متابعة بتجــرد: بصوت واضح وكلمات غاضبة تتحدث الملكة رانيا إلى «سي أن أن» الأمريكية حول الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين. لا حاجة لأن تكون فلسطينية الأصل حتى تهتز لمشاهد قتل أطفال ونساء على هواء الشاشات مباشرة، وهي قالت ذلك بالفعل: «إننا متّحدون في الحزن، بغض النظر عن أصولنا». من دون تلعثم، تسرد قصةً عمرُها 75 عاماً، فالحرب لم تولد فقط في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، هي حكاية احتلال وتهجير ومصادرة أراض وحواجز وانتهاكات لحقوق الإنسان واعتقالات وأبارتهايد.

وعندما تحذّر الإعلامية ضيفتها من الكلمة الأخيرة، التي ما إن تذكر حتى يدب الفزع في قلوب الإسرائيليين وداعميهم، ستسارع الملكة في القول إن الوصف لم يطلقه العرب، بل منظمات حقوق إنسان إسرائيلية وغربية. ثم إن الجدار الفاصل شاهد لا يدحض.
تعرف الملكة عما تتحدث، بدت خبيرة تماماً وجاهزة لقصف الأسئلة. هذا الوضوح، والمنطق المتماسك أكثر ما يخيف داعمي الرواية الإسرائيلية في الغرب، وبسبب ذلك التماسك بالذات هوجمت الملكة في الإعلام الغربي على الفور. التهم موضوعة دائماً على الطاولة.
اتُهمت الملكة بمعاداة السامية، وهي ردّت هذه التهمة في مقابلة جديدة مع برنامج «عن بعد» في «سي أن أن» الأمريكية، إذ قالت إن «معاداة السامية أصبحت سلاحاً لإسكات أي انتقاد لإسرائيل»، وأدانت «بشكل قاطع معاداة السامية والإسلاموفوبيا»، فهذه الأخيرة ليست سوى «الوجه الآخر لنفس المرض».

 بالفعل، لا يولد المرء ملكاً، ولا يتعلق الأمر بالوراثة، فبالإمكان أن يصنع الناس طريقهم، أن يعيش الإنسان كأمير، كملك، أو ينحطّ كقاتل

نقرأ أمس أيضاً عن السيدة الأندونيسية الأولى إريانا جوكو ويدودو التي دعت إلى «وضع حد فوري للعنف في فلسطين»، وقالت: «آمل بشدة أن ينتهي العنف، وأن تنتهي الحرب، وأن يكون من الممكن الوصول إلى المساعدات الإنسانية. دعونا نساعد سوياً إخواننا وأخواتنا في فلسطين». تحدثت عن المدنيين والأبرياء الذين فقدوا أرواحهم في غزة، ومن بينهم أطفال ونساء، مشيرة إلى الأوضاع الإنسانية بالغة الصعوبة: «كامرأة وكأم، أنا محطّمة لرؤية هذا الوضع. فأنا لا أستطيع أن أتخيل كم معاناة الأطفال الأبرياء الذين يتعيّن عليهم مواجهة هذا الواقع القاسي».
بإمكان المرء أن يذهب بعيداً في استعادة عدد كبير من المواقف المؤثرة المتضامنة مع الفلسطينيين، والشجاعة بحق، لكن موقف السيدة الأندونيسية، كما الملكة الأردنية ذكّرني بسيدات محور الممانعة، ولكي أكون أكثر وضوحاً تذكرت «السيدة السورية الأولى» التي اعتنت، وإعلامُها، أخيراً بصورتها على الشاشات، مرة في الحقول، ومرة في المشافي، وبين الجرحى، ومتعلمي اللغة العربية في الصين، لكنها لم تظهر مرة على أي شاشة منذ اندلاع الحرب. وتخيلت بم يمكن أن تجيب لو طرحت عليها أسئلة الـ «سي أن أن»، بأي مصداقية، وبأي لغة.
هذا الفارق، المتخيل، هو بالذات ما يدفع إلى القول: بالفعل، لا يولد المرء ملكاً، ولا يتعلق الأمر بالوراثة، فبالإمكان أن يصنع الناس طريقهم، أن يعيش كأمير، كملك، أو ينحطّ كقاتل.

أصل الحكاية

يبدو أن الفارق بين محللٍ وآخر، بين متناوِلٍ للحرب الإسرائيلية على غزة وآخر، الانطلاق من فكرة أن الحرب لم تبدأ في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، مع أنه يمكن التساؤل أيضاً، حتى لو افترضنا أن الحرب بدأت فعلاً في أكتوبر فقط، بأي ميزان يحكم أولئك الذين يرون في قتل عشرة آلاف فلسطيني على الأقل (من المرعب القول إنه مع نشر المقال سيكون العدد قد ازداد ما لا يقل عن خمسمئة ضحية أخرى)، بينهم حوالى أربعة آلاف طفل، وعدد هائل من الجرحى، ثمناً مناسباً لهجوم «حماس»!
تأتي المقابلة الجديدة للإعلامي المصري اللامع باسم يوسف مع بيرس مورغان متناغمة مع منطق الملكة رانيا. بدا يوسف كأنه ناطق باسم القضية (الفلسطينية)، يشرح ويحلّل ويقدم الشواهد والأدلة، يتحدث عن انحياز الغرب، والروايات الرائجة الزائفة، من دون أن ينسى تسليط الضوء على قصص وفجائع إنسانية، حريصاً على أن يقدم أصل الحكاية وفصلها، بعناوينها العريضة، ورموزها الأكثر بساطة، كأن يقدم لمضيفه زيت الزيتون الفلسطيني، الرمز الأعتق للفلسطينيين.

التواطؤ الغربي، والتزييف، والإنكار، وعدم الرغبة أساساً في التحديق في الكارثة، يؤكد الحاجة إلى أمثال باسم يوسف

حتى بالنسبة لمشاهدين عرب، باتت حلقة باسم يوسف مرجعاً، فعلى سبيل المثال نلمح تعليقات تقول إنهم ذهبوا لمشاهدة الوثائقي الإسرائيلي عن مجزرة طنطورة بفضل يوسف، هذا المجزرة التي وثقها إسرائيليون في فيلم وأطروحة جامعية قبل ذلك، وتَحَمَّلَ صاحب الأطروحة ما تحمّل من عداء وتهديدات ونبذ، مجزرة تبدو وكأنها مجرد «تفصيل ثانوي» في التاريخ الطويل المعتم عليه عن قصد.
أحببتَ باسم يوسف، أداءً وحضوراً، أم لا، أعجبك تحليله ومنطقه أم لا، ليس بوسعك إلا أن تعجب بجرأته ومثابرته على قول الحق الفلسطيني. قد لا تقدّر تماماً، إن كنت في عاصمة عربية، أو إسلامية، حيث مفردات القضية هي مسلّمات لا تحتاج إلى براهين، معنى جرأة ما يقوله يوسف، لكن التواطؤ الغربي، والتزييف، والإنكار، وعدم الرغبة أساساً في التحديق في الكارثة، يؤكد الحاجة إلى أمثال هذا الإعلامي المصري.
الشارع الغربي يتغير يوماً بعد يوم، والشارع والرأي العام جزء من المعادلة، ولعل عدداً من الأخبار والمحللين تحدثوا مراراً عن تحذيرات أمريكية، وحتى إسرائيلية، لبنيامين نتنياهو بأن الشارع يتغير، وليس لصالحكم.
جرأة باسم يوسف ليست من دون ثمن، إذ نشاهد كل يوم الخسائر التي يمنى بها نجوم كرة قدم تعاطفوا مع الفلسطينيين، أو إعلاميين طردوا من وظائفهم، ولا ندري إلى أين ستصل الأمور مع تهديدات رسمية تطلقها حكومات الغرب كل يوم.

main 2023-11-07 Bitajarod

المصدر: بتجرد

كلمات دلالية: باسم یوسف

إقرأ أيضاً:

النائب رانيا أبو رمان تدعو لموازنة تعكس رؤية الملك

صراحة نيوز -أكدت النائب رانيا أبو رمان خلال مناقشة مشروع قانون الموازنة العامة، أن المطلوب هو موازنة تبني الثقة وتعيد الاعتبار للطبقة الوسطى، وتفتح أبواب العمل أمام الشباب، مشددة على أن مسؤولية تحويل التحديات إلى فرص تقع على عاتق الحكومة والبرلمان معًا.

وأضافت أبو رمان أن الموازنة الحالية لا تتضمن أي زيادة على رواتب العاملين، ولا تمسّ رواتب المتقاعدين التي تآكلت بفعل موجات الغلاء، موضحة أن بقاء الرواتب ثابتة رغم ارتفاع تكاليف الحياة يجعل الموظف عاجزًا عن تقديم خدمة أفضل، ويترك المتقاعد في مواجهة نفقات متصاعدة. مبينة أن “موازنة بلا تحسين دخل هي موازنة لا تشعر بالناس”.

وأشارت إلى أن الموظف والمتقاعد ليسا مجرد أرقام في بند النفقات، بل هما ركيزة الاستقرار الاجتماعي وعماد المؤسسات، مؤكدة أن مكافحة الفقر تبدأ من إنصاف العاملين في القطاع العام وحماية المتقاعدين الذين خدموا الدولة لسنوات طويلة.

وانتقدت أبو رمان آلية إقرار موازنات البلديات التي لا تُصادق إلا في شهر آب، معتبرة أن ذلك يشلّ قدرتها على التخطيط والتنفيذ، ويجعلها مطالبة بـ “إنجاز المعجزات” خلال أربعة أشهر فقط. وأضافت أن موازنات مجالس المحافظات تُخفَّض عامًا بعد عام، مما يحوّل اللامركزية إلى قيد بدلًا من أن تكون أداة للتنمية، وهو ما ينعكس على غياب الطرق والمدارس والمراكز والخدمات التي ينتظرها المواطنون.

وبيّنت أن التنمية الحقيقية تتطلب اعتماد موازنات البلديات قبل بداية العام المالي، وضمان موازنات مجالس المحافظات كحق مالي محمي لا يخضع للتخفيض عند أول أزمة، معتبرة أن بقاء المحافظات بلا تمويل أو أدوات أو وقت يجعل التنمية حبرًا على ورق.

وانتقلت النائب للحديث عن قضايا محافظة البلقاء، مؤكدة أنها ما تزال تعاني منذ عقود من مشكلات لم تجد حلولًا جذريّة، أبرزها مشروع شارع الستين غير المستكمل، وتعثر المدينة الصناعية، وتباطؤ تنفيذ المسار السياحي، إضافة إلى بطء العمل بمشاريع الصرف الصحي رغم أنها من أبسط متطلبات الحياة الكريمة.

وتساءلت أبو رمان عن أسباب تكرار المشكلات لسنوات طويلة دون حلول تتناسب مع حجمها، مشددة على أن البلقاء لا تطلب مستحيلاً، بل تطالب بحقوق تنموية مشروعة تشمل طرقًا آمنة، وبنية تحتية سليمة، وخدمات سياحية جاهزة، وصرفًا صحيًا يحفظ كرامة المواطنين وصحتهم.

كما انتقدت ما حدث في عمّان خلال الأحوال الجوية الأخيرة، مؤكدة أن العاصمة غرقت رغم حصول مؤسساتها على جوائز وتكريمات، موضحة أن “الجوائز لا تمنع السيول ولا تحفظ الشوارع من الغرق”، وأن المواطن يريد خدمة حقيقية لا صورة أو شهادة تقدير.

وختمت أبو رمان بالتأكيد على وقوف الجميع خلف جلالة الملك وقيادته الهاشمية الحكيمة، داعية إلى موازنة تعكس رؤية جلالة الملك، موازنة تبني ولا تستهلك، وتنهض ولا تكرر، وتسهم في بناء أردن أقوى وأكثر عدالة واستقرارًا.

مقالات مشابهة

  • شاهد بالفيديو.. الجمهور السعودي يهتف باسم السودان أثناء توجهه لمساندة منتخب بلادها: (حيوا السوداني..سوداني ما شاء الله)
  • عاجل| الملكة رانيا تهنئ “النشامى” بعد التأهل إلى نصف نهائي كأس العرب
  • قرية كاملة يولد سكانها عمياناً.. لغز وراثي يحير العلماء
  • إنستجرام يولد عناوين تلقائية للبحث دون علم المستخدمين
  • صورة باسم يوسف ومحمود سعد يثير تساؤلات الجمهور
  • السيّد: هل تكفي الدولارات القليلة التي تحال على القطاع العام ليومين في لبنان ؟
  • النائب رانيا أبو رمان تدعو لموازنة تعكس رؤية الملك
  • على صلة بحزب الله وايران.. اليكم آخر المعلومات عن ناقلة النفط التي احتجزتها أميركا في الكاريبي
  • باسم يوسف: مصر 2025 لم تعد مصر 2014.. كل شيء تغير
  • النهايات والبدايات