الهاوية التي تنتظر غطرسة إسرائيل
تاريخ النشر: 7th, October 2023 GMT
لم تكن العملية العسكرية «طوفان الأقصى» التي شنتها صباح اليوم كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، مفاجئة للكثير من المراقبين لتطورات الصراع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، كان المفاجئ فيها، فقط، هو حجم العملية ودقتها وتأثيرها العسكري والسياسي الذي يتوقع مراقبون حول العالم أنه سيعيد ترتيب الكثير من أوراق الصراع وموازين القوى في المواجهات المستقبلية بين فصائل المقاومة الفلسطينية وقوات الاحتلال.
كان حجم التخطيط للعملية واضحا جدا بدءا من اختيار اليوم وهو يوم السابع من أكتوبر وهو اليوم التالي لذكرى مرور 50 عاما على نصر أكتوبر المجيد وليس انتهاء باختيار الأهداف الاستراتيجية التي تجعل حماس تمسك بالكثير من مفاتيح القوة للتفاوض حول آلاف المعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال.
وقال قائد الأركان في كتائب عز الدين القسام محمد الضيف إن العملية «ردا على جرائم الاحتلال بحق الفلسطينيين واقتحاماته المتكررة للمسجد الأقصى». وسقط أكثر من مائة قتيل إسرائيلي وأكثر من 1000 جريح بعضهم في وضع حرج وفق ما أكده التلفزيون الإسرائيلي، فيما استشهد أكثر من 200 فلسطيني وأكثر من 1600 جريح إثر الغارات التي شنتها قوات الاحتلال في الرد على «طوفان الأقصى» الذي يبدو أنه سيبقى مستمرا لأيام.
كان الوضع في غزة قد وصل إلى مرحلة اقتصادية وإنسانية صعبة ارتفعت خلاله معدلات البطالة والفقر، وانسداد الأفق على كل المستويات الإنسانية والسياسية. ورغم المناشدات الدولية إلا أن إسرائيل بقيت تشدد الخناق على الفلسطينيين في قطاع غزة، إضافة إلى استمرار الاستفزازات الأسبوعية عبر اقتحام المسجد الأقصى أحد المقدسات الإسلامية. لم يكن الأمر إهانة للفلسطينيين وحدهم، بل كان إهانة لأكثر من 1.8 مليار مسلم حول العالم.. رغم ذلك بقيت الحكومة اليمينية المتطرفة في «إسرائيل» تمارس أعلى درجات الغطرسة وتجاهل القوانين الدولية كما كان ديدنها منذ عقود.
وفي خضم ذلك.. أبدت بعض الدول «الغربية على وجه التحديد» تعاطفها مع الكيان الإسرائيلي المحتل إلا أن هذه الدول تدرك الآن أكثر من أي وقت آخر حجم المأزق الوجودي الذي باتت تعيشه إسرائيل سواء مع تطور نوعية المقاومة الفلسطينية واستمرارها بعزمة السنوات الأولى للاحتلال أو مع تنامي التحولات التي يشهدها العالم على كل الأصعدة، الذي يجعل «إسرائيل» محاطة بجدران من الأحقاد التاريخية والعداء الذي لا ينتهي إضافة إلى أوضاعها الداخلية ومشاكلها البنيوية العميقة.
ويدرك الكثير من الباحثين الصهاينة ومؤيديهم عبر العالم أن إسرائيل تعيش بالفعل مأزقا وجوديا وما يحدث من مشاكل على المستوى الحكومي والأمني والاجتماعي ما هو إلا بداية لتمظهرات تلك الأزمة التي ستبقى تتنامى مع الوقت.
ورغم أن المجتمع الدولي، بما في ذلك الدول العربية، أعطت إسرائيل عبر التاريخ الكثير من الفرص لتبقى «كيانا» مقبولا في المنطقة عبر استراتيجية «حل الدولتين» والتطبيع الكامل إلا أن إسرائيل المراوغة والمتغطرسة لا ترى في كل ذلك ما يمكن أن يدعمها ويدعم بقاءه.
وإذا كان حجم الخسائر التي لحقت بالكيان الصهيوني اليوم غير مسبوق في مواجهة واحدة، فإن هذا الأمر ليس النتيجة الوحيدة التي يمكن أن تُقرأ مما حدث، فكتائب القسام أثبتت اليوم أكذوبة القبة الحديدة وكذلك القدرات الاستخباراتية في جيش العدو إضافة إلى مرحلة متقدمة من هشاشة الدولة التي تعيشها إسرائيل، لذلك ليس غريبا أن يقول نتانياهو في أعقاب الصدمة «نحن في حرب.. ليست مجرد عملية أو دورة عنف.. إنما هي حرب»، فهو يشعر بالمأزق والهاوية التي وصل لها.. وهذا ما يمكن فهمه، أيضا، من تصريح مبعوث الأمم المتحدة للسلام في الشرق الأوسط تور وينيسلاند الذي قال: «هذه هاوية خطِرة، وأناشد الجميع التراجع عن حافة الهاوية»، إنها هاوية بالفعل والتاريخ ومنطق الأشياء يؤكدان أن إسرائيل ستسقط فيها ذات يوم لا محالة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: أن إسرائیل
إقرأ أيضاً:
بين التكتيك والاستراتيجية... أين تقف إسرائيل بعد الضربات التي تلقتها إيران؟
هل ما تحقق كان نصرًا استراتيجيًا يعيد رسم قواعد اللعبة؟ أم مجرد إنجاز آني قد تتجاوزه المواجهة المقبلة؟ اعلان
منذ اللحظة الأولى لانطلاق الهجوم الإسرائيلي المباغت على أهداف داخل العمق الإيراني، بدا أن تل أبيب تسعى لتغيير قواعد الاشتباك في الصراع مع طهران، مستندة إلى دعم سياسي وعسكري ضمني من الولايات المتحدة وبعض القوى الغربية. ومع اتساع رقعة الضربات وتطورها لاحقًا إلى تدخل أميركي مباشر استهدف منشآت نووية بالغة التحصين، أثير تساؤل جوهري في الأوساط السياسية والعسكرية: هل حققت إسرائيل نصرًا حقيقيًا؟ وإن كان كذلك، فهل هو نصر آني تكتيكي أم تحول استراتيجي في المواجهة الطويلة مع إيران؟
الهجوم الإسرائيليبدأت إسرائيل عملياتها العسكرية داخل إيران بضربات جوية دقيقة استهدفت منشآت عسكرية ومراكز قيادة وسيطرة، فضلًا عن مواقع لصناعة وتطوير الصواريخ والطائرات المسيّرة. وتميزت هذه الضربات بسرعتها واعتمادها على معلومات استخباراتية عالية الدقة، مما أربك الدفاعات الإيرانية وشكّل صدمة أولى للنظام في طهران.
الرسالة الإسرائيلية كانت واضحة: لم تعد الجغرافيا تحمي الجمهورية الإسلامية من الضربات، والمواجهة لم تعد مقتصرة على ساحات الوكلاء، سواء في سوريا أو لبنان أو العراق. ومع ذلك، فإن هذه الضربات لم تسفر بعد عن انهيار عسكري أو أمني داخل إيران.
التحول الأكبر جاء عندما تدخلت الولايات المتحدة بضربات نوعية استهدفت منشآت نووية رئيسية في فوردو وأصفهان ونطنز، مستخدمة طائرات B-2 الشبحية وصواريخ خارقة للتحصينات من طراز GBU-57. هذه الضربات شكّلت ذروة التصعيد ضد البرنامج النووي الإيراني.
وبحسب تقرير قدمه المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، أمام مجلس الأمن، فإن الأضرار التي لحقت بهذه المنشآت كانت كبيرة، إلا أن الوكالة لم تتمكن من تقييم مدى الدمار داخل المرافق تحت الأرض.
Related"تخطى دوره الرقابي وساهم بإشعال الحرب".. غروسي في دائرة الاتهامات الإيرانيةضربة واشنطن النوعية: هل نجحت "مطرقة منتصف الليل" في شل البرنامج النووي الإيراني؟كم عدد القنابل والصواريخ التي استخدمتها واشنطن في هجماتها ضد إيران؟إيران: لا تراجعرغم الضربات القاسية، لم تُبدِ إيران مؤشرات على التراجع، بل كثّفت من خطابها التعبوي وهددت بالرد على الولايات المتحدة الأميركية، فيما واصلت قصفها لإسرائيل.
تقييم المكاسب: آنية أم استراتيجية؟استطاعت إسرائيل، بلا شك، تسجيل نقاط مهمة في المدى القصير، سواء عبر إظهار قدرتها على اختراق العمق الإيراني، أو من خلال توجيه ضربات مباشرة. كما نجحت في إعادة تسليط الضوء الدولي على البرنامج النووي الإيراني، وحشد دعم ضمني لاحتواء طموحات طهران.
لكن في المقابل، لم تنجح الضربات حتى الآن في تغيير المسار الاستراتيجي للسياسة الإيرانية، إذ لم تُجبر طهران الى الآن على العودة إلى طاولة التفاوض بشروط جديدة. بل يبدو أن الصراع دخل مرحلة أخرى من التوترات المستمرة والضربات المتبادلة التي قد تطول.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت قد أطلق أمس تصريحات غاية في الأهمية. إذ رأى أن الغارات الأمريكية تحيّد البرنامج النووي الإيراني محذرا من تداعيات أكبر حجما. حيث قال إنه النظام لن ينهار رغم قوة الضربات ودعا للأخذ في عين الاعتبار ترسانة طهران الصاروخية. وقد أخذ أولمرت مسافة من التهليل الإسرائيلي بما جرى. فقال من الغطرسة ومن غير الواقعي اعتبار أن الغارات الاستباقية ستركّع دولة تعداد سكانها 90 مليونا وذات تراث عمره آلاف السنين.
وبناء على ما تقدم، يرى مراقبون أن ما حققته إسرائيل حتى الآن يمكن وصفه بنصر آني محدود التأثير من الناحية الاستراتيجية. فقد وجهت ضربة قوية للهيبة الإيرانية، لكنها لم تُنهِ المشروع النووي، بحسب ما صرّح به مسؤولون إيرانيون. ومع دخول الولايات المتحدة على خط المواجهة، ارتفعت الكلفة، لكن أيضاً ارتفعت معها المخاطر. فهل ستتمكن إسرائيل من ترجمة هذا التقدم التكتيكي إلى تغيير دائم في المعادلة الإقليمية، أم أنها فتحت أبواب صراع طويل قد يتجاوز قدرتها على التحكم بمساره؟
انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة