سجل العالم خلال العقد الماضي، أعلى درجات الحرارة في التاريخ، ما أدى إلى زيادة تكرار العواصف والجفاف وموجات الحرارة الشديدة، وفي نفس الوقت، تأثرت الطبيعة والتنوع البيئي بشكل كارثي وفقد العالم الكثير من الأصناف والأنواع من كائناته الحية بوتيرة غير مسبوقة، حيث وصل عدد المُعَرض منها للانقراض خلال العقود القليلة القادمة إلى المليون صنف.


وتحيط الأزمة التي تمر بها البيئة والطبيعة، بكل البشرية وبعوامل وجودها واستمراريتها، حيث تواجه المجتمعات في جميع أنحاء العالم تقلبات الطقس المتطرفة ونقص الموارد الطبيعية، الأمر الذي يجعل الحفاظ على النظم البيئية أمراً حيوياً للحفاظ على حياة البشر وعلى التنوع البيولوجي ولمواجهة تغير المناخ على حد سواء.
ويرتبط فقدان التنوع البيئي بتغير المناخ من خلال مجموعة من العوامل المتشابكة والمترابطة وذات التأثير المشترك، حيث يؤدي تدهور المنظومات البيئية والأراضي الخاصة بها، إلى فقدان قدرتها على الاستمرار بأن تؤدي مهامها ك «مخازن» طبيعية للكربون، ومن أمثلتها الغابات، التي تنظم درجة حرارة الكوكب وتساعد على تخزين الكربون، بينما يؤثر تغير المناخ في النظم البيئية الحيوية مثل الشعاب المرجانية والأراضي الرطبة والغابات، التي توفر مقاومة طبيعية ضد تداعيات وآثار التغير المناخي. ولذا فإن الحفاظ على هذه النُظم يعتبر أمراً شديد الأهمية للتنوع البيولوجي وللتكيف مع تغير المناخ ومواجهته.
وبالنظر لضخامة المهمة، وأهميتها وحجمها الكبير، فقد أصبح لمساهمة التمويل من القطاع الخاص دور كبير بهذا الشأن، لما يمتلكه من إمكانيات واعدة ومتنوعة لا تقتصر على الموارد المالية، بل تمتد لتشمل الخبرات، والابتكارات، وباقي عناصر الدعم التكميلية. ويقدم مؤتمر الأطراف COP28 الذي تستضيفه دولة الإمارات في مدينة إكسبو دبي، في الفترة من 30 نوفمبر إلى 12 ديسمبر 2023، فرصة فريدة لحشد الجهود من أجل تحفيز القطاع الخاص وتوفير الدعم الخاص بجهود مواجهة أزمتي فقدان التنوع البيئي وتغير المناخ المترابطتين بشكل حيوي.
وللقيام بذلك، فإن علينا العمل معاً وبسرعة، حيث يتطلب العمل المناخي ضخ استثمارات مالية ضخمة، ومن مختلف القطاعات الحكومية والخاصة، التي تتراوح قيمتها بين 4 و5 ترليونات دولار سنوياً بحلول عام 2030، وذلك لإحداث التغير المطلوب. وفي الوقت نفسه، فإننا نعلم أن هناك فجوة كبيرة في التمويل الموجه لحفظ التنوع البيولوجي، تتراوح بين 598 إلى 824 مليار دولار سنوياَ بحلول عام 2030.
وتتنوع الآليات المالية المبتكرة التي يمكن من خلالها للقطاع الخاص المساهمة بمواجهة تغير المناخ ودعم العمل المناخي وحفظ التنوع البيولوجي، وتشمل الأمثلة الرئيسية الأعمال الخيرية، والتي تمثل دعماً مالياً مباشراً من الجهات الفاعلة في مجال العمل الخيري، والتمويل المدمج، والذي يمثل دمج أكثر من نوع من التمويل مثل الحكومي المخصص للتنمية وتمويل القطاع الخاص المخصص للأعمال الخيرية، والسندات الخضراء، وهي سندات استدانة تصدر لجمع التمويل المخصص لمشروعات متصلة بالمناخ أو البيئة، والتمويل المعتمد على الشراكات بين القطاعين الحكومي والخاص (PPP).
وتمثل الأعمال الخيرية أحد مفاتيح الدعم الرئيسية عن طريق المشاريع المبتكرة، وبناء القدرات، بالإضافة للتأثير المباشر على المجتمعات الأكثر تعرضاً لتداعيات تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي، والتي تواجه غالباً تحديات مثل النزوح بسبب ارتفاع مستويات المياه في البحار، وفقدان سُبل العيش بسبب تعطل النظم البيئية، وزيادة مخاطر الصحة بسبب موجات الحرارة والتلوث.
كما تعتبر المؤسسات الخيرية ورواد الأعمال الإنسانية ركائز أساسية لدعم المبادرات التي تساهم بحماية هذه المجتمعات، وتقديم المساعدات المالية، ودعم تطوير سبُل العيش المستدامة، وزيادة قدراتها على التكيف مع التحديات والظروف الناتجة عن تغير المناخ. وتمتلك هذه المؤسسات والمبادرات الخيرية مرونة لا تتمتع بها الجهات الاستثمارية التقليدية، حيث لا يُتوقع تحقيق عوائد مالية من التمويل، وهو ما يُمكِنها من توجيه الدعم المالي للمشاريع ذات المخاطر العالية، أو طويلة الأمد، أو للمساعدة بشكل مباشر من خلال إنشاء بنية تحتية متينة، وتعزيز التنمية المستدامة، ولدعم ممارسات الحفاظ على البيئة والتكيف القائمة على الطبيعة. كما يمكن لهذا النوع من التمويل أن يكون وسيلة تحفيزية تجذب استثمارات إضافية من القطاعين الحكومي والخاص.
ويمكن أن يساهم التمويل المُدمج، الذي يجمع بين مصادر التمويل الحكومية والخاصة، على تحفيز رأس المال من القطاع الخاص، ويقلل هذا النوع من مخاطر الاستثمار أو تقديم الحوافز عن طريق دمجها ضمن الدعم المالي الحكومي، ما يساهم بزيادة الثقة بالمشاريع أو المبادرات الممولة، ويجعلها أكثر جاذبية للمستثمرين.
وتعتبر السندات الخضراء مثال آخر، لحشد التمويل من مختلف الجهات في القطاع الخاص وتسخيرها لخدمة أهداف العمل الساعي لمواجهة تغير المناخ وحفظ التنوع البيولوجي، حيث يشتري المستثمرون هذه السندات، مع معرفتهم بأن قيمتها ستدعم مجموعة متنوعة من المشاريع، من استعادة «الموائل» الحيوية إلى إقامة البنية التحتية للطاقة المتجددة، وتسمح هذه الآلية للمؤسسات بالحصول على التمويل الضروري مع توفير عوائد استثمار موثوقة للمستثمرين.
ومع اقتراب موعد COP28، فإننا ندرك الأهمية الكبرى للتمويل من أجل زيادة نطاق العمل المناخي، لتحويل طموحاتنا إلى واقع ملموس، ولذا فإن علينا تسريع الجهود لتفعيل دور القطاع الخاص، والاستفادة من مرونته وإمكانياته على الابتكار ودعمه لمعالجة الفجوة التمويلية والعمل معاً لتحقيق تقدم جوهري وجذري ملموس.
لقد حان الوقت أن نتحد، ونعمل، وننجز تحويل الوعود إلى نتائج، والطموحات إلى إجراءات، والمشروعات التجريبية إلى مشروعات قابلة للتطبيق على نطاق واسع.
ويعتبر التمويل المعتمد على الشراكات بين القطاعين الحكومي والخاص (PPP) جزءا هاماً من منظومة التمويل، حيث تتعاون الحكومات ومؤسسات القطاع الخاص لتطوير، وتمويل، وتشغيل المشاريع أو الخدمات. حيث يقدم القطاع الحكومي عادة الدعم التشريعي والتنظيمي، وقد يقوم بدعم المشروع مالياً، بينما يقدم القطاع الخاص رأس المال، والتكنولوجيا، والخبرات التشغيلية، ويمكن أن يساعد هذا النهج التعاوني في تسريع تنفيذ بعض المشاريع الهامة، التي يتراوح حجمها بين منشآت الطاقة المتجددة إلى تدابير الحماية الساحلية القائمة على الطبيعة، مثل استعادة غابات القرم.
*رزان خليفة المبارك، رائدة الأمم المتحدة لتغير المناخ لمؤتمر الأطراف COP28

أخبار ذات صلة رئاسة COP28 تستضيف اجتماعاً نجح في التوافق على توصيات تفعيل صندوق معالجة الخسائر والأضرار استشراف أثر التغيرات المناخية على مستقبل التنمية العربية المستدامة مؤتمر الأطراف «COP28» تابع التغطية كاملة

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: الجفاف التغير المناخي القطاع الخاص مؤتمر الأطراف درجات الحرارة التنوع البیولوجی التنوع البیئی القطاع الخاص تغیر المناخ

إقرأ أيضاً:

ارتفاع درجات الحرارة القياسية حول العالم: تحديات التغير المناخي والبيئية

شهدت العديد من المدن حول العالم موجات حر قاتلة خلال السنوات الأخيرة، حيث وصلت درجات الحرارة إلى أرقام قياسية تجاوزت في بعض الأحيان حاجز الـ70 درجة مئوية. 

تنبعث هذه الظاهرة من آثار التغير المناخي وتمثل تحديًا بيئيًا كبيرًا يواجه المجتمعات العالمية.

ارتفاع درجات الحرارة خلال السنوات الأخيرة

على مدار العقود الأخيرة، شهد العالم ارتفاعًا ملحوظًا في درجات الحرارة، مما سجلته وكالات الأرصاد الجوية العالمية مثل "رويترز" و"the times accuweather".

أعلى درجات الحرارة المسجلة

1. صحراء لوت - إيران (عام 2005):
  - وصلت درجة الحرارة إلى 70.7 درجة مئوية، مما يمثل أعلى درجة حرارة مسجلة على الإطلاق.

2. مدينة الكويت (عام 2021):
  - شهدت ارتفاعًا كبيرًا في درجات الحرارة ووصلت إلى 50 درجة مئوية.

3. محافظة أسوان - مصر (عام 2024):
  - سجلت درجة حرارة قدرها 49.6 درجة مئوية، وهي أعلى درجة حرارة تسجل في العام الحالي.

4. نيودلهي - الهند (عام 2024):
  - سجلت 49.1 درجة مئوية خلال العام الحالي.

5. وادي الموت - أمريكا (عام 2023):
  - بلغت درجة الحرارة 48.9 درجة مئوية في هذا الوادي الشهير بالحرارة الشديدة.

6. بلدة العزيزية - ليبيا:
  - تشهد درجات حرارة تصل إلى 48 درجة مئوية خلال كل فصل صيف.

7. عرفات - مكة المكرمة (عام 2024):
  - وصلت درجة الحرارة إلى 44 درجة مئوية خلال هذا العام.

8. بوينس آيرس - الأرجنتين (عام 2022):
  - سجلت درجات حرارة تصل إلى 41.6 درجة مئوية.

9. قريات - عمان (عام 2018):
  - سجلت 42.6 درجة مئوية، مما جعلها واحدة من أعلى درجات الحرارة المسجلة في المنطقة.

تواجه البشرية تحديات كبيرة نتيجة لارتفاع درجات الحرارة القياسية هذه، مما يستدعي تعزيز جهود مكافحة التغير المناخي وتكثيف الجهود لحماية البيئة وتخفيف الآثار السلبية المترتبة على هذه الظاهرة العالمية.

مقالات مشابهة

  • «الوزراء»: عدد المهاجرين بسبب المناخ سيصل 40 مليون في جنوب آسيا بحلول 2050
  • شركس: البنك المركزي أدرك مبكراً أهمية الحفاظ على البيئة وتشجيع الطاقة المتجددة
  • بوابة الجحيم في سيبيريا.. تتضخم وتُرى من الفضاء بسبب التغير المناخي
  • ارتفاع درجات الحرارة القياسية حول العالم: تحديات التغير المناخي والبيئية
  • اعرف سبب الإرتفاع الشديد في درجات الحرارة
  • تعاون استراتيجي بين أكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية ومجموعة g7+ ومعهد التنمية الخارجية البريطاني
  • إطلاق آلية لتسهيل جهود التمويل المناخي
  • وزيرة البيئة تترأس الاجتماع الأول للجنة تسيير مشروع تحويل الأنظمة المالية
  • دعم القطاع الخاص بوابة لتوفير فرص العمل
  • البطالة في العراق: حلول من القطاع الخاص؟