يقول الصحفي البريطاني جوناثان كوك إن البيت الأبيض يواجه معضلة، وإنه رغم قدرته على وقف الموت والدمار الذي تسببت فيه إسرائيل بغزة في أي وقت شاء، إلا أنه اختار ألا يحرك ساكنا.

وعلق في عموده بموقع ميدل إيست آي بأن الولايات المتحدة مصممة على دعم "دولتها العميلة" إلى أقصى حد، وهو ما يمنح إسرائيل تفويضا لتدمير القطاع الساحلي الصغير، مهما كانت التكلفة -على ما يبدو- في أرواح الفلسطينيين.

ولفت كوك إلى تحول الحرب الإسرائيلية المعلنة على حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إلى حرب مفتوحة على مستشفيات غزة، وهو ما صاحبه تزايد في غضب الرأي العام الغربي، وأصبح الحلفاء الغربيون يجدون صعوبة أكبر في إخفاء وتبرير تواطئهم في الجرائم الإسرائيلية ضد الإنسانية التي لا جدال فيها.

وأشار الكاتب إلى خروج الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن الصف في نهاية الأسبوع، عندما لخصت هيئة الإذاعة البريطانية رسالته بصراحة على النحو التالي "ماكرون يدعو إسرائيل إلى التوقف عن قتل النساء والأطفال في غزة".

حل الدولتين

وفي السر يناشد حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط واشنطن أن تستخدم نفوذها لكبح جماح إسرائيل. وفي الوقت نفسه تدرك واشنطن تماما مدى السرعة التي يمكن بها جر خصوم إسرائيل الإقليميين إلى التدخل، مما يؤدي إلى توسيع الصراع وتصعيده بشكل خطير.

ومع ذلك كان ردها الفوري يائسا وسخيفا وارتجاليا لتخفيف الانتقادات، بما في ذلك رسالة قدمها 500 موظف في الإدارة إلى الرئيس الأميركي جو بايدن الثلاثاء الماضي احتجاجا على دعم البيت الأبيض الشامل لإسرائيل.


وبدا واضحا هدف وزير الخارجية أنتوني بلينكن خلال قمة مجموعة السبع الأسبوع الماضي في تحويل التركيز بعيدا عن سياسات الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة، ودعم واشنطن لها، إلى مناقشة نظرية بحتة حول ما يمكن أن يحدث بعد انتهاء القتال والحاجة إلى تسليم السلطة في غزة "لقيادة فلسطينية محبة للسلام"، في إشارة إلى محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية. وهو ما وافقه فيه نظيره البريطاني السابق جيمس كليفرلي.

ومع ذلك يرى الكاتب أن هذه المناورة سيئة النية خارجة عن المألوف، حتى وفقا للمعايير الكاذبة المعتادة لبلينكن وكليفرلي، حيث تريد واشنطن ولندن أن نصدق، على الأقل أثناء ذبح الفلسطينيين كل يوم، أنهما جادتان في إحياء الجثة الهامدة لحل الدولتين.

وأردف الكاتب أن ما تحتاجه إدارة بايدن حقا هو قصة بديلة لتبرير استمرارها في توفير الأسلحة والتمويل الذي تحتاجه إسرائيل لارتكاب جرائمها في وضح النهار.

خداع البيت الأبيض

والحقيقة هي أن واشنطن تخلت رسميا عما يسمى بحل الدولتين منذ سنوات، مدركة أن إسرائيل لن تسمح أبدا حتى بالدولة الفلسطينية الأكثر تقييدا.

وكما تعلم إدارة بايدن جيدا، فإن إسرائيل لن تسمح أبدا بتأسيس قيادة فلسطينية "معتدلة" في غزة وتوحدها مع الضفة الغربية، وتعزيز قضية إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة.

وتابع كوك بأن أكثر خدع البيت الأبيض زيفا واحتيالا هو الافتراض بأن حماس، وبالتالي كل المقاومة الفلسطينية، يمكن استئصالها من غزة. وقال إن المقاتلين الفلسطينيين ليسوا قوة غريبة غزت القطاع، وليسوا محتلين، رغم أن هذه هي الطريقة التي تصورهم بها كل الحكومات ووسائل الإعلام الغربية. لقد خرجوا من رحم شعب عانى عقودا من الانتهاكات العسكرية والقمع الإسرائيلي. وحماس هي إرث تلك المعاناة.

إن سياسات الإبادة الجماعية التي تنتهجها إسرائيل، ما لم تكن تنوي إبادة كل فلسطيني في غزة، لن تؤدي إلى تهدئة جذوة المقاومة، بل ستؤدي ببساطة إلى تأجيج المزيد من الغضب والاستياء، ودافع أقوى للانتقام. وحتى لو قضي على حماس، فإن جماعة مقاومة أخرى، ربما أكثر يأسا وشراسة، ستظهر لتحل محلها.

وختم الكاتب مقاله بأن إسرائيل والولايات المتحدة تعرفان كل هذا أيضا. والتاريخ مليء بمثل هذه الدروس التي لُقنها المستعمرون والمحتلون الجشعون والمتغطرسون.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: البیت الأبیض فی غزة

إقرأ أيضاً:

رفح.. المدينة التي تحولت إلى أثرٍ بعد عين

بعد عام كامل على بدء العملية العسكرية الإسرائيلية على مدينة رفح جنوب قطاع غزة، لم تعد تُسمع فيها أصوات الحياة، بل حلّ محلها دويّ الانفجارات وهدير الجرافات وهي تلتهم ما تبقّى من المنازل والذكريات، مغيرة بذلك ملامح المدينة بالكامل.

تُظهر مقاطع فيديو نشرها جنود الاحتلال ووسائل إعلام عبرية حجم الدمار الكارثي الذي حلّ بأحياء سكنية كاملة؛ مبانٍ سُوِّيت بالأرض، شوارع دُمّرت بالكامل، ومعالم اندثرت كما لو أنها لم تكن يوما موجودة.

كل شيء مدمر بشكل كامل.. مشاهد تظهر حجم الدمار الذي خلفه الاحتلال في #رفح جنوب قطاع #غزة pic.twitter.com/8MzYnOuU4o

— Aljazeera.net • الجزيرة نت (@AJArabicnet) May 12, 2025

أثار العديد من مقاطع الفيديو المنتشرة عبر منصات التواصل الاجتماعي صدمة وغضبا واسعين بين مغردين فلسطينيين وعرب، بعدما أظهرت حجم الدمار الواسع والكبير الذي ألحقه الاحتلال الإسرائيلي بالأحياء السكنية في مدينة رفح.

ووصف المغردون ما يحدث بأنه جريمة موثقة بكاميرات الجنود، لا تُخفى، بل تُعرض على العالم بوقاحة على أنها "إنجازات عسكرية"، في مشهد يُقلب فيه الحق باطلا، وتُروَّج فيه الإبادة كنوع من الانتصار.

وتعليقا على هذه المقاطع، قال الناشط خالد صافي إن الاحتلال الإسرائيلي ما زال يوثق جريمته في مدينة رفح ويعرضها على العالم كأنها مجدٌ يُتفاخر به لا مجزرة تُدان، مشيرا إلى أن جنود الاحتلال لا يخفون أفعالهم، بل يصوّرونها بكاميراتهم، ويوثّقون الإبادة التي ارتكبوها بحق مدينة كاملة، ويجوبون أنقاضها بوجوه تتشح بالزهو لا بالخزي.

ما زال المجرم يوثق جريمته..
ويعرضها على العالم كأنها مَجدٌ يُتفاخر به لا مجزرة تُدان.
جنود الاحتلال لا يخفون أفعالهم، بل يصوّرونها بكاميراتهم، يوثقون الإبادة التي ارتكبوها بحق مدينة كاملة، ويجوبون أنقاضها بوجوهٍ تتشح بالزهو لا بالخزي.
فيديو نشره أحد الجنود يكشف ما لا يحتاج إلى… pic.twitter.com/sfF0ZgMRn5

— Khaled Safi ???????? خالد صافي (@KhaledSafi) May 12, 2025

إعلان

ورأى مغردون أن ما يحدث في رفح ليس مجرد احتلال أو اجتياح، بل "إزالة جغرافية كاملة" لإحدى محافظات القطاع الخمس، التي كانت تُشكّل بوابته الوحيدة نحو العالم، ونقطة اتصاله بالجغرافيا العربية.

كما أشاروا إلى أن هذا المسح لا يعني دمارا آنيا فقط، بل يُمثّل تعقيدا هائلا لأي محاولة مستقبلية لإعادة إعمارها، إن انتهت الحرب وسُمح بذلك أصلا.

وأكد آخرون أن رفح لم تُهدم فقط، بل أُعدِمت هويتها بالكامل، في ظل مواصلة الآليات الإسرائيلية تدمير أحيائها بشكل ممنهج وسريع، بعيدا عن الأضواء، وخارج نطاق التغطية الإعلامية.

شركات مدنية اسرائيلية تهدم ما تبقى في رفح pic.twitter.com/gJJ6Y73gQ9

— alam_mohaier83 (@alam_mohaier83) April 23, 2025

وأوضح عدد من المغردين أن رفح قد انتهت، ولم يبقَ من اسمها إلا "جنوب محور موراغ"، كما تسميها المؤسسة الأمنية الإسرائيلية. وكأن رفح بتاريخها وأحيائها ومآذنها وأسواقها ومساجدها وذكريات أهلها لم تكن أبدا.

وعلّق أحد النشطاء قائلا: "مدينة كاملة مُسحت، بيوت سُوِّيت بالأرض، شوارع دُكّت، أرواح صعدت بلا وداع، ومعالم اندثرت في صمت عالمي مخزٍ".

أما آخرون، فقد وصفوا رفح بـ"المدينة المنسية على هامش الخريطة"، حيث صمت الشوارع أبلغ من كل صراخ، وحيث يُدفن الحلم قبل أن يولد. بين أنقاضها تنكسر الأرواح كما تنكسر الحجارة تحت أقدام العابرين.

واعتبر مدونون أن رفح اليوم ليست مجرد مدينة أُزيلت عن الخارطة، بل شاهد على جريمة إبادة، جريمة محو جغرافي وتطهير عرقي كامل.

وتساءل مدونون آخرون: "هل نسينا أن مدينة تُباد أمام أعيننا؟ هل فقد الإعلام العالمي حسّه الإنساني إلى هذا الحد؟".

مقالات مشابهة

  • المتحدثة باسم البيت الأبيض تصف زيارة ترامب للإمارات بـ التاريخية
  • البيت الأبيض يُعلن عن تفاصيل صفقات ترامب في قطر البالغة 1.2 تريليون دولار
  • البيت الأبيض: الاتفاقات بين واشنطن والدوحة ستحقق تبادلا اقتصاديا 1.2 تريليون دولار
  • البيت الأبيض: ترامب دعا الشرع إلى الانضمام لاتفاقات أبراهام مع إسرائيل
  • البيت الأبيض يكشف عن أكبر اتفاقية دفاعية في التاريخ بين السعودية وأمريكا. .. 600 مليار دولار إجمالي استثمارات الرياض في واشنطن
  • الصحة العالمية تحذر من التأثير الدائم للجوع على جيل كامل بغزة
  • كبير مستشاري البيت الأبيض: المملكة شريك رئيسي في بناء مستقبل الذكاء الاصطناعي والابتكار
  • رفح.. المدينة التي تحولت إلى أثرٍ بعد عين
  • منظمة الصحة العالمية: الجوع سيؤثر بشكل دائم على جيل كامل بغزة
  • كاتب بريطاني يتساءل: متى يقول الغرب للجرائم في غزة كفى؟