عربي21:
2025-07-12@05:23:29 GMT

صدمة المعايير وثورة الإنسان في غزة

تاريخ النشر: 20th, November 2023 GMT

حين يبلغ مجتمع حالة من الامتلاء الروحي ويتعالى عما هو معتاد في عالم الأشياء، فإن يمتلك حتما معايير ذهنية وروحية مختلفة تماما عما هو سائد بين عموم البشر سواء في الحكم على الأشياء أو في الحكم على الأحداث، وسواء في النظرة إلى الجغرافيا وسواء في النظرة إلى الزمن.

عملية طوفان الأقصى لم تكن مجرد منازلة عسكرية أو مجرد استعراض لرشاقة قتالية، بل كانت "تجليا" معنويا في لحظة امتلاء روحي بعد فترة غير قصيرة من الإعداد والإمداد وبعد جهد غير قليل في التنشئة والتعبئة.



إن العالم بما يرزح تحته من أثقال الأشياء وبما يخالط نفسه وعقله من الأهواء والأنانية والشهوانية لا يمكنه أن ينظر لما حدث فجر 7 تشرين الأول/ أكتوبر نظرة فهم وتقدير، وذلك لعدم امتلاك المعايير العقلية والروحية المؤهلة لفهم لحظة "التجلي" تلك ولاستيعاب فيضها المعنوي والروحي والأخلاقي والفلسفي.

ينظر العالم المثقل بالأشياء الى غزة على أنها منطقة حرب تقيم فيها مجموعة بشرية متدربة على القتال وتحمل فكرة معادية.. لا يفهم هذا العالم الذي غرق في "التفاهة" والذي يعاني فراغا تحت سطوة اللا معنى؛ كيف "يحيا" أهل غزة، وكيف تكون فلسفة الحياة مختلفة تماما عندهم عن عادة "العيش"، وكيف يخترق مفهوم الزمن في غزة الزمن الدنيوي ليفتح مباشرة ودون توقف على عالم الآخرة.

غزة منشأ لإنسان جديد يقدم عرضا غير مسبوق في فلسفة الحياة سيحتاج عالم الأشياء جهدا غير يسير لمغادرة منطقة "العيش"؛ عله يفهم بعض غزة وعله يمتلك معايير للحكم عما يحدث وعما سيحدث بعيدا عن الأرقام وعن الصورة وعن خراب أصاب الإنسان المتداعي قبل أن يصيب الجدران وخرسانات الإسمنت والحديد.

في عالم الأشياء تُحسبُ المكاسب والخسائر أرقاما وكمياتٍ، وهي عملياتُ إحصاء لما يتبقى أو لما يزول من بعد بقاء الفرد على قيد "العيش"، فالفرد هنا هو المعنيُّ بقبض المكاسب أو دفع الخسائر، وهنا لا وجود لمفهوم التضحية ولا لمعنى الصبر ولا وجود لقيم الإيثار والعطاء والسخاء ولا حضور لفضيلة الإقدام ولا لميزة علوّ الهمة ورفعة النفس.

ولكن معايير الربح والخسارة تختلف كليا في عالم المعنى، فهي معايير خارج الأرقام والكميات، إنها معايير في علاقة بفلسفة الحياة وبمعنى الحضور في الزمن بما هو استمرار يتجاوز الدنيوي إلى الأخروي، حيث يظل الإنسان "حيّا" في فعله الإيجابي سواء استمرت كينونته الجسمانية أو اندثرت في طريق التضحية والفداء والعطاء. إن المساهمين في الدفاع عن الحياة وفي الانتصار للشرف والعزة والكرامة لا يموتون، وهم لا يخسرون مما لا قيمة له، طالما أنهم لم يستسلموا ولم يتآمروا ولم يغدروا ولم يساوموا.

إن الخاسرين في معركة الحياة هم من يخسرون أنفسهم حين يتنازلون عن شرفهم وكرامتهم وحين يقبلون بالمذلة والمهانة، ولن ينعموا بمعنى الحياة حتى وإن استمروا في كينونتهم الجسمانية حيث لا يختلفون مع بقية الكائنات غير العاقلة في خضوعهم لقانون العيش وفي فقدانهم الإرادة والحرية والكرامة.

إن كثيرين لا يفهمون كيف يُقْدم المقاوم على عدوه بكل تلك الشجاعة في معركة غير متكافئة القدرات المادية وغير متناسبة في الجغرافيا وفي حجم الدعم الدولي، لا يفهمون كيف يستقبل المقاوم الموت مبتسما وكيف يودع أحباءه دون عويل، لا يفهمون أن ذاك المقاوم ينتمي إلى عالم المعنى رغم أنه يقيم على أرض ويتحرك في زمن ويمشي في الناس، ولكن الأرض عنده ليست مجرد جغرافيا، إنها أمه التي تحضنه وهي التي تمده بالشوق للحياة فيها وبها، فلا فرق عنده بين أن يحيا عليها أو أن يحيا فيها فلن تُفقده أي قوة باطشة عشقه لتلك الأرض ولن يقدر أحد على إخراجه منها حتى وهو يقدّم جسده ثمنا في طريق تحريرها. إن المقاوم ممتلئ بيقين دافئ لا ينازعه خوف ولا شك ولا تردد، إنه يقين الانتصار في معناه الوجودي الفلسفي يتجاوز معه مفهوم الغلبة المادية يحققها الأكثر بطشا والأقدر على الفتك والهدم والتدمير.

معايير اللذة في عالم الأشياء هي معايير مرتبطة بالحواس حيث الاتصال الحسي المباشر بالأشياء، فاللذة عند "الأشيائيين" إنما هي لذة حسية ناتجة عن ملامسة مادية للأشياء تتحقق بعدها المتعة في معناها الشهواني الغرائزي.

أما "المعنويون" وإذ يباشرون عالم الأشياء فإنهم يتجاوزونه إلى ما هو أرقى وأنقى، وإنهم يجدون اللذة بذائقتهم الرفيعة وبوجدانهم اللطيف وبروحهم المتحررة المنجذبة إلى عوالم الكمالات والجمال والحرية والحب، إنهم يمسّون لذة لا مادية بغير حواسهم، إنما يجدون تلك اللذة في سعادتهم وراحتهم النفسية وفي تحررهم من القلق والتوتر والخوف والمذلة والأنانية والندامة والحسد والغلّ.

تلك اللذة لا يفهمها ولا يجدها من تخشّبت أرواحهم ومن صدئت قلوبهم ومن اهتاجت غرائزهم فلا تغريهم الملذات المادية يخوضون لأجلها خصومات تافهة وصراعات منحطة بطرائق حيوانية خسيسة، فلا تعنيهم قيم الصدق والإيثار والتعفف ولا يتأثرون بكونهم يفتقدون الشهامة والشجاعة والكرامة، بل إنهم يسخرون ممن يحدثهم في الرجولة والكرامة والصدق.

اللذة اللا مادية تلهم أصحابها القوة والعزم وتضفي، عليهم وقارا ومهابة، أما اللذة المادية فإنها تحول أصحابها إلى كائنات غرائزية تلهث خلف شهوات لا تحقق لأصحابها إشباعا ولا يقنعون منها بمقدار، إنهم كمن يكرع من بِرْكة مالحة كلما امتلأت بطنه ازداد ظمأ.

twitter.com/bahriarfaoui1

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه معايير غزة غزة المقاومة معايير المعنويات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی عالم

إقرأ أيضاً:

كود الطرق السعودي يحدد معايير البنية التحتية للمركبات ذاتية القيادة

أوضحت الهيئة العامة للطرق، أن كود الطرق السعودي يحدد معايير البنية التحتية اللازمة للمركبات ذاتية القيادة، بهدف تحسين مستوى الجودة والسلامة.
تأتي هذه المعايير ضمن الجهود المستمرة لتعزيز جودة الحياة وتحقيق أعلى مستويات الأمان والكفاءة في شبكة الطرق.
أخبار متعلقة كود الطرق السعودي يحدد معايير جديدة لتحديد سماكة رصف الطرقالمملكة الأولى عالميًا في ترابط الطرق.. و18 معدة ذكية لرفع مستوى السلامةالهيئة السعودية للمياه توقّع اتفاقية لتمويل مشروع إنشاء منظومتي إنتاج الجبيل والخبر بقيمة (650) مليون دولاروبينت ”هيئة الطرق“ أن كود الطرق السعودي وضع معايير لتحديد سماكة رصف الطريق، تشمل تركيب أجهزة اتصال على جانبي الطريق تزوّد المركبات ذاتية القيادة بمعلومات فورية عن حالة الطريق، وتصميم طبقات الطريق بمواصفات تراعي تكرار حركة المركبات ذاتية القيادة على نفس المسار، لضمان استدامة الطريق.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } كود-الطرق---مركبات-ذاتية-القيادةلافتات واضحة
إلى جانب ذلك ضرورة تنفيذ خطوط ولافتات واضحة ومقروءة آليًا، لضمان عمل أنظمة المركبات الذاتية في مختلف الظروف الجوية، وتهيئة مواقف المركبات لتتكامل مع الأنظمة الذاتية، بمزايا مثل الاستشعار الذكي للمواقع والركن التلقائي، مما يساهم في اتخاذ قرارات قيادة آمنة ويسهل الحركة المرورية.
ويعزز تبني هذه المركبات من مستوى السلامة المرورية على الطرق، ويحسن جودة الحياة، ويساهم في تحقيق الأمان والكفاءة الاقتصادية والاستدامة في شبكة الطرق.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } مليون ريال غرامة وإلغاء الترخيص.. عقوبات مخالفي كود الطرق السعودي - الهيئة العامة للطرقمرجع فني شامل
أكدت الهيئة أن الكود يُشكل مرجعًا فنيًا شاملًا لكافة الجهات المسؤولة عن الطرق في المملكة، بما في ذلك الوزارات وهيئات تطوير المدن، وأمانات المناطق، وبلديات المدن والمحافظات وغيرها، بهدف تمكينها من الوصول إلى المعلومات اللازمة لتخطيط وتصميم وتنفيذ وتشغيل وصيانة الطرق بكافة أنواعها في المملكة، مع مراعاة الجوانب البيئية ومتطلبات المركبات ذاتية القيادة، بالإضافة إلى الإرشادات والرسومات والإجراءات وقوائم التدقيق لكافة شبكات الطرق في المملكة، لتحقيق الحد الأدنى المقبول من مستويات الجودة والسلامة والأمان والكفاءة الاقتصادية والاستدامة.سياسات وتشريعات
يُذكر أن الهيئة العامة للطرق أُنيطت بها مهام الإشراف على قطاع الطرق وتنظيمه، وذلك من خلال وضع السياسات والتشريعات اللازمة، ومن بينها إطلاق كود الطرق السعودي.
وقد بدأ العمل بهذا الكود بشكل استرشادي حتى نهاية العام الماضي، فيما تم تفعيل تطبيقه على جميع الجهات الحكومية مع بداية العام الجاري، كما تم تفعيل تطبيقه على الجهات الخاصة في منتصف هذا العام.
يأتي ذلك في إطار تحقيق مستهدفات استراتيجية قطاع الطرق التي تركز على السلامة والجودة والكثافة المرورية، وتهدف إلى الوصول إلى المرتبة السادسة عالميًا في جودة الطرق بحلول عام 2030.

مقالات مشابهة

  • شهادة أقوى من توثيق العقد.. حسام موافي يكشف صدمة عن الزواج العرفي
  • اعتماد تعديل وثيقة دليل معايير مستوى الخدمة الكهربائية
  • بعد صدمة المونديال.. ريال مدريد يصالح جماهيره بهذا القرار
  • «التعليم» تُعلن معايير القبول بمدارس التكنولوجيا التطبيقية والتعليم المزدوج 2026
  • التحول الرقمي ضرورة للقطاع المصرفي السوري لينسجم مع المعايير العالمية
  • “صدمة فضائية” تكشف عن مفاجآت غير متوقعة!
  • كود الطرق السعودي يحدد معايير البنية التحتية للمركبات ذاتية القيادة
  • هاتف إيكو نيو 10 الصيني.. هل يعيد تعريف معايير الفلاغشيب؟
  • صدمة كبيرة.. هند عاكف تنعى المخرج سامح عبد العزيز
  • أيمن رشوان: أورام البنكرياس لا تعني نهاية الحياة.. والمشكلة في نقص الوعي