الإعلامي سامي قاسمي: الذكاء الاصطناعي لن يسرق مهنة الصحفي الماهر
تاريخ النشر: 8th, October 2023 GMT
الرؤية- خاص
أكد الإعلامي الجزائري سامي قاسمي أن تقنيات الذكاء الاصطناعى ستترك أثرها على المشهد الإعلامي إيجابًا وسلبًا، مشيرًا إلى أن هذه التقنيات ستُسهِّل عمل الصحفيين وتُسرِّع من إنتاجيتهم، لكنها ستخلِّف ضحايا في غرف الأخبار؛ حيث ستختفي أدوار بأكملها.
وقال قاسمي- في حوار خاص تنشره "الرؤية"- إن الذكاء الاصطناعي لن يحل محل الصحفي الماهر؛ بل محل الصحفي الكسول والمؤسسة الإعلامية التي تعتمد على الأساليب التقليدية.
وتحدث قاسمي في الحوار عن بداياته الإعلامية، والتي انطلقت من الإذاعة الجزائرية، قائلًا: "المثير في كل القصة هو تنويع التجربة الصحفية، جميل أن يكون لك قلمًا تكتب به عندما يتعب صوتك، والأجمل أن تستخدم صوتك، حينما يجف قلمك، أما المهارة الحقيقية هي أن تتحلى بكاريزما الظهور الإعلامي، للتأثير والاقناع، لإيصال الرسالة صوتا وصورة على أكمل وجه".
وإلى نص الحوار...
** حدثنا عن تجربة سكاي نيوز عربية، وما البصمة التي يتركها العمل لأكثر من عقدٍ من الزمن في صرح إعلامي رائد مثل قناة "سكاي نيوز عربية" على مسيرتك المهنية؟
أشعر بالفخر لكوني من الرعيل الأول لقناة "سكاي نيوز عربية"، والتي انطلقت بقوة وباتت رقمًا صعبًا في المعادلة الإعلامية... وقد اكتسبت منذ انضمامي إلى هذا الصرح المرموق خبرات عديدة، ولعل الأهم في هذه الرحلة، هو التدرج.. وبناء الشخصية الصحفية من القاعدة.
لقد كنتُ أول مراسل للقناة يقدم تقارير من قلب الأزمة السورية في دمشق عام 2012 في وقتٍ كانت القنوات الإعلامية تغلق مكاتبها هناك، وتدرجتُ في العمل من منتج إلى مراسل ميداني؛ فمذيع للبرامج والأخبار، ما أهلني للقيام بأدوار متعددة. وما زلتُ حتى يومنا هذا أقدم النشرات الإخبارية والبرامج السياسة بشغف وحماسة يرتقي إلى المستوى الرائد للقناة.
** بدايتك الإعلامية كانت في المدرسة الإعلامية الجزائرية.. كيف صَقلت هذه التجارب مواهبك ومهدت لك طريق التألق في المشهد الإعلامي؟
نعم.. احتضنتني الإذاعة الوطنية والدولية الجزائرية؛ حيث قدمت البرنامجين الإذاعيين "الفارس" و"رومانسيات" واللذيْن حققا صدى إيجابيًا واسعًا لدى المستمعين في الجزائر. وعملت محررًا ومراسلًا لدى صحف مرموقة مثل "الشروق اليومي" و"الجزائر نيوز"، وهناك صقلت ملكة الكتابة والتحرير لدي، وتسلحت بخبرة كبيرة شجعتني على تعزيز مكانتي في المشهد الإعلامي لأعمل محررًا ومراسلًا للأخبار السياسية في قناتي "دي إم تي في" و"العربية" قبل انضمامي إلى "سكاي نيوز عربية".
المثير في كل القصة هو تنويع التجربة الصحفية، جميل أن يكون لك قلمًا تكتب به عندما يتعب صوتك، والأجمل أن تستخدم صوتك، حينما يجف قلمك، أما المهارة الحقيقية فهي أن تتحلى بكاريزما الظهور الإعلامي، للتأثير والاقناع، لإيصال الرسالة صوتا وصورة على أكمل وجه.
** كيف ترى تأثير تقنيات الذكاء الاصطناعي على المشهد الإعلامي الراهن؟
لا شك أن تقنيات الذكاء الاصطناعى ستترك أثرها على المشهد الإعلامي إيجابًا وسلبا.. فمن ناحية ستسهل عمل الصحفيين وتسرع من انتاجيتهم وهذا ما نريده أساسًا في عالم شديد السرعة والتقلب.. ومن ناحية أخرى ستخلف تلك التقنيات ضحايا في غرف الأخبار؛ حيث ستختفي أدوار بأكملها. ورغم أن التوقعات تشير إلى أن الذكاء الاصطناعي سيساعد في استبدال 10 صحفيين بصحفي بشري واحد.. إلّا أنني مطمئن أن وظائف جديدة ستخلق وتفتح آفاقا جديدة.. المؤكد هو أن الذكاء الاصطناعي لن يحل محل الصحفي الماهر؛ بل محل الصحفي الكسول والمؤسسة الإعلامية التي تعتمد على الأساليب التقليدية.
وبالطبع أن للذكاء الاصطناعي هوامش سلبية أخرى مثل تقنيات التزييف العميق أو نشر الأخبار والدعايات المضللة وغير الموثوقة، لكن يبقى الإعلامي المحترف والمتمكن من أدواته الصحفية والمعرفية والمنصة الإعلامية المرموقة، هما المحور الرئيسي الذي يضمن الحؤول دون التداعيات السلبية لهذه التقنيات المبتكرة.
** أدرتَ مؤخرًا ندوة عن الإعلام العربي في عصر الذكاء الاصطناعي في منتدى الإعلام العربي في دبي.. ما توقعات المختصين بشأن المهن الصحفية التي يمكن أن تختفي؟ وهل سيكون من بينها اختفاء المذيع؟
الترجمة الفورية قد تكون على المحك.. المدقق اللغوي أيضًا، فهناك برامج يتم العمل عليها في المنطقة وأعطت نتائج تصل إلى 80 بالمئة من الدقة.. الذكاء الاصطناعي بارع جدًا في تحليل البيانات.. ويعمل على تبسيط المعلومات والأرقام الضخمة تساعد على تسهيل عملنا الصحفي، لكن أحد عيوبه هو عدم التفاعل الاجتماعي، وهي ميزة خاصة للبشر.. فلا يمكن للذكاء الاصطناعي أن ينزل للميدان ويصنع قصة إنسانية ينقل من خلالها أحاسيس الناس ومعاناتهم.. وعندما يفشل في هذه المهمة، فلا يمكن أن يقتنع أحد أنه سيتابع مذيعا روبوتا بليد المشاعر.. فاقد الإحساس.. على المدى المنظور لا أرى أن الذكاء الاصطناعي سيهدد مهنة الصحفيين والمذيعين بل سيكون دوره مكملًا.
** ما النصيحة التي تُقدِّمها للجيل القادم من الإعلاميين الشباب بالنظر إلى خبراتك الاستثنائية في المجال الإعلامي والتي تلقيتَ على إثرها جائزة "هلال التلفزيون" العام الماضي؟
انطلاقًا من موقعي كأحد المدربين في أكاديمية سكاي نيوز عربية التي تقدم سلسلة من الدورات التدريبية، أحث الجيل الشاب على ضرورة التسلح بالأدوات الصحفية.. وأنصح بضرورة التكوين والتدرب على كل صغيرة وكبيرة في مجالنا الاعلامي؛ إذْ لا يمكنك أن تكون بارعًا في التقديم التلفزيوني دون أن تصقل صوتك بشكل احترافي ولن تستطيع استخدام صوتك بإتقان، دون أن تُجيد فن التحرير الصحفي، ولا يمكنك أن تستحوذ على قلب المشاهد دون تكون لديك الكاريزما والثقافة الواسعة.. العملية إذن مترابطة ومتكاملة وتفرض الحفاظ على مستوى من اللياقة المهنية، للبقاء في مقدمة المارثون الصحفي، الذي يشهد منافسة محتدمة.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی المشهد الإعلامی سکای نیوز عربیة
إقرأ أيضاً:
الذكاء الاصطناعي.. النفط الجديد في القرن الحادي والعشرين
"إنّ العلم هو القوة التي تكشف للإنسان أسرار الكون، والتكنولوجيا هي اليد التي تُحوِّل هذا العلم إلى واقع" (الدكتور عبد القدير خان)
نقف اليوم أمام لحظة تاريخية غير مسبوقة، لحظة تتزحزح فيها موازين القوة من براميل النفط إلى خوارزميات الذكاء الاصطناعي، ومن أصابع اليد العاملة إلى مفاتيح الرقمنة والتحوّل التقني. لقد أعاد الذكاء الاصطناعي تشكيل الاقتصاد العالمي بعمقٍ لا يمكن تجاهله؛ فلم يعد ممكنا فهم عالمنا الحديث دون إدراك أثره على الإنتاج، والتجارة، والسياسة، والدبلوماسية، والدفاع، وحتى الخدمات الدينية والاجتماعية.
فبحلول عام 2023 بلغ الأثر الاقتصادي العالمي للذكاء الاصطناعي أكثر من 4 تريليونات دولار، مع توقّعات ببلوغه نحو 15 تريليون دولار بحلول عام 2030. وعلى الرغم من أن 300 مليون وظيفة مكتبية أصبحت مهدّدة، فإن الذكاء الاصطناعي في المقابل أسهم في خلق 97 مليون وظيفة رقمية جديدة؛ في مشهد يكشف أنّ المستقبل لا ينتمي لمن يملك الموارد فقط، بل لمن يملك القدرة على توظيف العلم وتوجيهه. لقد استثمرت الولايات المتحدة حتى اليوم ما يقارب 250 مليار دولار في الذكاء الاصطناعي، والصين نحو 60 مليار دولار سنويا، والإمارات 3 مليارات، فيما حدّدت السعودية ضمن "رؤية 2030" استثمارات تتجاوز 20 مليار دولار في هذا القطاع، الأمر الذي يجعل مساهمة الذكاء الاصطناعي في الناتج المحلي السعودي تصل إلى 12.4 في المئة وفي الإمارات إلى 14 في المئة بحلول 2030، وهي من أعلى النسب عالميا.
احتضان الذكاء الاصطناعي مسؤولية معرفية وأخلاقية في آن واحد. وإذا واصل الخليج هذا المسار بذكاء، فقد يصبح بحلول ثلاثينيات هذا القرن لاعبا محوريا على طاولة صناعة القرار التكنولوجي العالمي، لا موضوعا لقرارات الآخرين
وتشير مؤشرات الجاهزية الرقمية إلى تقدّم الولايات المتحدة والصين والمملكة المتحدة، فيما تحتل الإمارات المرتبة 21 والسعودية 31 وقطر ضمن الأربعين عالميا. لقد غيّر الذكاء الاصطناعي البنية الاقتصادية في الخليج؛ فـ85 في المئة من المخالفات المرورية في دبي تصدر عبر كاميرات ذكية، و"مترو دبي" أكبر شبكة قطارات ذاتية القيادة في العالم، و"قطار الحرمين" يعمل بأنظمة تشغيل ذكية، وتحوّلت خدمات الهجرة والإقامات إلى روبوتات محادثة، واعتمدت "طيران الإمارات" على التشغيل الآلي بنسبة 50 في المئة في إجراءات السفر، بينما أصبحت 60 في المئة من وثائق المحاكم في الإمارات مُعالجة آليا.
وعلى الصعيد العالمي، فإنّ قطاعات التصنيع، والخدمات الصحية، والخدمات المصرفية، واللوجستيات، والأمن والدفاع، جميعها تنتقل من نموذج "القرار البشري" إلى نموذج "القرار الخوارزمي"، مع توقعات بتحقيق 1.3 تريليون دولار كفاءة إضافية في سلاسل الإمداد العالمية سنويا.
ويعكس الاعتماد المتزايد على الطائرات المسيّرة الذكية، وتحليل البيانات الدفاعية، والإنذار المبكر حقيقة جديدة: إن الحرب التقليدية تفقد معناها أمام قوة الذكاء الاصطناعي. ومن هنا يتعامل الخليج (السعودية والإمارات وقطر) مع الذكاء الاصطناعي ليس كأداة تقنية، بل كبنية تحتية للأمن القومي والقوة الجيو-اقتصادية. فمن "نيوم" إلى "سدايا" إلى "القمة العالمية للذكاء الاصطناعي"، ومن تطوير نماذج لغوية عربية ضخمة إلى تخريج نحو 40 ألف متخصص بحلول 2030، تتّجه السعودية بوضوح نحو أن تكون دولة منتِجة للتقنية لا مستهلكة لها.
وقد أدرك العلماء المسلمون الأوائل قيمة التجديد؛ فقال الخوارزمي: "غاية العلم اتخاذ القرار الصحيح"، وأكد ابن الهيثم أنّ "الحقيقة لا تُدرَك إلا بنور العقل"، فيما كتب ابن رشد: "إنّ رؤية الحقائق الجديدة بعيون قديمة نوعٌ من الظلم". تلك المبادئ تجعل من احتضان الذكاء الاصطناعي مسؤولية معرفية وأخلاقية في آن واحد. وإذا واصل الخليج هذا المسار بذكاء، فقد يصبح بحلول ثلاثينيات هذا القرن لاعبا محوريا على طاولة صناعة القرار التكنولوجي العالمي، لا موضوعا لقرارات الآخرين.
إنّ "رؤية السعودية 2030" والاستراتيجية الإماراتية القائمة على "الذكاء الاصطناعي أولا" تشكّلان ركيزتين تمهّدان لهذا الدور. وعند هذه النقطة يبرز سؤالان لا ثالث لهما، سؤالٌ قديم وسؤالٌ جديد، الأول: هل ستصبح الدول العربية، وفي مقدمتها الخليج، شريكا في بناء الحضارة الرقمية الصاعدة، أم ستكتفي بدور المتفرّج؟ والثاني: هل سيُمسكَ بزمام المستقبل من يملك النفط، أم من يملك الخوارزميات والبيانات؟ إنّ الذكاء الاصطناعي لا يمنح العرب فرصة للّحاق بالعالم فحسب، بل فرصة للمشاركة في صنع العالم نفسه؛ بشرط أن تختار المنطقة أن تكون "منتجا" لهذه التقنية، لا "مستهلكا" لها.
[email protected]
byrumaisa.com