لجريدة عمان:
2025-05-15@06:27:01 GMT

«بورتريه».. الحياة لا يحكمها إطار

تاريخ النشر: 8th, October 2023 GMT

هناك من يبني تصوّراته اليوم على أن الحرب (الروسية/ الأوكرانية) ستكون آخر الحروب التقليدية؛ فالحروب التقليدية لن تكون عنوانا لحلول للخصومات التي تقوم بين الدول؛ فالعالم متّجه نحو أنواع أخرى من الحروب الحديثة؛ حروب تقوم على المنابع والروافد الاقتصادية، وعلى الصناعات الإلكترونية، وعلى الذكاء الاصطناعي؛ بما فيها الحروب الإلكترونية، وأخرى سيحتضنها المجال الثقافي، وأخرى تحت مظلة المجال الاجتماعي، ونظر أكثر على أن المجالين الثقافي والاجتماعي سيتحمّلان أعباء أكثر في تكلفة الحروب القادمة -وإن كان هذان المجالان حاضرين طوال أزمنة التاريخ- وقد شهدا تغيّرات وتغريبات في بعض جوانبها وإن علل ذلك على أنه من أثر عمليات التأثير والتأثر القائمة بين الشعوب وإن لم تكن بارزة إلى درجة الدخول بها كحرب معلنة.

اليوم اختلف الوضع؛ فالنداءات المعلنة للنسوية، وللمثلية وهما القاصمتان لظهر الحاضنة الاجتماعية، والتي يجري الإعداد لتأصيلها عبر مناهج، وقوانين، ولا يستبعد أن يصل الأمر إلى اعتمادها كاتفاقيات دولية، تلزم بها الدول، وتفرض لعدم تطبيقها عقوبات، هي صور من أنواع الحروب الحديثة والتي لم تكن معلنة حتى عهد قريب، فهل فقدت البشرية بوصلات توجهاتها نحو الآفاق السامية؛ لتتراجع نحو الهاوية؟ كما تأتي الإشارة إلى الطبقة البرجوازية وهي؛ تقليديا؛ الطبقة المتحكمة على مفاصل الاقتصاد على مستوى العالم، وذلك لأنها تضم مجموعة من المتخصصين، ورؤوس الأموال؛ لتتداخل مع طبقة البروليتاريا لتشكلان المجتمع الصناعي الحديث، فلم يعد الفهم التقليدي للعمال؛ كما هو معلن في السابق؛ (العامل/ سيده) حيث أصبح نظام الشركات، أو عمال المجموعات هو السائد، فاليوم وبكل سهولة يمكن أن ينشئ أحدنا منصة لخدمة ما، ويجني من ورائها آلاف الريالات، وهو جالس أمام الحاسب الآلي في إحدى غرف منزله بين أربعة جدران، وفي ظل هذا التداخل أيضا؛ فهناك من يرى أن الطبقات الاجتماعية؛ نظريا؛ بدأت بالتلاشي في ظل التطور التقني؛ فالتقنية لن تكون ملكا لطبقة بعينها، وفي ظل الحياة الحديثة التي تتجاوز كل اليوم المفاهيم التقليدية للحياة الاجتماعية، وتحل الأسرة النووية أكبر مثال على ذلك.

وفي ظل تداخل المفاهيم، وتنازع القوى وفق ما جاء أعلاه؛ وبدء انحسار مفهوم «القطب الواحد» يستلزم الأمر إعادة تعريف الكثير من المفاهيم التي كانت سائدة حتى مطلع القرن الحالي، فما هي الوسائل التي تعمل على إزالة المفاهيم العالقة القديمة، والتي لا تزال القوى العالمية تعتبرها منفذها الوحيد للهيمنة والتسلط وفرض الرأي الواحد؛ وبالقوة القاهرة، حيث محاولة العودة إلى الإرث الاستعماري البغيض؟ تذهب الإجابة هنا إلى العودة للمعرفة؛ فالمعرفة هي من لها القول الفصل في كل التغييرات التي تحدث في الكون البشري المباشر، و«الكون البشري» مقصود به هي مساحة الاشتغال المتاحة لبني البشر، وهي المنضمة تحت مفهوم (إعمار الكون) وهي المهمة الموكلة للإنسان في هذه الحياة، وللاقتراب أكثر من تجلية الصورة، تكون ظروف الحياة هي الملزمة للبشر الذين يعيشون فيها ويتفاعلون من خلالها حيث تفرض أجنداتها على واقع الناس، وحتى الأنظمة السياسية التي أوكلت الكثير من المهمات إلى المجالس التشريعية، ومؤسسات المجتمع المدني، هي بذلك تعلن بصورة غير مباشرة على أنها تتنازل عن شيء من المفهوم التقليدي للنظام الذي كان سائدا ردحا من الزمن.

حالة الصمت التي عانت منها الشعوب طوال فترات التاريخ؛ مكرهة في تواطئها مع الظالم، لن يمتد عمرها في ظل ما تشهده الحياة من تغيرات في مختلف جوانبها، فمع كل فترة تاريخية تمر، هناك رقي في الفكر، وتبلور في الشخصية الطبيعية؛ حيث يحل المستند القانوني الذي تتمتع به الشخصية الطبيعية لاكتساب الحقوق منفذا مهما للتحرر، والانعتاق من أية وصاية كانت اجتماعية أو إدارية، إذن هناك تبدّل في الأفكار، وهناك تنوع في المحتوى الذي يوجه الناس نحو تصويب مساراتهم اليومية، صحيح أن أحداث التاريخ غير متوقفة، وأن ترقي الإنسان عبر ما يتاح له من معرفة غير متوقف، إلا أن كل ذلك مرهون بالمساحة المتاحة لهذا الإنسان لكي يبدع ويترقى؛ فالمساحة الآمنة للتفاعل تفتقد معززات نموها في كثير من الأحيان بسبب البيئة التي ينشأ فيها الإنسان؛ فبيئات الحروب، وبيئات الأنظمة السياسية المتسلطة، وبيئات الفقر المدقع، وبيئات انحسار الأمن الاجتماعي، كل هذه معوقات؛ لا تتيح التحرك الآمن للمعرفة، ولكن؛ هل استسلم الإنسان عند هذا الحد؛ ولم يحاول الخروج من شرنقة هذه المسارات، أو لم يستطع أن يتجاوز النفق المظلم؟ الإجابة تقول: لا، وإلا لما وصلت البشرية اليوم من تقدم ورقي؛ في مختلف العلوم؛ حيث تعيش البشرية أزهى عصورها، وإن كان هذا الازدهار بنسب متفاوتة بين شعوب الأرض، ففي النهاية هناك تسجيل سبق، وإنجاز ملموس، وترق غير منكور، وهل كل هذا له علاقة بتغير المفاهيم؟ الإجابة تقول نعم؛ هناك تغيرات جذرية تعيشها الأجيال، ويلمس هذه التغيرات من يعيش في المنطقة الواصلة بين كل جيلين، حيث شهد هؤلاء ما كان عليه الوضع طوال سني أعمارهم، وما يحدث اليوم من تغيّر وتبدل في مختلف المفاهيم والرؤى، وإن كان هذا التبدل والتغير يثير كثيرا من التحفظ، ويثير كثيرا من التصادم بين الأجيال، ويخلق حالة من عدم الرضا لدى الطرفين، ويحدث هذا ليس فقط لجانب أخلاقي بحت، ولكن لجوانب موضوعية في الحياة، ولذلك فهو يتصادم مع ما اعتادت إليه النفوس؛ من ناحية؛ ومع هاجس الخوف الذي ينتاب الإنسان عادة؛ من كل جديد، ولكن لأن هذا يدخل في الحالة الوجودية للبشرية -أي الديمومة والاستمرار- فإن الأمر سيستمر، ولن يتوقف، فالتغير والتبدل هو حالة وجودية لا أحد ينكرها، أو يتجاوزها.

ما يعيشه العالم من تحولات جذرية في كثير من مناشط الحياة اليوم، ولعل الشق الاقتصادي يأخذ الصدارة؛ هو ما ينبئ أن القوى التقليدية، التي هيمنت ردحا من الزمن؛ على مناشط الشعوب الحرة، والتي لا تزال تدفع الغالي والنفيس لزحزحة هذه الهيمنة، ومحاولة استنشاق عصر جديد، يعود عليها بالكثير من الحمولات الإنسانية المفقودة، طوال القرنين الماضي، ومطلع القرن الحالي، وما يحدث في شرق آسيا، وفي القارة الأفريقية، ما يعكس شيئا من الانحسار والتحول، ووفق مجريات التاريخ، تحتاج المسألة إلى وقت، ولأن المحاولات بدأت في قضم ثمرة الازدهار التي هيمنت عليها الدول المستعمرة، فإن الظروف ستتوانى للأطراف؛ التي كانت مغلوبة على أمرها؛ وستحتل الصدارة، ولن يكون هناك تراجع، وعلى الدول الاستعمارية أن تعد أكفان طموحاتها، حيث ستوارى في مزبلة التاريخ، والصورة أعلاه حقيقة وجودية، حيث لا بقاء سرمدي لأي مظهر من مظاهر الحياة، وبقدر اشتغال الإنسان على نفسه؛ وهو المطالب به دائما؛ يحدث التغيير، ومعنى هذا أن الأنظمة التي تراهن على البقاء السرمدي للهيمنة، وفرض الأمر الواقع على الشعوب، ستتلاشى شيئا فشيئا بفعل محكمة التاريخ، التي لن تحابي أحدا على أحد، وإن حاولت البشرية أن تطمس بعض المعالم «الحقائق» فالتاريخ سيكشفها ويعرّيها، وما نعيشه في حاضرنا، وما عايشناه طوال سنوات العمر المنصرمة لا يصدمنا بهذه الحقيقة، بل قد يضعنا على مرتبات الاستشراف لما سيكون عليه الحال بعد فترة من الزمن، ولعل للمسافة الزمنية التي تقضيها الشمس في مسيرتها اليومية من المشرق إلى المغرب -بقدرة الله وتدبيره- ما ينبئ عن حالات التبدل والتغيّر، وحالات التأمل، والتفكر، فالنفوس تستشعر أفق هذه الإضاءة، فتترجمها إلى المضي قدما نحو التغير والتبدل، ويمكن قياس هذه المسألة حتى على المستوى الشخصي للفرد نفسه، فمن يعقد مقارنة موضوعية لما عليه الحاضر، وما كان عليه الماضي يجد ذلك واضحا وضوح هذه الإشراقة الكونية للشمس، وهذا الأمر متحقق لدى جميع الناس؛ بلا استثناء؛ والاستثناء الوحيد هو عند من خرج من دائرة العقلاء.

فالـ «بورتريه» -وفق التعريف- صورة الشخص في وضع ثابت، بينما الفكرة هنا تجنح بعيدا، إلى حيث الرؤى الاستشرافية لآفاق الغد، فالحياة وجدت لتتسع للآمال والطموحات، والرؤى، ولا تؤمن إطلاقا بالثبات الذي يعرقل مسيرة الشعوب عن الوصول إلى ما تطمح إليه، وتنظر الفكرة إلى أن مجموعة العراقيل التي تعترض مسيرات الشعوب الحية، تظل موقوفة بظرفها الآني؛ لا أكثر.

أحمد بن سالم الفلاحي كاتب وصحفي عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: على أن

إقرأ أيضاً:

عودة جاك تُشعل المحيط من جديد.. Titanic 2 يعيد أسطورة الحب إلى الحياة

صراحة نيوز ـ في مفاجأة سينمائية كبرى لعشاق الفيلم الأسطوري “Titanic”، تعود قصة الحب الخالدة بحلّة جديدة ومليئة بالغموض في فيلم “Titanic 2: The Return of Jack” (2025)، حيث يعيد ليوناردو دي كابريو تجسيد شخصية جاك داوسون في سرد درامي يتحدى حدود الزمن والمنطق.

تدور أحداث الفيلم بعد عقود من غرق السفينة الشهيرة آر إم إس تيتانيك، حين تقود الدكتورة إليانور كارتر (مارجوت روبي)، وهي عالمة آثار بحرية شغوفة، رحلة استكشافية إلى أعماق المحيط الأطلسي لاكتشاف أسرار الحطام. خلال المهمة، يعثر الفريق على كاميرا محفوظة بدقة داخل السفينة، لكن المفاجأة الحقيقية كانت في اكتشاف رجل مجمّد في الزمن… جاك داوسون.

بواسطة ظاهرة تجريبية نادرة، يعود جاك إلى الحياة ليجد نفسه في عالم جديد كليًا، تحاصره ذكريات روز (كيت وينسلت) والليلة التي غيّرت مصيره إلى الأبد. وبينما يحاول فهم سبب نجاته ومعنى الفرصة الثانية التي مُنحت له، يجد نفسه في مواجهة شهرة مفاجئة، واهتمام إعلامي كثيف، وتدخلات حكومية قد تُهدد رحلته نحو الحقيقة.

“Titanic 2: The Return of Jack” لا يعيد فقط إحياء شخصية خلدها الجمهور، بل يطرح تساؤلات عميقة عن الحب والذاكرة والقدر… فهل يمكن لقلوب فرّقتها المأساة أن تلتقي من جديد؟

مقالات مشابهة

  • من أرصفة الحكمة الى ظلال الحياة
  • ترامب: لولا الجهود الأمريكية لما كان أي أسير في غزة على قيد الحياة
  • عاجل- ترامب: "لولا جهودنا لما كانوا الرهائن على قيد الحياة"
  • تهجير قسري ورعب أمني بثلاث دول.. سيدة كوردية فيلية تحصد امتيازاً في سر الحياة
  • غسل الأيدي أولوية.. فعاليات مستشفى الحياة بورفؤاد بمناسبة اليوم العالمى لنظافة اليدين
  • عودة جاك تُشعل المحيط من جديد.. Titanic 2 يعيد أسطورة الحب إلى الحياة
  • ترامب: لدينا إطار لاتفاق متين مع الصين
  • رسائل في الحياة.. أمَّـــــا بعد
  • مشاهد من الحياة في بورتسودان عقب هجوم المسيرات
  • كتمان زوجي معضلتي في الحياة