضن طفلها. اليوم هو يوم خاص حيث تشارك في تقليد تتمسك به المنظمة منذ عام 2005، حيث تقوم النساء والفتيات اللاتي أُجبرن على الزواج المبكر بإضاءة الشموع لرفع أصواتهن ضد هذه الممارسة القمعية. هذا الطقس هو طريقتهن في الوقوف معا، استعراض متحدٍّ للقوة والتضامن.
خلال الحفل، تروي سامينا، التي تبلغ الآن 28 عاما وأم لـ5 أطفال، قصتها. في عام 2011، عندما كانت في الـ13 من عمرها، أخبرتها والدتها أنها ستتزوج من ابن عم بعيد، كان هو نفسه يبلغ من العمر 15 عاما فقط. بالكاد كانت تعرفه.
تتذكر قائلة "كنت أجلس في الخارج أخيط ملاءة سرير عندما جاءت أمي إلي وأخبرتني ببساطة، ‘ستتزوجين’. بقينا كلتانا صامتتين. في عائلتنا، لا تعبر النساء عن مشاعرهن". كانت شقيقتاها الأكبر سنا قد تزوجتا أيضا في سن 13 و14.
مع عدم قدرة والدها على العمل بسبب مشاكل نفسية، كان دخل الأسرة يعتمد على والدتها، التي كانت تعمل لساعات طويلة كخادمة منازل. لكن فيضانات عام 2010 المدمرة دمرت المنازل التي كانت تعمل فيها واختفى دخل الأسرة.
كان مبلغ الـ200 ألف روبية الذي جلبه زواجها هو شريان الحياة الأخير للعائلة، وسيلة لتجنب العوز التام وربما حماية شقيقتي سامينا الأصغر سنا من نفس المصير.
يقول برهماني "اليوم، تكسب العائلات بحد أقصى 10 آلاف إلى 12 ألف روبية شهريا". هذا حوالي دولار واحد في اليوم لإطعام حوالي 10 أشخاص. "كل لقمة طعام لكل طفل لها حسابها".
في يوم زفافها، تتذكر سامينا أنها كانت غارقة في القلق. تقول "خلال الحفل، لم أستوعب تماما أن طفولتي كانت تتلاشى".
عندما انتهى الحفل، أصبح واقع الانفصال عن عائلتها واضحا بشكل مؤلم.
حينما كانت والدتها وشقيقتها الصغرى تنتحبان، نُقلت العروس البالغة من العمر 13 عاما إلى منزلها الجديد مع زوجها في قرية مختلفة.
تتذكر قائلة "القفازات الصغيرة التي تلقيتها كهدية زفاف لم تفعل شيئا لتخفيف الحزن الغامر". اليوم، تواسي نفسها بحقيقة أن شقيقاتها الأصغر سنا لم يتزوجن ويتابعن تعليمهن بدلا من ذلك.
تقول "خلال السنة الأولى من زواجي، كان أصعب شيء هو عدم وجود أمي بجانبي بعد الآن". "في الليل، عند النوم كانت تبقى معي حتى أنام. كانت تروي لي القصص وتلمس شعري. بين عشية وضحاها، كان علي أن أنام في سرير مع رجل لم أكن أعرفه. كنت بمفردي، بدون أخواتي ووالديّ في منزل صغير غير معروف. شعرت بالبرد الشديد فجأة".
بعد عامين من زفافها، حملت سامينا بطفلها الأول. "لم أفهم ما كان من المفترض أن أفعله. كنت خائفة وكان الألم صعب التحمل لكنني اعتدت عليه".
في حين كانت عائلتها تأمل أن تحظى بحياة أفضل إذا تزوجت، يكافح زوج سامينا، وهو عامل، للعثور على عمل في قطاع البناء. تقول "الكثير من المنازل تضررت بسبب الفيضانات لكن الناس لا يملكون ما يكفي من المال لإصلاحها".
أثر نقص العمل على الصحة النفسية لزوجها واضطرت سامينا للعمل في خياطة ملاءات الأسرة لإطعام وتعليم أطفالها الخمسة.
في عام 2024، مع انتشار خبر 45 حالة زواج دون السن القانونية في قرية خان محمد ملاح، أمر وزير السند، مراد علي شاه، بإجراء تحقيق لتحديد ما إذا كانت تلك الزيجات مرتبطة مباشرة بالفيضانات.
خلص آغا فخر الدين، مدير إدارة حقوق الإنسان في إقليم السند، لاحقا إلى أنه لم يتم الإبلاغ عن مثل هذه الحالات من زواج الأطفال وأن الأخبار كانت ملفقة. ومع ذلك، ذكر مختار علي أبرو، نائب مفوض دادو، أنه في حين تم ترتيب الزيجات في القرية، كانت ببساطة جزءا من التقاليد المحلية وليست نتيجة الفيضانات.
بعد زيارة المسؤولين الحكوميين في أكتوبر/تشرين الأول 2024، إلى جانب ممثلين عن منظمات المجتمع المدني، تقول سوجاغ سانسار إنها لاحظت انخفاضا في حالات زواج الأطفال، وتعزو ذلك إلى الخوف من التداعيات القانونية. ومع ذلك، تحذر من أن هذا الانخفاض قد يكون مؤقتا فقط، حيث تظل الدوافع الأساسية لزواج الأطفال -ولا سيما الفقر ونقص الفرص التعليمية للفتيات المستضعفات- دون معالجة إلى حد كبير.
بعد سنوات من تزويجها رغما عنها، تبتسم سامينا الآن بشعور متجدد بالأمل. على الرغم من أنها لا تزال تخيط أغطية الأسرة، تماما كما فعلت في اليوم الذي أُخبرت فيه بزواجها الوشيك، فقد تغيرت حياتها بشكل لا يمكن التعرف عليه. إنها تأخذ دورات في الحرف اليدوية وتأمل في بدء عملها الخاص. ترتدي دوباتا حمراء بنقاط بيضاء صغيرة، وتعبيرها حازم.
محاطة بشابات أخريات، مثلها، تزوجن في وقت مبكر جدا، تبتسم سامينا وهي تتحدث عن مستقبلها. تأمل في مواصلة الخياطة وكسب دخلها الخاص.
عقدت سامينا العزم على ألا تواجه بناتها نفس المصير أبدا. تقول "سأتأكد من تعليمهن، حتى يتمكنّ من الهروب من الجحيم الذي عانيته".
*** تم تغيير بعض الأسماء لحماية الهوية**