البطء.. فن مفقود في عالم متسارع
تاريخ النشر: 1st, December 2025 GMT
كثيرون منّا يحلمون بالابتعاد عن حياة المدن الصاخبة، والعيش في قرية صغيرة هادئة، حيث يختفي الزحام وتتباطأ الأيام. وكثيراً ما نشعر بالحنين إلى السبعينات والثمانينات، حين كانت الحياة أبسط وأهدأ وأقرب إلى النفس. أحياناً، وأنا أسافر من جدة إلى المدينة المنورة، أتوقف عند القرى المنتشرة على الطريق، أتأمل بيوتها الواسعة وأشجارها العالية وحياة أهلها البسيطة، وأتساءل: كيف تكون الحياة هنا؟ ثم أجد نفسي أغبطهم على تلك السكينة، التي لا تهزّها ضوضاء العالم.
هذا الإحساس ليس رغبة في الهروب، بل هو رفضٌ لتلك الثقافة الحديثة التي جعلت السرعة مقياساً للنجاح، والانشغال علامة على القيمة، والهدوء نوعاً من الكسل. صرنا نعيش في زمنٍ يُحسب فيه النجاح بعدد ما ننجزه، لا بجودة ما نعمله، وفيه يُقدَّر الإنسان بكمّ ارتباطاته لا بعمقها، وبضجيجه لا بفكره.
قرأت مؤخراً كتاباً لفت نظري بعنوان “البروفسور البطيء” لماغي بيرغ وباربرا سيبر، تحدّثتا فيه عن ظاهرة التسارع داخل الجامعات، وكيف تحوّلت من أماكن للتفكير والمعرفة إلى مؤسسات تجارية تُقاس إنتاجيتها بالأرقام لا بالأثر. تصف الكاتبتان كيف يعيش الأساتذة تحت ضغط لا ينتهي من الاجتماعات والتقارير والمراسلات، حتى ضاع وقت التأمل والبحث الحقيقي وسط زحمة المهام اليومية، وغابت متعة الاكتشاف أمام هوس الإنجاز.
لكن ما وصفه الكتاب لا يقتصر على الأكاديميين وحدهم، بل هو انعكاسٌ لما نعيشه جميعاً. فحياتنا اليوم تُدار بسرعةٍ مذهلة؛ نعمل ونأكل ونتحدث وحتى ننام بعقولٍ مشغولة بما ينتظرنا في الغد. أصبحنا نخاف من التوقف، وكأن الزمن سيهزمنا إن تباطأنا لحظة.
في القرى التي أمرّ بها أثناء السفر، أرى نموذجاً مختلفاً للحياة؛ الناس هناك يسيرون بخطى هادئة، يجدون وقتاً للحديث، وللراحة، وللتأمل. لا تُقاس قيمتهم بسرعة إنجازهم، بل بصفاء نياتهم وسلام قلوبهم. بطؤهم ليس كسلاً كما يظن أهل المدن، بل وعيٌ بإيقاع الحياة الطبيعي، حيث الوقت يُقاس بالرضا لا بالدقائق.
الكاتبتان لا تدعوان إلى الكسل، بل إلى ما تسميانه”الزمن الهادئ”، أي أن نمنح أنفسنا مساحة للتفكير، وأن نبني علاقاتنا ومعارفنا ببطءٍ يتيح لنا التعمق فيها. فالعقل لا يبدع حين يُستنزف، والروح لا تثمر حين تُرهق.
ورغم أن الكتاب وُجه إليه نقد بأنه ينطلق من تجربة غربية محدودة، إلا أن فكرته تصلح لكل إنسان يشعر بأنه محاصر بعجلةٍ لا تتوقف. لسنا بحاجة إلى ترك الطموح أو العمل، بل إلى إعادة تعريف النجاح والسرعة، وأن ندرك أن التمهّل لا يعني التراجع، بل هو طريقٌ أعمق نحو الإبداع.
البطء ليس عائقاً أمام التقدّم، بل هو ما يمنحنا وضوح الرؤية. من يسير بخطى ثابتة قد يصل أبعد من الذي يركض بلا هدف. فالحياة ليست سباقاً، بل رحلة تحتاج إلى توازن ووعي وهدوء حتى نفهمها ونستمتع بها.
المصدر: صحيفة البلاد
كلمات دلالية: بدر الشيباني
إقرأ أيضاً:
323 قتيلاً و200 مفقودًا ضحايا الفيضانات في إندونيسيا وسريلانكا
سومطرة - صفا
ارتفعت حصيلة قتلى الفيضانات وانزلاقات التربة في أندونيسيا إلى أكثر من 200، فيما لا يزال أكثر من 100 شخص في عداد المفقودين، بحسب ما أعلنت وكالة إدارة الكوارث.
وقال المتحدث باسم وكالة إدارة الكوارث في إقليم سومطرة الغربية إلهام وهاب ليل الجمعة "حتى الليلة، قضى 61 شخصا، وما زال 90 آخرون في عداد المفقودين".
وكانت حصيلة سابقة أشارت إلى مقتل 23 شخصا.
أما في شمال سومطرة، فبلغت الحصيلة 116، وفي إقليم آتشيه 35 على الأقل.
وتشهد دول إندونيسيا وماليزيا وسريلانكا وتايلاند، أمطارا غزيرة أدت لوقوع قتلى وأضرار كبيرة في الأيام الماضية.
ويتسبب موسم الأمطار الموسمية الممتد بين حزيران/يونيو وأيلول/سبتمبر، بهطول أمطار غزيرة ما يؤدي إلى حدوث انزلاقات تربة وفيضانات وأمراض تنقلها المياه.
وفي وقت سابق من الشهر، قتل 38 شخصا في انزلاقات تربة ناجمة عن هطول أمطار غزيرة في وسط جزيرة جاوة، فيما لا يزال حوالي 13 شخصا مفقودين.
فيضانات في سريلانكا
كما أسفرت الفيضانات وانهيارات التربة الناجمة عن الأمطار الغزيرة في سريلانكا، عن مقتل 123 شخصا على الأقل وتهجير عشرات الآلاف، بحسب ما أعلن مركز إدارة الكوارث في حصيلة جديدة اليوم السبت.
وأشار المركز في بيان إلى فقدان أثر 130 شخصا.
وقال المدير العام للمركز سمباث كوتويغودا للصحفيين في كولومبو إن عمليات الإنقاذ ما زالت جارية، وإن 44 ألف شخص أُجلوا من مناطقهم.
وتشهد سريلانكا منذ يوم الإثنين أحوالا جوية قاسية بسبب مرور الإعصار ديتواه المتجّه حاليا نحو الهند، وفقا للمركز.
واشتدت الفيضانات اليوم السبت في المناطق المنخفضة ما دفع السلطات للأمر بإخلاء المناطق المحاذية لنهر كيلاني، الذي فاض الجمعة.
وتُعد الظواهر الجوية القاسية شائعة في جنوب آسيا خلال فترات الرياح الموسمية، لكن العلماء يؤكدون أن تغير المناخ يُفاقم شدتها وتأثيرها.
شهدت سريلانكا أسوأ فيضانات في القرن الحالي عام 2003، وأودت حينها بـ254 شخصا.