كشف تفاصيل نهاية الحرب في اليمن… الشرعية والحوثيون في الرياض لصنع سلاما مرتقبا برعاية سعودية
تاريخ النشر: 17th, November 2023 GMT
وكشف مصدر حكومي رفيع عن حراك دبلوماسي مكثف يشهده ملف الأزمة، كان من بينه الاجتماع الذي ضم رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، وأعضاء المجلس، بوزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان آل سعود، في إطار النقاشات التي تحضر للتوصل إلى اتفاق على إطار سلام بين الشرعية وميليشيات الحوثي من مراحل مزمنة عدة برعاية المملكة والأمم المتحدة.
وبحث "آخر التطورات والمستجدات في الشأن اليمني، والجهود المشتركة لدعم مسار السلام بما في ذلك التعاون والتنسيق بين الجانبين في شأن خريطة الطريق المطروحة من الأشقاء بالسعودية".
وكشف المصدر عن أن الاتفاق الذي قال إنه "قريب" دون مزيد من التفاصيل، سيتضمن إجراءات إنسانية وسياسية، وفي مقدمها تمديد الهدنة الإنسانية وفتح مطار صنعاء أمام رحلات أوسع واستئناف تصدير النفط من الموانئ اليمنية وتوحيد العملة وصرف مرتبات الموظفين العموميين والعسكريين في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية ومناطق سيطرة حركة الحوثي والسماح للحكومة الشرعية باستئناف تصدير النفط والغاز، إضافة إلى فتح الطرقات في تعز وبقية المناطق وإطلاق سراح الأسرى ضمن الاتفاق الموقع بين الحكومة والجماعة المدعومة من إيران في سويسرا (2018) كتمهيد يسبق استكمال الإجراءات السياسية الأخرى التي ستناقش ترتيبات إدارة وشكل الدولة في وقت لاحق بالانتقال نحو مفاوضات يمنية - يمنية واسعة برعاية الأمم المتحدة، وإشراف المجتمعين الدولي والإقليمي.
ترحيب وتحذير وعلى رغم خشية الحكومة الشرعية من بحث "فرص استئناف مسار السلام في ظل التعنت المستمر من جانب الميليشيات الحوثية وانتهاكاتها الجسيمة لحقوق الإنسان وتصعيدها العسكري على مختلف الجبهات"، فإن رئيس المجلس الرئاسي وأعضاء مجلسه أكدوا "دعمهم الكامل للمساعي السعودية من أجل تجديد الهدنة وتخفيف معاناة الشعب اليمني وإطلاق عملية سياسية شاملة تضمن استعادة مؤسسات الدولة والأمن والاستقرار والتنمية في البلاد".
وبهذا الشأن أشاد العليمي "بموقف السعودية الثابت إلى جانب الشعب اليمني وقيادته السياسية في مختلف المراحل والظروف وحرصها المستمر على إنهاء المعاناة الإنسانية التي صنعتها الميليشيات الحوثية المدعومة من النظام الإيراني".
وعلى مدى الأيام الماضية شهدت الرياض تحركات مكثفة تزامناً مع أحاديث عن اتفاق على إطار سلام مرتقب، إذ عقد الرئاسي اليمني ثلاثة اجتماعات شملت المبعوثين الأممي والأميركي إلى اليمن ولقاءً مع وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان، رحب الرئاسي خلالها "بجهود دعم تجديد الهدنة وتحقيق السلام الشامل في اليمن وفق المرجعيات الأساسية المتفق عليها".
بين التفاؤل والواقع على رغم تشكيك عدد من السياسيين اليمنيين في نوايا الحوثيين ومدى التزامهم أية اتفاقات استناداً إلى التاريخ حافل تحتفظ به الجماعة تتهم فيه بنقضها والانقلاب عليها انطلاقاً من مشروعها المسلح الذي لا ترى وجودها خارجه، فإن الشارع اليمني يترقب الجهود السعودية بشيء من التفاؤل على أمل وضع حد لمعاناته المستمرة جراء استمرار الصراع، خصوصاً والاتفاق المرتقب يتضمن بنوداً تمس معاناته بشكل مباشر، وفي مقدمها صرف المرتبات وتبادل الأسرى وفتح الطرقات والمعابر والمطارات.
ومر عام كامل على الهدنة الأممية التي أعلنت بين أطراف الحرب في اليمن (دخلت حيز التنفيذ في الثاني من أبريل (نيسان) 2022)، لكنها انتهت في أكتوبر (تشرين الأول) واستمرت من دون اتفاق على تجديدها، في ظل رفض الحوثيين تمديدها، حيث وضعوا عدداً من "الشروط التي لا تنتهي" للموافقة عليها، وفقاً للسردية الحكومية حينها.
اتفاق كبير كان وزير الخارجية اليمني أحمد عوض بن مبارك قد التقى أول من أمس الثلاثاء المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، وناقش معه جهود السلام الأخيرة، فيما أعلنت الخارجية الأميركية، أول من أمس الثلاثاء، عن توجه المبعوث الخاص لليمن تيم ليندركينغ، إلى الخليج لدفع جهود السلام في البلاد.
وذكرت وسائل إعلام محلية ودولية أن مجلس القيادة الرئاسي اليمني سيجتمع الأربعاء أو الخميس، لمناقشة الرد الحوثي والأفكار المطروحة للمضي قدماً في عملية السلام، مشدداً على أن الشرعية اليمنية حريصة جداً على السلام، لا سيما مع تأكيد رئيس مجلس القيادة رشاد العليمي خلال القمة العربية الإسلامية الأخيرة أهمية استغلال الحوثيين فرصة السلام الحالية.
من جانبه، أكد وزير الدولة أمين العاصمة في الحكومة الشرعية عبدالغني جميل عبر حسابه على منصة "إكس" أن هناك اتفاقاً كبيراً سيعلن عنه قريباً بين الحكومة الشرعية وجماعة الحوثي بوساطة سعودية".
يذكر أن مفاوضات مباشرة جرت بين السعودية والحوثيين في وقت سابق من هذا العام، وتبادل الطرفان خلالها الزيارات بين صنعاء والرياض في إطار مساعي السعودية إلى وضع حد للأزمة المتفاقمة في البلد الجار
المصدر: مأرب برس
كلمات دلالية: الحکومة الشرعیة
إقرأ أيضاً:
نهاية القتال في السودان… تجميد الحرب
توقّع مراقبون ومحلّلون كثيرون منذ 15 إبريل/ نيسان 2023 أن نهاية الحرب ستكون بانتصار الجيش على قوات الدعم السريع. ورغم أن الحرب لم تنتهِ، حدث ما كان متوقّعاً؛ اعتبر الجيش تحرير كامل ولاية الخرطوم نهاية مرحلةٍ من الحرب. فاسترداد العاصمة، ودعوة سكّانها إلى العودة، شهادة نصر كُبرى لا يمكن أن يضيّعها عاقل، لكنّها شهاة النصر التي تُستغَّل لتطبيع واقع الحرب بعيداً من المركز.
تلقّت قوات الدعم السريع هزائمَ متتاليةً في جبل موية وسنّار وولاية الجزيرة، ثمّ العاصمة الخرطوم. كما تكرّر فشل اقتحامها مدينة الفاشر، التي بقيت تقاوم في ظروف إنسانية معقّدة، وسط انتهاكاتٍ لا تتوقّف من قوات الدعم السريع في حقّ المدنيين المحاصرين داخل المدينة. وظلّ السؤال منذ اليوم الأول للحرب (لدى من يدينونها) هو سؤال التكلفة. سينتصر الجيش النظامي على المليشيا، لكنّ المليشيا قادرة على أن تؤذيه وتؤذي المواطنين. قال العسكريون والمسؤولون في أيّامها الأولى إنها حرب سريعة.. ساعات.. أيّام.. أسابيع. وفي العام الثالث، الذي ما زالت الحرب فيه مشتعلةً، يُحدّثنا المؤيّدون للجيش عن الحرب العادلة التي تستحقّ أن تُخاض مهما كانت الخسائر (!).
ستصبح كلّ انتهاكات الحرب (من طرفيها) في أماكن سيطرة الجيش مجرّد ثمن كان لا بدّ من دفعه لأجل التحرير والانتصار. لن يُسمَح بأسئلة عمّن صنع المليشيا، لأنه ما زال يصنع المليشيات. لن يكون من المقبول أن تسأل عمّن مدّد المليشيا ومنحها حمايةَ المقرّات الاستراتيجية، لأنه ما زال في قمّة السلطة ويحتفل بنصره. ولا يجوز السؤال عن التقصير، فالمقصّر يستطيع أن يتّهمكَ بالخيانة.
إعلان النصر في الخرطوم (نصر كبير ومهمّ لرمزية العاصمة)، ولأنها كانت تضمّ نحو ربع سكّان السودان لتَركّز الخدمات فيها، يتجاهل الخسائر كلّها التي كان يمكن تفاديها لو أن حليفَي المجلس العسكري اللذَين ورثا نظام الرئيس عمر البشير معاً، ثمّ قتلا المتظاهرين والمحتجّين معاً، ثمّ مدّدا علاقاتهما الإقليمية والدولية معاً وانقلبا على الحكومة الانتقالية المدنية معاً... نقول، لو أن حليفَين بينهما تاريخ يرجع إلى حرب دارفور وانتهاكات الحكومة السودانية المتّهمة بالإبادة الجماعية توافقا، لما دفعت البلاد ثمناً غالياً لرغبات سلطوية لأصدقاء الإبادة الجماعية القدامى.
لكنّ تضارب مصالح الحليفَين جعل حربهما تتحوّل حرباً أهليةً يقاتل فيها السودانيون بعضهم بعضاً، وعمّقت بُعدها الإقليمي والدولي، إذ جعلت السودان أرض الفرص التي يتداعى لها الخصوم لاستنزاف بعضهم في أرض لا تعني لهم شيئاً. إنها الوصفة التقليدية للحروب الأهلية. وبرغم أن السودان خبير في هذه الحروب، إذ خاضها ضدّ نفسه منذ العام 1955 قبل استقلاله بأشهر، إلا أنه يكرّرها وهو ينكرها. فلم تعترف الأنظمة الحاكمة المتعاقبة (عسكرية ومدنية) بأن حربَ الجنوب حربٌ أهليةٌ، إنما عدّتها مجرّد "تمرّد عسكري" مدعوم إقليمياً ودولياً، ومن مجلس الكنائس العالمي. الحرب التي اعتبرها العالم كلّه أطول حربٍ أهليةٍ في أفريقيا لا نعترف في السودان بأنها حرب أهلية. أمّا حرب دارفور التي جعلت السودان يُعرف على المستوى العالمي بالإبادة الجماعية والتهجير القسري والعنف الجنسي وجرائم الحرب، فأصرّ نظام الحركة الإسلامية والجيش (حتى يومنا هذا) على إنكار أنها حرب أهلية، وإنما هي تمرّد مجموعات أفريقية مدعومة من الصهيونية لتكوين دولة الزغاوة الكبرى في إقليم دارفور ودولة تشاد (!).
وفي الحرب الأهلية الحالية، يواصل النظام العسكري السير في الطرق نفسها التي مشت فيها الأنظمة العسكرية السابقة؛ التركيز في الحسم العسكري؛ إنكار الحرب الأهلية؛ التركيز في البعد الخارجي؛ اتهامات العمالة؛ والحديث عن دولة العطاوة الكُبرى التي تجمع عرب أفريقيا. وعلى الجانب الآخر، فإن قوات الدعم السريع، المهزومة في العاصمة الخرطوم، أعلنت توقّف العمليات العسكرية لتتفرّغ لتأسيس الدولة. وهو إعلان خجول لوقف إطلاق النار من جانب واحد، رغم تهديدات المليشيا المتغطرسة في الأيّام السابقة. هذه الأحداث المتسارعة ربّما تعيد إلى الأذهان ما يتردّد منذ أسابيع عن تفاوض سرّي، وعن ترتيبات لتجميد وضع الحرب. لكن، ما سيؤكّد هذا (للأسف) سيكون الخبر السيئ بتكوين حكومة موازية في مناطق سيطرة "الدعم السريع"، التي تقلّصت إلى أقلّ من نصف ما كانت تسيطر عليه قبل عام.
ما لم يتغيّر اتجاه الريح، فإن الحرب السودانية ستتجمّد، ما لم يواصل الجيش تقدّمه ويستمرّ انهيار "الدعم السريع" (وهو احتمال وارد). لكن ما تتحدّث به دوائر السياسة يميل للتجميد، وهذا أمر سنعلم حقيقته خلال أيّام. ومع العجز إلا عن التمنّي، فإن المرء يتمنّى ألا يزداد وضع الحرب تعقيداً بإعلان حكومة موازية.
العربي الجديد