أحمد ياسر يكتب: تكلفة الحرب لن تكون محسوسة في غزة فحسب
تاريخ النشر: 9th, November 2023 GMT
لا يمكننا معالجة أو منع الخسائر المروعة في أرواح المدنيين والمواجهات الشرسة التي بدأت في 7 أكتوبر2023، دون فهم سياقها السياسي...كان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش على حق عندما قال: "إن أحداث ذلك اليوم لم تحدث من فراغ".
وما نشهده الآن في غزة، حيث تجاوز عدد القتلى العشرة آلاف، هو لجوء إسرائيل إلى المنطق الأمني المتعب الذي تستخدمه في حل كافة مشاكلها.
ولهذا السبب، فعندما تنتهي هذه الحرب ـ بغض النظر عن نتائجها العسكرية ـ فإن الأفكار التي تحرك حماس، والتي تجمع بين المعتقد الديني والمقاومة المسلحة للاحتلال، سوف تصبح أقوى وأكثر شعبية... لقد صعدت حماس في أجواء من القمع المتزايد وفشل وعود حل الدولتين.
لكن الفلسطينيين في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة، لم يتوقفوا قط عن مقاومتهم للاحتلال، منتقلين من شكل إلى آخر.إن كل أعمال العنف التي استُخدمت لقمع الأطفال والنساء، بما في ذلك القتل العادي للمدنيين، وهدم المنازل، وسرقة الأراضي، لم تردع الفلسطينيين عن الوقوف صامدين في معارضة ذلك الاحتلال... وأكثر الشخصيات احتراما في تاريخنا وحاضرنا هم أولئك الذين قاوموا الاحتلال، مستخدمين الاحتجاجات أو الصمود أو الأدوات المتاحة.
إن الخسائر الفادحة التي شعر بها الفلسطينيون نتيجة لذلك لم تؤد إلا إلى تمهيد الطريق للثورة القادمة... وينشر العديد من الفلسطينيين على وسائل التواصل الاجتماعي مثلا يوضح فشل القمع الإسرائيلي: "لقد حاولوا دفننا، لكنهم لم يعرفوا أننا بذور".
وفي الأيام التي تعقب هذه الحرب في غزة، سوف تصبح السلطة الفلسطينية أضعف وأقل شعبية وأقل أهمية... ولا يكاد يكون لها أي دور في هذه التطورات التي تهم شعبها.... وفي الواقع، في مرحلة ما من الحرب، يمكن للمرء أن يتوقع توجيه حملة من اللوم إلى الطرف الأضعف.
أحمد ياسر يكتب: الحقيقة هي الضحية الأكبر في حرب غزة أحمد ياسر يكتب: حماس والمعبر الأمريكيولن يكون هناك مكان في اليوم التالي لحل الدولتين، وذلك بسبب التأثير الراديكالي الذي خلفته الحرب على المجتمعين والسياسات الإسرائيلية والفلسطينية... وهذا ليس تغييرًا جذريًا على أية حال، لأن إسرائيل قد غادرت الآن ساحة التسوية الإقليمية إلى واحدة من الخطوات الوجودية التي لا رجعة فيها.
إن التركيز المفاجئ من جانب الساسة الأميركيين والأوروبيين على إحياء محادثات حل الدولتين أمر مثير للسخرية ومتأخر جدًا... ولسنوات عديدة، شهدوا قتل إسرائيل لتلك الرؤية، لكنهم اختاروا بدلًا من ذلك تجاهل التوسع الاستيطاني الإسرائيلي والتقليل من شأن الفلسطينيين الذين دافعوا عن إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل.
ومن بين ضحايا هذه الحرب ما تبقى من مصداقية أوروبا في الشرق الأوسط وخارجه... إن القيم التي تدعي الدول الأوروبية الكبرى أنها تدافع عنها - الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية الإعلام والتعبير - سقطت مثل النمور من ورق مع استمرار تلك الدول نفسها في السماح بالاستهداف العشوائي والمتكرر للمدنيين في غزة والضفة الغربية.
يتبادل الفلسطينيون عبر وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو لسياسيين أوروبيين وأميركيين يذرفون الدموع على الضحايا المدنيين في أوكرانيا، مع شاشة منقسمة لهم وهم يدافعون عن التصرفات الإسرائيلية باعتبارها "حقها في الدفاع عن النفس".
أحمد ياسر يكتب: فقدت الدبلوماسية الأمريكية زخمها في الشرق الأوسط أحمد ياسر يكتب: الدبلوماسية المُحايدة وسط القصف الدمويوفي الأيام التالية سوف يواجه "إخوة إسرائيل الكبار"، الولايات المتحدة والدول الأوروبية الكبرى، بعض الأسئلة الاستراتيجية المهمة.... ما الذي يقف وراء التدهور في السياسة والمجتمع الإسرائيلي الداخلي، وهل هناك علاقة بين ذلك وبين تعرض إسرائيل لهجوم 7 أكتوبر؟..
هل تستطيع إسرائيل الحفاظ على أهميتها الإستراتيجية بالنسبة للغرب في الشرق الأوسط أو استعادتها؟هل يريد هؤلاء الإخوة الكبار الاستمرار في نهج إفساد إسرائيل من خلال فصل دعمهم غير المحدود لكيان الاحتلال عن تلك السياسات التي يجدونها ضارة وخطيرة على مصالحهم الخاصة؟
بعد هذه الحرب، فإن العودة إلى الخطاب والنموذج القديم المتمثل في "الحل المتفق عليه"، أو "حل الدولتين عن طريق التفاوض"، أو "إعادة الأطراف إلى طاولة المفاوضات"، سيكون بمثابة دعوة للجولة التالية من المفاوضات... ستكون مواجهات عنيفة.
لقد أصبحت هذه الكلمات مرادفة لمنح الطرف الأقوى، إسرائيل، حق النقض (الفيتو) على النتيجة... إن إسرائيل تدين بإنشائها وبقائها وتفوقها للولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين: ويتحمل هؤلاء الحلفاء أيضًا نصيبًا من المسؤولية في هذا التدهور العميق.
لقد حان الوقت - ونحن نشهد أمامنا بعضًا من أسوأ الجرائم الدولية في حياتنا - لكي تتوقف هذه الدول عن معاملة إسرائيل كدولة فوق القانون الدولي، وأن تقنع إسرائيل أو تملقها أو تجبرها على إنهاء احتلالها.
والبديل واضح بالفعل: مزيج من الفصل العنصري، وجولات متواصلة من المواجهات الوحشية على نحو متزايد، وتدهور موقفهم في العالم.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: احمد ياسر فلسطين اخبار فلسطين غزة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الاحتلال الاسرائيلي نتنياهو حماس طوفان الاقصي واشنطن أوروبا الشرق الأوسط فی الشرق الأوسط أحمد یاسر یکتب حل الدولتین هذه الحرب فی غزة
إقرأ أيضاً:
إسرائيل تريد اتفاقا يحقق لها النصر والمقاومة ترد بالاستنزاف
مع تمسك تل أبيب بفرض اتفاق يتضمن استسلاما للمقاومة وسيطرة على نصف مساحة قطاع غزة تقريبا والتحكم في توزيع المساعدات، رفع الفلسطينيون وتيرة عملياتهم على الأرض وأصبحوا يعتمدون الاستنزاف وسيلة أساسية لإنهاء الحرب بالطريقة التي لا يريدها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية.
ففي الوقت الذي يتحدث فيه نتنياهو ومن قبله الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن اتفاق محتمل خلال أيام قليلة، أكد محمد الهندي نائب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي أن المطروح هو مقترح استسلام لن تقبل به المقاومة، وقال إن حرب الاستنزاف تصب في مصلحة المقاومة رغم الأثمان الباهظة التي يدفعها المدنيون.
وتحاول إسرائيل فرض اتفاق ينتهي بسيطرتها على 40% من مساحة غزة والتحكم في توزيع المساعدات وحصرها في مدينة خيام تخطط لإقامتها على أنقاض رفح جنوبي القطاع، بينما تتمسك المقاومة بالانسحاب الكامل ووقف الحرب وإعادة مهمة توزيع المساعدات إلى الأمم المتحدة.
ومع اتساع الخلاف بين الجانبين، صعدت المقاومة من عمليتها خلال الأيام الأخيرة على نحو يقول الخبير العسكري العميد إلياس حنا إنه يجعل إسرائيل غير قادرة على تحقيق مكاسب تكتيكية على الأرض، فضلا عن المكاسب الإستراتيجية في المفاوضات.
الاستنزاف في مصلحة المقاومةتأقلمت المقاومة على الوضع الميداني وأصبحت تعمل بلا مركزية كاملة وبأقل عدد ممكن من المقاتلين لإلحاق خسائر كبيرة بصفوف الاحتلال، كما حدث في بيت حانون مؤخرا.
علاوة على ذلك، انتقل المقاومون إلى مرحلة السعي لأسر جنود خلال العمليات، وهو ما اعترف به الجيش الإسرائيلي الأسبوع الماضي عندما أكد أن جنديا قتل خلال محاولة أسره من جانب المقاومة في خان يونس.
وغياب القيادة المركزية للعمليات جعل جيوب المقاومة تقاتل حسب الهدف المتاح لها، ولم تعد إسرائيل تمتلك معلومات عملياتية تمكنها من إحباط هذه الهجمات أو التعامل مع هذه الجيوب، كما قال حنا في برنامج "مسار الأحداث".
إعلانوفي ظل حالة الإنهاك الشديد التي يعيشها جيش الاحتلال، وعجزه عن التعامل مع حرب المدن التي تشنها المقاومة، فإن عملية الاستنزاف الحالية ستخدم المقاومة بشكل أكبر.
لكن إسرائيل -رغم كل هذه الخسائر- تحاول فرض رؤيتها لما بعد الحرب من خلال الاتفاق المحتمل للهدنة، لأنها ربما لا تكون قادرة على تجديد المعارك بعد انتهاء مدة الـ60 يوما المقترحة لوقف القتال، كما يقول الخبير في الشؤون الإسرائيلية مهند مصطفى.
فإسرائيل التي كانت تدخل حروبا خاطفة لتحقيق إنجازات عملياتية يمكنها تحويلها لمنجزات سياسية، أصبحت اليوم تتخبط بين عشرات التصورات لما يجب أن تنتهي عليه هذه المواجهة.
صحيح أن الحكومة تحاول استعادة نصف الأسرى خلال هدنة الـ60 يوما، لكن خشيتها من عدم قدرتها على استئناف القتال تدفعها لتضمين الاتفاق شروطا يمثل قبولها تحقيقا لأهداف الحرب السياسية التي لم تنجح في تحقيقها عسكريا، في ظل تلاشي المبررات التي قد يستند إليها نتنياهو لتجديد الحرب.
رهان على الميدان
في الوقت نفسه، لم يعد أمام المقاومة إلا التمسك بشروطها والاعتماد على الميدان لإجبار تل أبيب على الذهاب لإنهاء الحرب، لا سيما أن الجانب الفلسطيني لا يمتلك ظهيرا سياسيا ولا عربيا، كما يقول الباحث السياسي سعيد زياد.
ولأنه من غير المعقول القبول بحشر الفلسطينيين في حيز ضيق بمدينة رفح، والسماح للاحتلال بتشغيل عملاء لإدارة القطاع، فإن رهان المقاومة يظل محصورا بإلحاق خسائر كبيرة بالجيش حتى يدفعه للخلاف مع القيادة السياسية الإسرائيلية.
وترفض المقاومة مطلب الولايات المتحدة بالتركيز على تبادل الأسرى وإدخال المساعدات وإرجاء القضايا الخلافية الأخرى لحين التوصل لاتفاق نهائي بشأن هاتين النقطتين. وقد أكد الهندي -في مقابلة مع الجزيرة- أن المقاومة لن تسمح لواشنطن وتل أبيب بالتلاعب بمستقبل الفلسطينيين وتمهيد تهجيرهم.
وفي حين قالت هيئة البث الإسرائيلية إن نتنياهو سيعقد، مساء اليوم الأحد، جلسة مشاورات بشأن صفقة تبادل، دعت عائلات الأسرى الإسرائيليين إلى التظاهر والضغط على الحكومة نتنياهو للإسراع بإبرام صفقة شاملة وإنهاء الحرب.
وحمّلت العائلات "حكومة المتطرفين" المسؤولية عن المماطلة بلا نهاية وكسب مزيد من الوقت لتحقيق أهدافه السياسية الداخلية والمحافظة على ائتلافه الحكومي من التفكك.