قلة افتقار العربى المسلم إلى فهم غريزة التوحيد، لم تجعله يتمكن فى ذاته أن يُفعِّل هذه الغريزة على المستوى العقلى والثقافى ولا على المستوى العملى التطبيقى، غير أنه ينكص على عقبيه، ويعودُ أدراجه مستغرقاً فى التجزيئية المُفرطة، ولم يهيئه توحيده الفطري؛ لأن يجرى عليه ممارسته العملية والواقعية؛ فأضحى تدينه فى كفة، ونشاطه الفكرى والثقافى والعملى فى كفة أخرى، فجاءت عقليته عقلية فصل ومباعدة لا ربط فيها ولا توحُّد بين أجزائها، وليس بمقدورها أن تصل إلى الوحدة التى هى غريزتها الأصيلة المفطورة عليها.
لكأنما العربى لم يستطع أن يفهم: ماذا عَسَاها تكون فطرة الوحدانية؟ لكأنه لم يستطع بعدُ، لأجل تدينه الساذج البسيط، أن يكوِّن لديه رؤية موحَّدة، يجريها على الواقع الفكرى والنظري, تماماً كما يجريها على الواقع الفعلى والتطبيقى، كما هى مُقررة قبلاً فى الواقع الدينى بالفعل, إذْ إن فكرة الرؤية الموحدة تلك، إنما هى فكرة دينية بالأساس، وليس للعقل فضل فيها إلا فضل الشرح والتحليل، ثم ما معنى أن تكون متديناً بدين التوحيد الذى فطرت عليه تمارسه شكلاً دون أنْ تجريه واقعاً فكرياً وثقافياً ومعنوياً وروحياً؛ ليكون هو عينه مجرى التجربة على المستوى الفعلى والتطبيقى؟
إنما العائق الوحيد أمام العقل العربى يبدو ظاهراً جلياً فى قلة الفهم أو عدمه لفطرة التوحيد، وتعطيل فاعلية الوحدة على صعيد الممارسة السلوكية، ونبذ قوتها واستبدالها بضعف الفرقة والخلاف والتشتت الدائم والاستغراق فى التفاصيل والجزئيات؛ لتجىء التجزيئية هى العاملة فى واقع أسود مُغرق فى المحدودية النظرية والعملية، الأمر الذى يجعل الباحث يشك كثيراً فى أمته العربية والإسلامية: هل هذه بالفعل، والحال كما ترى، أمة تدين بالتوحيد عقيدة وعلماً ونظراً وسلوكاً وممارسة وتطبيقاً؟!
وهى إذا كانت تدين بالتوحيد فعلاً وتقريراً وواقعاً وتفصيلاً، فلماذا عزلته عن واقعاتها الحياتية، فلم يسفر إلا عن فرقة وشتات: عزلته عن الواقع الفكرى، فلم تستطع أن تتخذه أساساً لمنطلقاتها النظرية، وعزلته عن الواقع الفعلى، فلم تتحقق من مجرياته التطبيقية، ولم يؤثر قيد أنملة فى وقائع تلك المجريات، وعزلته مرة ثالثة عن الواقع الدينى، فأنتج واقع الأمة التى تدين بعقيدة التوحيد شكلاً ينقصه المضمون؛ أنتج أصناماً وأوثاناً تُعْبَد من دون الله فى أشكال جديدة, وقدَّست المخلوقين بدلاً من تقديس الخالق، وآمنت بالخرافة والتخلف دون الإيمان بالفهم البصير والعقل المستنير، وارتضت بالمذلة والهوان وقلة القيمة فى واقعها الأسود لا تملك فيه سوى شعارات الغضب.
ولم لا؟! فإذا لم يكن التوحيدُ معزولاً عن الواقع الدينى أصلاً لما أضحى معزولاً كذلك عن الواقع النظرى والفكرى ثم الواقع الفعلى، الأمر الذى جعل الإيمان الدينى لدى المسلم قشرة سطحية تخلو أو تكاد من المضمون العملى؛ وهو الذى لا نشك لحظة واحدة فى أنه ينتج لغة ومدنية وعلماً وفناً وحضارة, ولو كان تدينه بالفعل مرهوناً ببصيرة التذوق الدافعة إلى العمل والإنتاج لربط كل الأشباه والأضداد وصعد بها عارجاً إلى توخِّى الوحدة. ولكن الواقع الثقافى العربى الحالى يقول لك بأبلغ لسان: إن هذه البصيرة الذوقية مفقودة أو تكاد، الأمر الذى أطمع الأغيار فينا حتى دهسونا بأقدم النعال.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: عن الواقع
إقرأ أيضاً:
بعد حصول مصر على المقاتلة الصينية j-10c.. «سمير فرج» يكشف سبب قلق إسرائيل
علق اللواء سمير فرج، الخبير الاستراتيجي، على عرض التلفزيون الصيني لاستعراض المقاتلة الصينية j-10c، وتركيزه على لقطات تحليق طيار مصري بالمقاتلة.
لماذا مصر أكثر دولة تجري تدريبات مشتركة حاليا؟وقال «سمير فرج» خلال مداخلة عبر تقنية «سكايب»، على قناة «المشهد» إن مصر هي أكثر دولة حاليا في العالم تجري تدريبات مشتركة، لافتا إلى أن الجميع يتسابق لإجراء تدريبات مشتركة معها.
وأوضح أن الجيش المصري يمتلك خبرة قتالية في حرب أكتوبر 1973، ويمتلك أحدث الأسلحة والمعدات الغربية والشرقية ولذلك الكل يطلب إجراء تدريبات مشتركة.
ونوه أن مصر الأسطول البحري المصري أجرى تدريبا مشتركا مع الأسطول الروسي في البحر الأسود قبل قيام الحرب الروسية الأوكرانية، متابعا: «بعد كده بدأت الصين تدخل في تدريب مشترك مع القوات الجوية المصرية «نسور الحضارة 2025» والتي استمرت 18 يوما».
لماذا كشفت الصين عن أحدث أسلحتها في التدريب المشترك مع مصر؟
وأشار إلى أن الجديد في هذا الأمر أن الصين جاءت لأول مرة بأحدث طيارات لها، سواء المقاتلة متعددة المهام، أو الاستطلاع اللاسلكي أو الطيارة المتطورة التي تقابل الاف 35 الأمريكية.
وأوضح أن ما أثار الناس هي وجود الطيار المصري على المقعد الخلفي للطيارة، لافتا إلى أن هذا الأمر لا يحدث في أي تدريب مشترك بين دولتين، وهذا يعني أن الصين كانت تقدم لمصر طائرتها الجديدة».
وأضاف أن مميزات هذا الأمر، أولا أنها كانت فرصة للطيارين المصريين يتعاملوا مع شكل جديد من أنواع الطائرات، ويتم وضعهم تحت نوع جديد من أنواع الضغط.
وأكد أن الصين سلطت الكاميرا على الطيار المصري، لأنها تسوّق لطائراتها، ولكن هذه المرة على شكل جديد.
وأوضح أن المقاتلة j-10c، من مميزاتها أن سعرها 30 مليون دولار وفي نفس الوقت تقابل في الجودة الطائرة F-16، وبالتالي بثمن طائرة واحدة F-16، يمكن شراء 3 طائرات منها.
لماذا تقلق إسرائيل من السلاح الجوي المصري؟وأشار إلى أن إسرائيل تقلق، بسبب أن هذه الطائرة يبلغ مدى صاروخها 300 كيلو متر، أي أن الطائرة لو طايرة في القاهرة تقدر تصيب الهدف في إسرائيل، متابعا: «ولكنه من الطبيعي أن تنوّع مصر مصادر أسلحتها وتأتي بأسلحة مطابقة لاحتياجاتها الخاصة، خصوصا بعد رفض أمريكا إعطاء مصر F-35».
وأكد اللواء سمير فرج، أن مصر ليست في صف أحد، وأن علاقتها قائمة على المصالح الوطنية، سواء في حماية الأمن القومي عسكريا أو اقتصاديا أو سياسيا.
سمير فرج: قرار الرئيس السيسي بتنويع السلاح سيخلده التاريخوشدد على أن هذا الأمر أيضا يقلق الولايات المتحدة، ولكن لا يمكن أن ننكر أن حرص الرئيس السيسي على تنويع مصادر السلاح طوال الـ 10 سنوات الماضية سيكون هو القرار التاريخي الذي حافظ على أمن واستقرار الوطن.
واستكمل: «نحن نرى أمريكا اليوم تعطي أوامر، وتهدد بأنها لو لم تنفذ ستقطع عنك السلاح، وقطع الغيار والصيانة، وبالتالي كان هذا هو الدافع الحقيقة لتنويع سلاحنا».
«اللواء سمير فرج» يكشف سيناريوهات غزة: حماس خارج الإدارة.. وترامب يسعى لنوبل
«اللواء سمير فرج»: غزة ستشهد مجاعة لم تحدث في التاريخ.. ومصر تضغط لإدخال المساعدات
لماذا تحتفظ مصر بالقوة العسكرية؟.. سمير فرج يحذر من سيناريو اليابان: اللى متغطي بأى دولة تانية عريان (فيديو)