مدبولى: مصر تحظى بموقع جغرافي يدعم تطوير منشآت جديدة لوقود الهيدروجين الأخضر
تاريخ النشر: 25th, October 2023 GMT
ألقى الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، كلمة استهلها بالإعراب عن سعادته بالحديث أمام حضور المنتدى، مُقدمًا التهنئة للمفوضية الأوروبية ورئيستها "أورسولا فون دير لاين" على استضافة هذا الحدث المهم.
جاء ذلك خلال مشاركة رئيس مجلس الوزراء نيابة عن الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، في "منتدى البوابة العالمية" الذي تنظمه مفوضية الاتحاد الأوروبي بالعاصمة البلجيكية "بروكسل" على مدار يومي 25 و26 أكتوبر الجاري،
وأكد الدكتور مصطفى مدبولي حرص مصر على المشاركة في هذا المنتدى؛ في ضوء رؤيتها لتعزيز وتقوية علاقة الشراكة بين مصر والاتحاد الأوروبي، موضحًا أن تلك الشراكة هي الأساس في علاقاتنا على جميع الأصعدة، كما أنها تسهم بقوة في تشكيل وتوجيه مسار مستقبلنا المشترك.
وأردف رئيس الوزراء قائلًا: كما تعلمون جميعًا، فقد أظهرت مصر، من خلال رئاستها لمؤتمر الأمم المتحدة للتغيرات المناخية "COP27" الذي استضافته نهاية العام الماضي (2022)، التزامًا حقيقيًا بالتحول الأخضر والانتقال العادل للطاقة، وأكدتْ بوضوح الحاجة المُلِّحة للتحول السريع إلى الطاقة المتجددة، علاوة على ذلك، فقد حددنا هدفًا يتمثل في زيادة حصة مصادر الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة لدينا إلى نسبة 42% بحلول عام 2030 بدلاً من عام 2035.
وأضاف: نحن نؤمن إيمانًا راسخًا بأن الطاقة المتجددة يُمكن أن تطلق العنان لإمكانات الهيدروجين الأخضر من أجل خفض مستويات انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
وخلال كلمته بالجلسة التي عُقدت تحت عنوان "التحول للطاقة الخضراء والهيدروجين الأخضر" أوضح رئيس الوزراء أنه يمكن للهيدروجين الأخضر أن يكون هو اللاعب الأبرز للتحرك صوب تحقيق أهداف اتفاقية باريس للمناخ، باعتباره مساهمًا رئيسًا في خفض مستوى الانبعاثات الكربونية، خاصة في الصناعات كثيفة استهلاك الطاقة؛ للمضي قدمًا على مسار التنمية المستدامة ورفع معدلات النمو الاقتصادي.
وأشار الدكتور مصطفى مدبولي في هذا السياق إلى التوافق بين مصر والاتحاد الأوروبي حول شراكة طويلة الأمد بشأن الهيدروجين المتجدد.
وأكد أن هذه الشراكة تمكننا معًا من تسريع عملية إزالة الكربون من تطبيقات الطاقة المختلفة عبر تعزيز سلاسل توريد صناعة الهيدروجين الأخضر ومشتقاته، بما في ذلك تطوير المشروعات ونشرها على نطاق واسع إلى جانب عمليات بيع وشراء هذا الوقود النظيف.
وقال رئيس الوزراء: إن البيان المشترك بين مصر والاتحاد الأوروبي بشأن شراكة الهيدروجين المتجدد، الصادر في مؤتمر COP27، يُحدد مبادئ وأسس تعاوننا معًا في هذا المجال.
ولفت رئيس الوزراء إلى أنه بالتوازي مع ذلك، فقد طورت مصر تعاونها مع عدد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك بلجيكا، مضيفًا في هذا الصدد: أطلقنا منتدى عالميا للهيدروجين الأخضر خلال مؤتمر COP27 جمع مختلف أصحاب المصلحة من القطاعين العام والخاص.
وأضاف أن "هذه المبادرة تؤكد أن التعاون بين الحكومات والقطاع الخاص في إنتاج وتجارة الهيدروجين الأخضر هو المسار الأقصر والأنجع لإطلاق إمكانات الهيدروجين المتجدد بوصفه وقودًا للمستقبل".
وأوضح الدكتور مصطفى مدبولي أن مصر تحظى بموقع جغرافي مثالي يدعم تطوير منشآت ومرافق جديدة لوقود الهيدروجين الأخضر بما يُلبي احتياجات العالم منه، لذا قررت الحكومة المصرية صياغة إطار تنظيمي يلائم إقامة مشروعات الهيدروجين المتجدد، من خلال استراتيجية وطنية عملية لإنتاج الهيدروجين الأخضر، وكذلك تشكيل "المجلس الوطني للهيدروجين الأخضر ومشتقاته" برئاسة رئيس الوزراء لمتابعة تنفيذ الاستراتيجية، موضحًا أن تلك الاستراتيجية تهدف إلى تعزيز الأطر السياسية والتنظيمية، وتقييم مُتطلبات السوق، وتعميق أساليب البحث والابتكار؛ لتسهيل إقامة اقتصاد قائم على الهيدروجين المتجدد.
وأكد "مدبولي" أن مصر تتمتع ببيئة تنظيمية داعمة تتسم بالكفاءة؛ لتطوير منشآت الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ودعم مشروعات الطاقة المتجددة منخفضة التكلفة عبر عقد اتفاقيات طويلة الأجل لشراء الكهرباء، وينطبق هذا أيضًا على انخفاض تكلفة مشروعات تخزين الكهرباء والتوزيع، كما أن لمصر موقعًا جغرافيًا استراتيجيًا لتصدير الهيدروجين الأخضر، وتزويد الناقلات البحرية المارة عبر قناة السويس -التي يتزايد عددها- بوقود الهيدروجين منخفض الكربون.
وأشار رئيس الوزراء إلى أن تحقيق المستهدفات الواعدة للهيدروجين الأخضر -لا سيما في مصر وغيرها من البلدان النامية- مرهون بدرجة كبيرة بعدد من العوامل التي تشمل: القدرة على تحمل تكلفة رأس المال، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وجلب التكنولوجيا مُنخفضة التكلفة خلال مختلف عمليات سلاسل القيمة الخاصة بصناعة الهيدروجين المتجدد، فضلًا عن تحديد مستويات الطلب على هذا الوقود، وتوفير الحوافز الإنتاجية، وإقامة مرافق التخزين وتوفير وسائل النقل المُلائمة.
وتابع: هناك حاجة إلى دعم دولى كبير لإنشاء سلاسل قيمة محلية وصناعات خضراء تسهم في خلق فرص عمل في البلدان النامية.
واختتم رئيس الوزراء كلمته متمنيًا أن تؤتي مناقشات هذا المنتدى ثمارها في تمهيد الطريق لإجراءات فعلية على أرض الواقع تتسم بالسرعة؛ لتحقيق الاستفادة المُثلى من الإمكانات الواعدة للهيدروجين الأخضر عبر بناء شراكات دولية تُمكننا من بلوغ أهداف اتفاقية باريس للمناخ.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: رئيس الوزراء الهيدروجين الأخضر تطوير منشات احتياجات العالم السيسى
إقرأ أيضاً:
تحول الطاقة.. وسؤال التحديات!
مريم البادية
لا تُقاس الصناعات الكبرى بعدد الإعلانات ولا بعدد الشركات التي تبقى أو تغادر، بل بمقدار قدرتها على الصمود أمام التقلبات وإعادة تشكيل نفسها كلما تبدلت المعطيات الاقتصادية والتقنية. وفي قطاع حديث كالهيدروجين الأخضر الذي يعد أحد أهم رهانات الطاقة في العقود المقبلة، يُصبح كل انسحاب أو تأجيل أو إعادة تقييم جزءًا من حركة نمو طبيعية لا تعكس بالضرورة ضعفًا أو ترددًا، بقدر ما تكشف عن إعادة ترتيب عالمية في ميزان الاستثمارات.
لذلك فإنَّ قراءة انسحاب شركة "بي بي" البريطانية من مشروع للهيدروجين الأخضر في الدقم، تتطلب اقترابًا أعمق من المشهد، يتجاوز الانطباعات السطحية وردود الأفعال السريعة وغير المدروسة ولا تستند إلى حقائق اقتصادية واستثمارية بحتة.
نبدأ من قطاع الهيدروجين الأخضر والذي يمر الآن في مرحلة بناء السوق؛ حيث لم تكتمل فيه سلاسل الإمداد والتوريد، كما لا توجد عقود شراء طويلة المدى بكثرة، إلى جانب أن التكنولوجيا نفسها ما تزال في مرحلة خفض التكاليف وليس الوصول إلى نقطة التعادل. وفي جانب آخر، يمر الاقتصاد العالمي بمرحلة شديدة الحساسية لأي متغير كارتفاع أسعار الفائدة المصرفية عالميًا، وتغيُّر اولويات الشركات واضطرابات في سلاسل الإمداد، أو حتى إعادة تقييم لمخاطر رأس المال. وهو ما يفسر ما قد يحدث من انسحابات من مشاريع أو إعادة هيكلة لمشاريع في أستراليا وألمانيا وبريطانيا والسعودية خلال العامين الماضيين. فما حدث في مشروع "نيوم" السعودي من إعادة تقييم، أو في أوروبا من توقف بعض المشاريع، ليس حالة استثنائية؛ بل نموذج يمكن الاستفادة منه؛ فالقطاع يتطلب مرونة تكيفية أعلى من أي قطاع آخر.
وثمة حقيقة ربما لم يتلفت إليها الكثيرون، وهي أن الشركة البريطانية تشهد تحولات داخلية؛ إذ بدأت "بي بي" بعد عام 2021 إعادة ضبط نفقاتها وتقليل الاستثمارات ذات الأفق الزمني الطويل دون عائد واضح، حسب بيانات الشركة نفسها، إلى جانب إعلان استراتيجيتها الجديدة والتي تركز على المشاريع الأقل تكلفة والأسرع في تحقيق التدفقات النقدية.
وقد لاحظنا مطلع العام الجاري 2025 أن الشركة أوقفت مشروعًا في قطاع الهيدروجين الأخضر أيضًا في أستراليا بقيمة استثمارية 600 مليون دولار أمريكي، مع انتظار تقديم دعم مالي سخي. ولذلك لا يمكن قراءة مثل هذه القرارات سوى أنها إعادة ترتيب لأولويات الشركة، وليس بسبب عدم جدوى الهيدروجين، في عُمان أو غيرها.
بالنسبة لسلطنة عُمان- وبعكس ما يتصوره البعض- فإن النموذج العُماني في هذا القطاع يتمتع بعدة خصائص تجعل أثر الانسحاب محدودًا؛ حيث إن عُمان لم تضخ أي رأس مال حكومي في المشروع، وأن ما مُنح هو حق انتفاع بالأرض، وهذا إجراء تحفيزي معتاد في مشاريع الطاقة، ما يعني أن الحكومة- والميزانية العامة للدولة- لا تتحمل أي خسائر مالية نتيجة انسحاب أي شركة، كما تحتفظ بالقدرة على إعادة تخصيص الأرض لمطوِّر آخر.
وفي حال نجاح المشاريع، فإننا نستفيد بأكبر قدر من العوائد؛ لأننا لم نتحمل تكلفة التطوير، وهو نموذج استثماري يُقلِّل المخاطر على المال العام، ويُركِّز على جذب المُطوِّرين ذوي القدرة المالية والخبرة. وتتمتع عُمان بمساحات شاسعة من الأراضي المؤهلة في محافظة الوسطى، وهو ما يمنحنا مرونة عالية في التخطيط طويل المدى دون أن نخسر فرصًا اقتصادية أخرى.
لذا يجب التركيز على المشاريع الخضراء الأخرى الأكثر جاهزيةً وتمويلًا؛ فهناك مشاريع في الحديد الأخضر والأمونيا الخضراء، وسط توقعات بطلب صناعي حقيقي، الأمر الذي سيرفع من قيمة الأراضي والبنية الأساسية التي يجري الاستثمار فيها. ولدينا عدد من المشاريع التي دخلت مرحلة التنفيذ مثل مشروع "أكمي" الذي يستهدف إنتاج 100 ألف طن من الأمونيا الخضراء.
وفي الختام.. لا ريب أن أي رؤية اقتصادية واعدة تواجه التحديات، فهذه طبيعة الأمور، ولا يعيب قطاع أو يُقلل من جاذبيته انسحاب شركة هنا أو تأخر تنفيذ مشروع هناك؛ لأن الاستثمارات بطبيعتها عُرضة للمخاطر المتنوعة، وكما تقول القاعدة الاقتصادية "رأس المال جبان"، ولا ينبغي أن يدفعنا أي تحدٍ للتوقف عن مواصلة الطريق، وإنما علينا بالمثابرة والاستمرارية، فالوصول إلى خط النهاية في المارثون يُحققه صاحب النفس الطويل، وليس الأكثر شهرةً!