في الإعلام ومواقع التواصل.. لماذا يتزايد التأييد الشعبي في روسيا للفلسطينيين؟
تاريخ النشر: 17th, November 2023 GMT
موسكو– تخطت أحداث غزة والحرب التي تشنها إسرائيل على القطاع ملف الحرب الأوكرانية، من حيث الأهمية وحجم التغطية لدى وسائل الإعلام الروسية، وذلك لأول مرة منذ عامين تقريبًا، أي منذ انطلاق ما تسميها روسيا "العملية العسكرية الخاصة".
وأصبح من اللافت كثافة متابعة وسائل الإعلام الروسية التطورات في غزة على مدار الساعة، لكن الملاحظ بشكل أكبر هو حجم تفاعل المواطنين العاديين مع هذه الأحداث، لا سيما عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما يعد ظاهرة غير مسبوقة في تناول أحداث تدور خارج روسيا والفضاء السوفياتي السابق عمومًا أو خارج أحدهما.
بالموازاة مع ذلك، تراجعت بسرعة السردية التي روجت لها بعض وسائل الإعلام الروسية في بداية الأحداث، والتي حاولت الإيحاء بأن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) هي التي بدأت الحرب على إسرائيل، وأن ما تقوم به إسرائيل هو دفاع عن النفس، إذ اتجهت البوصلة بعد ذلك إلى تسليط الضوء على "تحيز" وسائل الإعلام الغربية لإسرائيل والتغطية على الجرائم التي تقوم بها ضد سكان القطاع والبنى التحتية.
ومن الجدير بالذكر كذلك أن وسائل الإعلام في روسيا ركزت على هذه المعطيات لأسباب عدة، من بينها توضيح منطلقات الموقف الروسي وأسبابه، لا سيما في أروقة الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية الأخرى، إضافة إلى كشف انحياز وسائل الإعلام في الغرب لإسرائيل، وفي ثنايا ذلك أعطت "أدلة جديدة" على أن هذه الوسائل كانت على الدوام منحازة في تغطيتها للحرب لصالح كييف.
لكن المقاربة والتفاعل يبدوان أكثر قوة بعيدًا عن وسائل الإعلام الرسمية، حيث القيود والاعتبارات السياسية، تحديدًا في وسائل التواصل الاجتماعي، التي تحولت إلى ساحة حرب رقمية حقيقية بين المؤيدين للفلسطينيين من جهة والمؤيدين لإسرائيل من جهة أخرى.
وتشير عينات كثيرة من المواد المنشورة وحجم التعليقات وتوجهاتها على هذه الوسائل إلى أن نسبة التأييد للفلسطينيين تزداد بشكل واضح وباتت هي الأكبر.
ولا ينحصر ذلك في مواقف سكان الجمهوريات ذات الأغلبية الإسلامية في روسيا، حيث تجاوزت أشكال التضامن مع الفلسطينيين هامش التفاعل المعنوي والخطابي والتعليقات المؤيدة، لتنتقل إلى أشكال جديدة ميدانية، بل وفي مواقف شرائح واسعة من المواطنين الروس غير المسلمين.
أسباب التغيرمن جانبه، يوضح محلل الشؤون السياسية سيرغي بيرسانوف التغير في الرأي العام الروسي لمجموعة من الأسباب، أبرزها الدور الذي لعبته المقاطع "الفظيعة" التي تظهر وحشية الجيش الإسرائيلي في التعدي على المدنيين واستهداف البنى التحتية، لا سيما المستشفيات ودور العبادة، التي لا يمكن للعقل تقبلها في أي حال من الأحوال، حسب تعبيره.
ويشير بيرسانوف، في حديث للجزيرة نت، إلى أن الأجيال الأكثر تقدمًا في السن تملك معرفة "أوسع" بالتاريخ وقدرة أكبر على فهم الأحداث السياسية، بحكم أنها عايشت مرحلة الدعاية الإعلامية السوفياتية، التي كانت على مدى عقود معادية للصهيونية ومؤيدة للقضية الفلسطينية.
ومن بين الأمور التي أشار إليها المحلل السياسي نفسه موقف إسرائيل من الحرب في أوكرانيا والتردي غير المسبوق في العلاقات بين موسكو وتل أبيب الذي نشأ نتيجة له، والذي لم يعد سرًا أو من "المحرمات".
ويأتي ذلك على الرغم من أن أغلب العاملين في الصحافة الروسية من جيل مرحلة "التسعينيات" المقربين فكريًا إلى المواقف الغربية، حسب المحلل الروسي الذي أشار أيضا إلى أصحاب "المواقف القومية المسبقة" الذين شكلوا لسنوات طويلة حاجزًا أمام معرفة المتلقي الروسي لحقيقة الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، و"قاموا بخلط متعمد وغير بريء، استمر لسنوات طويلة، بين حركات التحرر الوطني والمنظمات الإرهابية".
تقرير المصير
وفي الحديث عن أشكال التفاعل الشعبي في روسيا مع الأوضاع في غزة، لا بد من الإشارة إلى قيام أفراد ومجموعات روسية بترجمة أفلام وثائقية ومقابلات مع مسؤولين وخبراء عرب وأجانب من لغات أجنبية إلى اللغة الروسية تتناول وتوضح المسار التاريخي لنشوء الاحتلال الإسرائيلي.
وتظهر نماذج من التعليقات اعتراف أعداد كبيرة من المشاركين بأنهم -لأول مرة- يطلعون على وجهات نظر وحقائق تخالف تلك التي نشؤوا عليها في السابق، والتي كانت في جلها شبه متطابقة مع الرواية الإسرائيلية.
ويشير الباحث في علم النفس الاجتماعي فلاديمير كوشول، في حديثه مع الجزيرة نت، إلى مجموعة من الأسباب أسهمت في التأثير على رأي المتلقي العادي وصياغة مواقفه، من بينها ما يتعلق بمبدأ حق تقرير المصير، إذ إن أغلبية الروس -وفق تقديره- ترى أن ما يعانيه أهالي قطاع غزة يلتقي في هذه الجزئية مع ما كان يعانيه لسنوات طويلة سكان الدونباس، ومن ثم فإن مقاومة أهالي القطاع للاحتلال تعد شرعية من وجهة نظر هؤلاء.
"عدو عدوي صديقي"
ويلفت فلاديمير كوشول كذلك إلى "السقوط المهني والأخلاقي لوسائل إعلام غربية"، وكيف ترك بصماته على المتلقي الروسي، الذي تمثل في بث أخبار ومقاطع فيديو مزوّرة أو مغلوطة، مثل الزعم بقيام عناصر المقاومة بقطع رؤوس أطفال إسرائيليين، قبل أن يتكشف أن الحادثة عبارة عن تزوير حقائق وسياسة منهجية لدى تلك الوسائل، تسببت ليس في تورط رئيس أقوى دولة في العالم (جو بادين) بتصديق أكاذيب فقط، بل في فقدان مصادر الأخبار الغربية مصداقيتها.
علاوة على ذلك، يعتقد كوشول أن ربط وسائل الإعلام الأوكرانية والغربية على حد سواء بين الحرب في غزة والحرب في أوكرانيا لعب دورًا عكسيا لدى المتلقي الروسي "المحايد أو اللامبالي"، الذي بات جزء منه ينطلق في الموقف من الأحداث في غزة من مقولة "عدو عدوي صديقي".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: وسائل الإعلام فی روسیا فی غزة
إقرأ أيضاً:
قرقاش: مليشيات وسائل التواصل وإعلام القاع يبثون حملات مغرضة
دبي: «الخليج»
بحضور سمو الشيخ منصور بن محمد بن راشد آل مكتوم، رئيس اللجنة الأولمبية الوطنية وسمو الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم، رئيسة هيئة الثقافة والفنون في دبي، أكد الدكتور أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لصاحب السمو رئيس الدولة، أن العالم يمر حالياً بمرحلة من عدم اليقين، سواء في القطاع التكنولوجي وما يشهده من متغيرات متسارعة في الذكاء الاصطناعي، أو في الاقتصاد العالمي الذي يعلي مفهوم «الاقتصادات الوطنية والحمائية»، أو في النظام الدولي بشكل عام.
وأكد أن هناك نهجاً جديداً في السياسة الخارجية الأمريكية يضع المصلحة الأمريكية فوق كل اعتبار، كما أن العالم العربي يشهد تغيراً كبيراً وسقوطاً لأيديولوجيات استمرت لسنوات وأحدثت تأثيرات سلبية، مشيراً إلى أن لبنان وسوريا مثال على هذا التغيير وتسيران في الاتجاه الصحيح بتعاون مع المجتمع الدولي.
وقال: إن دولة الإمارات تقدم رسائل إيجابية من خلال تجربتها الناجحة وسياستها الواقعية التي تولي أهمية كبيرة للأمن والاستقرار والازدهار وتحسين المستوى المعيشي للسكان والاهتمام بالتعليم والتكنولوجيا الحديثة وفي نفس الوقت فإن لديها مسؤولية كبيرة تجاه مرحلة «عدم اليقين» وعدم الوضوح في المجالات التكنولوجية والاقتصادية والسياسية على المستويين الإقليمي والعالمي.
جاء ذلك خلال جلسة رئيسية ضمن قمة الإعلام العربي 2025، حملت عنوان «تداعيات الفوضى وتحديات صناعة الاستقرار»، حضرتها منى غانم المرّي، نائب الرئيس والعضو المنتدب لمجلس دبي للإعلام، رئيسة نادي دبي للصحافة، رئيسة اللجنة التنظيمية للقمة وأدار الحوار طاهر بركة، الإعلامي بقناة العربية.
وقال قرقاش: «من الدروس المؤكدة جداً خلال الثلاث سنوات الماضية منذ بدأت أحداث غزة هو سقوط ذريع للأيديولوجيات في العالم العربي ومع هذا فإن كثيرين في عالمنا العربي لا زالوا غير واقعيين ومتشبثين بهذه الأيديولوجيات التي ثبت فشلها وتأثيرها السلبي».
وأضاف: إن هناك حاجة ملحّة لانتهاء «زمن الأيديولوجيا» في السياسة العربية لأنها كرست الطائفية والاحتقان وتقزيم دور الدولة، مؤكداً أن هذا التصلب الأيديولوجي لا يتواءم مع الفكر والثقافة العربية الأصيلة والمعتدلة.
وأضاف: إن هناك حاجة للواقعية والالتفات لأمور مهمة كتحسين المستوى المعيشي وخلق فرص العمل وتطوير التعليم وتحقيق مقومات الازدهار والاستقرار الاقتصادي والبحث في سبل معالجة أسباب هجرة الشباب إلى الخارج والنظر للمستقبل، مؤكداً أن دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية وبقية دول الخليج تقدم رسائل إيجابية في هذا الشأن.
وأكد أنور قرقاش، على أهمية إعلاء مفهوم الدولة الوطنية في عدد من الدول، حيث إن من غير الواقعية أن تقودها مليشيات أو أن يوجد في الدولة الواحدة جيشان وما يتسبب فيه ذلك من تداعيات سلبية على جميع المستويات، مضيفاً: إن التشبث بالشعارات أدى إلى تردي الأوضاع في العديد من الدول العربية واستمرار احتجازها في «عنق الزجاجة».
وأشار إلى أن لبنان وسوريا في طريقهما للخروج من هذا الوضع المتأزم وإن كانت هناك قوى تريد جذبهما إليه مرة أخرى وإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه وهو ما يجب التصدي له بدعم هاتين الدولتين العربيتين الشقيقتين لأن استقرارهما وانتعاشهما من جديد يمثل إضافة إيجابية للوطن العربي، متمنياً لهما ولحكومتهما الجديدتين كل النجاح.
وأضاف: إن دولة الإمارات تحتضن الكثير من الجنسيات العربية التي تبدع وتشارك بإيجابية في التنمية والتطور وبالتأكيد فإن هذا الإنسان العربي الذي يبدع وينتج هنا يمكنه أن يبدع وينتج ويتفوق على نفسه ويسهم في تنمية ونهضة بلاده إذا توفرت له البيئة المشجعة على ذلك.
وقال: إن دولة الإمارات تصوغ سياستها الخارجية وفق قرار وطني وأن هذا الأمر يرتبط بالسيادة الوطنية، مؤكداً أن البعض يستخدم من موضوع التطبيع «شعاراً سياسياً وفزاعة» للتغطية على الفشل الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والاحتقان الداخلي بدلاً من التعامل بواقعية مع التحديات الاقتصادية والمعيشية لتحسين أحوال الناس وخلق فرص عمل والاهتمام بالتعليم وتحقيق الرخاء والازدهار.
وأكد أن إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل لم يأتِ على حساب النهج الثابت لدولة الإمارات في دعم القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته، مشيراً إلى أن لغة الأرقام أصدق من أي ادعاءات فارغة، وقال: إن دولة الإمارات أسهمت بأكثر من 42% من إجمالي حجم المساعدات الإنسانية التي دخلت غزة منذ أحداث السابع من أكتوبر.
كما أكد أن الحملة الإعلامية ضد الإمارات مصطنعة ومغرضة وقال: إننا نترك الحكم على التجربة الإماراتية للآخرين، فإنجازاتنا ونجاحاتنا تتحدث عن نفسها وتحظى بتقدير عالمي كبير ومن ينظر إلى الإمارات بموضوعية مثلما هو الحال في الإعلام «الرصين»، يجد نفسه أمام تجربة رائدة في الازدهار الاقتصادي والمجتمعي والسياسي والتكنولوجي والسياحي.
وتابع قرقاش: «إنه لا يمكن التوقف عند هذه الحملات المغرضة التي تبثها مليشيات وسائل التواصل الاجتماعي وإعلام القاع، بل نترفع عنها ونواجهها بالسردية الإيجابية لتجربتنا الناجحة».
وأعرب عن قناعته بأن القطاع الإعلامي هو أيضاً في مفترق طرق ويمر بحالة من عدم اليقين لارتباطه بالذكاء الاصطناعي الذي يشهد تغيراً متلاحقاً، مؤكداً أن مواكبة أو عدم مواكبة هذه المتغيرات هي التي ستحدد المؤسسات الإعلامية التي ستختفي وتلك التي ستبقى أو ستصعد.
كما أكد أن دولة الإمارات تولي قطاع التكنولوجيا والاستثمار فيه أهمية كبيرة باعتباره استثماراً في المستقبل ولهذا فإن لدينا اتفاقيات كبيرة في هذا المجال مع الولايات المتحدة وفرنسا وغيرهما من الدول.