يقول الحق سبحانه: {سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين}. يخبر ربنا سبحانه أنه مولى المؤمنين وناصرهم، فإذا تولوه تولاهم، وإذا نصروه نصرهم، وأيدهم بإلقاء الرعب في قلوب الكافرين، هذا الرعب يجعل المقاتل لا يستطيع أن يرفع سلاحا ولا أن يستعمله، وهذا الذي وقع بالضبط للصهاينة الأوباش.
لقد كان للمسلمين مواعيد مع النصر بإلقاء الرعب في قلوب الأعداء، كما حدث في موقعة لوشة العظيمة في انتصار المسلمين سنة (887هـ)، عندما جاء صاحب قشتالة النصراني وحاصر مدينة لوشة، وجاءتهم النجدات من رجال غرناطة وحصل قتال شديد، فلما أصبح الصباح ورأى النصارى الزيادة في جيش المسلمين مع ما نالهم من أول الليل من الهزيمة والقتل، داخلهم الرعب واشتد خوفهم، فأخذوا في الارتحال، فخرج إليهم المسلمون من المدينة، بعد أن كانوا محاصرين فقاتلوهم قتالا شديدا، فانهزم النصارى، وتركوا أخبيتهم وأمتعتهم وأطعمتهم وآلة حربهم، فاحتوى المسلمون على جميع ذلك، وانصرف العدو مهزوما مثلولا إلى بلده.
وهذا الذي حدث مع اليهود تماما، إنه الرعب، وهكذا شهدنا حقيقة هذه القوة التي يتفاخرون بها، وهذه الهالة التي صنعوها لأنفسهم، واتضح أن أفلام هوليود شيء، والواقع شيء مختلف تماما، وأن ذلك الدجل الذي مارسوه والكذب في تفخيم أنفسهم إنما هو عبارة عن فقاقيع. وكان من عوامل ذلكم النصر المؤزر في غزة العزة دعاء المسلمين في شتى بقاع الإسلام، فكم رفع المسلمون من أكفهم في هذه المحنة التي أصابت بلاد الإسلام عموما وفلسطين خصوصا، وكم من دعاء انطلق من الحناجر، وكم من شيخ كبير وعجوز مسنة تضرّعت إلى ربها: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان}.
إن الصواريخ تنزل بإخواننا بغزة، والمدفعية تقذف، ومع ذلك، فإن ربنا سيزيل هذا الذعر الذي عمّ الكثيرين، فينفس كرب المكروبين، ويستجيب دعاء المسلمين، وسيرينا الله آيات وعجائب. لما كانت حنين أسلم يزيد بن عامر السوائي رضي الله عنه، فسأله بعض المسلمين عن الرعب الذي ألقاه الله في قلوب المشركين يوم حنين كيف كان، صوّره لنا فقال: كانت تنزل بنا حصاة فتقع في طست فيطن صوت عظيم نتيجة هذه الوقعة، فكنا نجد في أجوافنا مثل هذا.
إن ربنا سبحانه إذا أراد شيئا هيّأ له أسبابه، فيوم حنين مثلا، نصر الله نبيه ودينه والمؤمنين بالريح: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا، إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم، وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا}. وهكذا سيكون الحال في فلسطين، ماذا تساوي صواريخ القسام أمام التكنولوجيا الرهيبة التي يمتلكها الكيان الغاصب، والذي يزوّد بها آناء الليل وأطراف النهار من الشرق ومن الغرب، ومع ذلك، فعلت فعلتها: {فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم، وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى، وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا إن الله سميع عليم، ذلكم وأن الله موهن كيد الكافرين}.
إن ربنا سينجز وعده، وينصر عبده، ويهزم الأحزاب وحده، فلا إله إلا الله يفعل ما يشاء، ولا إله إلا الله الحي القيوم: {قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله، وأخرى كافرة}. فاللهم إنا نسألك وأنت على كل شيء قدير، ونرغب إليك وأنت الواحد الديان، ونفزع إليك وأنت الرحمن الرحيم، ونسألك بأسمائك الحسنى أن تحرّر الأقصى من دنس هؤلاء المجرمين، وأن تردّهم على أعقابهم خائبين.. والله ولي التوفيق.
* إمام وأستاذ بجامعة العلوم الإسلامية – الجزائر1
المصدر: الخبر
إقرأ أيضاً:
الكائنات الغريبة التي لم نعهدها
علي المسلمي
في عصر نستطيع أن نقول فيه إنه بلغ ذروة العلم والتمدن، مبتكرات ومخترعات، لم تخطر على بال أحد؛ لتيسير حياة البشرية جمعاء، وأخريّات لتدمير البشرية من المغلوب على أمرهم؛ من أجل المليار الذهبي من البشر.
في المُقابل توجد ثلة من الصنف الثاني من الناس، تحكمها شريعة الغاب، تمارس السّادية بحق شعب أعزل في أرضه، لا يطلب سوى العيش الكريم، والحياة الهانئة الهادئة، يطلب حريته بعدما تمت مُحاصرته برًا وجوًا وبحرًا بالقاذفات والمسيرات، والقنابل الحارقة الفسفورية المحرمة دوليًا والخارقة للصوت، والمجنزرات والبلدوزرات ودبابات الميركافا. هذه الكائنات هل هي من جنس البشرية أمْ كما تدعِي؛ بأنها شعب الله المختار، وأخذت صك الغفران من فرعون العصر، الذي أعطاها الضوء الأخضر، تبيد البشر والحجر في حمم لا تبقي ولا تذر، وتشفي غليلها بتهشيم رؤوس أطفال العرب حسب عقيدتهم التلمودية التوراتية الواردة في أسفارهم؛ حتى يهدأ بالها وتستريح قلوبها المليئة بالحقد والغل.
هيهات.. هيهات، إنَّ الله يمهل ولا يهمل، من قَبلِكِ أمم وأفراد أخذتهم العزة بالإثم، فصاروا إلى ما صاروا إليه من النكال والعذاب في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون "أَدْخِلُوا آلَ فِرْعونَ أشدَّ العذابِ". وهذه الكائنات استباحت الحرمات، ودنست الأعراض، وأهلكت الحرث والنسل، وعاثوا في الأرض الفساد، ولم تنصت لصوت العقلاء الحكماء، والمتظاهرين المناهضين لهذه الهمجية الجاهلية، ولا إلى دعوة المظلومين، ولا إلى تنهدات المكلومين والثكالى وبكاء الأطفال اليتامى، همها الأكبر التطهير العرقي، والإبادة الجماعية، وبناء ملك زائل، ونبوءات زائفة في أرض الميعاد بالتطهر بالبقرات الحمراء الشيكاغوجية السّمانْ؛ لبناء هيكلهم المزعوم، وتحقيق أهداف بروتوكولات بني صهيون الماسونية.
أمّا وبَعْدّ أن تكشفت سوءات هذه الفئة، وكشفت عن بريق وجهها، ورأى العالم صنيعها وأفعالها أنَّا له أنْ يقف العالم الحُر كما يدعي بـديمقراطيته وعدالته مكتوف الأيدي بمؤسساته التي بُنيت على أساس صون كرامة الإنسان وحريته، واحترام حقوقه بعد الحربين العالميتين المدمرتين وبَنَتْ على ذلك العهود والمواثيق، أمْ تكون بريقاً مزيفاً يستخدمه الكبار؛ لاستمالة الشعوب التي يظنونها أممًا تابعة لهم تنقاد وفق أهوائهم ورغباتهم.
لقد طفح الكيل أمّة المليار مسلم، وأمّة الدين والتاريخ واللغة والنسب، إخوانكم وأبناؤكم وبني جلدتكم وقومكم يساقون سوقًا، ويدفنون أحياء بلا رحمة ولا شفقة، يُجّوعون ويتوسلون، بطونهم خاوية، أمعاؤهم تتقطع وتصرصر كصرير النمل في وضح النهار، وأفواههم عطشى ظمأى من شدة العطش، يبكون على أطفالهم من هول الأمر ولا يستطيعون بنت شفة من شدة ما يعتصرهم من الآلام. وهذا ما تسطره لنا الشاشات المرئية، يئنون من شدة الألم، يفترشون البيوت المهشمة، ويلتحفون قطعًا بالية والفضاء الملوث. وهناك من يطبل ويزمر ويزمجر، ويفرش الورد، ويُنفق المليارات نظير وعود لا يعلم صدقها إلا أصحابها، تنثر في الهواء؛ بينما الواقع يزداد بؤسًا وشقاء، بينما الأنين والنوح لا أحد يلقي له بالاً ويلقى اللوم على هذه الفئة الصابرة المرابطة منذ خمسة وسبعين سنة في دحر هذا العدوان الغاشم بأبسط الوسائل.
ألا ينبض لنا عرق من دمٍ، أم نتوجس خيفة من أحفاد الصهاينة ولم نتكلم ببنت شفة، أينك يا فاروق الأمة، ويا صلاح الدين، وقطز، والأئمة والقادة العظام، وامعتصماه، واصلتاه، أم ندس أنوفنا في التراب، ونصُم آذاننا عن السماع، أو تشرئب أعناقنا إلى السماء ننتظر الفرج من رب السماء دون عناء. ونعم بالله الواحد القهار. "ألا إنَّ نصرَ اللهِ قرِيبٌ".
لا ضيّر لهذه الزمرة المؤمنة الصابرة أن تدفع بفلذات أكبادها؛ من أجل أن تعيش مثل بقية البشر آمنة مُطمئنة، ولكن الصمت يخيم، والجبروت يزداد من قبل الكيان وزمرته المتطرفة التي لا تبقي ولا تذر، والاتكال على سيد البيت الأبيض الحالم بنوبل للسلام إحلاله في بقاع الأرض؛ وخاصة منطقة الشرق الأوسط، لعل الصبح ينبلج بفجر جديد يعم السلام ربوع البلاد، ينفع البلاد والعباد من هذه الحرب المبيدة التي قضت على البشر والحجر، رحمة بهؤلاء البشر.
صبرًا يا آل ياسر فإنَّ موعدكم الجنة.