عربي21:
2025-06-10@09:54:33 GMT

موقف مصري مختلف تجاه الطوفان.. حقيقي أم مناورة؟

تاريخ النشر: 15th, October 2023 GMT

من بين المواقف العربية والإسلامية المتباينة تجاه معركة طوفان الأقصى بدا الموقف الرسمي المصري هذه المرة مفاجئا، ومختلفا، إذ انحاز من البداية نسبيا إلى المقاومة محملا جيش الاحتلال الإسرائيلي المسئولية، ومحذرا من الاعتداء على المدنيين، وداعيا لوقف الاعتداءات والأعمال الاستفزازية ضد الشعب الفلسطيني، والالتزام بقواعد القانون الدولي الإنساني فيما يتعلق بمسئوليات الدولة القائمة بالاحتلال (البيان الأول للخارجية المصرية في 7 تشرين الأول/ أكتوبر)، كما حذرت مصر من دعوة الجيش الإسرائيلي للغزاويين لمغادرة بيوتهم والتوجه جنوبا نحو سينا، مؤكدة أن هذا الإجراء يشكل "مخالفة جسيمة لقواعد القانون الدولي الإنساني (البيان الثاني للخارجية يوم الجمعة 14 تشرين الأول/ أكتوبر).



لم يقتصر الأمر على وزارة الخارجية، بل إن السيسي أكد أيضا خلال حفل عسكري (الخميس الماضي) أن دعوات التهجير تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، ومع إشارته إلى احتضان مصر 9 ملايين لاجئ من عدة دول إلا أنه أوضح أن وضع غزة مختلف تماما عن تلك الدول، في إشارة إلى أن لاجئي تلك الدول محتفظون بحق العودة إلى بلادهم عقب انتهاء الأزمات على خلاف الفلسطينيين الذين لا يسمح لهم بالعودة، مؤكدا أن مصر ستبذل أقصى جهد للتخفيف عن سكان القطاع.

موقف جديد على السلطة الحاكمة في مصر منذ عشر سنوات، إذ اقتصر خلال الاعتداءات والاجتياحات السابقة في 2014، و2019، و2021، و2022 على الوساطة بهدف تحقيق التهدئة ووقف العمليات العسكرية، لكنها هذه المرة سارعت إلى تحميل جيش الاحتلال المسئولية عقب انطلاق عملية طوفان الأقصى
مصر الرسمية لم تقتصر على بيانات الشجب والإدانة والتحذير من التهجير، ولكنها سعت لتوصيل معونات إنسانية إلى قطاع غزة عبر معبر رفح، ودعت الدول الشقيقة والصديقة لتقديم الدعم، واضعة مطار العريش في خدمة هذا الغرض، كما انخرطت مصر الرسمية في سلسلة من التحركات الدبلوماسية لمحاولة وقف الاجتياح الإسرائيلي للقطاع وتهجير أهله.

هذا موقف جديد على السلطة الحاكمة في مصر منذ عشر سنوات، إذ اقتصر خلال الاعتداءات والاجتياحات السابقة في 2014، و2019، و2021، و2022 على الوساطة بهدف تحقيق التهدئة ووقف العمليات العسكرية، لكنها هذه المرة سارعت إلى تحميل جيش الاحتلال المسئولية عقب انطلاق عملية طوفان الأقصى التي حققت فيها المقاومة مكاسب عسكرية كبيرة، أهمها كسر نظرية الردع الإسرائيلي، وكسر صورة الجيش الذي لا يُقهر والجدار الذي لا يهدم، والقبة الحديدية التي لا تخترق، وهي الانتصارات التي استنفرت القوى الغربية بقيادة الولايات المتحدة لدعم الكيان الصهيوني، وتحريك حاملة طائرات أمريكية وغيرها من القطع البحرية الأمريكية والأوروبية في جيش عرمرم لدعم جيش الاحتلال.

هناك العديد من التفسيرات للموقف المصري الجديد، منها ما هو تكتيكي ومنها ما هو استراتيجي، فقد يكون ذلك بهدف اكتساب شعبية تراجعت كثيرا بسبب الأزمة الاقتصادية والسياسية معا، أو قد يكون للتغطية على اتهامات بتقديم معلومات مسبقة للجانب الإسرائيلي عن عملية مرتقبة لحماس، ورغم نفي نتنياهو شخصيا لذلك، إلا أن مسئولين أمريكيين ووسائل إعلام أمريكية وغربية أصروا على هذه الرواية التي لم تبادر السلطات المصرية الرسمية لنفيها، وتركت المسألة للردود غير الرسمية.

أما الجانب الاستراتيجي فيتعلق بشعور مصر بخطر على أمنها القومي هذه المرة، وربما كانت لديها معلومات قبل انطلاق عملية طوفان الأقصى عن تحركات لتنفيذ المخطط القديم الجديد لتوطين فلسطينيي غزة في سيناء، وهو ما سبق أن رفضته مصر مرارا، بل إن الحكم الحالي، وضمن مساعيه لتشويه حكم الرئيس مرسي وتحريض الشعب ضده حاول تمرير رواية كاذبة أطلقها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس عن قبول مرسي لخطة التوطين في سيناء، وهو ما لم يقدم عباس أو السلطات المصرية عليه أي دليل مكتوب أو منطوق رغم امتلاكهم كل وثائق سنة حكم الرئيس مرسي، وبالتالي فقد ساهم النظام نفسه في تسخين الرأي العام المصري ضد خطط التوطين، وأصبح صعبا عليه تجاوز هذه المشاعر، ناهيك عن الخوف من رد فعل المؤسسة العسكرية ذاتها.

وجدت المخاوف المصرية المبكرة تأكيدا لها في دعوة وزير الدفاع الإسرائيلي المباشرة لأهل غزة بالرحيل إلى سيناء، والتي تبعتها تحركات واتصالات أمريكية لحث مصر على قبول التهجير، ثم تبعها إسقاط جيش الاحتلال لمنشورات باللغة العربية على أهل غزة تطالبهم بالتحرك جنوبا، أي إلى سيناء، طلبا للنجاة.

الرفض المصري لتهجير الفلسطينيين إلى سيناء هو موقف رسمي وشعبي، ولأول مرة تتفق المعارضة في معظمها مع النظام في هذا الشأن. ولا ينطلق هذا الرفض من مشاعر سلبية تجاه الفلسطينيين بل من رغبة في الحفاظ على قضيتهم حية، وعدم تصفيتها، وتأكيد حقهم في إقامة وطن مستقل على ترابهم الوطني عاصمته القدس الشريف.

وقد شرعت السلطات المصرية في بناء حواجز إسمنتية عالية على بوابات معبر رفح لمنع العبور إلى الجانب المصري، مشترطة فتحه في حال موافقة الجانب الإسرائيلي على عبور المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، والسماح للجرحى بالعبور نحو مصر لتلقي العلاج اللازم. وهذا الموقف المصري لاقى ترحيبا من القيادات الفلسطينية نفسها عبر عنه رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، مؤكدا أنه لا نية للفلسطينيين في الهجرة إلى مصر أو غيرها، بل البقاء في وطنهم.

لكن شكوكا لا تزال تكتنف الموقف الرسمي المصري، تحيله إلى مجرد مناورة مؤقتة، حيث قامت السلطات المصرية خلال السنوات الماضية بتهجير أهل شمال سيناء من شريط حدودي بعرض خمسة كيلومترات، وهي المنطقة ذاتها التي تشير إليها بعض التوقعات باعتبارها المكان المقترح لتوطين الفلسطينيين الفارين من جحيم الاحتلال.

الحديث عن تنفيذ صفقة القرن ليس بعيدا عن هذه الشكوك أيضا، فهذا المصطلح ظهر لأول مرة على لسان السيسي نفسه في لقاء مع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وجزء من هذه الصفقة حسب التسريبات توطين اللاجئين الفلسطينيين في سيناء نظير حوافز مالية وسياسية كبرى لمصر.

الأزمة الاقتصادية الحالية، وخاصة أزمة الديون الضخمة التي حان موعد سداد جزء كبير منها لا تستطيع السلطات الوفاء به، تغذي هذه الشكوك أيضا، إذ أن السيسي لم تعد في يده من أوراق للخروج من مأزق الديون سوى إصدار صكوك بضمان إيرادات قناة السويس، والقبول بخطة التوطين في سيناء نظير إسقاط الديون أو جزء كبير منها
وفي تحقيق استقصائي لموقع "مدى مصر" نشره السبت (14 تشرين الأول/ أكتوبر) تحت عنوان "مصر تميل لقبول مشروط لأي نزوح فلسطيني تفرضه إسرائيل"، نسب إلى بعض المصادر "هذا الميل"، موضحا أن أسبابه "تتعلق أولًا بمعطيات الأمر الواقع. إذا تحرك مئات الآلاف من الفلسطينيين تجاه سيناء، بينما تدمر إسرائيل القطاع، وبالتالي لن يصبح أمام مصر سوى السماح لهم بالدخول، وفي هذه الحالة لم يعد السؤال حول ما إذا كانت مصر ستستقبل الفلسطينيين في حالة نزوحهم، الأسئلة الآن هي كيف، ومتى، وتحت أي شروط، بحسب تعبير أحد المصادر الحكومية".

الأزمة الاقتصادية الحالية، وخاصة أزمة الديون الضخمة التي حان موعد سداد جزء كبير منها لا تستطيع السلطات الوفاء به، تغذي هذه الشكوك أيضا، إذ أن السيسي لم تعد في يده من أوراق للخروج من مأزق الديون سوى إصدار صكوك بضمان إيرادات قناة السويس، والقبول بخطة التوطين في سيناء نظير إسقاط الديون أو جزء كبير منها، كما تم مع مبارك عقب مشاركة الجيش المصري في حرب تحرير الكويت ضمن التحالف الدولي حينذاك.

هامش.. تحية إلى الأزهر

بعيدا عن الموقف الرسمي وتفسيراتنا له، يبقى موقف الأزهر هو الأهم من بين ردود الفعل المختلفة في مصر، ذلك أن الأزهر يتجاوز الحالة المحلية المصرية إلى الحالة الإسلامية العالمية، وهو موقف وإن لم يكن جديدا على الأزهر إلا أنه كان الأكثر صراحة في دعم المقاومة الفلسطينية والتنديد بالاحتلال، ومطالبة الدول العربية والإسلامية والمجتمع الدولي بالتحرك لإنقاذ الشعب الفلسطيني. وقد شهدت ساحة الجامع الأزهر يوم الجمعة الماضي مظاهرة هي الأولى من نوعها منذ عشر سنوات دعما للمقاومة الفلسطينية والحق الفلسطيني وتنديدا بالعدوان الإسرائيلي.

twitter.com/kotbelaraby

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المصري الفلسطيني التهجير غزة مصر فلسطين غزة تهجير طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة السلطات المصریة طوفان الأقصى جیش الاحتلال هذه المرة فی سیناء

إقرأ أيضاً:

من النكسة إلى الطوفان.. غزة المحرقة والبوصلة

ما بين الخامس من حزيران 1967، والسابع من 2023، مسافة زمنية تتجاوز نصف قرن، لكنّها تختصر صراعًا لا يزال في ذروته، بين مشروعٍ استعماريّ صهيونيّ، وأمّةٍ تتلمّس دروبَ الكرامة والمقاومة.
من نكسةٍ زلزلت العالم العربي، إلى طوفانٍ أعاد رسم معادلات القوة، ظلّت فلسطين قلب المعركة، وغزّة أيقونة هذا الصمود المتجدّد.
في هذا المقال، نقرأ التحوّل من الهزيمة إلى التحدي، من التراجع إلى المبادرة، ونُسلّط الضوء على المفارقات الحادّة التي تختصر المسافة بين “النكسة” و”الطوفان”، حيث تحترق غزة تحت وطأة المحرقة، لكنها تبقى بوصلة لا تضل.
يمثّل صمود غزة حالة استثنائية في ميزان المواجهة، إذ أثبتت للعالم أن الإرادة الشعبية والمقاومة العقائدية تستطيع أن تُربك أعتى الجيوش، وأن تُفشل منظومات الاحتلال العسكرية والاستخباراتية، بل وتُحطم صورته التي لطالما حاول تصديرها بأنه “الجيش الذي لا يُقهر”.
وهنا تبرز مفارقة عميقة ومؤلمة في آن: فبينما انهزمت جيوش عربية مجتمعة في نكسة حزيران خلال ستة أيام فقط، رغم ما كانت تملكه من عُدة وعدد، فإن غزة الصغيرة المحاصَرة، التي لا تملك جيشًا نظاميًا، تصمد لأكثر من 600 يوم في وجه آلة حربية صهيونية لا تعرف الرحمة، مدفوعةً بالإيمان والعقيدة لا بالتحالفات والعتاد. هذه المفارقة التاريخية تُعيد تعريف مفهوم النصر والهزيمة، وتُثبت أن الكرامة والحرية لا تُقاس بمساحة الأرض ولا بعدد الطائرات، بل بصدق العقيدة ووضوح البوصلة.
في الخامس من يونيو 1967، وقعت نكسة حزيران التي مثّلت ضربة قاصمة للعالم العربي، حيث احتلت “إسرائيل” القدس والضفة الغربية وقطاع غزة وسيناء والجولان. لم تكن الهزيمة عسكرية فقط، بل سياسية وثقافية ونفسية، فتحت الطريق أمام مشاريع تصفية القضية الفلسطينية.
أدّت النكسة إلى تراجع الحركات التحررية وصعود اتجاهات الواقعية السياسية والتسويات، مما أعطى الشرعية التدريجية للوجود الصهيوني في المنطقة. تحوّلت “إسرائيل” إلى أداة وظيفية للمشروع الغربي، تلعب دور الحارس لمصالحه في المنطقة.
غير أن تداعيات النكسة لم تُسكت صوت الجماهير العربية والفلسطينية، بل دفعتها نحو بناء بدائل نضالية. فقد تصاعدت العمليات الفدائية الفلسطينية، وبرزت منظمة التحرير الفلسطينية وقوى اليسار كحامل سياسي مقاوم. لكن رغم ذلك، بقيت التحديات قائمة نتيجة الاحتواء العربي الرسمي للمقاومة ومحاولات تفكيك المخيمات وشيطنة الكفاح المسلح.
ثم جاءت اتفاقيات أوسلو لتُفرغ المشروع الوطني الفلسطيني من مضمونه، عبر تحويل السلطة الفلسطينية إلى أداة لضبط الشعب الفلسطيني، بينما تستمر “إسرائيل” في مشروعها الاستيطاني والتهويدي.
في المقابل، بقيت غزة والضفة تحتفظان بنبض المقاومة، حيث تشكّلت البيئة التحتية للمواجهة الحقيقية. تطوّرت قوى المقاومة في غزة رغم الحصار والعدوان، وتحوّلت إلى مركز ثقل في المشروع التحرري الفلسطيني.
وفي السابع من أكتوبر 2023، أطلقت كتائب القسام عملية “طوفان الأقصى”، التي قلبت الطاولة على كل المشاريع. لم تكن العملية مجرد اختراق أمني أو هجوم عسكري، بل تحوّل استراتيجي في قواعد الصراع. بذلك أعادت المقاومة الاعتبار إلى فكرة الكفاح التحرري الشامل، وفضحت هشاشة المشروع الصهيوني من الداخل. كما كشفت زيف التطبيع والانبطاح العربي، وأثبتت أن الشعوب لا تزال تحتفظ بمخزون نضالي كبير.
اليوم، يبدو أن المعادلة تتغيّر: لم تعد “إسرائيل” قادرة على فرض شروطها دون ثمن. غزة تقاتل رغم المجازر والمحرقة المستمرة، الضفة تنذر بالاشتعال رغم القبضة الأمنية، الداخل الفلسطيني يتململ، والخارج يعيد النظر في رهاناته.
لقد شكّل “طوفان الأقصى” استكمالًا لمسار بدأ منذ النكسة، مسار عنوانه: التحرر لا التعايش، المقاومة لا التسوية، الشعب لا الزعيم.
وفي لحظة انكسار حزيران، تنهض غزة لتكتب فصلًا جديدًا من العنفوان حد الطوفان.

رئيس مركز غزة للدراسات والاستراتيجيات

مقالات مشابهة

  • من النكسة إلى الطوفان.. غزة المحرقة والبوصلة
  • محافظ شمال سيناء تهنئ الجرحى الفلسطينيين في مستشفى نخل المركزي بعيد الأضحى
  • السياسات المصرية تجاه غزة وسيناء بين التدمير والتجويع
  • ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 54,880 شهيدًا
  • سفينة "مادلين" تجتاز مناطق بالساحل المصري وتقترب تجاه غزة
  • عربية النواب تطالب المجتمع الدولي بتخاذ موقف تجاه الكارثة في قطاع غزة
  • ولي العهد السعودي يطالب بإنهاء العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين
  • الهلال الأحمر المصري ينفذ 90 دورة إسعافات أولية ويُدرّب 2500 مستفيد خلال شهر
  • العدو الإسرائيلي ينذر آلاف الفلسطينيين للإخلاء من شمال قطاع غزة
  • سياسة بريطانيا وجرائم إسرائيل ضد الفلسطينيين