مدبولي: القصف الإسرائيلي غير المسبوق بغزة يعكس قصور النظام الدولي
تاريخ النشر: 17th, November 2023 GMT
القى الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، اليوم، كلمة – افتراضيًا - نيابة عن الرئيس عبد الفتاح السيسي، أمام "قمة صوت الجنوب العالمي" المُنعقدة بالهند، افتراضيا.
واستهل رئيس مجلس الوزراء كلمته بالإعراب عن تقديره للجهود المبذولة من قبل حكومة الهند لتنظيم هذه القمة في هذا التوقيت المهم، حيث تعد فرصة للاستفادة من الرؤى ووجهات النظر التي تم طرحها خلال القمة الأولى لدول الجنوب العالمي في يناير الماضي، بهدف مواجهة التحديات غير المسبوقة التي تواجه دولنا، مؤكدًا أن التعاون بين مصر والهند في ظل هذه الظروف المفصلية يعد امتدادا للعلاقات التاريخية المشتركة بين الدولتين بوصفهما من المؤسسين لحركة عدم الانحياز التي دعمت مصالح الدول النامية خلال حقبة الحرب الباردة، وأكد أيضاً على أهمية استمرار هذا التعاون لتعزيز صوت الجنوب العالمي من أجل الحفاظ على مصالح البلدان النامية.
وتطرق رئيس الوزراء إلى أنه منذ تشكيل النظام العالمي في أعقاب الحرب العالمية الثانية، تعاني الدول النامية من اختلالات هيكلية على أصعدة مختلفة، مضيفا أن الدول النامية أيضا تواجه العديد من التحديات الناشئة الناتجة عن الأزمات العالمية المتعددة والمتعاقبة، فضلاً عن تصاعد التوترات الجيوسياسية والاقتصادية إلى مستويات خطيرة، لاسيما خلال الوقت الراهن.
وأضاف رئيس الوزراء: للأسف يتم التعامل بازدواجية في معالجة بعض القضايا الدولية التي لم يتم حسمها على مدار عقود، مؤكدًا: هذا واضح للجميع.
وفى هذا الإطار، أشار مدبولي إلى أن القصف الإسرائيلي غير المسبوق والعمليات المستمرة في قطاع غزة ما هي إلا شواهد على انحياز النظام الدولي وقصوره في التصدي لانتهاكات القانون الدولي، خاصة فيما يتعلق بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بإقامة دولة فلسطينية مستقلة باعتبار أن هذا هو الحل الوحيد لتحقيق السلام الشامل في الشرق الأوسط.
وفى سياق متصل، دعا الدكتور مصطفى مدبولي إلى ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار وإنهاء كل صور القتال، بما يسمح بحل الأزمة الإنسانية في غزة وتمهيد الطريق أمام الجهود السياسية الرامية إلى تحقيق السلام العادل والشامل والدائم.
كما أكد رئيس الوزراء أن معالجة هذه الاختلالات تتطلب إرادة سياسية جادة من المجتمع الدولي لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين، استناداً إلى مبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وسيادة الدول على أراضيها وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول، كما أشار إلى أهمية إصلاح البنية الاقتصادية العالمية التي تعاني من عدم التكافؤ والتوازن مما يجعلها غير قادرة على ضمان تحقيق العدالة لجميع البلدان.
وفي هذا الإطار، قال مدبولي؛ إن هناك حاجة ماسّة إلى إصلاح النظام المالي العالمي، بما يُعزز دور مؤسسات التمويل الدولية ويُجنِّب البلدان النامية حرمانها من جني مكاسب التنمية المستدامة التي تحققت بصعوبة، فضلا عن تعزيز جهود العمل المناخي للتغلب على تحديات تغير المناخ، كما أوضح أيضاً أن الأمر يستلزم توسيع قاعدة التمويل لدى بنوك التنمية متعددة الأطراف، وكذا تقييم أفضل البدائل لإعادة توجيه حقوق السحب الخاصة في صندوق النقد الدولي، كما أشار إلى أهمية تدبير تمويلات إضافية من مصادر مختلفة، بما في ذلك رؤوس الأموال الخاصة، مؤكدًا أن التمويل المرتبط بمواجهة التغيرات المناخية يجب أن يكون تمويلا إضافيا إلى جانب المساعدات التنموية الخاصة.
بالإضافة لذلك أوضح رئيس الوزراء أهمية التعامل مع مشكلة ارتفاع الديون السيادية الخارجية للبلدان النامية والتي ارتفعت إلى 11.4 تريليون دولار في عام 2022، وهو ضعف ما تم تسجيله خلال العقد الماضي، مشيرًا إلى أهمية الوضع في الاعتبار أن المسارات الحالية للديون تشكل تهديدا رئيسيا لاستقرار الاقتصاد الكلي والاستقرار المالي.
وفى سياق متصل، قال مدبولي إن هناك حاجة ماسة إلى اتخاذ إجراءات فعالة وملموسة لتجنب أزمة الديون العالمية، مشيرًا إلى أهمية تدشين آليات تتسم بالشمولية والفعالية والاستدامة للتعامل مع المشكلات ذات الصلة بالديون في البلدان منخفضة الدخل ومتوسطة الدخل، مضيفًا : نعول على الدور المهم الذي يمكن أن تقوم به مجموعة العشرين، باعتبارها لاعبًا رئيسيًا في تعزيز الحوكمة الاقتصادية العالمية، بما يُمكن من اتخاذ قرارات قابلة للتنفيذ.
وفى ختام كلمته، أكد مدبولي على الالتزام التاريخي للدولة المصرية بتعزيز صوت الجنوب العالمي في جميع المحافل، واستمرارها في القيام بهذا الدور في ظل الظروف الدولية المفصلية، خاصة في ظل انضمام مصر إلى مجموعة البريكس المرتقب في يناير المقبل، كما أعرب عن تطلعه إلى مواصلة العمل بشكل بناء مع البلدان النامية الأخرى لخلق المجتمع المستدام والمستقبل الذي يخدم المصالح المشتركة على أفضل وجه.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الجنوب العالمی رئیس الوزراء إلى أهمیة
إقرأ أيضاً:
تقاسم مناطق النفوذ.. كيف يغير ترامب النظام الدولي؟
تُثير السياسات الداخلية والخارجية للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، جدالات واسعة في العالم، فقد اتخذ سلسلة من المراسيم الرئاسية والأوامر التنفيذية التي مثلت تحدياً لعديد من الأفكار والممارسات الأمريكية التقليدية. ومع أن سياسة ترامب الخارجية لم تستقر معالمها بعد، فقد اقترح عدد من المعلقين أن الرئيس الأمريكي الحالي يُعيد إحياء سياسة تقسيم مناطق النفوذ في العالم بين الدول الكبرى، فيما يشبه ما حدث في مؤتمر “يالطا”، وهو المؤتمر الذي انعقد بمدينة يالطا السوفيتية في فبراير 1945، وحضره آنذاك الرئيس الأمريكي، ثيودور روزفلت، ورئيس الوزراء البريطاني، وينستون تشرشل، والزعيم السوفيتي، جوزيف ستالين، كإحدى حلقات الاتفاق على ترتيبات ما بعد الحرب العالمية الثانية، والذي تم فيه التوافق بين الدول الثلاث على تقسيم مناطق النفوذ في أوروبا بين الغرب والاتحاد السوفيتي، وذلك على شاكلة توزيع مناطق النفوذ بين القوى الكبرى في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
صفقة كبرى مع روسيا!
تنبأ أولئك المعلقون بأن هناك في الأفق “صفقة كبرى بين أمريكا ترامب وروسيا بوتين”، ووصفت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية المكالمة الهاتفية بين الرئيسين في 18 مارس 2025، بأنها “لحظة يالطا الخاصة بهما”. وفي هذا الإطار، تخوف الأوروبيون من أن تكون المكالمة هي بداية لرسم خريطة جديدة للنفوذ في أوروبا، وتقسيم مجالات أو مناطق النفوذ بين واشنطن وموسكو. ويستندون في ذلك إلى القبول الضمني لإدارة ترامب بفكرة أن لكل قوة كبرى منطقة نفوذ خاصة بها.
وتتمثل مظاهر هذه الفكرة في أوروبا، في التقارب الأمريكي مع روسيا وعدم اعتبارها عدواً أو المصدر الرئيسي لتهديد القارة العجوز، والذي ظهر في اتصال الرئيسين ترامب وبوتين هاتفياً ثلاث مرات في 12 فبراير و18 مارس و19 مايو 2025، استعادا فيها العلاقة التي نشأت بينهما خلال سنوات الولاية الرئاسية الأولى لترامب. واستمرت المكالمة الأولى لتسعين دقيقة، وحسب بيان البيت الأبيض عن المكالمة، فإنها تناولت سُبل إنهاء الحرب الأوكرانية وموضوعات أخرى مثل الطاقة والذكاء الاصطناعي. أما المكالمة الثانية، فقد استمرت لما يزيد على ساعتين، وهي أطول مكالمة هاتفية بين ترامب وبوتين، وتناولت تحسين العلاقات الثنائية، وتنسيق المواقف بينهما بشأن امتلاك إيران للسلاح النووي، وتعليق الضربات الروسية على البنية التحتية الأوكرانية تمهيداً لبدء عملية تفاوضية لوقف إطلاق النار.
ووصف ترامب المكالمة الثالثة مع بوتين، التي استمرت نحو ساعتين، بأنها “ممتازة”، مؤكداً بعدها أن روسيا وأوكرانيا ستباشران فوراً مفاوضات للتوصل إلى وقف لإطلاق النار. كما وصف بوتين هذا الاتصال بأنه “مفيد جداً”، مبدياً استعداد موسكو للعمل مع كييف على “مذكرة تفاهم” بشأن “اتفاقية سلام مُحتملة”، ومشدداً على الحاجة إلى إيجاد تسويات لدى طرفي النزاع.
وبعيداً عما تم الإعلان عنه، هناك ما يُشير إلى وجود مساحة تقارب بين الرئيسين الأمريكي والروسي للعمل المشترك، عبّر عنها الرئيس بوتين في تصريح له يوم 14 مارس الماضي، عندما وصف ترامب بأنه “ذكي وعملي” ويمتلك الخبرة والقدرة على إيجاد حلول. وتجلى هذا التقارب أيضاً في خطاب نائب الرئيس الأمريكي، جي دي فانس، في مؤتمر ميونخ للأمن في فبراير الماضي، الذي أشار فيه إلى أن مصدر التهديد لأوروبا ليس روسيا أو الصين أو أي مصدر خارجي آخر، وتابع: “الذي يقلقني أكثر من أي شيء آخر.. التهديد من الداخل الذي يتمثل في تراجع أوروبا عن بعض قيمها الأساسية”.
وأثارت هذه الكلمات حفيظة الحكومات الأوروبية؛ لكنها أدركت الرسالة التي تبعثها واشنطن، ومؤداها أن الأخيرة ليست مستعدة لاستمرار الدعم العسكري لأوكرانيا إلى ما لا نهاية، أو الدخول في مواجهة مفتوحة مع روسيا بهذا الشأن، وأنه من الممكن بدء المفاوضات بين موسكو وكييف للوصول إلى وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب، وهو ما بدأت تباشيره في الاجتماع الذي انعقد بين الطرفين في إسطنبول، يوم الخميس 15 مايو 2025. وعلى الرغم من الصعوبات التي أحاطت بهذا الاجتماع، فقد أسفر عن الاتفاق على تبادل ألف سجين من كلا الطرفين. وترافق ذلك مع تصريح الرئيس ترامب من أبوظبي، خلال جولته الخليجية، بأنه لن يحدث حل قبل لقائه مع بوتين.
وينطلق الحل الذي يقترحه ترامب من الإقرار بالأمر الواقع، وحقيقة ضم روسيا لشبة جزيرة القرم بعد حرب عام 2014، وسيطرتها على الأقاليم الأوكرانية الأربعة بعد الحرب الدائرة، والتي بدأت في فبراير 2022. كما ينطلق من قبول فكرة عدم انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي “الناتو” باعتباره استفزازاً غير مطلوب لروسيا.
وفي المقابل، دار حديث بين واشنطن وموسكو حول مستقبل العلاقات الاقتصادية بين البلدين، فزار المبعوث الاقتصادي الروسي، كيريل ديميرتيف، واشنطن في إبريل 2025، لبحث موضوعات اقتصادية شتى، منها فرص التعاون في مجال المعادن النادرة، والطاقة في القطب الشمالي، وعودة الشركات الأمريكية إلى العمل في السوق الروسية. فيما وقّعت الولايات المتحدة وأوكرانيا، في 30 إبريل الماضي، اتفاقية استثمار المعادن النادرة التي قضت بإنشاء صندوق استثماري مشترك لإعادة إعمار أوكرانيا واستغلال مواردها الطبيعية، على أن تقوم الشركات الأمريكية بالتنقيب والبحث عن هذه المعادن ويتم تقسيم الأرباح مناصفة. ورفضت واشنطن طلب كييف بتقديم ضمانات أمنية لها، واعتبرت أن وجود شركاتها ومهندسيها ومعداتها على الأرض هو ضمان كافٍ لأمن أوكرانيا.
العلاقات مع الصين:
من مظاهر سياسة تقسيم مناطق النفوذ في آسيا، العلاقات الأمريكية مع الصين. فمع أن ترامب يستخدم لهجة حادة معها، إلا أن مبدأ الواقعية الذي يلتزم به نهجاً وسلوكاً، وإدراكه لحقائق القوة الصينية وتقدمها التكنولوجي والعسكري؛ يجعل إدارته تبعث بإشارات عن الرغبة في إعادة ترتيب العلاقات بين البلدين بطريقة تُحافظ على توازن القوى، بما يتحاشى الدخول في صدام مباشر.
ومن أمثلة ذلك، ما حدث بشأن الرسوم الجمركية. فعندما ردت الصين برفع الرسوم على الواردات الأمريكية، فرض ترامب رسوماً إضافية بلغت 145%، وهو ما ردت عليه بكين أيضاً. وأدرك ترامب أن هذا الموقف لا يُمكن استمراره، فدعا إلى مفاوضات مع الصين، انتهت بتوقيع اتفاقية في جينيف شارك فيها وفدان برئاسة وزير الخزانة الأمريكي ونائب رئيس الوزراء الصيني، وأسفرت عن توقيع اتفاقية يوم 12 مايو الجاري، وضعت الأسس لإنهاء الخلافات التجارية بين البلدين.
ولا توجد مؤشرات علنية عن موقف الصين تجاه هذا الموضوع، ويؤكد خطابها السياسي في المناسبات كافة رفض تقسيم العالم إلى مناطق نفوذ بين القوى الكبرى، ويعتبر أن مثل هذه المفاهيم من الموروثات الاستعمارية التي ينبغي رفضها وعدم قبولها، وأن اكتساب النفوذ يكون من خلال الاستثمار في البنية التحتية والتكنولوجية، وليس عبر التحالفات العسكرية والاقتصادية التقليدية. وفي المُقابل، هناك من يرى أن السلوك الصيني في الممارسة يسعى إلى إبعاد الوجود البحري الأمريكي عن منطقة بحر الصين الجنوبي باعتبارها منطقة مصالح وأمن مباشرة لها، في الوقت الذي ترفع فيه شعار حرية التجارة.
تجاهل سيادة الدولة:
من تجليات موقف ترامب أيضاً، عدم تقديره لمبادئ سيادة الدولة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لها، واحترام حدودها الدولية. والذي ظهر في عديد من مواقفه وتصريحاته، مثل الحديث عن كندا باعتبارها الولاية 51 في الاتحاد الأمريكي، والمطالبة باستعادة قناة بنما، وضم جزيرة غرينلاند الدنماركية، وامتلاك قطاع غزة، وطلب مرور السفن الأمريكية في قناة السويس من دون دفع رسوم.
وتفصح هذه المواقف عن ازدراء ترامب لقواعد القانون الدولي ومبدأ سيادة الدولة، وتفتح الباب لسياسات الدول الكبرى لاقتسام مناطق النفوذ في العالم. ومن الأرجح أن هذا المسار يبدو أكثر جاذبية لترامب بدلاً من الصراع والمواجهة، خاصةً مع إدراكه أنه قد حدث تراجع في قوة الولايات المتحدة؛ بسبب السياسات الخاطئة التي اتبعتها الإدارات السابقة، وأنها تحتاج إلى فترة من التهدئة الدولية تستعيد فيها عناصر قوتها الاقتصادية.
وقد يؤدي مسلكه هذا إلى تشجيع القوى الإقليمية على توسيع نفوذها بناءً على حجج تاريخية. ومن ذلك مثلاً، ما دعا إليه رئيس الوزراء ووزير الخارجية التركي الأسبق، أحمد داوود أوغلو، في 12 فبراير الماضي، في اجتماع للكتلة البرلمانية لحزب “طريق جديد”، عندما ذكر أن الإمبراطورية العثمانية كانت آخر دولة حكمت قطاع غزة بطريقة شرعية، وتابع قائلاً: “ما زال الفلسطينيون يحملون الهوية العثمانية في وجدانهم وتاريخهم”. كما طالب بإعادة ربط قطاع غزة بالجمهورية التركية كمنطقة تتمتع بالحكم الذاتي.
تراجع الالتزامات الدولية:
أعادت واشنطن النظر في بعض التزاماتها الدولية، مثل الانسحاب من معاهدة باريس للمناخ، ومنظمة الصحة العالمية، ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وتراجع الاهتمام بالمنظمة الدولية عموماً، وفرضت عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية بدعوى انخراطها في أعمال “مُعادية للسامية”؛ مما يعني ابتعاد واشنطن عن النظام الدولي متعدد الأطراف الذي قامت بدور قائد في إرساء أركانه بعد الحرب العالمية الثانية.
ومن أمثله ذلك، قرارات ترامب الأحادية برفع الرسوم الجمركية في عام 2025، متجاوزاً في ذلك قواعد المنظمات الاقتصادية الدولية وعلى رأسها منظمة التجارة الدولية، واعتباره أن الدفاع عن أوروبا وحماية أمنها هو مسؤولية الدول الأوروبية نفسها؛ مما يؤدي إلى إضعاف حلف الناتو الذي ضمن أمن المنطقة الأطلسية على مدى أكثر من 75 عاماً، ويُعرض الأمن الجماعي للخطر في أوروبا الشرقية وآسيا، فضلاً عن إعلان الولايات المتحدة عزمها تخفيض عدد قواتها المسلحة في سوريا من ألفي جندي إلى نحو900 تقريباً في الأشهر القليلة المقبلة. وهكذا، فإن ترامب يُفضل بوضوح إبرام الاتفاقيات الثنائية مع الدول، بديلاً عن الالتزامات الجماعية متعددة الأطراف.
وسوف يكون من شأن سلوك ترامب، تأكيد مبدأ استخدام القوة في العلاقات بين الدول، وهو ما أسماه باستراتيجية تحقيق “السلام من خلال القوة”. وكذلك تغير الدور التقليدي للولايات المتحدة كضامن للنظام الدولي القائم على قواعد نظام الأمم المتحدة، كما أنه سوف يُوجد مجالاً للقوى الدولية الكبرى الأخرى والقوى الإقليمية لتعزيز نفوذها في مناطق العالم. وفي حالة حدوث ذلك؛ فإنه يضع الدول الصغيرة في موقف صعب للغاية في مواجهة تدخلات أطراف إقليمية ودولية أكبر وأقوى، ويحرمها من المساندة المعنوية التي كان يوفرها النظام الدولي، وذلك في سياق يتسم بازدياد احتمالات الفوضى الدولية.
وإذا كان من الأرجح أن يستمر ترامب في سياسة تقاسم مناطق النفوذ مع القوى الكبرى، فإن السؤال هو إلى أي مدى سوف تجاريه موسكو وبكين في هذا الشأن؟
” يُنشر بترتيب خاص مع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبى ”