تحت عنوان «واشنطن ومستنقع الشرق الأوسط الذي يلوح في الأفق.. الحرب في غزة، والتمدد الأمريكي المفرط، وحجّة التخندق»، نشرت مجلة فورين أفيرز الأمريكية، مقالاً لجينيفر كافانا وفريدريك ويري، والذي أوضح أن تداعيات هجوم 7 أكتوبر الماضي، والذي أسفر عن مقتل ما يقدر بنحو 1200 شخص، أدت إلى ظهور ما يمكن القول إنه التحدي الأشد خطورة لاستراتيجية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط منذ الانتفاضات والحروب الأهلية التي هزت العالم العربي بداية من عام 2011.

قطاع غزة والخسائر الفادحة

وفق كُتاب المقال، أدى الهجوم على قطاع غزة والخسائر الفادحة في الأرواح التي تكبدها، حيث مات أكثر من 12 ألف فلسطيني نتيجة لذلك، وانتشار مشاعر معاداة أمريكا على نطاق واسع في جميع أنحاء المنطقة ودفع وكلاء إيران إلى شن هجمات على أفراد عسكريين أمريكيين في غزة. 

أكد كُتاب المقال أن الطريقة التي يدير ​​بها الرئيس الأمريكي جو بايدن وإدارته تصرفات إسرائيل، الحليف الوثيق للولايات المتحدة، بالإضافة إلى التداعيات الجيوسياسية الأوسع للحرب، سيكون لها عواقب بعيدة المدى على الاستقرار الإقليمي وكذلك على قدرة واشنطن على مواجهة الخصوم وردعهم في الشرق الأوسط وأماكن أخرى.

توسيع واشنطن وجودها العسكري في الشرق الأوسط

وأشاروا إلى أن توسيع واشنطن وجودها العسكري في الشرق الأوسط، قد يؤدي إلى تفاقم التوترات الإقليمية وتزيد من مخاطر وتكاليف سوء التقدير، وبالتالي تثير عن غير قصد الصراع ذاته الذي تسعى بشدة إلى تجنبه، كما يمكن أن يؤدي ضخ واشنطن للمعدات العسكرية والأفراد إلى توريط الولايات المتحدة في التزامات أمنية مفتوحة تجاه منطقة كانت تحاول، حتى وقت قريب، تحرير نفسها منها.

يرى كتاب المقال أن سياسة واشنطن في الشرق الأوسط في حاجة ماسة إلى تصحيح المسار وكان هذا صحيحا قبل السابع من أكتوبر الماضي، ويصدق الآن بشكل أكبر، ومع ذلك لم تشر إدارة بايدن إلى أي تعديلات قصيرة أو طويلة المدى تهدف إلى معالجة إخفاقات ومخاطر الاستراتيجية الحالية، وبدلاً من ذلك التزمت مجددًا بنهج أمني شديد يعتمد على عمليات انتشار عسكرية أمريكية أكبر من أي وقت مضى.

الحفاظ على الاستقرار وإدارة التحديات الأمنية

أكد الكُتّاب أنه بمجرد أن تبدأ الأزمة الحالية في الاستقرار، يجب على واشنطن أن تعمل على سحب القوات التي أعادتها بسرعة إلى الشرق الأوسط، وأن تذهب إلى أبعد من ذلك، من خلال تقليص حجم الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة وإعادة تنظيمه بشكل كبير، وفي الوقت نفسه، يجب على واشنطن الاستثمار في بناء قدرات ومرونة شركائها الإقليميين حتى يتمكنوا من العمل معًا بشكل أكثر فعالية للحفاظ على الاستقرار وإدارة التحديات الأمنية بدعم أقل من الولايات المتحدة.

يرى الكُتّاب، أنه كلما اضطرت واشنطن إلى نشر القوات ونقل الأسلحة والمعدات إلى الشرق الأوسط، كلما زادت مخاطر الإرهاق بطرق من شأنها أن تجعل الولايات المتحدة غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها وردع الخصوم في أماكن أخرى خاصة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، حيث تواجه الولايات المتحدة الصين متزايدة العدوانية.

وأكدوا أن التمزق الذي سببه هجوم حماس يوفر فرصة لتطوير نهج أمريكي أكثر استدامة وأقل مخاطرة تجاه الشرق الأوسط، وتوضح الأزمة الحالية أنه طالما احتفظت واشنطن بعشرات الآلاف من الجنود في الشرق الأوسط، تظل هناك احتمالات كبيرة لإمكانية جر الولايات المتحدة إلى صراع إقليمي مطول ومكلف، حتى عندما تكون مصالحها قليلة على المحك، ولتجنب هذه النتيجة، تحتاج الولايات المتحدة إلى تقليص وإعادة تنظيم وجودها العسكري في المنطقة.  

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: بايدن الولايات المتحدة الأمريكية إسرائيل حماس غزة الولایات المتحدة فی الشرق الأوسط

إقرأ أيضاً:

الشرق الأوسط بعد أوهام الردع.. حين تُدار الحروب بدل أن تُمنع

لم يعد الردع في الشرق الأوسط مفهومًا يمنع الحرب، كما بشّرت به النظريات العسكرية الكلاسيكية، بل تحوّل إلى أداة لإدارة الصراع والتحكم في إيقاعه، فالإقليم الذي عاش عقودًا على وهم “الحرب الشاملة” و”السلام الدائم”، دخل مرحلة أكثر تعقيدًا وخطورة، حيث لا حرب تنتهي، ولا سلام يُستكمل، بل توتر دائم يُعاد إنتاجه بجرعات محسوبة.

في الماضي، كان الردع يقوم على معادلة واضحة: كلفة الحرب أعلى من مكاسبها، ما يدفع الأطراف إلى تجنبها، أما اليوم، فقد انهارت هذه المعادلة، لأن طبيعة الفاعلين تغيّرت، ولم تعد الصراعات حكرًا على دول ذات جيوش نظامية وحدود واضحة، بل باتت تُدار عبر محاور، وتنظيمات، وأذرع غير مباشرة، لا تخضع لمنطق الخسارة التقليدي، ولا تحاسب بالمعايير نفسها.

من هنا، انتقل الشرق الأوسط من مرحلة منع الحرب إلى مرحلة إدارتها، الضربات العسكرية المحدودة، والاغتيالات، والاشتباكات الحدودية، لم تعد مقدمات لمعركة فاصلة، بل رسائل سياسية مضبوطة السقف، تُستخدم لإعادة ضبط التوازنات، واختبار الخطوط الحمراء، وإرسال الإشارات المتبادلة بين الخصوم، دون الانزلاق إلى مواجهة شاملة لا يريدها أحد، لكنها تظل ممكنة في أي لحظة.

في هذا السياق، أعادت إسرائيل صياغة مفهوم الردع لديها، متجاوزة فكرة الردع الثابت القائم على التفوق العسكري الكاسح، إلى ما يمكن تسميته بـ«الردع المتحرك». هذا النموذج يقوم على المبادرة الدائمة، والضربات الاستباقية، والاختراقات الاستخباراتية، بهدف منع الخصم من بناء قوة ردع مستقرة، لا بهدف حسم الصراع نهائيًا. الردع هنا ليس حالة استقرار، بل حالة حركة مستمرة، تُبقي الخصم في دائرة الإنهاك والقلق الدائم.

في المقابل، يعتمد المحور الآخر، وعلى رأسه إيران وحلفاؤها، على نموذج ردع غير مباشر، قائم على توزيع ساحات الاشتباك، وربط أي تصعيد بجبهات متعددة. هذا الردع لا يسعى إلى مواجهة شاملة، بل إلى رفع كلفة القرار العسكري لدى الخصم، وتحويل أي حرب محتملة إلى أزمة إقليمية واسعة يصعب التحكم في مآلاتها. إنها معادلة ردع تقوم على التعقيد لا على التفوق.

أما الدول العربية، فتجد نفسها عالقة بين نموذجين من الردع لا تملك التحكم فيهما. فلا هي قادرة على بناء ردع مستقل يحمي مصالحها، ولا هي قادرة على النأي بنفسها عن ارتدادات الصراع. وبهذا، تتحول من فاعل إقليمي إلى ساحة مفتوحة للتأثر، سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا، في معادلات تُدار خارج إرادتها.

الأخطر في هذه المرحلة ليس احتمال اندلاع حرب كبرى، بل الاعتياد على الصراع ذاته. حين تصبح الضربات العسكرية خبرًا عابرًا، والأزمات حالة يومية، يفقد المجتمع حساسيته تجاه العنف، ويتحوّل التوتر إلى وضع طبيعي، لا استثناءً. هنا لا يُهزم الإقليم عسكريًا فقط، بل يُستنزف نفسيًا وسياسيًا، ويُفرغ من أي قدرة على إنتاج مشروع استقرار حقيقي.

ما يجري اليوم ليس سلامًا، بل استقرار زائف، ولا هو حرب شاملة، بل صراع مُدار على فوهة بركان. شرق أوسط تُدار فيه الأزمات بدل أن تُحل، وتُؤجَّل فيه الانفجارات بدل أن تُمنع، في انتظار لحظة اختلال كبرى قد تعيد رسم المشهد بالكامل، بثمن قد يكون أفدح مما يتصوره الجميع.. .!!

كاتب وباحث في الجيوسياسية

اقرأ أيضاًوقفة.. الاهتمام بتطوير الرياضة عنوان تقدم الأمم

بعد الاعتذار.. الأعلى للإعلام يحفظ الشكوى المقدمة ضد خالد طلعت

مقالات مشابهة

  • الشرق الأوسط بعد أوهام الردع.. حين تُدار الحروب بدل أن تُمنع
  • وزير الخارجية يلتقي مدير أكاديمية قرقاش الدبلوماسية لبحث عملية السلام في الشرق الأوسط
  • نيوزويك: 3 مؤشرات على حرب وشيكة بين الولايات المتحدة وفنزويلا
  • تأهيل إسرائيل لعضوية الشرق الأوسط
  • أميركا حجبت معلومات مخابراتية عن إسرائيل خلال عهد بايدن
  • إدارة بايدن تجمد التعاون الاستخباراتي مع إسرائيل بسبب جرائم حرب في غزة
  • فورين بوليسي: 3 دروس تعلمتها الصين من الولايات المتحدة
  • خطة أمريكية تثير الجدل.. بيانات البريد والتواصل الاجتماعي شرط لدخول الولايات المتحدة
  • إسرائيل تبلغ الولايات المتحدة بأنها ستتحرك بنفسها لنزع سلاح حزب الله في لبنان
  • الولايات المتحدة تطالب إسرائيل بإزالة الأنقاض من غزة