إنهم يخططون لليوم التالي بعد الحرب في غزة!
تاريخ النشر: 8th, November 2023 GMT
حرب غزة لم تنته بعد، ومع إنها قد تطول، فإن كلا من الولايات المتحدة وإسرائيل تستعجل نهايتها، لأنها كلما طالت زادت تعقيدات تداعياتها. ومن ثم تتجه السياسة الأمريكية إلى محاولة إغراق الحرب بالدبلوماسية، مع تأكيد ما تردده بشأن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وصلابة الالتزام الأمريكي بحمايتها، والعمل على ألا تصبح حربا إقليمية متعددة الجبهات.
لماذا أصبح عامل الوقت حاسما؟
منذ 7 أكتوبر حتى الآن سقطت استراتيجية الردع الإسرائيلية، وكانت النتيجة أن القوة العسكرية الأمريكية الضاربة حلت محلها لحماية إسرائيل، وتقييد احتمالات حصول الفلسطينيين على مساعدات من الخارج، والتدخل إذا لزم الأمر لحمايتها من الهزيمة، لكن بقاء القوات الأمريكية في شرق المتوسط بكثافتها الحالية مدة طويلة يمكن أن يهدد فرص جوزيف بايدن في الانتخابات الرئاسية، فهو حتى إن كسب الصوت الصهيوني؛ فإن ذلك يمكن أن يكلفه أصوات الأغلبية الأمريكية، التي تدفع الثمن الاقتصادي والاجتماعي لبقاء هذه القوات، خصوصا مع الزيادة المتوقعة في الهجمات ضد القواعد الأمريكية في الشرق الأوسط عموما، وليس في العراق وسوريا فقط. كما أن طول بقاء القوات الأمريكية في شرق المتوسط يجعل الولايات المتحدة شريكا صريحا في حرب الإبادة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، وما يترتب على ذلك من تداعيات. ومع أن كل العوامل المحيطة بهذه الحرب تتصف بطابع التقلبات وعدم اليقين، فإن متابعة تطوراتها منذ بدأت حتى الآن (33 يوما) تثبت وجود ثلاثة عوامل جوهرية يقينية لم تضطرب، ولم يتسرب إليها الشك، ما تزال هي التي تقرر ملامحها. العامل الأول هو الصمود الفلسطيني، رغم فداحة التضحيات؛ فألسنة الفلسطينيين وقلوبهم ووجدانهم تهتف: «ننزف دما ولن ننزف كرامة». العامل الثاني هو الاستمرار في القدرة على الرد ومواجهة آلة الحرب الإسرائيلية البربرية، لتأكيد سقوط استراتيجية الردع المعتمدة على القوة الغاشمة، وأن إسرائيل ترتكب خطأً فادحا إذا اعتقدت أنها تستطيع إبادة شعب أو حرمانه من حق العيش في وطن آمن، وأن الحل العسكري يتناقض جوهريا مع هدف تحقيق استقرار مستدام. أما العامل الثالث فهو قوة التضامن العالمي. هذا التضامن مع الشعب الفلسطيني أصبح يغطي كل قارات العالم على مستوى الشعوب، كما يظهر في الاحتجاجات المليونية المناهضة للحرب، الداعية إلى وقف إطلاق النار وإحلال السلام، التي تتهم إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة ضد الشعب الفلسطيني. كما أن التضامن العالمي يتجلى أيضا على مستوى الحكومات، كما سجله تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية كاسحة (120 ضد 14 منها الولايات المتحدة وإسرائيل). هذا التأييد الذي تحصل عليه المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية يزداد قوة كل يوم، حتى في الولايات المتحدة، ودول الاتحاد الأوروبي، وحلف الأطلسي، وحتى بين اليهود أنفسهم. هذا تأييد يستحق أن يحتفل به الصمود الفلسطيني، وأن تبذل كل الأطراف الفلسطينية، بما فيها السلطة في رام الله، مجهودا أكبر لتوسيع نطاق حرب البقاء الفلسطينية من مجرد حرب في ميادين المواجهة المسلحة مع إسرائيل إلى مواجهة أيضا في ساحات الدبلوماسية والحوار لمواصلة كسب الرأي العام العالمي بتقديم مشروع واضح للتعايش والسلام مع الشعب اليهودي. هذه العوامل الثلاثة، الصمود، وقوة الإرادة، وتعاظم التضامن العالمي، تمنح الشعب الفلسطيني قوة فوق قوته، وتبشر بطول أجل الحرب التي اعتقدت الحكومة الإسرائيلية أنها ستكون سهلة وقصيرة. إن من يستعيد تصريحات نتنياهو وغالانت وسموتريتش وبن غفير، ومعهم رئيس الأركان حرزي هاليفي، في الأيام الأولى للحرب يدرك الآن إلى أي مدى كانت تقديراتهم خاطئة، وإلى أي حد تتعرض خططهم العسكرية للتغير يوما بعد يوم، وكيف أن تنفيذ هذه الخطط يتعثر الواحد وراء الآخر، وهو ما يتضح في استمرار الضربات الجوية الانتقامية اليائسة ضد المدنيين في المخيمات والأحياء السكنية والمدارس ومعسكرات الإيواء المؤقتة، حتى وصل الأمر إلى قصف الجرحى المدنيين، باستهداف عربات الإسعاف والمستشفيات! استمرار كثافة الضربات الجوية ضد المدنيين يعكس روحا انتقامية يائسة، لم تعد لديها خيارات غير إلقاء أطنان القنابل كل يوم على غزة.
حرب مستمرة أم تغيير نظام؟
يستخلص ميخائيل أيزنستات مدير برنامج الدراسات الأمنية والعسكرية في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، أن تحقيق هدف «تدمير حماس» يحتاج إلى مجهود عسكري طويل ممتد. وقال إنه كلما طال القتال، ستقل قدرة إسرائيل على الاحتفاظ بحريتها في العمل العسكري كما تشاء، نظرا للتداعيات التي يتركها طول مدة الحرب على جبهات أخرى أقربها الضفة الغربية، والتعقيدات التي يمكن أن تتركها أيضا على مستقبل تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية، والأضرار التي قد تتعرض لها المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، إضافة إلى التداعيات السلبية المتوقعة على فرص الاستقرار السياسي في بعض الدول العربية. وكان وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت قد أعاد تحديد أهداف الحرب في كلمة أمام الكنيست يوم 20 من الشهر الماضي، مؤكدا ضرورة تحقيق هدفين، الأول هو تدمير كل الإمكانيات العسكرية لحكومة حماس، والثاني هو تدمير مصداقيتها السياسية بالقضاء على أجهزتها الحاكمة وهياكلها الإدارية. وأوضح غالانت أن خطة الحرب تجري على ثلاث مراحل: المرحلة الأولى هي حملة جوية نيرانية مركزة، تتبعها عمليات عسكرية على الأرض (برية) هدفها تدمير عناصر حماس والبنية الأساسية العسكرية التي يعتمدون عليها. المرحلة الثانية هي مرحلة انتقالية، تستمر فيها العمليات القتالية، ولكن بكثافة أقل، وذلك بهدف تصفية جيوب المقاومة المتبقية. أما المرحلة الثالثة فإن هدفها هو خلق حقيقة أمنية جديدة للمواطنين الإسرائيليين، بما في ذلك سكان منطقة «غلاف غزة»، تعيد إليهم الثقة في قدرة الحكومة على حمايتهم. وبمقارنة ما يجري على الأرض وفي الجو وفي البحر حتى كتابة هذه السطور، وبعد مرور أكثر من شهر على بدء العمليات القتالية، وبعد إعلان نتنياهو وغالانت أن الحرب دخلت مرحلتها الثانية، فإن إسرائيل ما تزال تواصل الضربات الجوية ضد المدنيين الفلسطينيين، وتحاول تشديد الضغط على غزة من البحر، بينما تتعرض قواتها المدرعة على الأرض إلى خسائر كبيرة. ونتيجة لكل ذلك فإن إسرائيل تعمل على تركيز مجهودها العسكري الرئيسي في توجيه ضربات ساحقة إلى مدينة غزة لتسويتها بالأرض. هذه الأرض لم تعد مسرح عمليات آمنا منذ أن تحولت فتحات الأنفاق إلى ما يشبه «فوهات البراكين» التي تلقي نيرانها على المدرعات المعتدية وأطقم العسكريين في داخلها.
ويعتقد كثيرون في إسرائيل والولايات المتحدة أن إسرائيل يجب أن تعيد صياغة الهدف من الحرب، واختصاره إلى مجرد تغيير نظام الحكم في غزة، أي regime change على غرار ما فعلت الولايات المتحدة في العراق منذ 20 عاما. ونصح الجنرال احتياط عودي ديكل مدير برنامج الدراسات الفلسطينية في معهد جامعة تل أبيب لدراسات الأمن القومي، رئيس الوفد الإسرائيلي في مفاوضات أنابوليس (2007- 2008) بأن تستثمر الحكومة الإسرائيلية قوة التأييد الأمريكي والأوروبي الحالي في إسقاط حكم حماس، وإرساء الشروط الكفيلة بمنع عودتها للحكم مرة أخرى، وتشجيع فكرة تشكيل تحالف دولي للحرب على حماس، وهو ما قد يتضمن وجودا عسكريا دائما لقوات أمريكية وأوروبية، لضمان الرد على أي عدوان من جانب إيران. وهذا يعني من وجهة نظر ديكل أن تستفيد إسرائيل من الالتفاف الغربي حولها، وبالتعاون مع شركائها الإقليميين في إقامة منظومة جديدة لضمان الأمن والحد من التهديدات المحتملة في المستقبل بعد إسقاط حكم حماس.
القدس العربي
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة حماس حماس غزة طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة الشعب الفلسطینی الأمریکیة فی فی شرق
إقرأ أيضاً:
تأهيل إسرائيل لعضوية الشرق الأوسط
بقدر ما أظهر استمرار حرب الإبادة تصاعُد الخلاف بين إسرائيل وبين الغرب الأوروبي، بقدر ما أظهرت تداعيات وقف الحرب خلافاً متنامياً مع آخر حليف لتل أبيب أي واشنطن، وكما قدرنا سابقاً ومنذ أكثر من شهرين مرا على البدء بتنفيذ خطة ترامب بشأن غزة، فإن حكومة بنيامين نتنياهو، لم تلتزم تماماً بتلك الخطة، التي وافقت عليها على مضض، ليس من سبب إلا لأن وقف الحرب جرى دون ان تحقق هدفها بعيد المدى، وهو تهجير سكان قطاع غزة، وضم أرضه تالياً لدولة إسرائيل الكبرى، وتجلى عدم التزام إسرائيل بوقف النار من خلال قتل نحو أربعمائة مواطن، ومواصلة تدمير ما تبقى من منازل، كذلك عبر تعميق ما يسمى بالمنطقة الصفراء التي تحتلها دون ان يكون فيها سكان سبق لها وان أجبرتهم على النزوح، والأهم ان مواصلة إطلاق النار، تبقي على احتمال مواصلة الحرب قائماً في مخيلة أركان الحكومة الإسرائيلية، بما يعني بأنها منذ البادية راهنت على وقف تنفيذ الخطة عند حدود الخط الفاصل بين مرحلتيها الأولى والثانية.
والحقيقة هناك كلام كثير يمكن أن يقال، لنؤكد على أن إسرائيل اليمينية المتطرفة حالياً، تعتقد بأنها وصلت إلى اللحظة التي أعدت لها أولاً أوضاعها الداخلية، وثانياً العلاقة مع الجانب الفلسطيني، وثالثاً الشرق الأوسط برمّته ليكونوا قد باتوا جاهزين لقيام دولة إسرائيل العظمى، عبر مصطلح خادع قال به بنيامين نتنياهو علناً وصراحة قبل أكثر من عام، وهو تغيير الشرق الأوسط، والأهم هو أن نتنياهو وطاقم الحكم المتطرف يعتقد بأنه إن لم يحقق ما يصبو اليه الآن، فلن ينجح في ذلك لاحقاً، أي ان هذه الحرب ليست كما كانت سابقاتها، حيث دأبت إسرائيل على شن الحروب سابقاً بمعدل مرة كل بضع سنوات، تحتل خلالها أراضي عربية إضافية، او تحقق أهدافاً أمنية_سياسية، وحين تواجه عقدة مستعصية توافق على وقف لإطلاق النار، لتقوم بالتحضير لتحقيق ما عجزت عنه فيما بعد، هذه المرة يعتقد المتطرفون الإسرائيليون أصحاب مشروع إسرائيل العظمى والكبرى، بأن العالم يتغير بسرعة في غير صالحهم، لذلك فهذه هي فرصتهم الأخيرة، لذلك يمكن القول بأنهم غامروا لدرجة ان يخسروا تأييد الغرب الأوروبي، ويغامرون اليوم بالمراهنة حتى آخر رمق من تأييد ودعم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ذلك أن أميركا بعد ترامب ستكون ذات موقف مختلف.
لن نعيد في هذه المقالة، ما سبق لنا وقلناه عن دوافع وتفاصيل تلك الصورة، التي اتضحت خلال حرب العامين على فلسطين وعلى ست دول شرق أوسطية، لكن بالمجمل فإن كون إسرائيل كدولة بعد نحو عشر حروب خاضتها، بل بعد ما يقارب من ثمانين عاماً، على قيامها، أي منذ نشأتها حتى اليوم، والأهم بعد اربع معاهدات سلام وقعتها مع ست دول عربية، وعدد من اتفاقيات الهدنة ووقف إطلاق النار، ما زالت في حالة حرب، ليس فقط مع فلسطين، بل مع الشرق الأوسط برمّته، والأخطر بعد ان كانت تبدو في حالة حرب مع الدول العربية، بغض النظر عن كلها أو بعضها، باتت حالياً في حالة حرب مع الدول العربية والدول الإسلامية، وباختصار، باتت الشوفينية الإسرائيلية لا تكتفي بمواصلة مطالبة واشنطن بالحفاظ على تفوقها العسكري على مجمل دول المنطقة فرادى ومجتمعين وحسب، بل باتت تقول علناً بأنها تسعى لتغيير الشرق الأوسط، ولا تنكر ان طريقها لذلك هو إفراغ الشرق الأوسط من عوامل القوة العسكرية، بما يشمل تغيير الأنظمة، وأنها في سبيل ذلك تواصل شن الحرب، وأنها لا تثق بأحد، ولهذا فهي اليوم باتت في حالة حرب مع فلسطين ولبنان وسورية واليمن وإيران، فيما علاقتها متوترة مع الآخرين: مصر، الأردن، تركيا، قطر، السعودية، أي الجميع.
والحقيقة أن كون إسرائيل ما زالت في حالة حرب، منذ نشأتها، وهذا أمر لم يحدث في تاريخ العالم، سوى مع الدول الاستعمارية، نقصد المغول والبيزنطيين الذين أقاموا في مناطق شاسعة من العالم قروناً، كذلك الاستعمار في القرن العشرين، مثال الجزائر وفيتنام، يعني أو يؤكد بأن إسرائيل ورغم انه لاح وكأن اتفاقيات او معاهدات السلام التي عقدتها مع مصر أولاً ثم فلسطين والأردن، ولاحقاً مع الإمارات، البحرين والمغرب، قد وضعت حداً، او أنها قد فتحت الباب لإغلاق باب الحروب بينها وبين محيطها الشرق أوسطي، العربي والإسلامي، لكن ذلك لم يحدث، ولا حتى في عالم الرياضة، حيث هي حقل لجمع الدول، بما بينها من خلافات، حيث كان فريق الاتحاد السوفياتي في ظل الحرب الباردة يشارك في مباريات كرة القدم مع منتخبات الغرب الأوروبي في كؤوس العالم، بينما إسرائيل تشارك ضمن المنافسات الأوروبية، رغم أنها دولة آسيوية جغرافياً، وكثيراً ما انسحب المشاركون في مسابقات رياضية دولية، من دول عربية إفريقية ودول إسلامية تجنباً لمنافسة الرياضيين الإسرائيليين.
أي أن معاهدات واتفاقيات السلام والتطبيع، خاصة المصرية والأردنية منها، بقيت حبراً على الورق الرسمي، بينما كان توقيعها مناسبات لرفع وتيرة مواجهة التطبيع على الصعيد الشعبي. باختصار نريد القول، بأن إسرائيل لا قبل ولا خلال ولا بعد توقيع أربع اتفاقيات ومعاهدات سلام، صارت دولة طبيعية في الشرق الأوسط، وهي ما زالت دولة لم تحظ بشرف عضوية ذلك النادي الدولي، وربما كانت هذه الحقيقة التي لا شك بأنها تنغص حياة الإسرائيليين، أحد الدوافع التي تجعل منها شعاراً لمن يطمح في الحكم، وقد كان شعار السلام منذ ما بعد إعلان قيامها عام 48 طريقاً للأحزاب التي تنافست على الحكم خلال عقود الخمسينيات والستينيات والسبعينيات حتى توقيع معاهدة كامب ديفيد مع مصر، أما شعار الشرق الأوسط الجديد، فقد تلا انتهاء الحرب الباردة، ورافق مفاوضات مدريد التي أجبر عليها اليمين الليكودي الحاكم عام 1991، وإعلان اتفاق أوسلو من قبل آخر حكومات اليسار، وبالتحديد من عراب أوسلو الإسرائيلي شمعون بيريس، الذي حرص على ان تشمل مفاوضات الحل النهائي مع (م ت ف) مفاوصات متعددة الأطراف، إقليمية بالطبع، لتقديم ما يغري الجانب الإسرائيلي بقيام شرق أوسط جديد، كنادٍ اقتصادي تكون لها فيه عضوية فاعلة، بالتوازي مع المفاوضات الثنائية مع الجانب الفلسطيني التي ستفضي الى الانسحاب الجغرافي.
أي أن الشرق الأوسط الجديد بمفهوم بيريس الذي بشّر به قبل أكثر من ثلاثة عقود، آخذاً بعين الاعتبار المتغير الكوني بعد انتهاء الحرب الباردة، ونشوء العلاقات بين الدول على أساس الشراكة الاقتصادية، اعتمد على أن نفوذ الدول بات مرهوناً باقتصادها وليس بتوسعها الجغرافي أو قوتها العسكرية، بينما شرق أوسط بنيامين نتنياهو، هو نقيض ذلك تماماً، حتى أن السلام عند بيريس كان يستند لمبدأ الأرض مقابل السلام، بينما عند نتنياهو يعني فرض الأمن بالقوة العسكرية، وقد كان يمكن أن يتحقق شرق أوسط جديد على أساس شراكة دوله وشعوبه في الأمن والسلام والرخاء الاقتصادي، ضمن نظام عالمي قائم على هذا المفهوم أساساً، ومثل هذا الشرق الأوسط ليس بعيداً، مع ملاحظة العلاقات البينية بين دوله، العربية والإسلامية، اي دول الخليج ومصر وكل من تركيا وايران، لكن ما حال دون ذلك هو إسرائيل بحكوماتها اليمينية التي تقول بتغيير الشرق الأوسط كله ليتوافق مع طبيعتها الاستعمارية، بينما المنطقي هو ان تتغير هي لتتوافق مع شرق أوسط طبيعي متوافق مع النظام العالمي.
هذه الوجهة هي التي ستفرض على إسرائيل التغيير الداخلي، وأهم سماته لفظ اليمين المتطرف، وإعادة التأكيد على دولة المؤسسات الديموقراطية، وذلك بالشروع فوراً في تحقيق جملة من الشروط هي: الانسحاب من ارض دولة فلسطين ومن الأراضي العربية المحتلة، وتصفية كل المناطق الأمنية، وإن كان لا بد من مناطق أمنية فعلى الجانبين، ثم تطبيق حق العودة والتعويض، مع تقديم ضمانات أمنية لدول الجوار، لأن إسرائيل هي الأقوى عسكرياً وهي التي تعتدي وتحتل، كذلك نزع الصفة الدينية عنها وبث رسالة سلام وتعايش للجوار.
وأهم أمر على إسرائيل أن تُقْدم عليه او إعلان الحدود الجغرافية النهائية للدولة، وكذلك دستورها الذي يثبت بأنها دولة طبيعية مدنية تعيش مع جيرانها وفق منطق حسن الجوار، كل ذلك يتطلب أولاً إحالة نتنياهو، عراب إسرائيل الكبرى الى المعاش السياسي، ثم إسقاط اليمين المتطرف، حتى يمكن التوصل لحل الدولتين.
الأيام الفلسطينية