جميع المشاريع الموسيقية الإبداعية لها منطلقات وأهداف مختلفة ومتنوعة كما سنرى في هذه المقالات تحت العنوان أعلاه وآمل منها الفائدة المعرفية والتطبيقية لمن يعمل على مشروعه الموسيقي الذاتي، والمهتمين برعاية الإبداع الموسيقي في بلادنا العزيزة. والحديث لا يزال مستمرًا عن أثر الأمير القمندان في الغناء اللحجي واليمن والجزيرة العربية.

. واستنادا إلى ما كتبه الصديق العزيز والموسيقي والباحث جابر علي أحمد في كتابه المميز: «تيارات تجديد الغناء في اليمن» أشرت في المقال السابق إلى أن الدافع السياسي جعل الأمير يولي اهتمامه الشخصي بالموسيقى في سلطنته. من هنا أعتقد أن القمندان تنبه إلى أن الاستقلال السياسي لدولته لا يمكن إنجازه تماما دون الاستقلال الثقافي والموسيقي على وجه الخصوص والتميز في إطار الثقافة اليمنية وفنونها المتنوعة، فلم يكن قبل ذلك لِلَحج غناء يشار إليه. ومع هذا الأمير أصبح الغناء اللحجي واحدا من أبرز العناصر الثقافية والفنية لليمن، ولا أبالغ إذا وصفته بالغناء القمنداني اعترافا بجهده وأثر مشروعه الغنائي الذي كان أول في اليمن من جعل «المادة الغنائية الشعبية ركنا أساسيا في العملية الإبداعية» حسب رأي الكاتب جابر علي والذي يقارنه بسيد درويش في مصر انطلاقا من التوجهات والنتائج التي حققها كل منهما. ومن الواضح أنهما عملا سنوات طويلة كل على مشروعه الفني حتى يحقق القبول ويحدث الأثر المطلوب.

وفي هذه المناسبة، أشار الكاتب جابر في تحليل تجربة الأمير القمندان إلى نقطة مهمة جدا وهي إنه «أعد أغانيه الجديدة لغرض الاستماع الفني وهو أمر يختلف تماما عن الأغاني الشعبية» التي تندر فيها الآلات الوترية وتكثر فيها الآلات الإيقاعية والزامرة. لذلك كانت الآلات الوترية على قلتها هي العمود الأساسي لفرقته الموسيقية الطربية. ولكن من الملاحظ أن معظم المطربين اليمنيين تخلوا عن أداء ألحان الموشحات اليمنية حسب أصولها الفنية، وهي غير معروفة خارج اليمن والقليل من الناس الذين سمعوا بها وإذا سمعوها لا يميزونها، والسبب في اعتقادي يعود إلى غياب الرعاية الأكاديمية الموسيقية والمؤسسات الثقافية وضعفها إن وجدت، وطغيان حفلات السمر على حفلات الاستماع والمتعة الثقافية، فحوّلوا تلك الموشحات إلى أغان عادية تؤدى في مختلف المناسبات كما يظهر في موشح «سلام مني عليكم يا حبائب» الذي نشرت نَصّه في المقال السابق كأغنية، وهذا هو النوع الفني الأكثر شهرة في الغناء اللحجي في الوقت الحاضر. وهنا أمر آخر أعتقد إنه على درجة معينة من الأهمية، وهو أن الموشح اليمني سهل تجزئة تركيبته اللحنية وتفكيكها وأداء أحد أجزائه منفصلا وحذف الآخر حسب الحاجة، كما لاحظنا في «موشح سلام مني عليكم»، علاوة على أن نوع القالب الأدبي وتركيبته الشعرية والعروضية هو الأساس عندهم حتى يعتبر الموشح موشحا وليس القالب اللحني وأسلوب بناء الجمل اللحنية. والحقيقة أن الموشح قالب شعري وكذلك قالب غنائي، وهذا الأخير يمكنه تطويع أي نص مناسب لتركيبته الفنية اللحنية والإيقاعية.

الأغاني القمندانية كثيرة وتؤدي في جميع أنحاء الجزيرة العربية، أما موشحاته فقد اختفت للأسباب التي ذكرت، ومن أغانيه الشهيرة جدا: «يا منيتي يا سلا خاطري» التي أداها معظم المطربين في هذه المنطقة. علما أن الذين غنوا هذه الأغنية لا يتفقون على صيغة واحدة لكلماتها، ومعظمهم إما أضاف إلى مطلعها نصا جديدا، أو اختصر النص، أو حذف بعض الكلمات الواردة فيه ومنها الهندية التي لا شك عندي أنها من أصل النص بسبب الحضور الثقافي الهندي في مدينة عدن المستعمرة البريطانية المجاورة لمدينة الحوطة عاصمة سلطنة لحج في ذلك الوقت. وقد اعتمدت في محاولتي تجميع شتات نص هذه الأغنية الشهيرة على ما غناه المطرب فيصل علوي وما ورد في موسوعة الأغاني اليمنية الإلكترونية، وبعض المطربين اليمنيين. ولعله بهذه الصورة يبدو الأقرب إلى الأصل:

يا منيتي يا سلا خاطري وأنا أحبك يا سلام

ليش الجفاء ليش تجرحني وأنا..

وأنا أحبك يا سلام

يترنم على البانه، عشية قُمري الروضة على غصن السلام

يذكرني بأحبابي، وبكّاني الغرام

وأنا أحبك يا سلام

جبينه لك بيضاء هلاليه وجعد أسود

هنيدي رام رام

وأحنا عبيدك في الهوى جُملة

وأنا أحبك يا سلام

لك عنق الظِّبى يا سيدي، وعين المها لك وتغريد الحمام

وانت مَظْلَمَةْ يا سيدي عبدك ارحمه، وأنا أحبك يا سلام

بين الرمادة والحُسيني فاح عرف الفل والكاذي والبشام

يمسي يلاعب في الهوى هاجسي

وأنا أحبك يا سلام

يا هركلي غنّي بالباكري ثم من خلف الكدام

حيث الصفا حيث سعدك والمُنى، وأنا أحبك يا سلام

**

أما المطرب والملحن الحضرمي محمد جمعة خان كان موسيقيا عازفا وملحنا في فرقة السلطان القعيطي العسكرية بالمكلا، حيث كانت تلك الفرقة العسكرية تضم عددا من العازفين من مواطني القارة الهندية (الهند وباكستان) وكان هو واحد منهم، وأسس تجربته الغنائية الإبداعية وفق رؤية ومسار مختلف تماما عن رؤية القمندان..

وللمقال بقية..

مسلم الكثيري موسيقي وباحث

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

حمدان بن محمد: رؤية محمد بن زايد ومحمد بن راشد للمستقبل جعلت من الإمارات نموذجاً ملهماً

دبي - وام


أكد سموّ الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، رئيس المجلس التنفيذي لإمارة دبي، أن رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة «حفظه الله» وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله»، للمستقبل ومتطلبات الريادة فيه، جعلت من دولة الإمارات نموذجاً مُلهِماً ورائداً في تبنّي التميز والابتكار، ومكّنها من تصدّر مؤشرات التنافسية العالمية في العديد من القطاعات الحيوية.


جاء ذلك خلال لقاء سموّه اليوم (الخميس) عدداً من مديري الهيئات والدوائر والمؤسسات الحكومية في دبي، وجمعاً من الأعيان والتجار والمواطنين، وسفراء وقناصل عدد من الدول الشقيقة والصديقة لدى الدولة، في مجلس سموّه في ند الشبا بدبي.

تجربة تنموية رائدة

وتطرّق سموّ الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم خلال اللقاء إلى النهج الذي تبعته دولة الإمارات منذ عقود في جعل التميز شعاراً لكل ما تقدمه من خدمات وضمن مختلف القطاعات، مع الإشارة إلى مبادرة دبي منذ أكثر من 30 عاماً إلى إطلاق برنامج للتميز الحكومي ليكون القاطرة التي تدفع جهود تطوير القطاع الحكومي في دبي والارتقاء بمخرجاته، واضعةً نصب العيون غايةً واحدةً وهي سعادة الإنسان وراحته.


وقال سموّه: «اليوم يسعدنا أن نشارك التجربة التنموية الرائدة لدولة الإمارات مع العالم حيث تبقى تجربة الدولة في مجال التطوير الحكومي محل اهتمام العديد من الدول الساعية للاستفادة منها.. فنحن في دولة الإمارات لا نكتفي بالتحسين بل نبتكر نماذج جديدة تستبق احتياجات الناس لتحقق لهم السعادة».


ونوّه سموّ الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم بالمستوى المتقدم الذي وصلت إليه الخدمات الحكومية في دبي مع تسريع التحوّل نحو البيئة الرقمية، وقال سموّه: «المعيار الحقيقي لنجاح الحكومات هو قدرتها على إعادة تصميم أداوتها وتطوير أدائها وتوظيف التقنيات الحديثة.. وتبقى المرونة والسرعة والجرأة في صُنع القرارات الاستباقية ركائز إستراتيجية لمسيرة التنمية المستدامة».

المدينة الأفضل في العالم

وأشار سموّه إلى أن المتغيرات السريعة التي يشهدها العالم توجب مواكبتها بأفكار جديدة وأساليب عمل مبتكرة ليس فقط للحفاظ على المستوى المتقدم الذي وصلت له الخدمات الحكومية في دبي، بل وللنهوض بها إلى درجات أرفع من كفاءة الأداء ونوعية المخرجات، وبما يسهم في تلبية كافة احتياجات المجتمع ويعين على تحقيق أعلى مستويات جودة الحياة لكافة مكوناته، من مواطنين ومقيمين وأيضاً الزوار، لتكون دبي دائماً المدينة الأفضل في العالم للعيش والعمل والزيارة.


وتم خلال اللقاء استعراض جهود وعمليات التطوير التي تشهدها الإمارة ضمن خطة دبي 2030 والأهداف الطموحة التي تضمنتها أجندتي دبي الاقتصادية D33، والاجتماعية 33، والتي يتطلب تحقيقها عمل جاد يجمع القطاعين الحكومي والخاص ضمن شراكة حرصت دبي دائماً على توطيد دعائمها في نموذج فريد نجحت به في صنع قصة نجاح نالت تقدير العالم واحترامه، وقد أكد الجميع الالتزام بنهج دبي في التميز والعمل بروح الفريق الواحد نحو تحقيق الغايات التنموية المنشودة، بما يعود بالنفع على الوطن والمواطن، ويخدم كافة مكونات المجتمع سواء على مستوى الأفراد أو على صعيد المؤسسات.

مقالات مشابهة

  • نقابة المهن الموسيقية تخفض عقوبة حمو بيكا.. كم وصلت بعد القرار الجديد؟
  • حمدان بن محمد: رؤية محمد بن زايد ومحمد بن راشد للمستقبل جعلت من الإمارات نموذجاً ملهماً
  • المهن الموسيقية تخفض عقوبة رضا البحراوي وحمو بيكا
  • علي جمعة: بعض الناس يريدون أن يجعلوا كلام الله محلا للمناقشة بدعوى الحرية
  • محمد رمضان يطرح أغنيته الجديدة البابا راجع
  • المنتخب الوطني للدراجات يتصدر منافسات البطولة الإفريقية للمضمار بالقاهرة
  • زلزال يضرب المتوسط ومحمد رمضان يعلّق بطريقة تُشعل منصات التواصل
  • يسرا تتألق بفستان أحمر بمهرجان كان السينمائي .. صور
  • علي جمعة: كلام الله ليس محل نقاش.. وأوهام «الفيل الوردي» ليست فكرًا
  • من بين 80 غزوة.. علي جمعة يكشف عدد الغزوات التي شارك فيها النبي؟