إبراهيم نصر الله
لا أظنّ أن يومًا مرَّ على الفلسطيني بلا شهداء منذ نكبتها، حتى في تلك الأيام النادرة التي يخرج فيها الجنود الصهاينة في رحلات القتل، ولا يظفرون بطفل في طريقه إلى مدرسته لزيارة جدّه أو جدّته، أو شاب أو فتاة في طريقهما إلى الجامعة، أو عامل ابتاع من السوق بعض قطوف العنب ونجا بأعجوبة من حفلة لهْوٍ يحييها هؤلاء الجنود في برج المراقبة وهم يتراهنون: من يصيبه في جبينه؟
من لم يُقتل برصاصة، أو قذيفة، أو غارة، أو زنزانة، استشهد على سرير المستشفى متأثرًا بجروحه، أو بانعدام الرعاية الصحية في سجنه، أو بلوعته أو بلوعتها على طفلة لم يُتح لها أن تسير على قدميها، أو تبلغ البحر وترتدّ خائفة نحو أمّها وهي ترى الأمواج تتقدّم نحوها، أو فتى عثروا على جثته في حقل لأن جندياً قادماً من وراء البحار تشاءم؛ لأن أول ما رآه في ذلك الصباح هذا الطفل المبتسم.
لا أظن أن يوما مرّ على فلسطين بلا شهداء..
جدّة ماتت بحسرتها لأنها لم تستطع العيش بعيدًا عن بحر حيفا، أو جدّ أوصى أن يُحضروا له حفنة من تراب فلسطين في منفاه، ثم طلب حفنة أخرى، فاستغربوا وأرسلوا له، كما قالت لي ذات يوم الممثلة الفلسطينية ميساء الخطيب، وحين أكدوا للجد أنهم أرسلوها، جاءها الردّ «لقد وصلت»، ولكن لفرط شوقنا لقريتنا أكلنا التراب الذي أرسلتموه في المرة الأولى، والآن نريد حفنة أخرى للذكرى.
أكلوا التراب ليكون جزءاً منهم، هم الذين عاشوا حياتهم وهو يحتضنهم لأنهم جزء منه.
ليست تلك مبالغة.
في فلسطين لا توجد مبالغات، لا في ما يقول الكبار ولا ما يقوله الصغار أو في ما يفعلون.
الأم التي تنتحب فوق رؤوس أبنائها الثلاثة الشهداء صارخة «يا رب.. لقد استشهدوا جائعين»، والطفل الذي يسألونه «ماذا تريد أن تصبح حينما تكبر؟» فيجيب «لا شيء، لأنهم ههنا في فلسطين يقتلوننا قبل أن نَكبر»، والسيدة النبيلة التي تحبس دموعها وهي تتحدث عن جثة ابنها التي اختطفها هذا الكيان اللقيط واحتجزها في ثلاجة، قائلة: «كان حلمي أن أزوِّجَه، الآن ليس لدي سوى حلم واحد.. أن أدفنه».
هؤلاء يُقتَلون كل يوم، هؤلاء الذين عاشوا فلسطين وعاشتهم، وصمدوا أو هُجِّروا وظلّت فلسطينهم فيهم.
ما الذي على الفلسطيني أن يحتمله أكثر أمام إبادة مستمرة لأبنائه وبناته وشجره ومائه وبيوته وأحلام صغاره؛ إبادة لم تتوقّف يوماً واحداً؟
كم عليه أن يحتمل؛ موتًا لنقص الدواء، أو موتًا لجنين لأن الجنود على الحاجز لم يسمحوا لامرأة على وشك أن تلِد أن تعبر الحاجز، أو إغلاق أبواب وطنه والوقوف بينه وبين سرير شفاء ليعالج من السرطان أو ما سببه الكيان السّرطان من إصابات لآلاف، معجزة أن من أصيبوا بها مصرّون على أن يعيشوا؟
ما الذي على الفلسطينيّ أن يحتمله وهم يسرقون أعضاء الشهداء والجرحى والأسرى، ليرمموا بها أجساد وحوشهم، لكي تستردّ هذه الوحوش قوّتها وتعود لممارسة القتل؟
ما الذي عليه أن يحتمله وهم يسلخون جلود الشهداء ويؤسسون بنكاً للجلود كي يرقّعوا أجساد جنودهم القتلة، وأجساد الضباع من المستوطنين الذين تفوّقوا على أعتى العنصريات؟
ما الذي يمكن أن يحتمله وهو يدفن أبناءه ليلة العرس أو صباح العرس، وهذا الكيان اللقيط يحول بهمجيته الأعراس إلى مآتم، ومشواراً صغيراً باتجاه البحر إلى مجزرة، لأن بوارجه لم تحتمل وجود طفلاتٍ صغيراتٍ على الشاطئ يلعبن؟
ما الذي على الفلسطينيّ أن يحتمله وهو يرى وكلاء هذا العدو وهم يُكمِلون ما لم يكمله، فيرتكبون مجزرة هنا ومجزرة هناك، ويذلّون الفلسطيني في مطاراتهم، وهو الوحيد الذي حمى ويحمي حدودهم؟ هذا الفلسطيني الذي لو تمكّن الصهيوني من ترويضه، لكانت حدوده خلف النهر وخلف الصحراء وخلف الخضرة وخلف العروش والكراسي، ولصار (الكيان الصهيوني الأكبر) منذ زمن طويل؟
ما الذي على الفلسطيني أن يحتمله وهو يرى نفسه في قفص ورحلات الصيد الوحشيّ برًّا وجوًّا وبحرًا لا تتوقّف، مجتاحة سماءه وأحلامه، وكل محاولة له لأن يقول إن صغاري يستحقون الحياة التي خلقهم الله من أجلها؟
فلسطين ليست ابنة اليوم، وعمر رجالها ونسائها أطول من عمر إمبراطوريات ولِدت وماتت، فتأملوا ميلادها ساخرين وأفول شموسها ساخرين.
وغزة ليست ابنة اليوم، غزة التي لم تكن بعيدة في أيّ يوم من الأيام عن الرّياح التي تهب من كل الجهات، تلك المدينة التي وصفها الرحالة بالأرض الخصبة ذات المياه العذبة، وسماها اليونان «المدينة العظيمة»؛ ذروة الجنوب الفلسطيني خضرةً، ونهاية برّ سيناء القاسي. وفيها يستريح القادم من الرّمل، قبل دخوله الخضرة، كما يستريح المُغادر هذه الخضرة متسلّحاً ما استطاع بالحياة لعبور الامتدادات الشاقة التي تنتظره.
تلك المدينة الكنعانية الفاتنة التي كانت محطًّ القلوب ومحطَّ الأطماع، قاومت سرجون الأكادي، الملك البابلي؛ وقاومت قمبيز في عهد الفرس؛ وصمدت في وجه واحد من أعظم محاربي التاريخ: الإسكندر المقدوني، ووقفت في وجه نابليون لتعيق وصوله إلى عكا. وبين حصار وحصار كانت غزة تنهض، ويعمّها الرخاء من جديد، إلى ذلك الحدّ الذي التجأ قنصل فرنسا في بلاد الشام، ذات يوم، إلى واليْها حسين باشا، فأقرضه (بدون فائدة)، ليسد العجز الذي هزّ ميزانية بلدية باريس، كما جاء في فيلم وثائقي بثته محطة الجزيرة عن غزّة، الذي سيذهب إلى ما هو أكثر اتساعًا حين يورِد: في الوقت الذي كان فيه السّان جرمان يغلَق ليلاً، وكانت أضواؤه تُطفأ، كانت أنوار غزة في ثمانينيات القرن السادس عشر لا تُطفأ أبداً.
تلك غزة التي لم تعد قادرة اليوم على أن تحتمل أكثر مما احتملت.
تلك غزة التي ما كان يمكن أن تظلّ غزة لو لم يكن السّابع من أكتوبر / تشرين الأول واحداً من فصول كتابها.. كتاب العِزة، كي تقول لنا وللعالم ما لم يستطع أن يقوله أحد: هؤلاء الغزاة يمكن أن يُهزموا، هؤلاء يمكن أن يتحطّموا، هؤلاء يمكن أن تنعقد أرجلهم وأن لا يستطيعوا فعل شيء حتى الفرار، وهؤلاء يمكن أن يرتكبوا الإبادات والمذابح كما لم يرتكبها أحد، هؤلاء لا مكان لهم هنا.
وبعـــــد:
لم يمرّ يوم على فلسطين بلا شهداء، ولن يمرّ قبل أن «ينقلع»، هؤلاء الغزاة، وغزة تصرخ في وجوههم:
هذه أرضنا
وسنكتبُ ما يكتب الشهداءُ على الفجر والبحر.. نحن هنا.
المصدر: الوحدة نيوز
كلمات دلالية: الامم المتحدة الجزائر الحديدة السودان الصين العالم العربي العدوان العدوان على اليمن المجلس السياسي الأعلى المجلس السياسي الاعلى الوحدة نيوز الولايات المتحدة الامريكية اليمن امريكا ايران تونس روسيا سوريا شهداء تعز صنعاء عاصم السادة عبدالعزيز بن حبتور عبدالله صبري فلسطين لبنان ليفربول مجلس الشورى مجلس الوزراء مصر نائب رئيس المجلس السياسي نبيل الصوفي ما الذی على الفلسطینی یمکن أن ی هؤلاء ی
إقرأ أيضاً:
زيادة المرتبات الجديدة.. هؤلاء يحصلون على 9800 جنيه يوم 22 في الشهر
يتساءل المواطنون عن تفاصيل زيادة المرتبات 2025 التي أقرتها الحكومة، ومتى سيتم صرفها، وحجم تأثيرها على رواتب العاملين بالجهاز الإداري للدولة، وذلك بعد إعلان وزير المالية أحمد كجوك عن بدء تطبيق الحد الأدنى الجديد للأجور اعتبارًا من موازنة يوليو 2025. وتشغل هذه التساؤلات اهتمام الملايين من الموظفين، إذ تتضمن الزيادة مكونات عدة من علاوات وحوافز إضافية، تهدف إلى تحسين المستوى المعيشي ومواجهة تأثيرات التضخم على الدخل، وضبط توازن الرواتب وفقًا لقانون الخدمة المدنية وضوابط موازنة العام المالي 2025/2026.
تطبيق الحد الأدنى للأجور ضمن زيادة المرتبات 2025
أكد وزير المالية أحمد كجوك أن الحد الأدنى للأجور للعاملين بالجهاز الإداري سيرتفع إلى 7,000 جنيه شهريًا، ببدء التطبيق بداية يوليو 2025. وتأتي هذه الخطوة كمكون رئيسي في إصلاح منظومة الأجور ضمن حزمة زيادة المرتبات 2025، ويُتوقع أن يستفيد منها الملايين من الموظفين الحكوميين.
تفاصيل زيادة المرتبات 2025 كاملةتشمل حزمة زيادة المرتبات 2025 ما يلي:
• زيادة آلية ثابتة تبلغ 1,100 جنيه لأدنى الدرجات الوظيفية.
• علاوة دورية: نسبة 10% للعاملين الخاضعين لقانون الخدمة المدنية، و15% لغير المخاطبين، بحد أدنى 150 جنيهًا.
• حافز إضافي شهري يتراوح بين 600 و700 جنيه لجميع موظفي القطاع الحكومي.
وتشكل هذه المكونات جزءًا من الجهد الحكومي لتعزيز قدرة الموظفين على مواجهة الضغوط المعيشية بفعالية.
جدول المرتبات الجديد بعد زيادة المرتبات 2025الدرجة الممتازة | 12,200 | 13,800 |
الدرجة العالية أو ما يعادلها | 10,200 | 11,800 |
درجة مدير عام أو ما يعادلها | 8,700 | 10,300 |
الدرجة الأولى أو ما يعادلها | 8,200 | 9,800 |
الدرجة الثانية | 7,200 | 8,500 |
الدرجة الثالثة (التخصصية) | 6,700 | 8,000 |
الدرجة الرابعة | 6,200 | 7,300 |
الدرجة الخامسة (الخدمات المعاونة) | 6,000 | 7,100 |
الدرجة السادسة (الخدمات المعاونة) | 6,000 | 7,100 |
ويعكس الجدول أثر زيادة المرتبات 2025 على جميع المستويات الوظيفية، مع ارتفاع ملموس في الأجور.
مواعيد صرف زيادة المرتبات 2025 وخطوة الصرفأكدت وزارة المالية أن مرتبات شهر يوليو 2025 سيتم صرفها وفق الجدول الزمني المعتاد، دون تقديم مواعيد الصرف، حيث تبدأ عمليات صرف رواتب العاملين بالجهاز الإداري للدولة من يوم الأحد 22 يوليو وتستمر حتى يوم الجمعة 26 يوليو 2025، وذلك وفقًا للجداول الرسمية المعتمدة لكل جهة حكومية.
وشددت الوزارة على عدم صحة ما يتم تداوله بشأن تقديم مواعيد صرف المرتبات أو دمجها مع مواعيد صرف المعاشات، موضحة أن الزيادة الجديدة المترتبة على رفع الحد الأدنى للأجور سيتم إضافتها تلقائيًا على رواتب يوليو، دون الحاجة إلى قيام الموظف بأي إجراءات إضافية.