مع اشتداد المنافسة الاستراتيجية في مختلف أنحاء قارة آسيا، تتصاعد مخاطر سوء الفهم العسكري، وسوء التواصل، والحوادث المؤسفة.

 ومع ذلك، فإن آليات إدارة الأزمات المصممة للحد من هذه المخاطر تبدو تحت ضغوط متزايدة وفي حاجة ماسة إلى التنشيط.
وذكرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن المخاطر في قارة آسيا كبيرة للغاية بحيث لا يمكن ترك هذه المهمة للقوى العظمى وحدها؛ حيث يتعين على القوى المتوسطة في القارة أيضا أن تكثف من جهودها لضمان بقاء المنطقة في حالة سلام واستقرار.


وأشارت المجلة الأمريكية إلى دراسة حديثة حول منطقة آسيا والمحيط الهادئ أكدت أن ما لا يقل عن 79 حادثا جويا وبحريا شملت سفنا وطائرات عسكرية وسفن خفر سواحل وقوارب صيد وقعت في آسيا منذ عام 2010.
وكان من المحتمل أن تتصاعد بعض هذه الحوادث إلى حد الصراع، فعلى سبيل المثال، كان هناك ما لا يقل عن ست حوادث بين طائرات مقاتلة صينية وطائرات مراقبة أمريكية، كما اتهمت واشنطن في يونيو الماضي مدمرة صينية بالقيام بمناورات استفزازية بالقرب من مدمرة أمريكية تبحر عبر مضيق تايوان.
وفي السياق نفسه الذي يؤكد أهمية آليات إدارة الأزمات ومخاطر غيابها، تأججت الخلافات بين بكين وواشنطن ووصلت مداها مع زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي (حينذاك) نانسي بيلوسي إلى تايوان في أغسطس 2022، حيث قطعت بكين جميع الاتصالات مع الجيش الأمريكي. وكانت بكين مترددة في التعامل مع واشنطن منذ أن أمر الرئيس الأمريكي جو بايدن بإسقاط بالون مراقبة صيني يعمل فوق الولايات المتحدة. وعندما سئل عما إذا كان سيتم إجراء مكالمة مع الرئيس الصيني شي جين بينج بناء على طلب نظيره الأمريكي جو بايدن، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ وين بين: "لا ينبغي إجراء الاتصالات من أجل التواصل، يتعين على الجانب الأمريكي إظهار الصدق والعمل مع الصين لاتخاذ إجراءات ملموسة للمساعدة في تقريب وجهات النظر بين الصين والولايات المتحدة، وإعادة العلاقات إلى المسار الصحيح". كما أوضحت بكين لواشنطن أن تايوان خط أحمر في العلاقات الأمريكية الصينية.
وفي أماكن أخرى من آسيا، توقفت بيونج يانج من جانب واحد عن استخدام قنوات الاتصال مع سيول في أبريل الماضي بينما صعدت انتقاداتها لحكومة كوريا الجنوبية. وفي أغسطس الماضي، أوقف خفر السواحل الفلبيني خطا ساخنا مع الصين وسط تجدد التوترات بشأن سفينة "توماس شول" المتمركزة قرب أرخبيل سبراتلي المتنازع عليه مع الصين، وهي السفينة التي اتخذتها الفلبين قاعدة عسكرية، ووضعت فيها قواتا ورفضت طلبا صينيا بتحريكها من موقعها.
وتساءلت "فورين بوليسي" عما إذا كان الأمر في ضوء ما سبق يستحق إيلاء إدارة الأزمات وآليات تجنبها في آسيا أهمية كبرى أم لا؟ وأشارت المجلة إلى وجود فرضيتين شائعتين تشيران إلى أن هذه النوعية من الآليات في آسيا غير مجدية، ولكن هاتين الفرضيتين تتطلبان مراجعة وفحصا دقيقا.
وتستند الفرضية الأولى إلى أن بكين لم تظهر أي ميل لاستخدام هذه الآليات أثناء الأزمات، لذا فإنها غير مجدية. فعلى سبيل المثال، في أبريل 2001، عندما اصطدمت طائرة مقاتلة صينية بطائرة مراقبة أمريكية من طراز EP-3 فوق بحر الصين الجنوبي، ناضل المسؤولون الأمريكيون للوصول إلى نظرائهم الصينيين، على الرغم من وجود خط ساخن رئاسي مباشر أنشئ في عام 1998. كما لا تزال بكين متشككة في آليات الحد من المخاطر، مدعية أن هذه الآليات تسهل فقط الأنشطة العسكرية الأمريكية القريبة من الشواطئ الصينية.
ومع ذلك، من المهم إدراك أن نظرية وممارسة إدارة الأزمات تظل مسعى جديد نسبيا بالنسبة للصين، في حين يتمتع الغرب بعقود من الخبرة في التعامل بهذه النظرية وممارستها. ولتوضيح ذلك، خلال المراحل الأولى من الحرب الباردة، أبدى الاتحاد السوفييتي تحفظا مماثلا لما تبديه الصين، وبعد أن كادت قنوات الاتصال غير الكافية أن تؤدي إلى حرب نووية خلال أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، أنشأت موسكو وواشنطن خطا ساخنا يعرف رسميا باسم رابط الاتصالات المباشرة. وبعد عقد من الزمن، وقع الجانبان على اتفاقية الحوادث في البحر، والتي قللت بشكل كبير من عدد المواجهات الخطيرة بين السفن البحرية السوفيتية والأمريكية.
ويشير الواقع إلى أن بكين بدأت في تفهم أهمية هذه الآليات، حيث تبنت تدابير للحد من المخاطر أكثر مما هو معترف به عادة. ففي يوليو 2022، تعهدت الصين بالإسراع في إنشاء خط ساخن لإدارة حوادث الصيد مع فيتنام. وفي يونيو الماضي، وافقت على إنشاء خط ساخن جديد للاتصالات الدفاعية رفيعة المستوى مع سنغافورة. علاوة على ذلك، بدأ تشغيل الخط الساخن مع طوكيو، الذي تم الاتفاق عليه قبل نصف عقد من الزمان، في شهر مايو الماضي. كما تم اقتراح آلية مماثلة لربط الصين بالأعضاء العشرة في رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان).
وتتمثل الفرضية الثانية في أن الآليات الرسمية غير ضرورية في آسيا، حيث يتم النظر إلى الأساليب غير الرسمية في إدارة الأزمات باعتبارها الأساليب الأمثل. وكثيرا ما يتم الاستشهاد بهذه الحجة في سياق التوترات عبر مضيق تايوان.
ومع ذلك، يظهر التاريخ أن النهج غير الرسمي يمكن أن يتعثر عندما تتصاعد الأزمات. فعلى سبيل المثال، كان أحد أسباب توسع الحرب الكورية في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي هو فشل واشنطن في إيلاء الاهتمام الكافي للمخاوف الصينية، والتي تم نقلها بشكل غير رسمي من خلال وسطاء هنود.
ولفتت "فورين بوليسي" إلى أنه في ضوء ما سبق، وحيث إن القوى الآسيوية الأصغر ومتوسطة الحجم لديها "مصلحة وجودية في الضغط من أجل إدارة المنافسة بين القوى العظمى"، ونظرا لافتقار هذه القوى منفردة للثقل الدبلوماسي اللازم للقيام بمهمة إنشاء نظام إقليمي فعال لإدارة الأزمات، فلا بد من بذل جهد جماعي مشترك لتحقيق ذلك.
إذ ينبغي لتحالف القوى المتوسطة، الذي يضم دولا لديها كل ما يمكن أن تخسره من صراع آسيوي شامل، مثل: أستراليا، وإندونيسيا، والفلبين، وسنغافورة، وكوريا الجنوبية، وفيتنام أن يدعو إلى إعادة تنشيط آليات إدارة الأزمات وتجنبها في هذا الجزء الحيوي والمهم من العالم.
ونوهت المجلة الأمريكية إلى أنه يمكن لهذه الدول القيام بذلك من خلال المنتديات متعددة الأطراف مثل قمة شرق آسيا واجتماع وزراء دفاع رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان). وينبغي لهذه الدول أن تشجع على استخدام تدابير الحد من المخاطر القائمة، بما في ذلك القنوات المتوقفة بين الكوريتين والخط الساخن عبر مضيق تايوان الذي أصبح خاملا الآن، والذي اتفق عليه قادة الصين وتايوان في اجتماعهم التاريخي في نوفمبر 2015 في سنغافورة.
كما يجب دعم تطوير آليات جديدة للحد من المخاطر، وخاصة في المجال السيبراني، حيث يمكن اقتراح وضع مبادئ توجيهية جديدة حول كيفية استخدام أو عدم استخدام التقنيات السيبرانية للأغراض العسكرية.
ورغم أن آليات إدارة الأزمات وتجنبها لا تشكل علاجا سحريا للمنافسات الاستراتيجية متزايدة الحدة في آسيا، إلا أن التاريخ يعلمنا أن وجود مثل هذه الآليات أفضل من عدم وجودها. لذا، يتعين على القوى المتوسطة في آسيا أن تغتنم هذه اللحظة، وتعزز نفوذها الجماعي للحد من مخاطر حدوث صراعات كارثية في القارة.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: قمة شرق آسيا آسيا فورین بولیسی هذه الآلیات من المخاطر فی آسیا للحد من إلى أن

إقرأ أيضاً:

بعد غياب ثلاث سنوات.. «أغاني وأغاني» يعود ويثير الجدل

أثار الإعلان عن عودة «أغاني وأغاني» جدلاً وردود فعل متباينة، ففيما رحب كثيرون، عارض آخرون فكرة الغناء والطرب وسط الدمار والفقد.

القاهرة: التغيير

في عودة طال انتظارها، يشهد الوسط الفني السوداني حراكًا لافتًا مع استئناف تصوير البرنامج الرمضاني الأشهر في البلاد «أغاني وأغاني» من داخل مدينة الإنتاج الإعلامي بالعاصمة المصرية القاهرة، بعد توقف دام ثلاث سنوات فرضته الحرب التي عصفت بالسودان منذ ابريل 2023م.

وبرغم الجدل الواسع على منصّات التواصل الاجتماعي والمعارضة الكبيرة لفكرة الغناء وسط الدمار والفقد، تمضي قناة النيل الأزرق في إنتاج موسم ربما هو الأضخم في تاريخ البرنامج، في محاولة لإحياء ما انقطع من ذاكرة رمضان السودانية.

عودة من خارج الديار

وبدأت القناة تسجيل الموسم الجديد مستخدمة أحدث الاستديوهات والتقنيات الهندسية والفنية في القاهرة، في خطوة تُعد الأكبر منذ تأسيس البرنامج.

وتأتي هذه النسخة بروح متجددة تجمع بين الأغنيات الوطنية والحماسية والأعمال الطربية الخالدة، في محاولة لالتقاط اللحظة السودانية وتوثيق قيم التسامح والتكافل والصمود التي برزت خلال الحرب.

وأكدت القناة أنها ستُخصص مساحة معتبرة من الحلقات لأغنيات تدعم “القوات المسلحة ومعركة الكرامة”، وتحتفي بالدور الشعبي في مواجهة الأزمة، إلى جانب باقة من الأغنيات التراثية والكلاسيكية التي صنعت هوية البرنامج- بحسب تعبير القناة.

ويتولى الإعلامي والباحث مصعب الصاوي تقديم النسخة الجديدة، واضعًا لمساته الخاصة على البرنامج الذي ارتبط لسنوات بصوت وحكايات الراحل السر قدور، مؤسس ذاكرة “أغاني وأغاني” وصاحبه لـ17 موسمًا متتاليًا.

ويعِد الصاوي جمهور البرنامج بتوليفة مختلفة ومفاجآت فنية تمزج الأصوات الشابة بالمخضرمة.

نجوم البرنامج

يشهد الموسم الجديد مشاركة مجموعة واسعة من الفنانين، من بينهم هدى عربي، ياسر تمتام، محمد دفع الله، أحمد محمد أحمد عوض، إنصاف فتحي، منى مجدي، فاطمة عمر، شكر الله عز الدين، حسين شندي، ريماز ميرغني، مأمون سوار الدهب، وأحمد دسوقي.

كما يشارك كبار الشعراء والموسيقيين والإعلاميين، منهم التجاني حاج موسى، سمية حسن، عمر الجزلي، القلع عبد الحفيظ، محمود علي الحاج، الهادي الجبل وآخرون.

وأعربت الفنانة هدى عربي في تعليق ملتهب بالحماس عن سعادتها بالعودة، واعدةً بموسم “رهيب”، مؤكدة أنّ البرنامج يمنح الفنانين فرصة لتعويض الجمهور بعد سنوات من الانشغال بالحفلات والظروف الاستثنائية.

ردود فعل متباينة

رغم الحفاوة التي أبداها كثير من محبي البرنامج، إلا أن موجة انتقادات واسعة ظهرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، دعت القناة والفنانين إلى التوقف عن الغناء تقديرًا لظروف الحرب والموت التي يعيشها السودانيون.

ويرى المنتقدون أن الوقت غير مناسب للاحتفالات الفنية والبرامج الغنائية في ظل المأساة التي يعيشها السودانيون، بينما يؤكد آخرون أن الثقافة والفن جزء من مقاومة الألم وحفظ الذاكرة الجمعية.

استعدادات رمضان

وبالتوازي مع البرنامج، تُحضّر قناة النيل الأزرق لباقة واسعة من البرامج الدينية والاجتماعية والثقافية، سُجّل جزء منها داخل ولايات السودان، إلى جانب برامج تُشجّع العودة الطوعية والمبادرات المجتمعية والشبابية، إضافة إلى سهرة أسبوعية خاصة بالمغتربين والجاليات بالخارج.

بهذه العودة من القاهرة، يستعيد “أغاني وأغاني” حضوره في وجدان المشاهد السوداني، بعد ثلاث سنوات من الغياب القسري.

وبين أصوات الحرب التي ما زالت تعلو، يحاول البرنامج أن يعيد بعضًا من روح رمضان وجماليات الأغنية السودانية، في خطوة لا تخلو من الجدل، لكنها تحمل شغفًا واضحًا لإحياء الفن في زمن الانكسار.

الوسومأغاني وأغاني الحرب السر قدور السودان القاهرة القوات المسلحة حسين شندي رمضان شكر الله عز الدين فاطمة عمر مأمون سوار الدهب مدينة الإنتاج الإعلامي مصعب الصاوي منى مجدي هدى عربي

مقالات مشابهة

  • الإنترنت المظلم.. استشاري صحية تنفسية تحذر من مخاطر ألعاب إلكترونية على المراهقين
  • الغندور يحذر إدارة الزمالك: النادي ينهار.. والتحرك أصبح ضرورة وطنية
  • شوبير يهاجم مسؤولي الزمالك بسبب فسخ عقود لاعبيه
  • بعد غياب ثلاث سنوات.. «أغاني وأغاني» يعود ويثير الجدل
  • قفزة بصادرات الصين إلى جنوب شرق آسيا إثر رسوم ترامب
  • ورقة تحذر من مخاطر استغلال التدخل الدولي في غزة وتدعو لقيادة فلسطينية مدعومة لإدارة المرحلة الانتقالية
  • ورقة تحليلة تحذر من مخاطر استغلال التدخل الدولي في غزة وتدعو لقيادة فلسطينية لإدارة الإعمار
  • رئيس الصرف الصحي بالقاهرة : اعتماد منظومة متكاملة لإدارة الأزمات الطارئة
  • تعليم المنشاه يشارك في معسكر الأزمات "صقر 159" بحي الكوثر
  • أعلى درجات الحيطة.. السلطات العراقية تحذر من مخاطر موجة الأمطار القادمة