النادي الثقافي يستعرض الدور الأدبي والعلمي لأسرة القاضي راشد بن سعيد الحارثي
تاريخ النشر: 8th, November 2023 GMT
نظم النادي الثقافي ندوة الأسر العمانية العلمية، سلط الضوء فيها على أسرة القاضي راشد بن سعيد الحارثي ودورهم الأدبي والعلمي، بمشاركة عدد من الباحثين في التاريخ والأدب، وأدار الندوة سعادة المكرم الدكتور محمد بن سعيد الحجري.
في الجلسة الأولى تلا سند المحرزي ورقة للباحث يعقوب البرواني أشار فيها إلى أن أسرة الشيخ راشد بن سعيد بن رجب الحارثي تعتبر من الأسر التي جمعت بين العلم والرئاسة في عُمان، وظهر منها عبر التاريخ الكثير من الفقهاء والزعماء في المنطقة الشرقية في عُمان.
وعن نسب الأسرة يشير البرواني إلى أنها تنتمي إلى قبيلة الحرث العمانية التي تتكون من عمائر، منها واحد وعشرون عمارة في الحاضرة وثلاث عمائر في البادية وبعض العمائر مندثرة. وكان للقاضي الفقيه راشد بن سعيد دور في الصدر الأول من عصر الدولة اليعربية كقاض ومصلح، كما كان الوالي على إبراء والشرقية، ومن أحكامه الفقهية قيامه بالصلح في الفتنة بين أهالي فلج السياح وفلج المسموم، وقام بالسعي في تجديد المسجد الجامع في سفالة إبراء عام 1077 من الهجرة، ولم يعثر على تاريخ وفاته، إلا أنه كان حيا إلى سنة 1090 للهجرة. وأنجب راشد بن سعيد ابنه عيسى بن راشد، موضحا أنه ربما كان له غيره من الأولاد فقد ورد في جامعه أنه سأله بعض أولاده عن بعض المسائل، ولم يبق من عقبه سوى عيسى بن راشد وذريته من بعده.
وفي ورقته أوضح الدكتور سالم البوسعيدي أن راشد بن سعيد كان أحد المراجع العلمية في عصره، كان علماء العصر يرجعون إليه بما أشكل عليهم من مسائل، وله مخطوط ضخم من ثلاثة أجزاء يسمى جامع ابن رجب، وكان ينفق من ماله في سبيل العلم والدين، وقيل عنه أنه كان أعلم أهل زمانه في الحلال والحرام، وجمعت أجوبته في كتاب عين المصالح من أجوبة الشيخ صالح، وتكوينه للمدرسة العلمية التي استقطبت الطلبة من كل عمان وعلى رأسهم نور الدين السالمي وأبومالك عامر بن خميس المالكي وابنه الأمير عيسى بن صالح. وتتجلى صلاته العلمية مع علماء عصره حتى لقب بذي الجناحين للرئاسة في العلم والسيف والمكانة والجاه، وكان أحد أركان دولة الإمام سالم بن راشد الخروصي وقام فيها مقام أبيه في نصرة الإمام عزان بن سيف، مثل الإمام في لقائه مع البريطانيين، ولما توفي الإمام سالم بن راشد عقد ومن معه البيعة للعلامة محمد بن عبدالله الخليلي إماما.
وتناول محمد العيسري بعض الأمثلة من الآثار العلمية استعرض مخطوط جامع ابن رجب وهو أقدم أثر علمي لهذه الأسرة، وتحتفظ به خزانة الشيخ سالم بن حمد الحارثي وهو منسوخ للحفيد عامر بن عيسى سنة 1195 للهجرة، وهي متأخرة عن زمان المؤلف بنحو قرن من الزمن. والأثر الثاني هو منسوخ لابن الشيخ نسخه في مطلع القرن الثاني عشر الهجري في عام 1115 هجريا، وتحتفظ بالمخطوط خزانة الشيخ أحمد بن محمد بن عيسى الحارثي، والأثر الثالث كتاب «المهذب في الفرائض» لابن عريق المعولي منسوخ للشيخ عامر بن عيسى، سنة 1179 هجريا، في عهد الإمام أحمد بن سعيد، وتحتفظ بهذا المخطوط مكتبة نور الدين السالمي، والشيخ عامر كان كاتبا بالعدل، وهناك جملة من العقود كتبها بين الناس في إبراء وفي غيرها من البلدان. وخزائن الكتب للعلماء المعاصرين منها خزانة الشيخ سالم بن حمد الحارثي التي تحوي أقدم نسخة عمانية مؤرخة لمتن كتاب «الدعائم» لابن النضر منسوخة سنة 1024 هجريا، ونسختين نسختا في نزوى لمجموع السير العمانية، إحداها نسخت سنة 1121 هجريا بخط سعيد بن عبدالله البوسعيدي.
وقدمت الدكتورة بهية العذوبية أبرز الشخصيات التي تناولتها الوثائق العمانية والبريطانية في المراسلات، أبرز المراسلات هي من السيد إبراهيم بن قيس بن عزان البوسعيدي إلى الشيخ صالح بن علي الحارثي وفيها يحثه على الاستيلاء على نزوى عاصمة الإمامة وصفه فيها بـ «الأسعد الكريم مغيث الإسلام ناشر العدل في عمان الأمجد الطالع الذي يغار على بيضة الإسلام مقتديا بالأئمة الكرام والعلماء مصابيح الظلام»، وهناك مذكرة من الوكيل السياسي البريطاني والقنصل في مسقط العقيد هايس هادلر إلى المقيم السياسي البريطاني في الخليج العربي تحدث في 95 صفحة حول ثورة الشيخ عبدالله بن صالح بن علي الحارثي في عهد السيد فيصل بن تركي في عام 1895 ميلاديا.
وفي رسالة مرسلة من الوكيل السياسي والقنصل البريطاني في مسقط إلى المعتمد السياسي في الخليج الفارسي تتضمن سيرة ذاتية للشيخ صالح بن علي الحارثي، والشيخ عيسى بن صالح الحارثي. كما تلقى رسالتين تضمنتا تهديدات من الحكومة البريطانية للشيخ عيسى بن صالح قبل وبعد انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الأولى، وقبل التوقيع على اتفاقية السيب.
وذكر الدكتور أحمد الخروصي الجانب الفقهي في سيرة الأسرة، بالكتاب الذي تضمن فتاوى الشيخ صالح بن علي هو «عين المصالح في أجوبة الشيخ صالح» الذي جمعه الشيخ أبو الوليد سعود بن خليفين، والكتاب الآخر هو «خلاصة الوسائل» وجمعه الشيخ حمد بن عبدالله بن حميد السالمي، أشار أنه عندما صنف الإمام السالمي التلميذ الأكبر للشيخ صالح بن علي رسالته المشهورة في بيان سيرة شيخه «الحق الجلي في سيرة الشيخ صالح بن علي». كان يقول بأن الشيخ الحارثي كانت له هيبة صدع بها قلوب المارقين ويقظة وحزم وقوة جأش وصلابة تتقاصر أمامها قوافل أعدائه العادين.
وفي الجلسة الثانية استعرض إبراهيم عساكر تحقيقا عن الشيخ راشد بن سعيد وجامعه الفقهي، المعروف بـ «جامع ابن رجب»، تتوفر نسخة وحيدة من الكتاب في مكتبة الشيخ سالم بن حمد الحارثي في المضيرب، ويتكون من سفر واحد، ويعد أهم أثر تركه الشيخ، ثم وجدت قطعة ثانية مخطوطة في مكتبة السيد محمد بن أحمد عنوانها مجموع مسائل عدة علماء، في القطعة الأولى من المخطوط الأول كتب تحت العنوان راشد بن سعيد بن رجب الحارثي، القطعة الأولى يقع المخطوط في مائتين وواحد ورقة ورقمت صفحاته من (1-341)، أما القطعة الثانية من المخطوط فتقع في 130 صفحة، كل صفحة تتكون من 25 سطرا قد تزيد أو تنقص، الخط في أغلب النسخة واضح، ولكن توجد الكثير من الصفحات خطها صعب جدا تصعب قراءاته.
وتناول الدكتور أحمد التمتمي آثار ثلاثة أعلام هم سعيد وصالح وسالم أبناء الشيخ حمد بن سليمان الحارثي، وأبرز كتب الشيخ سعيد «نتائج الأقوال» الذي يمتاز بشمولية المواضيع، وسهولة الفهم، تذييل للأدلة، وعرف الشيخ صالح بعبادته ولا يترك الاعتكاف في العشر الأواخر من كل رمضان، وقالت عنه زوجته لم يترك قيام الليل منذ تزوجته، أما الشيخ سالم شغل منصب القضاء واشتغل به من بيته، وعرف بحبه لطلب العلم.
من جانبه قدم الأستاذ الدكتور عبدالمجيد بنجلالي ورقة تناولت أدب الشيخ صالح بن عيسى وشعره، مبينا أن أسرة الحارث تضم أسماء لها باع في مجالات شتى ومنها فن الشعر، وأغلب شعرائهم مكثرون، قسم دواوينه مطبوعة ومنشورة، وقسم أشعارهم متفرقة في الكتب، وقسم لا تزال أشعارهم مخطوطة. وعن شعر الشيخ صالح بن عيسى فيوضح بأنه مقل، إلا أن الدلالات في شعره مكثفة، مشيرا إلى أن حب الوطن ومعاناة الفراق هي ما يميز شعره بطابع المحبة المتبادلة بينه وبين الوطن.
كما ذكر بنجلالي في ورقته أسماء العديد من الأدباء والشعراء من هذه الأسرة كالشيخ محمد بن عيسى بن صالح الحارثي له ديوان مطبوع بتحقيق القاضي حسن الريامي ديوان أبي الفضل، الأمير صالح بن عيسى بن صالح له مطارحات أدبية في ديوان أبي الفضل وأشعار غير مطبوعة، وعائشة بنت عيسى بن صالح الحارثية لها نصوص شعرية متفرقة، والشيخ أحمد بن حمدون بن حميد الحارثي مفتي زنجبار والجزيرة له سيرة وديوان شعري جمعه أحمد بن عامر العيسري وحققه الدكتور محمد بن سالم الحارثي وآخرون، ومعالي الشيخ عبدالله بن سليمان الحارثي رئيس الجمعية العربية بزنجبار له مطارحات شعرية في ديوان أبي الفضل وأشعار متفرقة، والشيخ أحمد بن عبدالله بن أحمد الحارثي شاعر الشرق له ديوان شعري مطبوع بتحقيق حفيدته الدكتورة جوخة الحارثية، والشيخ المؤرخ سعيد بن حمد بن سليمان الحارثي له أشعار متفرقة طبع بعضها في كتاب «عبر وذكريات من أدب الرحلات»، والشيخ القاضي سالم بن حمد بن سليمان الحارثي له ديوان شعري مطبوع جمعه وحققه ابنه الدكتور عبدالله الحارثي، والشيخ أحمد بن عبدالله بن حمد بن حميد الحارثي له أشعار متفرقة غير مطبوعة، ومحمد بن أحمد بن عبدالله الحارثي ابن شاعر الشرق صاحب «عين وجناح»، الدكتور محمد بن سالم الحارثي له ديوان شعري غير مطبوع، رقية بنت علي بن ناصر الحارثية لها ديوان شعري مطبوع، وقائمة من الشعراء المقلين منهم: الشيخ القاضي راشد بن سعيد بن رجب الحارثي، والشيخ عبدالله بن أحمد الحارثي، والشيخ ناصر بن عيسى بن ناصر الحارثي.
واختتمت الجلسة بورقة سند المحرزي الذي ألقى الضوء على الأعلام في هذه الأسرة أبرزها في القرن الثالث عشر الشيخ عيسى بن صالح، تولى زعامة الحرث بعد وفاة والده، وكان قوي البنية وخاض حروبا كثيرة، وتوفي في عام 1251 هجريا في بلدة القابل، والشيخ علي بن ناصر، وكان من الرجال الذين اعتمد عليهم السلطان سعيد بن سلطان في عمان وأفريقيا الشرقية، ومياء بنت علي بن ناصر ومن آثارها مصلى مياء في بلدة القابل، والشيخ عبدالله بن سليمان الحارثي، وفارس الشرفاء سليمان بن حميد، والقرن الرابع عشر عبدالله بن حميد بن عبدالله، والشيخ عبدالله بن سليمان بن حميد، والشيخ حمد بن سليمان بن حميد، وأحمد بن محمد بن عيسى الحارثي، والشيخ ناصر بن عيسى الحارثي، والشيخ سليمان بن حمد الحارثي، كما ذكر سند المحرزي جزءا من سيرهم الذاتية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الشیخ عبدالله بن حمد بن عبدالله الشیخ صالح بن الشیخ أحمد بن راشد بن سعید صالح بن علی الشیخ سالم سلیمان بن بن حمید بن أحمد بن ناصر بن عیسى سعید بن محمد بن بن راشد بن رجب
إقرأ أيضاً:
كشف الستار عن حالة ظَفَارِ للشيخ عيسى الطائي قاضي قضاة مسقط (52)
تحقيق: ناصر أبوعون
يقول الشَّيخُ القاضِي الأجَلّ عِيَسى بِنْ صَالِحٍ بِنْ عَامِرٍ الطَّائِيُّ: [(ذِكْرُ أَرْضِ ظَفَارِ وَآبَارِهَا (ب)).. وَآبَارُهُم وَسَوَاقِيْهُمْ لَيْسَتْ عَلَى شَيءٍ مِنَ الْحُسْنِ؛ فَلَا صَارُوجَ بِالسَّوَاقِي، وَلَا إِصْلاحَ فِي الْبِيْرِ، وَلَا فِي الْمَصَبِّ؛ فَلَا اِنْتِظَامٌ فِي شَيءٍ مِنْ آلَاتِهِمْ. وَذَلِكَ دَلِيْلٌ عَلَى عَدَمِ اِعْتِنَاءِ أَهَالِي ظَفَارِ بِشَأْنِ الْحِرَاثَةِ، مَعَ إِنَّهَا مَصْدَرُ ثَرْوَةِ لـ(اللِّهَمِّ) الرّاقِيَةِ، تُضَارِعُ الصِّنَاعَاتِ. وَإِنْ كُنَّا نَحْنُ لَسْنَا مِنَ الرُّقِي فِي شَيءٍ؛ وَلَكِنْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى هَؤُلَاءِ نُعَدُّ فِي حَيَاةٍ؛ لِأَنَّ الْبَدَاوَةَ فِيْهِمْ عَرِيْقَةٌ غَزِيْرَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ الْبَدَاوَةُ عُمُومًا فِي الْعَرَبِ طَبِيْعِيَّةً؛ كَمَا أشَارَ إِلَى ذَلِكَ الْمُؤَرِّخُ اِبْنُ خَلْدُونَ فِي مُقَدِّمَتِهِ، وَلَكِنْ فِي قَوْمٍ أَعْرَقُ مِنْ قَوْمٍ (حَنَانَيْكَ بَعُضُ الشَّرِّ أَهْوَنُ مِنْ بَعُضِ). وَغَرْسُهُمْ لِلسُّكَّرِ نَادِرًا، وَأَمَّا الْقُطْنُ فَمَوْجُودٌ عِنْدَهُم، إِلَّا أَنَّهُمْ لَا يُحْسِنُونَ غَرْسَه. وَقُصَارُ الْقَوْلِ أَنَّ ظَفَارِ قَابِلَةٌ أَرْضُهَا لِلْغَرْسِ؛ إِلَّا أَنَّهَا فِي اِنْقِطَاعٍ عَنِ الْمُوَاصَلَاتِ الْبَرِيْديَّةِ يَمْكُثُ الْقَائِمُ بهَا أشْهُرًا لَا يُوَافِيْهِ خَبَرٌ مِنْ أَخْبَارِ الْعَالَمِ)].
الطائي يصف آبار وسواقي ظَفار
يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ: [(وَآبَارُهُم وَسَوَاقِيْهُمْ لَيْسَتْ عَلَى شَيءٍ مِنَ الْحُسْنِ؛ فَلَا صَارُوجَ بِالسَّوَاقِي، وَلَا إِصْلاحَ فِي الْبِيْرِ، وَلَا فِي الْمَصَبِّ؛ فَلَا اِنْتِظَامٌ فِي شَيءٍ مِنْ آلَاتِهِمْ)].
[آبَارُهُم] تقدّم ذكرها، وهي جمعٌ والمفرد (بئر)، [سَوَاقِيْهُمْ] جمعٌ مفرده (ساقية)، وهي على معنيين، والسياق يُشير إلى المعنى الأول، وهو القناة الصغيرة، التي يجري فيها الماء لري الزرع وشُرب الماشية، وهي فوق الجدول ودون النهر. ونقرأ شاهدها اللغويّ في قول سلامة بن جندل التميميّ، يصف أمطارًا غزيرة ملأت التلاع والقنوات: "فَتَرَى مَذَانِبَ كُلِّ مَدْفَعِ تَلْعَةٍ/ عَجَلَتْ (سَوَاقِيْهَا) مِنَ الإِتْآقِ(01)"، وأمّا المعنى الثاني لكلمة (الساقية): دولاب دائريّ كبير يُتخذ من الخشب ونحوه، تحركه الدواب، وتعلو محيطه دِلاءٌ لرفع الماء من نهر أو قناة؛ يُتخذ لسقي الحقول والبساتين. ونقرأ شاهده اللغويّ في قول أبي حيّان التوحيديّ" ضَحِكٌ مِثْلُ صَرِيْرِ السَّاقِيَةِ(02)".[الْحُسْن] الجمال والجودة والإتقان، وهو مصدر. ونقرأ شاهده اللغويّ في قول أُمامة بنت الحارث الشيبانية" وَالْكُحْلُ أَحْسَنُ (الْحُسْنِ)، وَالْمَاءُ أَطْيَبُ الطِّيْبِ الْمَفْقُوْدِ(03)".[صَارُوج]، وفي لغة أخرى:(الساروج)، وهو الحجر الجيريّ وأخلاطه مما يُطلى وتسوَّى وتُملَّس به الجُدُر ونحوها. وهو لفظ فارسيٌّ مُعرّب. مادة بناء مكوَّنة من الكلس والماء والرماد تُستعمل لطلاء جدران الحياض والحمامات. ونقرأ شاهدها اللغوي في قول الخليل بن أحمد الفراهيدي: "النُّوْرَةُ وأَخْلَاطُهَا، تُصَهْرَجُ بِهَا الْحِيَاضُ وَالْحَمَّامَاتُ(04)".[إِصْلاح] مصدر. وإصلاح الشيء: إزالة فساده. ونقرأ شاهده اللغوي في قول مُهلْهِل بن ربيعة التغلبيّ، يصف حاله بعد مقتل أخيه كُليب:"وَلَقَدْ كُنْتُ إِذْ أُرَجِّلُ رَأْسِي/ مَا أُبَالِي الْإِفْسَادَ وَ(الإِصْلَاحَا) (05)"[الْمَصَبّ] اسم مكان، والجمع (مَصَابّ - مَصَبَّات)، و الْمَصَبّ موضع انصباب ماء الساقية أو النهر. ونقرأ شاهده اللغوي في قول كُثَيِّر عزَّة، يصف تناقل القبائل شعره: "وَتَصْدُرُ شَتَّى مِنْ (مَصَبٍّ) وَمُصْعَدٍ/ إِذَا مَا خَلَتْ مِمَنْ يَحِلُّ الْمَنَازِلُ(06)". وتسمّى عملية إصلاح الآبار والسواقي في عُمان وبلدان الخليج بـ"الغيلة والتجصيص) هي عملية تبطين أرضية الساقية وجوانبها بالأسمنت وكان يستخدم سابقاً الجص ومنها التسمية التجصيص. وتسمى حينها قاعدة الساقية وجوانبها باسم الجصة. وتسمى عملية التبطين هذه باسم التغييل. وفي عُمان يسمى الحوض المبطن الذي تصب فيه الزاجرة باسم المغيل. والغيل اصطلاحاً كما هو مستخدم في جنوب الجزيرة العربية كاليمن هو "مجرى العيون والينابيع الجوفية الجارية على السطح" (انظر: المشوح 2009، ص 52). والغيل واردة في اللغة بالمعنى نفسه. جاء في (تاج العروس) "مادة غَيَلَ"، (والغَيْلُ أيضاً: الماءُ الجاري على وَجْهِ الأرضِ، وما جرى من المياهِ في الأنهارِ والسَّواقي).وعملية التغييل هي عملية مزج الجص أو خليط الرمل والأسمنت بالماء وتتم عن طريق تحضير الغيلة وهي حوض مائي يصنع من خليط من الرمل والأسمنت ثم يصب الماء في وسطه، والغرض من ذلك أن يتشرب خليط الرمل والأسمنت بالماء ومن بعد ذلك يتم مزجها بالماء. ويبدو أن أصل اللفظ غيلة بمعنى حوض ماء أو قناة مائية ثم حدث تعميم للفظة"(07).[فَلَا اِنْتِظَام] لا تميّز في ترتيبها، ولا قانون ولا منطق في عملها. ونقرأ شاهدها اللغويّ في قول أبي إسحاق الإصطخريّ، يُعلل إهمال ذِكْر بعض البلدان في كتابه:"لأنّ (انتظامَ) الممالكِ بالدياناتِ والآدابِ والحُكْم، وتقويمَ العِماراتِ بالسياسةِ المستقيمةِ، وهؤلاءِ مُهْمِلُون لهذهِ الخِصَال(08)"[آلَاتهِمْ] جمعٌ مفرده (آلَة)، وهي الْعُدَّةُ وما يُعْتمَلُ به من أدوات. وشاهدها اللغوي في قول تُرجمان كسرى:" وَجَدْتُ لِلْرُوْمِ حَظًّا فِي اِجْتِمَاعِ أُلْفَتِهَا، وَعِظَمِ سُلْطَانِهَا.. وَكَذِلكَ الصِّيْنُ فِي اِجْتِمَاعَ وَكَثْرَةِ صَنَاعَاتِ أَيْدِيْهَا، وَفُرُوسِيَتِهَا، وَهِمَّتِهَا فِي (آلَةِ) الْحَرْبِ، وَصِنَاعَةِ الْحَدِيْدِ(09)"
الحراثة تضارع الصناعات
يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ: [(وَذَلِكَ دَلِيْلٌ عَلَى عَدَمِ اِعْتِنَاءِ أَهَالِي ظَفَارِ بِشَأْنِ الْحِرَاثَةِ، مَعَ إِنَّهَا مَصْدَرُ ثَرْوَةِ لـ(اللِّهَمِّ) الرّاقِيَةِ، تُضَارِعُ الصِّنَاعَاتِ. وَإِنْ كُنَّا نَحْنُ لَسْنَا مِنَ الرُّقِي فِي شَيءٍ؛ وَلَكِنْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى هَؤُلَاءِ نُعَدُّ فِي حَيَاةٍ؛)]
[عَدَمِ اِعْتِنَاء] مصدر، ومادته (عَنَوَ/عَنَيَ)، والمعنى عدم اهتمام وعدم حرص. ونجد شاهده في قول عبد الحميد الكاتب. قال ينصح الرعية من كتاب الخليفة إلى يوسف بن عمر:"لِيَحْمَدُوا رَبَّهُمْ عَلَى مَا رَزَقَ اللهُ عِبَادَهُ مِنْ سَلَامَةِ أَمِيْرِ الْمُؤْمِنِيْنَ فِي بَدَنِهِ، وَرَأْفَتِهِ بِهِمْ، وَ(اِعْتِنَائِهِ) بِأُمُوْرِهِمْ(10)".[الْحِرَاثَة] مصدر، ومادته (حَرَثَ)، و(حراثة الأرض): شقُّها للزراعة، أو الغِرَاسة، ونحوهما. وشاهدها اللغويّ نقرأه في الحديث النبويّ الشريف: "بيْنَما رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً له، قدْ حَمَلَ عليها، التَفَتَتْ إلَيْهِ البَقَرَةُ فقالَتْ: إنِّي لَمْ أُخْلَقْ لِهذا، ولَكِنِّي إنَّما خُلِقْتُ (لِلْحَرْثِ) فقالَ النَّاسُ: سُبْحانَ اللهِ تَعَجُّبًا وفَزَعًا، أبَقَرَةٌ تَكَلَّمُ؟ فقالَ رَسولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) فإنِّي أُومِنُ به وأَبُو بَكْرٍ، وعُمَرُ"(11).[مَصْدَرُ ثَرْوَة] موردها ومرجعها وسببها. وهي مصدر ميميٌّ، ونقرأ شاهدها اللغويّ في رؤبة بن العجّاج، يصف حركة الدلو في استخراج الماء من البئر: "حَطَّتْ حِطَاطَ الْبَرْبَرِيّ الْأَغْبَرِ/ يَجْذِبُهَا فِي الْخشبِ الْمُشَجَّرِ- جَذْبًا كَخُذْرُوفِ الْغُلَامِ الْمِحْضَرِ/ عَاجِلَةَ الْوِرْدِ، دَرُوجَ (الْمَصْدَرِ)(12)".[اللِّهَمِّ] يقصد وجهاؤهم وأصحاب اليسار من أهل ظفار، وهذه اللفظة تُطلق على الكثيرُ الخيرِ، الكثيرُ العطاء، ويُقال: رجلٌ (لِهَمٌّ): أَصيلُ الرّأي عظيمُ الكفاية. [الرّاقِيَةِ] من (الرُّقيّ)، أي: الصعود والارتفاع والزيادة والنمو. ونقرأ شاهدها في قول الله (جل جلاله):{ أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِي السَّمَاءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ ۗ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَّسُولًا} [سورة الإسراء، الآية:93] [تُضَارِعُ]أي: تشابه. ونقرأ شاهدها في الحديث النبويّ، الذي ينهى فيه عدي بن حاتم، عن ترك طعام؛ خشية مشابهة النصرانيّة: [سَمِعْتُ النَّبيَّ (صلى الله عليه وسلم) يقولُ - وسألَهُ رجلٌ فقالَ إنَّ منَ الطَّعامِ طعامًا أتحرَّجُ منهُ ؟ - فقالَ لا يختلِجنَّ في نفسِكَ شيءٌ ضارَعتَ فيهِ النَّصرانيَّةَ](13) [الصِّنَاعَاتِ] جمع (صِناعة) بمعنى الحرف والمهن. ونقرأ شاهدها في قول تُرجمان كسرى، يصف الأمم على لسان كسرى" وَرَأَيْتُ الْهِنْدَ نَحْوًا مِنْ ذَلكَ فِي حِكْمَتِها وَطِبِّهَا، مَعَ كَثْرَةِ أَنْهَارِ بِلَادِهَا وَثِمَارِهَا، وَعَجِيْبِ (صِنَاعَاتِها)(14)" [هَؤُلَاءِ] كَلِمَةٌ مُرَكَّبَةٌ مِنْ هَاءِ التَّنْبِيهِ، وَأُوْلاَءِ اسْمُ إِشَارَةٍ لِلْجَمْعِ، مِنْ أَسْماءِ الإِشارَةِ، يُشارُ بِها إلى الاسْمِ؛ استعملها الشيخ عيسى الطائيّ للإشارة لأهل وسكّان ظَفار. [نُعَدُّ] بمعنى: أظن أننا معدودون ومحسبون من المتحضرين والمتطورين(فِي حَيَاةٍ) استعملها الشيخ عيسى الطائي مجازا ودلالة على التمدّن والتطور.
بَعُضُ الشَّرِّ أَهْوَنُ مِنْ بَعُضِ
يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ: [(لِأَنَّ الْبَدَاوَةَ فِيْهِمْ عَرِيْقَةٌ غَزِيْرَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ الْبَدَاوَةُ عُمُومًا فِي الْعَرَبِ طَبِيْعِيَّةً؛ كَمَا أشَارَ إِلَى ذَلِكَ الْمُؤَرِّخُ اِبْنُ خَلْدُونَ فِي مُقَدِّمَتِهِ، وَلَكِنْ فِي قَوْمٍ أَعْرَقُ مِنْ قَوْمٍ (حَنَانَيْكَ بَعُضُ الشَّرِّ أَهْوَنُ مِنْ بَعُضِ)].
(الْبَدَاوَة) مصدر بفتح الباء، وفي لغة أخرى بكسر البداء(الْبِداوة)، والمعنى (نقيض الحضارة. الجذر: بدو. الوزن: فَعَالَة](15) ، وَ((الْبَدْوُ) (الْبَادِيَةُ) وَالنِّسْبَةُ إِلَيْهِ (بَدَوِيٌّ) وَفِي الْحَدِيثِ:"مَنْ بَدَا جَفَا" أَيْ مَنْ نَزَلَ الْبَادِيَةَ صَارَ فِيهِ جَفَاءُ الْأَعْرَابِ، وَ(الْبَدَاوَةُ) بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِهَا الْإِقَامَةُ فِي الْبَادِيَةِ وَهُوَ ضِدُّ الْحَضَارَةِ، قَالَ ثَعْلَبٌ: لَا أَعْرِفُ الْفَتْحَ إِلَّا عَنْ أَبِي زَيْدٍ وَحْدَهُ وَالنِّسْبَةُ إِلَيْهَا (بَدَاوِيٌّ) وَ(بَادَاهُ) بِالْعَدَاوَةِ جَاهَرَهُ بِهَا وَ(تَبَدَّى) الرَّجُلُ أَقَامَ بِالْبَادِيَةِ وَ(تَبَادَى) تَشَبَّهَ بِأَهْلِ الْبَادِيَةِ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ يَقُولُونَ (بَدِينَا) بِمَعْنَى بَدَأْنَا)(16)[عَرِيْقَة]، أي: قديمة. صفة مشبهة والجمع (عرائق). ونقرأ شاهدها في قول أبو جلدة بن عُبيد الله اليشكريّ:"فَلَّمَا تَمَادَى قُلْتُ: خُذْهَا (عَرِيْقَةً)/ فَإِنَّكَ مِنْ قَوْمٍ جَحَاجِحَةٍ زُهْرُ(17)"[غَزِيْرَة] صفة مشبهة، مادة (غَزَرَ) بمعنى: كَثُرَ أثرُها وترعرع فيها. ونقرأ شاهدها في الحديث النبويّ:"أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: أَهْدَى الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ الْكِلَابِيُّ لِرَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) لِقْحَةً تُدْعَى: بُرْدَةٌ لَمْ أَرَ مِنَ الْإِبِلِ شَيْئًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهَا وَتَحْلِبُ مَا تَحْلِبُ لِقْحَتَانِ (غَزِيرَتَانِ) فَكَانَتْ تَرُوحُ عَلَى أَبْيَاتِنَا يَرْعَاهَا هِنْدٌ وَأَسْمَاءُ يَعْتَقَبَانِهَا بِأُحُدٍ مَرَّةً وَبِالْجُمَّاءِ مَرَّةً ثُمَّ يَأْوِي بِهَا إِلَى مَنْزِلِنَا مَعَهُ مِلْءَ ثَوْبِهِ مِمَّا يَسْقُطُ مِنَ الشَّجَرِ وَمَا يُهَشُّ مِنَ الشَّجَرِ فَتَبِيتُ فِي عَلَفٍ حَتَّى الصَّبَّاحِ فَرُبَّمَا حُلِبَتْ عَلَى أَضْيَافِهِ فَيَشْرَبُونَ حَتَّى يَنْهَلُوا غَبُوقًا وَيُفَرِّقُ عَلَيْنَا بَعْدُ مَا فَضَلَ، وَحِلَابُهَا صَبُوحًا حَسَنٌ"(18)[الْعَرَب] أمَّة من الناس من نسل يَعْرُب بن قحطان. ونقرأ شاهدها في قول مالك بن فهم الأزديّ: " نَكَحْتُ بِهَا فَتَاةَ بَنِي زُهَيْرٍ/ وَخَوْدَةَ بِنْتَ نَصْرِ الْأَسْوَدَانِ – وَأُمَّ جَذِيْمَةٍ وَهَنَاةَ بَكْرٍ/ عَقِيْلَةَ مِنْ ذُرَى (الْعَرَبِ) الْهِجَاِن(19)"[طَبِيْعِيَّة]من (الطَّبع) بمعنى السَّجِيَّة، ونقرأ شاهدها في قول عنترة بن شداد:"لَا يَحْمِلُ الْحِقْدَ مَنْ تَعْلُو بِهِ الرُّتَبُ/ وَلَا يَنَالُ الْعُلَا مَنْ (طَبْعُهُ) الْغَضَبُ(20)"[أشَارَ]: ذَكَر وأبرز. فعلٌ متعدٍ بالحرف. ونقرأ شاهده اللغويّ في قول زهير بن أبي سُلمى المُزَنيّ:"وَإُنْ سُدَّتْ، بِهِ، لَهَوَاتُ ثَغْرٍ/ (يُشَارُ) إِلَيْهِ، جَانِبُهُ سَقِيْمُ(21)"[الْمُؤَرِّخ] على معنيين؛ الأول(مؤرخ الحدث ونحوه)، أي: الذي يُعَيّن تاريخ حدوثه. وهذا المعنى لم يقصده الشيخ عيسى الطائي. ونقرأ شاهده في قول الطبريّ" لمْ يكونُوا يؤرخون على أمرٍ معروف يعمل به عامتهم، وإنما كان المؤرخ منهم يؤرّخُ بزمانِ قَحْمَةٍ كانت في ناحية من نواحي بلادهم ولَزْبَةٍ أصابتهم، أو بالعامل كان يكون عليهم(22)"، وأمّا المعنى الثاني لكلمة (المؤرخ) – وهو المعنى الذي عناه الشيخ عيسى الطائي- وهو الذي يكتب التاريخ، ويدوِّنه. وشاهده اللغويّ نقرأه في قول ابن البطريق:"وزَعَمَ الْمُؤَرِّخُون أَنَّهُ وُجِدَ فِي هَذَا الدَّفِيْنِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ الطَّلْسَمُ قَبْرٌ مِنْ ذَهَبٍ(23)"[اِبْنُ خَلْدُونَ]"عبد الرحمن بن محمد بن محمد، ابن خلدون أبو زيد، ولي الدين الحضرمي الإشبيلي، من ولد وائل بن حجر: الفيلسوف المؤرخ، العالم الاجتماعي البحاثة. أصله من إشبيلية، ومولده ومنشأه بتونس. رحل إلى فاس وغرناطة وتلمسان والاندلس. ومن كتبه: "شرح البردة" وكتاب "الحساب" ورسالة في "المنطق" و"شفاء السائل لتهذيب المسائل" وله شعر".(24)[مُقَدِّمَتِهِ] يقصد بها الطائيّ الفصل الأول من كتابه "العبر وديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والعجم والبربر"" الذي اشتهر به وهو في سبعة مجلدات، أولها (المقدمة) وهي تعد من أصول علم الاجتماع، وتُرجمت هي وأجزاء منه إلى الفرنسية وغيرها). [قَوْمٍ] اسم جمع، ويُجمع على (أقوام – أَقَاوِم)، ومعناه الجماعة من الناس وشيعة الشخص وعشيرت. ونقرأ شاهدها في قول الحارث بن كعب المَذْحِجيّ:" يَا بَنِيّ، إِنِّي قَدْ أَكَلْتُ مَعَ (أَقْوَامٍ) وَشَرِبْت، فَذَهَبُوا وَغَبَرْت، وَكَأَنِّي بِهِمْ قَدْ لَحِقْت(25)" (حَنَانَيْكَ). قال ابن الأنباري: "وحنانيك: رحمك اللّٰه رحمة بعد رحمة"(26)، وجاء في (المنجد):"نِداء بلفظ التَّثْنية يُراد به القول:تحنَّنْ عليَّ مرَّةً بعد أُخْرى وحَنانًا بعد حَنان:(حَنانَيْكَ يا رَبُّ)"(27)، وقالَ سِيْبَويْه:"لا تُسْتَعْمل مُثَنَّى إلاَّ في حَدِّ الإِضافَةِ. قالَ ابنُ سِيدَه: وقد قالوا حَناناً فَصَلُوه مِن الإِضافَةِ في حَدِّ الإِفْرادِ وكلُّ ذلكَ بدلٌ مِنَ اللفْظِ بالفعْلِ، والذي ينْتصبُ عليه غيرُ مُسْتعمَلٍ إِظهارُه كما أَنَّ الذي يُرْتَفعُ عليه كَذلكَ. وقالَ السّهيليُّ عنْدَ قَوْلِهم أَي حَناناً بعْدَ حَنانٍ: كأَنَّهم ذهبُوا إلى التَّضْعِيفِ والتِّكْرارِ لا إلى القَصْرِ على اثْنَيْن خاصَّة دونَ مَزيدٍ"(28)"حَنَانَيْكَ بَعُضُ الشَّرِّ أَهْوَنُ مِنْ بَعُضِ"؛ هذا عجز بيت لطرفة بن العبد البكري الذي يقول فيه:"أَبا مُنْذِرٍ أَفْنَيْتَ فاسْتَبْقِ بَعْضَنا/ حَنانَيكَ بعضُ الشَّرِّ أَهْوَنُ مِنْ بعضِ(29)"
قصب السكر والقطن في ظفار
يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ: [(وَغَرْسُهُمْ لِلسُّكَّرِ نَادِرًا، وَأَمَّا الْقُطْنُ فَمَوْجُودٌ عِنْدَهُم، إِلَّا أَنَّهُمْ لَا يُحْسِنُونَ غَرْسَه)].
[غَرْسُهُمْ] مصدر، ويُجمع على (غُرُوس – غِرَاس - أَغْراس)، وغرس الشجر ونحوه، أي: إنباته في الأرض. ونقرأ شاهده اللغويّ في قول عَدِيّ بن زيد العِباديّ، يُشَبِّه نَبْةً بِالْعَظْمَةِ الْمَزْرُوعَةِ في اللحم:" بَرِّيَّةٌ غُرِسَتْ فِي السَّوَادِ/ (غَرْسَ) الْمَضِيْغَةِ فِي اللَّهْزَمَهْ(30)"[السُّكَّر] يقصد الطائيّ: قصب السُّكّر، وهو ضرب من النبات، ساقه أنابيب وعُقد تُستخرج منه عصارة ذات طعم حلو. ونقرأ شاهده اللغوي في قول بشار بن بُرد:" إِنَّمَا عَظْمُ سَلْمَى حِبَّتِي/ (قَصَبُ السُّكَّرِ) لَا عَظْمُ الْجَمَلْ(31))"[نَادِرًا]، أي: عَزَّ و قَلَّ. ونقرأ شاهده اللغويّ في قول العباس بن الأحنف الحنفيّ:" صَارَتْ رِسَالَتُكُمْ يَا فَوْزُ (نَادِرَةً)/ بَعْدَ التَّتَابُعِ بِالآصَالِ والْبُكَرِ(32)"[الْقُطْنُ]، وفي لغة أخرى (الُقُطُنَّة)، وهو نبات ذو ثمرة بيضاء ناعمة، تُصنع منها الثياب ونحوها. ونقرأ شاهدها اللغويّ في قول الطفيل بن عوف الغَنَوِيّ:" كَأَنَّ سَدَى (قُطْنِ) النَّوَادِفِ/ إِذَا اِسْتَوْدَعَتْهُ كُلُّ قَاعٍ، وَمِذْنَبِ(33)".
اِنْقِطَاعٍ البريد عن ظفار
يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ: [(وَقُصَارُ الْقَوْلِ أَنَّ ظَفَارِ قَابِلَةٌ أَرْضُهَا لِلْغَرْسِ؛ إِلَّا أَنَّهَا فِي اِنْقِطَاعٍ عَنِ الْمُوَاصَلَاتِ الْبَرِيْديَّةِ يَمْكُثُ الْقَائِمُ بهَا أشْهُرًا لَايُوَافِيْهِ خَبَرٌ مِنْ أَخْبَارِ الْعَالَمِ)].
[قُصَارُ الْقَوْلِ] قُصَارُ: مصدر. والمعنى: غايته ومنهاه وخلاصته والحكمة منه. ونقرأ شاهده اللغويّ في قول الفِنْد الزَّمانيّ البكريّ:" كَانَ فِي الْقَوْلِ مُطِيْلًا قَبْلَهَا/ فَلَقَدْ أَقْصَرَ وَالْقَصْرُ (القُصَارُ) (34)"[قَابِلَةٌ أَرْضُهَا] قَابِلَةٌ اسم فاعل، أي: مهيأة بطبيعتها وذاتيًّا للزراعة. ونقرأ شاهدها في قول ابن البطريق:" ولكن الذي فوقَ الهواءِ المحيطِ بالأرضِ، (القابل) للرطوبةِ والوهجِ من بُخَارِ الأرضِ، والماءِ مُتوهجٌ يَاِبٌس، لا رَطْبٌ كالهواءِ المُحيطِ بالأرضِ(35)"[اِنْقِطَاع]، أي: متفرقة عنها ومتباعدة، لا تأتيها الأخبار من الخارج إلا على أوقات متباعدة. ونقرأ شاهدها في قول النُّعمان بن مُقَرِّن المُزَنِيّ، يخطب في جُنده:" قد علِمتمْ مَا أعزَّكم اللهُ بهِ، منْ هَذَا الدِّينِ، وَمَا وَعَدَكُمٍ مِنَ الظُّهُورِ.. وَقَدْ عَلِمْتُم (اِنْقِطَاعَكُم) مِنْ إِخْوانِكُم مِنْ أَهْلِ الكُوفَة(36))"[الْمُوَاصَلَاتِ] اسم مفعول، بمعنى: المتتابعة المتوالية. ونقرأ شاهدها اللغويّ في قول هارون الرشيد:"يَا كِتابي، فَاقْرَأ السلامَ عَلَى مَنْ/ لَا أُسَمِّي، وَقُلْ لَهُ يَا كِتَابِي- إِنَّ كَفًّا إِلَيْكَ قَدْ بَعَثَتْنِي/ فِي شَقَاءٍ (مُوَاصَلٍ) وعَذَابِ(37)"[الْبَرِيْديَّةِ] اسم مفرد منسوب، والجمع منه: (بُرُد – بَرَائِد – بُرْد)، ومعناه: الرسول يحمل الخبر والرسالة. ونقرأ شاهد اللغوي في قول ورقة بن نوفل القرشيّ:" لَمْ تُغْنِ عَنْ هُرْمُزٍ يَوْمًا خَزَائِنُهُ/ وَالْخُلْدُ قَدْ حَاوَلَتْ عَادٌ فَمَا خَلَدُوا- وَلَا سُلَيْمَانَ إِذْ دَانَ الشُّعُوْبُ لَهُ/ الجِنُّ وَالإِنْسُ تَجْرِي بَيْنَهَا (الْبُرُدُ) (38)"[يَمْكُثُ] ينتظر، ويتوقف. ونقرأ شاهدها اللغويّ في قوله الله (جل جلاله):{إِذْ رَأَىٰ نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى} (سورة طه، الآية:10). [الْقَائِمُ بهَا]، أي: المقيم بـ(ظَفار). ونقرأ شاهدها اللغوي في قول الله(جل جلاله):{وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} (سورة الحج، الآية26). [لَا يُوَافِيْهِ] لا يَبْلُغُه ولا يأتيه البريد بالأخبار. ونقرأ شاهدها اللغوي في قول عمرو بن زيد الكلبيّ، يوصي ابنه أن ينحر على قبره ناقةً يركبها يوم الحشر في الآخرة:" مَنْ (لَا يُوَافِيهِ) عَلَى عَيْرَانَةٍ/ وَالْخَلْقُ بَيْنَ مُدَفَّعٍ، أَوْ عَاثِرِ(39)".[خَبَرٌ] اسم مفرد وجمعه:(أخبار- أخابير)، ومعناه: الأمر المُخْبَر به. ونقرأ شاهده اللغويّ في قول كعب بن لُؤيّ بن غالب القرشيّ، يبشِّر بنبيٍّ صادق الحديث اسمه محمد: "عَلَى غَفْلَةٍ يَأْتِي النَّبِيُّ مُحَمَّدٌ/ فَيُخْبِرُ أَخْبَارًا صَدُوْقًا خَبِيْرُهَا(40)"[أَخْبَارِ الْعَالَمِ]، أحداث ومستجدات الشعوب والأقوام في سائر الأقطار أو بعضا منها، و[الْعَالَمِ] معناه: الناس جميعًا. ونقرأ شاهده اللغوي في قول عنترة بن شَدّاد العبسيّ: "مَلَأْنَا سَائِرَ الْأَقْطَارِ خَوْفًا/ فَأَضْحَى (العَالَمُونَ) لَنَا عَبِيْدَا(41)"
...........
المراجع والمصادر:
(01) ديوان سلامة بن جندل، صنعة: محمد بن الحسن الأحول، تحقيق: فخر الدين قباوة، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، 1987م، ص: 136
(02) الرسالة البغدادية، أبو حيان التوحيدي(ت، 414هـ)، تحقيق: عبود الشالجيّ، منشورات الجمل، كولونيا، ط1، 1997م، ص: 349
(03) مجمع الأمثال، أبو الفضل الميدانيّ(ت، 518هـ)، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، مطبعة السُّنَّة المحمدية، القاهرة، 1955م، 2/263
(04) كتاب العين، الخليل بن أحمد الفراهيديّ(ت، 175هـ)، تحقيق: مهدي المخزوميّ وإبراهيم السامرائي، دار ومكتبة الهلال، القاهرة، د.ت، 6/46
(05) ديوان المهلهل، تحقيق وشرح: أنطوان محسن القوّال، دار الجيل، بيروت، 1995م، ص: 21
(06) ديوان كُثيّر عزة، جمع وشرح: إحسان عباس، دار الثقافة، بيروت، 1977م، ص: 296
(07) المعجم الزراعي البحراني: مصادر مياه الريّ، حسين محمد حسين، العدد 3537 - الأحد 13 مايو 2012م الموافق 22 جمادى الآخرة 1433هـ
(08) المسالك والممالك، أبو إسحاق الإصطخريّ(ت، 346هـ)، تحقيق: محمد جابر عبد العال الحسيني، مراجعة: محمد شفيق غربال، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، د.ت، 2
(09) العقد الفريد، ابن عبد ربه الأندلسيّ(ت، 328هـ)، شرح وفهرسة: أحمد أمين وآخرون، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، ط3، 1973م، 2/4
(10) جمهرة رسائل العرب في عصور العربية الزاهرة، أحمد زكي صفوت، المكتبة العلمية، بيروت، ط1، 1939م، 2/37
(11) الراوي: أبو هريرة، المُحَدِّث: مسلم، المصدر: صحيح مسلم، ص: أو رقم : 2388
(12) شرح ديوان رؤبة بن العجاج، تحقيق: ضاحي عبد الباقي محمد وأخرين، مراجعة: محمود علي مكي وأخرين، مجمع اللغة العربية، القاهرة، ط1، 2011م، 1/306
(13) الراوي:هلب الطائي والد قبيصة، المُحدّث: الألباني، المصدر: جلباب المرأة، ص: رقم : 182، خلاصة حكم المحدث : إسناده حسن لغيره، رجاله ثقات رجال مسلم
(14) العقد الفريد لابن عبد ربه، 2/4
(15) شمس العلوم، نشوان بن سعيد الحميري(ت، 573هـ)، تحقيق: حسين عبد الله العمري وآخرون، دار الفكر، دمشق، 1999م ص: 463
(16) مختار الصحاح، محمد بن أبي بكر الرازي (ت ٦٦٦هـ) ، الناشر: المكتبة العصرية، الدار النموذجية، بيروت، ط5، 1990م باب الباء (ب د ا)، ص: 31
(17) شعراء أمويون، تحقيق: نوري حمودي القيسيّ، عالم الكتب، مكتبة النهضة العربية، بيروت، ط1، 1985م، ص: 341
(18) حديث رقم 1394 - من كتاب الطبقات الكبير لابن سعد - المجلد الأول
(19) شعراء عمان في الجاهلية وصدر الإسلام، جمع وتحقيق: أحمد محمد عبيد، المجمع الثقافي، أبوظبي، 2000م، ص86
(20) شرح ديوان عنترة، الخطيب التبريزي(ت، 502هـ)، قدّم له ووضع هوامشه وفهارسه: مجيد طراد، دار الكتاب العربي، بيروت، ط1، 1992م، ص: 25
(21) شعر زهير بن أبي سُلمى، صنعة: الأعلم الشمنتري(ت، 476هـ)، تحقيق: فخر الدين قباوة، منشوررات الآفاق الجديدة، بيروت، 1980م، ص: 151
(22) تاريخ الطبير، تاريخ الرسل والملوك، الطبريّ(ت، 310هـ)، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، القاهرة، دار سويدان، بيروت، ط2، 1967م، 2/391
(23) الأصول اليونانية للنظريات السياسية في الإسلام، تحقيق: عبد الرحمن بدويّ، مكتبة النهضة المصرية، مطبعة دار الكتب المصريّة، القاهرة، 1954م، ص: 165
(24) انظر: الأعلام للزركلي/ حياة ابن خلدون لمحمد الخضر بن الحسين/ فلسفة ابن خلدون لطه حسين/ دراسات عن مقدمة ابن خلدون لساطع الحصري/ ابن خلدون، حياته وتراثه الفكري لمحمد عبد الله عنان/ ابن خلدون ليوحنا قمير، ومثله لعمر فروخ.
(25) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد(ت، 656هـ)، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، منشورات المرعشيّ، مؤسسة إسماعيليان، قُم، ط2، 1967م، 17/120
(26) تهذيب اللغة، ج2، ص: 43
(27) المنجد في اللغة العربیة المعاصرة , ص338
(28) تاج العروس , ج18 , ص163
(29) ديوان طرفة بن العبد، شرح الأعلم الشمنتريّ وتليه طائفة من الشعر المنسوب إلى طرفة، تحقيق: دريّة الخطيب ولطفي الصقّال، إدارة الثقافة والفنون، البحرين، المؤسسة العربية، بيروت، ط2، 2000م، ص: 169
(30) ديوان عَدِيّ بن زيد العِباديّ، جمع وتحقيق: محمد جبار المعيبد، شركة دار الجمهورية، بغداد، 1965م، ص: 165م
(31) ديوان بشار بن بن برد، قراءة وتقديم: إحسان عباس، دار صادر، بيروت، ط1، 2000م، ص: 403
(32) ديوان العباس بن الأحنف، تحقيق: كرم البستانيّ، دار صادر، بيروت، 1987م، ص: 165
(33) ديوان الطفيل الغنويّ، شرح الأصمعيّ، تحقيق: حسان فلاح أوغلي، دار صادر، بيروت، ط1، 1977م، ص: 35
(34) شعر الفند الزماني، تحقيق: حاتم الضامن، مجلة المجمع العلميّ العراقي، مج 37، ج4، 1986م، ص: 17
(35) كتاب الآثار العلوية، أرسطوطاليس، ترجمة: ابن البطريق(ت، 200هـ)، تحقيق: كازيمير بترايتس، دار المشرق، بيروت، 1967م، ص: 19
(36) تاريخ الطبري، 4/ 131
(37) ديوان هارون الرشيد، جمع وتحقيق: سعدي ضَنَّاوي، ط1، دار صدار، بيروت، 1998م، ص: 24
(38) ورقة بن نوفل مبشِّر الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) عصره وحياه وشعره، جمع وتحقيق وشرح ودراسة: غسان عزيز حسين، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 2002م، ص ص: 134- 135
(39) ديوان شعراء بني كلب، صنعة: محمد شفيق البيطار، دار صادر، بيروت، ط1، 2002م، 2/175
(40) صبح الأعشى، أبو العباس القلقشندي(ت، 821هـ)، المطبعة الأميرية، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة، 1992م، 1/212
(41) شرح ديوان عنترة، الخطيب التبريزي(ت، 502هـ)، تقديم وفهرسة: مجيد طراد، دار الكتاب العربي، بيروت، ط1، 1992م، ص: 50
رابط مختصر