تقول "نيويورك تايمز"، إن "ما ستجده أو ما لن تجده إسرائيل في مستشفى الشفاء بمدينة غزة، يمكن أن يحدد شكل الحرب الإسرائيلية الفلسطينية في قطاع غزة.

وفي ظل ما يحظى به مستشفى الشفاء من اهتمام، وأياً كانت تطوراته فالمحتمل أن يساعد في تشكيل المزاج والجدل الدولي حول ما ترتكبه إسرائيل في القطاع. لكن الأسئلة عن هذه الحرب والتي تستحق الاهتمام الحقيقي، هي ما الذي يضمن أو لا يضمن أمن الإسرائيليين؟ وما الذي يبرر أو لا يبرر  الكارثة الإنسانية التي تفرضها إسرائيل على غزة؟ وبالتالي يصبح الموجود أو المفقود في المستشفى غير مهم، حسب المحلل الاستخباراتي الأمريكي بول بيلار.

"Israeli citizens can become secure from Palestinian violence only if Palestinian aspirations for self-determination are met through a negotiated settlement," argues Paul R. Pillar. https://t.co/0u9VPIzXXR

— National Interest (@TheNatlInterest) November 21, 2023

ويقول بيلار في تحليل بـ "ناشونال إنتريست" الأمريكية، إن الحكومة الإسرائيلية عولت في حملتها الدعائية على مستشفى الشفاء، وخصصت جهداً كبيراً له ليس لمحاربة حماس، وإنما للعثور على شيء يمكن أن تقدمه لوسائل الإعلام الدولية وللعالم، دليلاً على استخدام الحركة الفلسطينية للمستشفى مركز قيادة أو مستودع أسلحة مهم.

ويقول مراسلو نيويورك تايمز الذين كانوا ضمن مجموعة من ممثلي وسائل الإعلام العالمية الذين سمحت لهم إسرائيل، في تصرف نادر بزيارة المستشفى بعد أن سيطرت عليه القوات الإسرائيلية، إنهم رأوا حفرة في أرض المستشفى ولم تسمح لهم القوات الإسرائيلية بالحديث مع العاملين فيه، ولا رؤية أي شيء آخر في الموقع.

ورغم كل المحاولات الإسرائيلية لإقناع وسائل الإعلام  العالمية  بأن اقتحامها للمستشفى وإخلائه من المرضى كان مبرراً بسبب استخدام حماس له في أنشطتها العسكرية، فإنها فشلت في تحقيق هدفها، بعد أن كشفت وسائل الإعلام استخدام إسرائيل لأدلة مزيفة لتدعم روايتها عن المستشفى.

ولاتزال إسرائيل تفتش المستشفى بحثاً شيء يمكن أن يكون دليلاً أكثر إقناعاً على استخدام حماس له. وهذا التفتيش يعيد إلى الأذهان ذكريات الحرب الأمريكية ضد العراق منذ 20 عاماً.

فبعد أن غزت القوات الأمريكية العراق بدعوى امتلاكه أسلحة دمار شامل، أمضى الأمريكيون وقتاً طويلاً في البحث عنها. وبمرور  الوقت أصبح البحث أقل أهمية لتأمين القوات الأمريكية أو أي شخص آخر في العالم، وأكثر أهمية لتبرير إحدى أهم الحجج التي استخدمتها إدارة الرئيس الأمريكي وقتها جورج بوش لشن الحرب.

وأصبح البحث عن أسلحة الدمار الشامل انحرافاً عن أهداف الحرب. ورغم أن الإدارة الأمريكية استخدمت موضوع أسلحة الدمار الشامل لحشد التأييد لحربها، فإنه لم يكن الدافع الأساسي للحرب. وكما قال بول وولفويتز نائب وزير الدفاع الأمريكي في ذلك الوقت، وأحد أقوى مؤيدي الحرب، فإن موضوع أسلحة الدمار الشامل ولأسباب بيروقراطية، كان مجرد  "الموضوع الذي يمكن أن يتفق عليه الجميع للترويج للحرب".

وكانت الدوافع الرئيسية تكمن في مكان آخر تماماً، خاصة لطموحات المحافظين الجدد في واشنطن لاستخدام القوة المسلحة لتغيير نظام الحكم في العراق، لنشر الديمقراطية واقتصادات السوق الحرة في الشرق الأوسط.

وسواء عثر  على أسلحة دمار شامل أو لا، فلن يختلف الأمر  لأسباب  الحرب التي كانت باهظة التكلفة. فقد  قتلت الحرب التي شنتها الإدارة الأمريكية باختيارها الحر تماماً أكثر من 4400 أمريكي وجرحت 32 ألفاً، وكبدت  دافعي الضرائب الأمريكيين أكثر من تريليوني دولار، وعمقت الانقسامات الطائفية في الشرق الأوسط، وسمحت بنمو الجماعات الإرهابية في المنطقة، وتركت العراق في اضطراب مزمن، ودمرت مصداقية الولايات المتحدة عندما حاولت محاسبة أي دولة تغزو  أخرى، كما هو الحال في الغزو الروسي الحالي لأوكرانيا. كل هذه الأضرار وقعت سواء  كانت هناك أسلحة دمار شامل أو  لم تكن.

ويعود المحلل الاستراتيجي الأمريكي بيلار الذي أمضى أكثر من 28 عاماً في أجهزة الاستخبارات الأمريكية، حتى أصبح مسؤولاً عن ملف الشرق الأدنى وجنوب آسيا في مجلس الاستخبارات الوطني الأمريكي، إلى  مستشفى الشفاء في قطاع غزة، فيقول: "عثور إسرائيل أو لا، على شيء  ذي بال في المستشفى لن يخدم هدفها الرئيسي، وهو حماية الإسرائيليين من مزيد من العنف في المستقبل، ولن يكون له أي معنى لتبرير الخسائر المروعة التي لحقت بالفلسطينيين نتيجة القصف والاجتياح الإسرائيلي للمستشفى".

وعلاوة على ذلك، فتحقيق الأمن لللإسرائيليين لا يتوقف على تحقيق الهدف المعلن للحرب وهو "القضاء على حماس"، لأن العنف الإسرائيلي الفلسطيني لم يبدأ في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، كما أن حماس ليست الشرير الوحيد الذي تنتهي مشكلة العنف بمجرد القضاء عليه.

فحماس هي حركة قومية وواحدة من المنظمات التي تعبر عن الكثير من الفلسطينيين، بسبب حرمانهم من طموحاتهم الوطنية، وبالتالي لا يمكن القضاء عليها.

وزيادة على الغضب الفلسطيني بسبب الخسائر المروعة التي تلحقها الآلة العسكرية الإسرائيلية بسكان غزة، ستؤدي الحرب إلى زيادة وليس تقليل المخاطر التي تهدد الإسرائيليين في المستقبل. وإذا لم يكن في المستقبل حماس بشكلها الحالي لتمارس العنف ضد الإسرائيليين، فستكون هناك حماس 2، أو أي مجموعة أخرى جديدة بالكامل أو أفراد وخلايا من الفلسطينيين يستخدمون السلاح ضد الإسرائيليين. ومرة أخرى  فإن ما يمكن أن تعثر عليه إسرائيل في مستشفى الشفاء، لن يغير من هذه الحقيقة شيئاً.

وفي المقابل، فإن التدمير الشامل من إسرائيل ضد الفلسطينيين في قطاع غزة مقصود في ذاته، وليس خسائر جانبية للحرب ضد حماس. فالرئيس الإسرائيلي إسحق هيرتسوغ قال: "لا يوجد في غزة  أبرياء، وكل الشعب الفلسطيني مسؤول عما فعلته حماس يوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي".

وأخيراً، نمثل الحرب الحالية فرصة لإسرئيل لتسريع إبعاد الفلسطينيين عن أرض فلسطين. وهناك وثيقة حكومية إسرائيلية توصي بطرد سكان غزة إلى سيناء المصرية.

وفي الوقت نفسه فإن الجيش الإسرائيلي يطلق يد المستوطنين للعنف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، ما أدى إلى إخلاء العديد من القرى الفلسطينيين من سكانها المحاصرين بعنف المستوطنين.

ولكن كل ذلك لن يحقق الأمن لمواطني إسرائيل، الذي لن يتحقق إلا بتلبية طموحات الشعب الفلسطيني لتحقيق مصيره عبر تسوية سلمية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وللأسف الشديد  فإن حكومة إسرائيل الحالية، التي تركز كل اهتمامها على ما يمكن أن حماس قد تركته في قبو أو خزانة داخل مستشفى الشفاء، لا تأخذ في الاعتبار تلك الحقيقة.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي غزة وإسرائيل الحرب الأوكرانية عام الاستدامة غزة وإسرائيل العراق مستشفى الشفاء أسلحة الدمار الشامل مستشفى الشفاء یمکن أن

إقرأ أيضاً:

ضرورة الحل الشامل للأزمة في السودان

ضرورة الحل الشامل للأزمة في السودان

تاج السر عثمان بابو

1

بعد انقلاب 30 يونيو 1989 الذي نفذه الإسلاميون، ازدادت نيران الحرب اشتعالا.. بعد أن توصلت الحركة السياسية السودانية إلى اتفاقية السلام أو اتفاق الميرغني – قرنق، وتم التوجه للسلام في إطار وحدة البلاد، والاتفاق على عقد المؤتمر الدستوري، اتسع نطاق الحرب ليشمل دارفور وجنوب النيل الأزرق وجبال النوبا، وحدثت الابادة الجماعية في دارفور بعد أن كون نظام الانقاذ الجنجويد، حتى اصبح البشير ومن معه مطلوبين لمحكمة الجنايات الدولية ويجب تسليمهم بعد محاكمة علي كوشيب. حتى تم توقيع اتفاقية نيفاشا، التي تم بعدها انفصال الجنوب.

2

بعد انفصال جنوب السودان ازدادت الأزمة الوطنية في البلاد عمقا، واشتدت حدة الضائقة المعيشية والمجاعة في اطراف البلاد، والارتفاع الجنوني في الأسعار بعد تخفيض قيمة الجنية السوداني. ومصادرة حرية الصحافة والتعبير، وتجددت الحرب في المناطق الثلاث: جنوب كردفان والنيل الأزرق وابيي اضافة للحرب التي كانت مشتعلة في دارفور، وارتفاع صوت الخطاب العنصري الذي فتح الباب لحروب الابادة في تلك المناطق. وتوتر العلاقة بين دولتي الشمال والجنوب والتي وصلت ذروتها بعد أزمة احتلال هجليج. وتطورت الأحداث حتى انفجار ثورة ديسمبر التي أطاحت بالبشير لكن انقلاب اللجنة الأمنية قطع الطريق أمامها، وتمت مجزرة فض اعتصام القيادة العامة وبعدها تم التراجع عن ميثاق قوى الحرية والتغيير الذي تم التوقيع عليه في يناير 2019، وتم استبداله بالتوقيع على الوثيقة الدستورية التي قننت الشراكة مع العسكر والدعم السريع دستوريا، وتم التوقيع على اتفاق جوبا الذي تحول إلى مناصب ومحاصصات في السلطة، وحتى الوثيقة الدستورية تم خرقها إلى أن تم الانقضاض عليها بانقلاب 25 أكتوبر 2021 الذي اعاد التمكين للإسلاميين وقاد للحرب اللعينة الجارية حاليا التي تهدد بتقسيم البلاد مرة أخرى.

3

ولا شك أن انفصال الجنوب كان له تداعيات خطيرة داخليا واقليميا، وهو يعبر عن فشل المؤتمر الوطني في حل المشكلة والتي زادها تعقيدا بعد انقلاب 30 يونيو 1989م، والحرب الجهادية والدينية التي كان لها نتائج ضارة عمقّت جراحات الوطن. وبعد أن فشل النظام في الحل العسكري، وقّع تحت الضغوط المحلية والعالمية اتفاقية نيفاشا التي اوقفت الحرب التي دارت لمدة 21 عاما. استندت الاتفاقية علي قاعدة سودان واحد بنظامين، وكانت الاتفاقية ثنائية وتحمل في طياتها جرثومة الانفصال كما يتضح من التقسيم الشمولي للسلطة بين الشريكين في الشمال والجنوب، فضلا عن أن المؤتمر الوطني لا يمثل الشمال والحركة الشعبية لاتمثل الجنوب، وقسمة عائدات البترول التي ازكت النزعة الانفصالية، ونظام مصرفي بنافذتين، وتقسيم البلاد علي أساس ديني. وجاءت حصيلة ممارسة الست سنوات الماضية لتكرس الصراع بين الشريكين، بعد الفشل في انجاز التحول الديمقراطي، وقيام دولة المواطنة التي تسع الجميع غض النظر عن الدين أو اللون أو العرق، وتحقيق التنمية وتحسين الاوضاع المعيشية في الشمال والجنوب، وتكريس الفوارق الطبقية والفساد، اضافة الي عدم توفير مقومات الاستفتاء والتي تتلخص في قيام انتخابات حرة نزيهة تشرف عليها لجنة انتخابات مستقلة ومحايدة، تنتج عنها حكومة ذات قاعدة واسعة هي التي تشرف علي الاستفتاء علي تقرير المصير مما يجعل الوحدة في النهاية هي الراجحة في النهاية، ولكن ذلك لم يتم ، وكان تزوير الانتخابات، والتي رفضت نتائجها القوي السياسية في الشمال والجنوب، اضافة الي تأخير ترسيم الحدود وعدم تكوين لجنة استفتاء ابيي ، وعدم تطبيق الاتفاقية فيما يختص بمنطقتي جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق مما ادي لعودة الحرب فيهما.

4

لقد اكدت تجربة اتفاقية نيفاشا فشل الحل الثنائي المفروض من الخارج والذي استبعد القوي السياسية ومنظمات المجتمع المدني، ويبقي ضرورة الاستفادة من تلك التجربة ومنع حدوثها

حتى لا تتكرر تجربة انفصال جنوب السودان وتمرير مخطط تمزيق السودان الي دويلات وخاصة بعد احتلال الدعم السريع الفاشر وبابنوسة وهجليج التي لها النفط مما يعزز خطوات الانفصال.

وهذا يتطلب الاتفاق على موقف وطني موحد يجنب البلاد شر ذلك المصير. ولشعب السودان تجربة كبيرة في الوصول لحلول لمشاكله الداخلية كما حدث في تجربة الاستقلال عام 1956م عندما ثواثقت القوي السياسية والنقابية علي دستور السودان الانتقالي الذي كفل الحقوق والحريات الأساسية وكان استقلال السودان بعيدا عن الاحلاف العسكرية والارتباط بالخارج. وكذلك عندما اشتدت الأزمة الوطنية العامة في أخر سنوات ديكتاتورية عبود بعد أن اشتد اوار حرب الجنوب والضائقة المعيشية وأزمة الحريات الديمقراطية، توحد شعب السودان خلف جبهة الهيئات التي قادت الاضراب السياسي العام والعصيان المدني ضد النظام حتي تمت الاطاحة به في ثورة اكتوبر 1964م واستعادة الديمقراطية ودستور السودان الانتقالي المعدل لعام 1964م. وتوحد شعب السودان مرة ثالثة ضد نظام مايو الديكتاتوري في التجمع الوطني لانقاذ الوطن الذي قاد انتفاضة مارس- ابريل 1985م التي اطاحت بحكم الديكتاتور نميري واستعادة الديمقراطية. وشعب السودان قادر علي استلهام تلك التجارب مع أخذ الظروف الجديدة لاسقاط الحكومتين غير الشرعيتين في بورتسودان ونيالا. وقطع الطريق أمام حل ثنائي آخر مفروض من الخارج والذي قد يكرّس تفتيت ماتبقي من الوطن.

5

وبالتالي من المهم قيام أوسع جبهة جماهيرية من أجل وقف الحرب واسترداد الثورة وقيام الحكم المدني الديمقراطي، وخروج العسكر والدعم السريع والمليشيات من السياسة والاقتصاد، وعدم الإفلات من العقاب. وتحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية والصحية والتعليمية والأمنية، والترتيبات الأمنية لحل كل المليشيات وجيوش الحركات وقيام الجيش القومي المهني الموحد الذي يعمل تحت إشراف الحكومة المدنية، وقيام دولة المواطنة التي تحترم التعدد الديني والثقافي والعرقي واحترام حقوق الانسان وسيادة حكم القانون ولضمان وحدة ما تبقى من الوطن،  وقيام المؤتمر الدستوري الشامل الذي يرسم خريطة الطريق للمخرج من النفق المظلم الذي دخلت فيه البلاد، وتحقيق التنمية المتوازنة، والتوزيع العادل للثروة والسلطة.

الوسوماتفاق الميرغني- قرنق الإبادة الجماعية الإسلاميون السودان انقلاب 25 اكتوبر 2021 انقلاب 30 يونيو 1989 تاج السر عثمان بابو جبال النوبة جنوب السودان حرب 15 ابريل 2023م دارفور نيفاشا

مقالات مشابهة

  • واشنطن تحمّل إسرائيل المسؤولية الكاملة لإزالة الدمار في غزة
  • ضرورة الحل الشامل للأزمة في السودان
  • مصدر في مستشفى الشفاء: وفاة رضيع بسبب البرد في مخيم الشاطئ بغزة
  • من يتحمل تكاليف رفع الركام من غزة.. إعلام عبري يكشف مفاجأة
  • إسرائيل توافق على مطلب أميركي بتحمّل تكاليف إزالة الدمار في غزة
  • الكونغرس:تجميد 50%من المساعدات الأمريكية للعراق إلا بعد حل الحشد الشعبي الإيراني الإرهابي
  • مدرب المنتخب الأردني: العراق خصم قوي ولا يمكن الحكم عليه بخسارته مع الجزائر
  • وزير الخارجية السوري: لا يمكن إغفال التحدي الخطير للاعتداءات الإسرائيلية
  • الدفاع المدني في غزة ينتشل أكثر من 30 جثمانا من مقبرة جماعية داخل مستشفى الشفاء
  • انتشال جثامين 30 شهيدًا من مقبرة جماعية في مستشفى الشفاء بغزة