باريس- بعد أسبوع من مقتل الفتى نائل (17 عاما) على يد شرطي في منطقة نانتير بضواحي باريس، بدأت المحاكم الفرنسية بإصدار أول قراراتها المتعلقة بالمحتجزين في أعمال الشغب التي انتشرت في كل أنحاء البلاد.

واعتبر محامون والأسر أن الأحكام الصادرة بحق الشباب المعتقلين قاسية، إذ تتراوح بين 4 أشهر و18 شهرا في السجن، فيما أعرب سياسيون عن دعمهم للعقوبات.

وقدّم وزير الداخلية جيرالد دارمانان تقييما للأضرار منذ بدء أعمال الشغب في 27 يونيو/حزيران الماضي خلال نقاشات بمجلس الشيوخ، مشيرا إلى أن الشرطة اعتقلت قرابة 4 آلاف شخص، 60% منهم لا يملكون ملفا جنائيا، وتتراوح أعمراهم بين 17 و18 سنة.


عقوبات قاسية

في هذا السياق، قالت المحامية الفرنسية كامي فانييه إن "العقوبات قاسية وثقيلة جدا مقارنة بما يمكن أن نراه عادة في المثول الفوري المنهجي"، مضيفة "تم تحويل كل المعتقلين إلى المحكمة للحصول على حقائق بشأن الاحتجاجات في إجراء طارئ وسريع يسمح للمدعي العام بمحاكمة الشخص فورا واحتجازه، وهذا الأمر لم يكن يطبق من قبل في حالات مشابهة".

وأشارت فانييه، التي تتابع ملفات معتقلين في منطقة سين سان دوني بضواحي باريس، إلى أنه على الرغم من أن بعض الشباب المعتقلين يملكون ملفات جنائية نظيفة، فقد ألقي القبض عليهم ومثلوا أمام المحكمة على الفور.

وفي حديثها للجزيرة نت، أوضحت المحامية أنه "يتم اللجوء إلى المثول الفوري المنهجي عادة في قضايا السجن لمدة سنتين (أو 6 أشهر) وحتى 10 سنوات في حالة التلبس بالجرم، مع إمكانية إضافة غرامات بحسب الجرائم المرتكبة".

جدير بالذكر، أن ثلاثة قضاة يتخذون القرار بعد الاستماع إلى الأشخاص، ويطلب المدعي العام أحكاما مشددة، وذلك تطبيقا للأوامر التي تلقتها النيابة من وزير العدل الفرنسي إريك دوبون موريتي، بموجب تعميم أرسله بتاريخ 30 يونيو/حزيران الماضي.

وطالب موريتي في التعميم أن يتم فرض عقوبات صارمة، ولا سيما "على من ينهب ممتلكات الأشخاص الشرفاء وعلى كل من يعتدي على السلامة الجسدية لعناصر الشرطة".

وشدد وزير العدل على أن "المأساة التي حدثت في نانتير وموت هذا الصبي، لا يمكن أن تكون ذريعة لهذه الفظائع التي نحن جميعا ضحايا لها".

وأكدت المحامية فانييه أنهم "يريدون تسريع تنفيذ الأحكام من خلال أمر الإحالة، وطلب الوزير من المدعي العام أن يكون حازما للغاية"، معتبرة أن "السجن لم يكن الحل الوحيد لقضايا المعتقلين وفقا للملفات التي تمكنت من دراستها ومتابعتها".

ويعني أمر الإحالة في القانون الفرنسي: إرسال المتهم مباشرة إلى السجن، مما جعل عددا من محامي الأسر يطرحون تساؤلات جوهرية، على رأسها: لماذا السجن هو الحل الوحيد؟


القاصرون.. ملف شائك

يشكّل الأطفال القاصرون ثلث عدد المعتقلين المتهمين بإثارة الشغب، وتقدر أعدادهم بنحو 1120 قاصرا، وفق وزارة الداخلية الفرنسية.

وعن هذا الملف الشائك، أوضحت نادية بديار المختصة في قانون الأحداث الأستاذة في جامعة ليل الكاثوليكية أنه بعد احتجاز القاصرين في مراكز الشرطة، تم تقديمهم إلى النيابة العامة من أجل تقديم بديل للمحاكمة، مثل إجراء جبر الضرر أو الوساطة أو تركيبة جنائية.

من جانبها، قالت المحامية كامي فانييه إن القاصرين "لن يخضعوا لإجراءات قانونية مشددة، وسيتم النظر في قضاياهم من قبل قضاء الأحداث، لأن تقديم المثول الفوري لهم ممنوع في القانون".

ووفقا لأوامر وزير العدل، فقد تم إرسال القاصرين المعتقلين إلى المحكمة في نهاية فترة احتجازهم لدى الشرطة، على أن يحضروا جلسات استماع في وقت لاحق، وفي غضون ذلك سيكونون في منازلهم بدل مراكز الاعتقال.

في المقابل، أكد الحزب الجمهوري ضرورة تطبيق المثول الفوري للقاصرين، مطالبين الحكومة بتحميل والدي المعتقلين القاصرين المسؤولية الجنائية، في حالة عدم احترام الالتزام القضائي الذي سيخضع له أطفالهم.

كما طالب الحزب بإعادة تطبيق قانون "سيوتي" (Ciotti) لمحاربة التغيب عن المدرسة، الذي تم التصويت عليه في عهد الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، ويمكن أن يصل إلى حد "تعليق أو حتى إلغاء البدلات المدرسية".

وعن إمكانية اللجوء للاستئناف، أوضحت المحامية فانييه أن "الأحكام قابلة للاستئناف، لكن المشكلة تتمثل في أن مدة العقوبات تعتبر قصيرة نسبيا، أي أننا لا نتحدث عن استئناف حكم مدته 10 سنوات. كما أن الجلسات في محكمة الاستئناف غالبا ما تتم عندما تقترب مدة السجين من الانتهاء، مما سيثني المعتقلين عن تقديم هذه الطلبات".


دعم سياسي للعقوبات

بدوره، قال رئيس الحزب الجمهوري إريك سيوتي -في مؤتمر صحفي الخميس- إنّ "ما حدث يتطلب تغيير إطار العمل، وأي تقاعس سيُنظر إليه على أنه ضعف"، واصفا أعمال الشغب بـأنها "خطيرة وتهدد الجمهورية".

وفي سياق متصل، قدّم الجمهوريون سلسلة من 34 إجراء عقابيا وهجريا وتعليميا، من المقرر طرحها في شكل مشاريع قوانين في الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ في الأيام المقبلة، كما تضمنت مطالبهم تشديد قوانين الهجرة ووضعها على جدول أعمال الحكومة.

من جانبها، اعتبرت حليمة فوفانا الكاتبة السابقة في محكمة إيفري، في مقابلة تلفزيونية، أن العقوبات يجب أن تكون حازمة حتى يُقدَّم المعتقلون "مثالا" لمن يفكر في الشغب.

كما أرسل رون ألب رئيس المجلس الإقليمي في أوفيرني رسالة حازمة من روان، وهي بلدة متوسطة الحجم تضررت أيضا من أعمال الشغب في نهاية الأسبوع الماضي، قائلا "لقد أنشأنا ثقافة من الإفلات من العقاب في بلدنا، ومن الضروري أن يكون أي انتهاك للسلامة من الآن فصاعدا مرادفا لعقوبة تحرم الجناة من الحرية".

وفي حديثها للجزيرة نت، قالت المحامية كامي فانييه "نحن اليوم أمام عدالة سياسية وقمعية يقوم خلالها المدعون بتطبيق تعاميم لتنفيذ الأوامر الصادرة عن وزارة العدل، لكن المثير للدهشة في هذه القصة أنهم ينطقون بعقوبات ثقيلة جدا؛ امتثالا لتعليمات الوزارة".

وأضافت "وهذا يطرح مشكلة حقيقية بشأن استقلال العدالة في نظامنا الجمهوري الذي يقوم عادة على فصل السلطات لمعالجة القضايا بمعزل عن الحكومة".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: أعمال الشغب

إقرأ أيضاً:

دعوات بريطانية لمعاقبة مسؤولي مؤسسة غزة الإنسانية.. تحويل الجوع إلى سلاح

تقدمت "المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا" بطلب رسمي إلى وزارة الخارجية البريطانية تطالب فيه بفرض عقوبات بموجب "نظام ماغنيتسكي العالمي للعقوبات على منتهكي حقوق الإنسان" لعام 2020، وذلك على خلفية جرائم مروعة ارتكبها عدد من مسؤولي مؤسسة غزة الإنسانية (GHF) والمتعاقدين الأمنيين معها، بسبب تورطهم في عمليات قتل وإذلال بحق المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة.

قائمة سوداء لمتورطين دوليين

الطلب الذي أودعته المنظمة البريطانية لدى الخارجية تضمّن قائمة أسماء مسؤولين كبار في المؤسسة، ومعهم رؤساء شركات أمنية خاصة متورطة، أبرزهم: جوني مور الابن (الولايات المتحدة)، ديفيد بابازيان (أرمينيا ـ مقيم في المملكة المتحدة)، لولك صامويل هندرسون (الولايات المتحدة)، ديفيد كولر (سويسرا)، جيمسون غوفوني، مدير شركة UG Solutions الأمنية المتعاقدة مع المؤسسة، فيليب "فيل" رايلي، مدير شركة Safe Reach Solutions.

المنظمة أوضحت، في بيان لها أرسلت نسخة منه لـ "عربي21"، أن هؤلاء الأشخاص متورطون في إدارة وتنفيذ مشروع "مؤسسة غزة الإنسانية"، التي أنشئت بدعم مباشر من الولايات المتحدة وإسرائيل، والتي بحسب ما ورد في التقارير الحقوقية "حولت المساعدات الإنسانية إلى أداة إذلال جماعي ومصيدة موت للمدنيين".

عسكرة المساعدات.. وتسييس الجوع

المنظمة شددت في وثيقتها المقدمة على أن القائمين على المؤسسة كانوا يدركون منذ اللحظة الأولى أن المشروع يستهدف "عسكرة المساعدات الإنسانية"، وتحويلها إلى وسيلة لخنق سكان القطاع، عبر تقويض دور الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المستقلة.

وقد أنشأت المؤسسة أربع نقاط توزيع داخل القطاع، تقع فعليًا تحت سيطرة جيش الاحتلال الإسرائيلي، وتم تحويلها إلى مناطق عسكرية مغلقة. وعلى الأرض، كانت النتائج كارثية: أكثر من 600 مدني فلسطيني قتلوا، وأصيب أكثر من 4000 آخرين بجراح خطيرة، نتيجة إطلاق النار العشوائي من قِبل جنود الاحتلال والمتعاقدين الأمنيين على مدنيين جائعين اصطفوا في ممرات ضيقة طلبًا للطعام.

أدلة وشهادات موثقة

الطلب المقدم أرفق بتقارير من جهات دولية مستقلة، وشهادات ميدانية موثقة تؤكد فظاعة الانتهاكات. كما أبرزت المنظمة أنه لم يتم إصدار أي بيان إدانة من قبل مسؤولي المؤسسة رغم المجازر المتكررة، بل على العكس، صدرت تصريحات تنكر وقوع أي انتهاكات. هذا الصمت الرسمي ترافق مع عدم استقالة أي من المتورطين، ما يكشف ـ بحسب المنظمة ـ عن "إصرار ممنهج على مواصلة المشروع الدموي".

دعوة لحل المؤسسة ومحاسبة المسؤولين

المنظمة طالبت الحكومة البريطانية والمجتمع الدولي بالتحرك الفوري لحل مؤسسة GHF، وإعادة الاعتبار لدور مؤسسات الأمم المتحدة المعنية في تقديم الإغاثة الإنسانية. كما أكدت أنها تتابع تحركها القانوني بالتنسيق مع شركاء دوليين من أجل ملاحقة جميع المسؤولين أمام محاكم دولية وفي دول أخرى، تطبيقًا لمبدأ عدم الإفلات من العقاب.

واختتمت المنظمة بيانها بالتشديد على أن "استغلال حاجة الجائعين وتحويل المساعدات إلى أداة للقتل يُعدّ جريمة ضد الإنسانية بكل المقاييس، ويجب أن يُحاسب من تورطوا في هذا المشروع الإجرامي مهما كانت مناصبهم أو جنسياتهم".

تأتي هذه التطورات في وقت تزداد فيه الضغوط الحقوقية الدولية على إسرائيل وحلفائها بسبب الجرائم المرتكبة في قطاع غزة، وسط تدهور غير مسبوق في الوضع الإنساني بعد أكثر من 21 شهرًا من الحرب والحصار.


مقالات مشابهة

  • دعوات بريطانية لمعاقبة مسؤولي مؤسسة غزة الإنسانية.. تحويل الجوع إلى سلاح
  • نيروبي تحت حصار أمني ودعوات لإحياء رمزية سابا سابا ضد الفساد والقمع
  • تأجيل اولي جلسات محاكمة 89 متهم بالإنضمام لـ " لجان الشغب والعنف ضد مؤسسات الدولة "
  • إسرائيل تقر مشروع قانون لمعاقبة ضباط الجيش الداعين للتمرد
  • «قويرب» يبحث مع سفير فرنسا القضايا التي لها علاقة بدول البحر الأبيض المتوسط
  • مناقشة أمور الخدمة.. مقابلات البابا تواضروس اليوم مع الآباء الأساقفة| صور
  •  احتجاجات غاضبة في تعز بسبب أزمة المياه المتفاقمة
  • التضامن الاجتماعي وويل سبرنج تنفذان المرحلة الثانية لتأهيل مدربين متخصصين في تعزيز التواصل الأسري بين الآباء وأبنائهم
  • عدن تشتعل.. الانتقالي يصعّد الاعتقالات وسط احتجاجات شعبية غاضبة
  • اعتقال وزيرتين سوريتين سابقتين في إطار التحقيق بملف ‎أطفال المعتقلين