من صنعاء إلى بقية العواصم العربية.. تفاعل عربي واسع مع غزة رغم تخاذل الحكام (تقرير)
تاريخ النشر: 16th, October 2023 GMT
لاتزال التظاهرات التضامنية مع الشعب الفلسطيني تتواصل في اليمن والدول العربية بشكل واسع، مع دخول عملية طوفان الاقصى التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية يومها العاشر، وسط دور عربي رسمي خافت نحو القضية الفلسطينية، مقابل دعم غربي قوى للكيان الصهيوني لاقتحام قطاع غزة المحاصر.
وسقط في هذه العملية أكثر 1300 إسرائيلي، بينما أودي قصف الاحتلال المستمر على قطاع غزة بحياة 2670 مدنيا، و9600 مصابا بينهم نساء وأطفال
وصباح يوم السبت 7 أكتوبر 2023، شنت فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وعلى رأسها حركة حماس عبر ذراعها العسكري كتائب الشهيد عز الدّين القسام، ردا على الانتهاكات الإسرائيلية في باحات المسجد الأقصى واعتداء المستوطنين الإسرائيليين على المواطنين الفلسطينيين في القدس والضفة.
مع هذا الموعد التاريخي بالنسبة لمواطني الوطن العربي الذين اعتبروا هذا انجازا قوميا للمسلمين وردا على الكيان الصهيوني العابث بالأراضي الفلسطينية منذ عقود، تدفق المواطنين المحتفلين إلى شوارع أغلب الدول العربية بشكل لافت على الرغم من تمزق أوطانهم بالحرب والمعاناة الانسانية والازمات السياسية الطاحنة في بلدان الشرق الاوسط.
فاق التوقعات
وفاق مستوى التضامن الشعبي في اليمن عن نظيره في المجتمعات العربية، من خلال خروج مسيرات منددة بالاحتلال الإسرائيلي ومؤيدة للمقاومة الفلسطينية في المدن اليمنية، لكن الموقف الرسمي لم يرقى إلى مستوى الحدث، حيث خلت البيانات والتصريحات التي صدرت عن البرلمان والحكومة اليمنية المعترف بها دوليا من أي ذكر لعملية طوفان الأقصى وما تبعه من استهداف إسرائيلي وحصار كامل لقطاع غزة، وفق استاذ علم الاجتماع السياسي الدكتور عبدالكريم غانم.
ويقول "غانم" لـ"الموقع بوست" إن خروج اليمنيين هو تعبير عن مشاعرهم إزاء التطورات العسكرية في الأراضي العربية المحتلة وقطاع غزة، ورغبتهم بالابتهاج بتحرير كل الأراضي العربية المحتلة، وبناء الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.
تفاعل عربي
وظل التفاعل الشعبي العربي كبير مع هذا الحدث لا سيما في الأردن ومصر، بينما جاءت المواقف الرسمية العربية خجولة وغير مواكبة لمستوى التطورات التي تشهدها الأراضي العربية المحتلة، فباستثناء خطاب الملك الأردني عبدالله الثاني، والرئيس التونسي قيس سعيد، مشيرا إلى أن الخطابات والمواقف الرسمية العربية لم ترقي إلى مستوى الحدث، مقابل موقف الولايات المتحدة غير محدود لإسرائيل، حسب "غانم".
ويعول استاذ العلوم السياسية من الدول العربية التي لديها علاقات مع إسرائيل بالضغط على الدولة العبرية لمنع استهداف المبنى السكنية وإيقاف الحصار الكامل للقطاع، والتعامل مع الأحداث بعقلية "دولة وليست عصابة أو جماعة مسلحة"، من خلال التلويح بقطع العلاقات في حال لم تستجب للنداءات الإنسانية والسماح بدخول الشاحنات المحملة بالغذاء والماء والدواء لسكان قطاع غزة.
وطالب الدول العربية النفطية التلويح بخفض إمدادات الطاقة في حال أصرت أمريكا على التدخل المباشر في الحرب التي تشنها إسرائيل داخل قطاع غزة، مؤكدا هناك إبادة جماعية في قطاع غزة بدءا من قطع الكهرباء وإمدادات المياه والطاقة، وإغلاق كافة المعابر.
ويتوقع "غانم" تتجه المعركة بين حركة المقاومة الفلسطينية والجيش الإسرائيلي نحو الحرب طويلة الأمد، مرورا بالمستوطنات الإسرائيلية وجنوب لبنان، وصولا إلى مرتفعات الجولان والضفة الغربية.
القضية الفلسطينية لا تموت
ويعد خروج اليمنيين معبر على العرب والمسلمين اتجاه قضية مركزية، يجدون في أي محاولة يقوم فيها الفلسطينيون سداد أرضهم وتحقيق نصر في هذه المحاولة يعني حالة من المعنويات نتيجة للانتكاسات التي تعرضت لها خلال الحروب جيوش العرب في مواجهتها مع الكيان الصهيوني، يقول الباحث المتخصص بالشؤون العسكرية والاستراتيجية علي الذهب.
ويضيف "الذهب" لـ"الموقع بوست" أن عملية "طوفان الأقصى" تؤكد بأن قضية فلسطين لا يمكن أن تموت طالما هناك مقاتلين، مشيرا إلى أن هذه الأحداث لا تنعكس فقط على موقف العرب اتجاه القضية، بل على إراداتهم اتجاه حكامهم الذين يصفهم بالعملاء للغرب وهي طاقة ناعمة تحرك هذه الشعوب للانقضاض على هؤلاء الحكام.
ويؤكد "الذهب" أن هناك سيناريوهين لمسار العملية طوفان الاقصى يبدأ السيناريو الاول بالعنف من غزة والتقاء جزء منها الأجزاء المحاذية لجنوبي غلاف غزة تضيق المنطقة الساحلية، اما السيناريو الاخر هو السلام وتكون تهدئة ووساطة وشروط وعودة المسار التفاوضي.
ووافق الذهب رآى استاذ علم الاجتماع السياسي بان دول النفط قادرة على التحكم فيما يجري بفلسطين سواء بخفض إنتاجها للنفط أو توقيف تصديره أو ربط استمرار الإمدادات بالمطالبة باتخاذ سياسات وإجراءات معينة لوقف التصعيد اتجاه الفلسطينيين.
كما يؤكد على ضرورة تعليق الدول العربية جميع اتفاقيات مع الدول الاجنبية، وعقد اجتماعا يدعو إلى موقف دولي إسلامي ويضع اعلان مبادرة تكون الدول العربية طرف وإيجاد داعمة لعملية السلام من خلال التحالفات مع الاتحاد الإفريقي أو أي تكتل اتحاد إسلامي من الإتحاد الإفريقي تكتل الصين أو روسيا حاضرة فيه.
وطالب الباحث العسكري بمقاطعة المنتجات الاجنبية ومقاطعة اجتماعات منظمات دولية، مشيرا إلى أن الدول العربية لديها اوراق كثيرة بالأمكان أن تلعبها لدعم المقاومة الفلسطينية.
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: اليمن فلسطين غزة الاحتلال الاسرائيلي الشعوب العربية المقاومة الفلسطینیة الدول العربیة قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
غزة.. أسطورة الصمود التي كسرت هيبة الاحتلال وأعادت للحق صوته
عامان من النار والحصار والدمار.. عامان لم تشهد لهما البشرية مثيلا في القسوة، ولا في الصبر. في تلك الرقعة الصغيرة المحاصَرة بين البحر والحدود، وقف أهل غزة عُزّل إلا من إيمانهم، فحملوا على أكتافهم ملحمة أعادت تعريف معنى الكرامة، وأثبتت أن الشعوب الحرة قادرة على قلب الموازين، ولو كانت وحدها في مواجهة آلة القتل.
عامان من الصمود الأسطوري
منذ اللحظة الأولى للعدوان، ظنّ قادة الاحتلال أن غزة ستنحني سريعا، وأن القصف العنيف سيكسر إرادة المقاومة، لكنّ ما حدث كان عكس كل حساباتهم. فكلما اشتد القصف، اشتعلت روح التحدي أكثر، وكلما سقط بيت، وُلدت في الأنقاض ألف إرادة جديدة.
لم يكن في غزة جيوش نظامية أو أسلحة متطورة، بل كان فيها رجال يعرفون أن الأرض لا تُسترد إلا حين يُقدَّم من أجلها الدم والعرق والعمر.
عامان من المواجهة المتواصلة أثبتا أن إرادة الشعوب، مهما حوصرت، قادرة على فرض واقع جديد، وأن الاحتلال مهما امتلك من قوة، لا يمكنه أن يهزم فكرة الحرية.
المقاومة.. من ردّ الفعل إلى فرض المعادلة
عامان من المواجهة المتواصلة أثبتا أن إرادة الشعوب، مهما حوصرت، قادرة على فرض واقع جديد، وأن الاحتلال مهما امتلك من قوة، لا يمكنه أن يهزم فكرة الحرية
لم تعد المقاومة الفلسطينية ذلك الطرف الذي يردّ بعد الضربات؛ بل أصبحت اللاعب الأساسي الذي يرسم ملامح المعركة ويحدد إيقاعها.
أجبرت فصائل المقاومة الاحتلال على الجلوس إلى طاولة المفاوضات بعد عامين من العدوان المتواصل، بعدما أدركت القيادة العسكرية والسياسية للاحتلال أن خيار "الحسم العسكري" مجرد وهم، وكل محاولة للتوغّل بَرّا تحولت إلى فخٍّ قاتل، وكل اجتياحٍ بري انتهى بانسحابٍ مذلّ.
المقاومة لم تدافع فقط عن غزة، بل أعادت تعريف مفهوم الردع. وبدل أن تكون غزة "نقطة ضعف"، أصبحت "نقطة ارتكاز" لمعادلة جديدة في المنطقة: أن أمن المحتل لن يكون ممكنا ما دام أمن الفلسطينيين منتهكا.
هزيمة السمعة وسقوط صورة "الجيش الذي لا يُقهر"
ربما لم يخسر الاحتلال في تاريخه الحديث خسارة أخلاقية وسياسية كتلك التي خسرها خلال حرب غزة الأخيرة، وجيشه الذي كان يتفاخر بـ"الدقة التكنولوجية" ظهر كآلة قتلٍ عشوائية تستهدف الأطفال والمستشفيات والمدارس ومراكز الإغاثة.
انهارت صورة "الجيش الأخلاقي" أمام عدسات العالم، وتحوّل قادته إلى متهمين بجرائم حرب في المحاكم الدولية. وما لم تستطع المقاومة فعله بالصواريخ، فعله الوعي العالمي بالصور والفيديوهات التي نقلت بشاعة العدوان إلى كل بيت على وجه الأرض.
سقطت هيبة الاحتلال، لا فقط في الميدان، بل في الرأي العام الدولي، حتى صار قادة الغرب يجدون حرجا في تبرير دعمه أمام شعوبهم.
التعاطف العالمي.. النصر غير العسكري
لم يكن الانتصار في غزة بالسلاح وحده، فخلال عامين من المجازر، تحوّلت فلسطين إلى قضية إنسانية عالمية. شهد العالم مظاهرات غير مسبوقة في العواصم الغربية، من لندن إلى نيويورك، ومن باريس إلى مدريد. الملايين خرجوا يحملون علم فلسطين، يهتفون باسم غزة، ويدينون الاحتلال بصوتٍ واحد. الجامعات، والنقابات، والمؤسسات الأكاديمية، والمبدعون، وحتى الرياضيون؛ كلهم قالوا كلمتهم: كفى قتلا في غزة.
لقد أعادت المقاومة تعريف الصراع أمام الضمير الإنساني: فالقضية لم تعد "نزاعا سياسيا"، بل معركة بين الحرية والاحتلال، بين العدالة والإبادة. وهذا الوعي العالمي المتزايد ربما يكون أعظم مكاسب غزة، لأنه نصر طويل المدى، يغيّر الرأي العام الغربي الذي لطالما كان منحازا للاحتلال.
غزة تُسقط الصمت العربي
وحدها غزة قاتلت، ووحدها دفعت الثمن، بينما كانت أنظمة عربية كثيرة تكتفي بالصمت أو البيانات الباردة. لكن هذا الصمت لم يمنع الرسالة من الوصول: أن المقاومة، رغم كل الحصار والخذلان، فعلت ما عجزت عنه جيوشٌ نظامية تمتلك أحدث الأسلحة والعتاد.
لقد سقطت أوهام القوة الزائفة، وكُشف حجم جيش الاحتلال الحقيقي أمام العالم. فذلك الجيش الذي قيل عنه إنه "لا يُقهر" عجز عن إخضاع مدينة محاصرة لا تتجاوز مساحتها 365 كيلومترا مربعا. إنها الحقيقة التي على كل عاصمة عربية أن تتأملها: القوة ليست في السلاح، بل في الإيمان بعدالة القضية.
اتفاق وقف النار.. إعلان نصر لا هدنة
الاحتلال مهما امتلك من سلاح، يظل هشّا أمام إرادة من يقاتل من أجل حقه.. أن الكرامة لا تُشترى، وأن الحرية لا تُمنح، وأن من يقف بثبات على أرضه يُرغم المحتل في النهاية على التراجع
حين يُوقَّع اتفاق وقف إطلاق النار، فذلك ليس مجرد نهايةٍ مؤقتةٍ للقتال، بل اعترافٌ بانتصار غزة. فالاحتلال لم يجلس إلى طاولة التفاوض إلا بعدما استنفد كل وسائله، ولم يرضَ بالتفاوض إلا بعدما أدرك أن الحرب أصبحت عبئا لا مكسبا.
وقفُ إطلاق النار، بالنسبة للمقاومة، ليس تنازلا، بل تتويجا لمسيرة صمودٍ دامت عامين، دفعت فيها غزة ثمن الحرية دما، لكنها انتزعت اعترافا سياسيا ومعنويا بأنها الطرف الذي لا يمكن تجاوزه في أي معادلة قادمة.
غزة.. مدرسة الأحرار
لقد قدّمت غزة للعالم درسا خالدا: أن الاحتلال مهما امتلك من سلاح، يظل هشّا أمام إرادة من يقاتل من أجل حقه.. أن الكرامة لا تُشترى، وأن الحرية لا تُمنح، وأن من يقف بثبات على أرضه يُرغم المحتل في النهاية على التراجع. هي مدرسة للأحرار، ومصدر إلهام لكل شعبٍ يسعى للخلاص من القهر.
وغزة اليوم لا تنتظر التصفيق، بل تطلب أن يُكتب تاريخها كما يليق بها: كأعظم قصة صمود في وجه أعتى آلة بطش عرفها العصر الحديث.
غزة انتصرت.. لأن الحق لا يُهزم
في زمنٍ يُباع فيه المبدأ وتُشترى المواقف، ظلّت غزة وفية لقضيتها، وحين ظنّ العالم أن صوتها سيخفت تحت الركام، خرجت لتقول: "ما زلنا هنا، وما زال لنا وطن".
لقد انتصرت غزة، لا فقط في الميدان، بل في الوعي والكرامة والتاريخ. وانتصارها هو انتصارٌ لكل من يؤمن بأن الحرية تستحق النضال، وأن الحق لا يضيع ما دام وراءه شعبٌ يقاتل من أجله حتى الرمق الأخير.