"فورين بوليسي" تحذر من مخاطر غياب آليات إدارة الأزمات في آسيا للحد من مخاطر الحرب هناك
تاريخ النشر: 28th, October 2023 GMT
مع اشتداد المنافسة الاستراتيجية في مختلف أنحاء قارة آسيا، تتصاعد مخاطر سوء الفهم العسكري، وسوء التواصل، والحوادث المؤسفة.
ومع ذلك، فإن آليات إدارة الأزمات المصممة للحد من هذه المخاطر تبدو تحت ضغوط متزايدة وفي حاجة ماسة إلى التنشيط.
وذكرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن المخاطر في قارة آسيا كبيرة للغاية بحيث لا يمكن ترك هذه المهمة للقوى العظمى وحدها؛ حيث يتعين على القوى المتوسطة في القارة أيضا أن تكثف من جهودها لضمان بقاء المنطقة في حالة سلام واستقرار.
وأشارت المجلة الأمريكية إلى دراسة حديثة حول منطقة آسيا والمحيط الهادئ أكدت أن ما لا يقل عن 79 حادثا جويا وبحريا شملت سفنا وطائرات عسكرية وسفن خفر سواحل وقوارب صيد وقعت في آسيا منذ عام 2010.
وكان من المحتمل أن تتصاعد بعض هذه الحوادث إلى حد الصراع، فعلى سبيل المثال، كان هناك ما لا يقل عن ست حوادث بين طائرات مقاتلة صينية وطائرات مراقبة أمريكية، كما اتهمت واشنطن في يونيو الماضي مدمرة صينية بالقيام بمناورات استفزازية بالقرب من مدمرة أمريكية تبحر عبر مضيق تايوان.
وفي السياق نفسه الذي يؤكد أهمية آليات إدارة الأزمات ومخاطر غيابها، تأججت الخلافات بين بكين وواشنطن ووصلت مداها مع زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي (حينذاك) نانسي بيلوسي إلى تايوان في أغسطس 2022، حيث قطعت بكين جميع الاتصالات مع الجيش الأمريكي. وكانت بكين مترددة في التعامل مع واشنطن منذ أن أمر الرئيس الأمريكي جو بايدن بإسقاط بالون مراقبة صيني يعمل فوق الولايات المتحدة. وعندما سئل عما إذا كان سيتم إجراء مكالمة مع الرئيس الصيني شي جين بينج بناء على طلب نظيره الأمريكي جو بايدن، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ وين بين: "لا ينبغي إجراء الاتصالات من أجل التواصل، يتعين على الجانب الأمريكي إظهار الصدق والعمل مع الصين لاتخاذ إجراءات ملموسة للمساعدة في تقريب وجهات النظر بين الصين والولايات المتحدة، وإعادة العلاقات إلى المسار الصحيح". كما أوضحت بكين لواشنطن أن تايوان خط أحمر في العلاقات الأمريكية الصينية.
وفي أماكن أخرى من آسيا، توقفت بيونج يانج من جانب واحد عن استخدام قنوات الاتصال مع سيول في أبريل الماضي بينما صعدت انتقاداتها لحكومة كوريا الجنوبية. وفي أغسطس الماضي، أوقف خفر السواحل الفلبيني خطا ساخنا مع الصين وسط تجدد التوترات بشأن سفينة "توماس شول" المتمركزة قرب أرخبيل سبراتلي المتنازع عليه مع الصين، وهي السفينة التي اتخذتها الفلبين قاعدة عسكرية، ووضعت فيها قواتا ورفضت طلبا صينيا بتحريكها من موقعها.
وتساءلت "فورين بوليسي" عما إذا كان الأمر في ضوء ما سبق يستحق إيلاء إدارة الأزمات وآليات تجنبها في آسيا أهمية كبرى أم لا؟ وأشارت المجلة إلى وجود فرضيتين شائعتين تشيران إلى أن هذه النوعية من الآليات في آسيا غير مجدية، ولكن هاتين الفرضيتين تتطلبان مراجعة وفحصا دقيقا.
وتستند الفرضية الأولى إلى أن بكين لم تظهر أي ميل لاستخدام هذه الآليات أثناء الأزمات، لذا فإنها غير مجدية. فعلى سبيل المثال، في أبريل 2001، عندما اصطدمت طائرة مقاتلة صينية بطائرة مراقبة أمريكية من طراز EP-3 فوق بحر الصين الجنوبي، ناضل المسؤولون الأمريكيون للوصول إلى نظرائهم الصينيين، على الرغم من وجود خط ساخن رئاسي مباشر أنشئ في عام 1998. كما لا تزال بكين متشككة في آليات الحد من المخاطر، مدعية أن هذه الآليات تسهل فقط الأنشطة العسكرية الأمريكية القريبة من الشواطئ الصينية.
ومع ذلك، من المهم إدراك أن نظرية وممارسة إدارة الأزمات تظل مسعى جديد نسبيا بالنسبة للصين، في حين يتمتع الغرب بعقود من الخبرة في التعامل بهذه النظرية وممارستها. ولتوضيح ذلك، خلال المراحل الأولى من الحرب الباردة، أبدى الاتحاد السوفييتي تحفظا مماثلا لما تبديه الصين، وبعد أن كادت قنوات الاتصال غير الكافية أن تؤدي إلى حرب نووية خلال أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، أنشأت موسكو وواشنطن خطا ساخنا يعرف رسميا باسم رابط الاتصالات المباشرة. وبعد عقد من الزمن، وقع الجانبان على اتفاقية الحوادث في البحر، والتي قللت بشكل كبير من عدد المواجهات الخطيرة بين السفن البحرية السوفيتية والأمريكية.
ويشير الواقع إلى أن بكين بدأت في تفهم أهمية هذه الآليات، حيث تبنت تدابير للحد من المخاطر أكثر مما هو معترف به عادة. ففي يوليو 2022، تعهدت الصين بالإسراع في إنشاء خط ساخن لإدارة حوادث الصيد مع فيتنام. وفي يونيو الماضي، وافقت على إنشاء خط ساخن جديد للاتصالات الدفاعية رفيعة المستوى مع سنغافورة. علاوة على ذلك، بدأ تشغيل الخط الساخن مع طوكيو، الذي تم الاتفاق عليه قبل نصف عقد من الزمان، في شهر مايو الماضي. كما تم اقتراح آلية مماثلة لربط الصين بالأعضاء العشرة في رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان).
وتتمثل الفرضية الثانية في أن الآليات الرسمية غير ضرورية في آسيا، حيث يتم النظر إلى الأساليب غير الرسمية في إدارة الأزمات باعتبارها الأساليب الأمثل. وكثيرا ما يتم الاستشهاد بهذه الحجة في سياق التوترات عبر مضيق تايوان.
ومع ذلك، يظهر التاريخ أن النهج غير الرسمي يمكن أن يتعثر عندما تتصاعد الأزمات. فعلى سبيل المثال، كان أحد أسباب توسع الحرب الكورية في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي هو فشل واشنطن في إيلاء الاهتمام الكافي للمخاوف الصينية، والتي تم نقلها بشكل غير رسمي من خلال وسطاء هنود.
ولفتت "فورين بوليسي" إلى أنه في ضوء ما سبق، وحيث إن القوى الآسيوية الأصغر ومتوسطة الحجم لديها "مصلحة وجودية في الضغط من أجل إدارة المنافسة بين القوى العظمى"، ونظرا لافتقار هذه القوى منفردة للثقل الدبلوماسي اللازم للقيام بمهمة إنشاء نظام إقليمي فعال لإدارة الأزمات، فلا بد من بذل جهد جماعي مشترك لتحقيق ذلك.
إذ ينبغي لتحالف القوى المتوسطة، الذي يضم دولا لديها كل ما يمكن أن تخسره من صراع آسيوي شامل، مثل: أستراليا، وإندونيسيا، والفلبين، وسنغافورة، وكوريا الجنوبية، وفيتنام أن يدعو إلى إعادة تنشيط آليات إدارة الأزمات وتجنبها في هذا الجزء الحيوي والمهم من العالم.
ونوهت المجلة الأمريكية إلى أنه يمكن لهذه الدول القيام بذلك من خلال المنتديات متعددة الأطراف مثل قمة شرق آسيا واجتماع وزراء دفاع رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان). وينبغي لهذه الدول أن تشجع على استخدام تدابير الحد من المخاطر القائمة، بما في ذلك القنوات المتوقفة بين الكوريتين والخط الساخن عبر مضيق تايوان الذي أصبح خاملا الآن، والذي اتفق عليه قادة الصين وتايوان في اجتماعهم التاريخي في نوفمبر 2015 في سنغافورة.
كما يجب دعم تطوير آليات جديدة للحد من المخاطر، وخاصة في المجال السيبراني، حيث يمكن اقتراح وضع مبادئ توجيهية جديدة حول كيفية استخدام أو عدم استخدام التقنيات السيبرانية للأغراض العسكرية.
ورغم أن آليات إدارة الأزمات وتجنبها لا تشكل علاجا سحريا للمنافسات الاستراتيجية متزايدة الحدة في آسيا، إلا أن التاريخ يعلمنا أن وجود مثل هذه الآليات أفضل من عدم وجودها. لذا، يتعين على القوى المتوسطة في آسيا أن تغتنم هذه اللحظة، وتعزز نفوذها الجماعي للحد من مخاطر حدوث صراعات كارثية في القارة.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: قمة شرق آسيا آسيا فورین بولیسی هذه الآلیات من المخاطر فی آسیا للحد من إلى أن
إقرأ أيضاً:
نهاية الحرب التجارية بين الصين وأمريكا مكسب للجميع
ترجمة: بدر بن خميس الظفري -
ما زال الكثيرون يتجادلون حول ما إذا كان الاتفاق الذي توصلت إليه كل من الصين والولايات المتحدة في محادثاتهما التجارية في جنيف، بسويسرا، خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، والذي يدخل حيّز التنفيذ يوم الأربعاء، يُعدّ انتصارا للصين أم للولايات المتحدة.
بيان البيت الأبيض وصف الاتفاق بأنه «انتصار تاريخي» للرئيس الأمريكي دونالد ترامب. بينما قالت بعض وسائل الإعلام الأمريكية إنه انتصار للصين. حتى وزير الخزانة الأمريكي الأسبق لاري سامرز كتب على منصة «إكس» أن ترامب «رمش أولا».
لكن جميع هؤلاء مخطئون. فالاتفاق، الذي قد يكون بداية نهاية هذه الجولة من النزاع التجاري، هو مكسب مشترك للصين والولايات المتحدة والعالم بأسره.
نظرًا للترابط الكبير في الاقتصاد العالمي، ولا سيما في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، فإن وقف الحرب الجمركية بين أكبر اقتصادين في العالم يُعد خبرًا سارًا للتجار والمصنعين والمستثمرين وتجار التجزئة والمستهلكين في مختلف أنحاء العالم.
وقد أدى إعلان الجانبين عن تخفيض الرسوم الجمركية بنسبة 115% إلى ارتفاع مؤشرات أسواق الأسهم في الولايات المتحدة وآسيا والمحيط الهادئ.
ويبدو هذا التفاؤل جليًا في العناوين الإخبارية. فقد نشرت قناة (سي. إن. بي. سي) عنوانًا يقول: «التخفيف الجمركي بين الولايات المتحدة والصين يسمح بعودة المنتجات إلى الرفوف قبل عيد الميلاد»، بينما عنونت (سي. إن. إن) تقريرها بالعنوان الآتي:«الرسوم الجمركية دمّرت موانئ أمريكا. قريبًا، قد تواجه هذه الموانئ ازدحامًا بسبب تخزين السلع».
ويحدو الأمل الكثيرين بأن تمدد فترة التسعين يومًا هذه بشكل دائم. وكما أثبتت الأضرار الاقتصادية الهائلة التي سببتها الحرب الجمركية على الصين والولايات المتحدة ودول أخرى خلال الأشهر الماضية، فإن الحروب التجارية لا تفرز رابحين، ويجب عدم إطلاقها من الأساس.
وتأتي نتيجة المحادثات مشجعة، خاصة بعد التوترات الحادة التي سبقتها، والتوقعات المنخفضة التي عبّرت عنها وسائل الإعلام والمحللون في الولايات المتحدة.
وبصفتي صحفيًا غطى مجريات المحادثات في جنيف، فقد جاءت النتيجة مفاجئة وسارة، بينما كنت أستمع إلى نائب رئيس الوزراء الصيني «خه ليفنغ» في المؤتمر الصحفي مساء الأحد، وأتابع تصريحات وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت والممثل التجاري الأمريكي جيميسون غرير.
لقد مر وقت طويل منذ أن سمعنا مسؤولي البلدين يثنون على بعضهم البعض من حيث المهنية والاجتهاد والكفاءة، بعد سنوات من الخطاب السلبي خلال إدارة جو بايدن. كما مر وقت طويل منذ أن أعلن الطرفان عن تحقيق -تقدم جوهري- في المفاوضات، وصولًا إلى «توافقات مهمة».
وكان من اللافت للنظر اتفاق الطرفين على إنشاء آلية تشاور دائمة حول القضايا الاقتصادية والتجارية بهدف معالجة مخاوف كل طرف. وهذا يذكّرنا بآليات الحوار رفيعة المستوى التي كانت قائمة بين البلدين قبل سنوات، مثل - الحوار الاستراتيجي والاقتصادي- واللجنة المشتركة للتجارة-، والتي غطيتها عن كثب خلال سنوات عملي في الولايات المتحدة.
وقد قامت تلك الآليات بدورٍ مهمٍّ في تعزيز التواصل والتفاهم، ومعالجة القضايا الخلافية. ويمكن، بل ويجب، إعادة إحياء العديد منها في إطار الآلية الجديدة المقترحة.
في ديسمبر الماضي، قال ترامب، عندما كان رئيسًا منتخبًا، في مؤتمر صحفي بمارالاغو: «بإمكان الصين والولايات المتحدة أن تعملا معا لحل جميع مشاكل العالم». وهذا القول صحيح، خصوصًا عند الحديث عن التحديات العالمية الكبرى، مثل الحفاظ على الاستقرار والازدهار الاقتصادي، ومحاربة الإرهاب، ومواجهة التغير المناخي، وتحقيق السلام العالمي.
لكن لتحقيق ذلك، من الضروري أن تحل الصين والولايات المتحدة خلافاتهما من خلال آلية التشاور الجديدة، لا من خلال التصعيد والحروب الجمركية. وكانت محادثات جنيف خطوة أولى واعدة نحو إعادة العلاقات الثنائية إلى مسارها الصحيح.
وكما أكد القادة والدبلوماسيون الصينيون مرارًا، فإن التعاون يصب في مصلحة البلدين، بينما المواجهة تضر بهما معًا. ولا خيار أفضل من التعاون البناء.
تشن ويهوا هو رئيس مكتب صحيفة تشاينا ديلي في الاتحاد الأوروبي.
عن صحيفة الصين اليوم