تمتلك الكرة الأرضية نوعين من الأقطاب، الأول هو الأقطاب الجغرافية التي تعلمنا عنها في المدارس صغارا، وهنا يكون القطبان الشمالي والجنوبي لكوكب الأرض هما نقطتان ثابتتان تخرج منهما خطوط الطول لتدور حول الكرة الأرضية.

لكن هناك نوع آخر من الأقطاب لا يعرف عنه الكثيرون، وهي الأقطاب المغناطيسية، حيث تمتلك الأرض قطبا مغناطيسيا شماليا وآخر جنوبيا، وتختلف عن الأقطاب الجغرافية بأنها متحركة، وفي الواقع لقد تحرك موقع القطب المغناطيسي الشمالي بنحو 1000 كيلومتر منذ ثلاثينيات القرن الـ19.

لماذا تتحرك الأقطاب المغناطيسية للأرض؟

يتركب كوكب الأرض من مجموعة من الطبقات التي تشبه طبقات البصلة، لكن على غير الحال في البصلة فإن سُمك طبقات الأرض يتنوع بشكل كبير، فتصل سماكة طبقة القشرة التي نعيش أعلاها إلى 70 كيلومترا في بعض الأماكن، يليها الوشاح بسماكة 2900 كيلومتر، تليه النواة الخارجية وسمكها 2200 كيلومتر، ثم النواة الداخلية وسمكها 1230 إلى 1530 كيلومترا.

والنواة الخارجية للأرض عبارة عن طبقة من الحديد والنيكل المنصهر تحيط بالنواة الداخلية الصلبة، وأثناء دوران الأرض حول نفسها يدور الحديد المنصهر في تلك النواة الخارجية ويتقلب بطريقة تشبه تقلب الماء المغلي، وهذه التقلبات هي المسؤولة عن توليد المجال المغناطيسي للأرض، وتشبه هذه العملية طريقة عمل الدينامو أو المولد، حيث تُحول الطاقة الميكانيكية (حركة المولد في الداخل) إلى طاقة كهربائية (إضاءة مصباح الدراجة مثلا أو إضاءة مدينة كاملة إذا كان المولد كبيرا)، وهذه الحركة هي ما يولد المجال المغناطيسي للأرض.

لكن المجال المغناطيسي للأرض ديناميكي للغاية، وبسبب تعقّده الشديد وارتباطه بأشياء متقلبة بطبعها فإنه غالبا ما تكون له تقلبات في الشدة والحركة، وهذا هو السبب في حركة أقطاب الأرض المغناطيسية.

شاهد هذا الفيديو الذي أعدته ناسا عن المجال المغناطيسي للأرض:

ما هو انقلاب أقطاب الأرض؟

والأمر لا يتوقف فقط عند حركة الأقطاب ضمن مئات أو آلاف الكيلومترات، بل شهدت الأرض من قبل انعكاسا شاملا في أقطابها، وكان أول من سجل ملاحظة عن هذا الأمر هو برنارد برونز الجيوفيزيائي الفرنسي في إحدى ورقاته البحثية عام 1906 التي تقول إن بعض الصخور البركانية القديمة كانت مُمغنطة عكس اتجاه المجال المغناطيسي للأرض، بينما من المفترض أن يحدث العكس.

وهذا النوع من الصخور كان منصهرا في البراكين القديمة، وبالتبعية كان من المفترض أن تعمل ذرات الحديد كإبر بوصلات صغيرة وتوجه نفسها ناحية الشمال المغناطيسي للأرض، لكنها فعلت العكس ووجهت نفسها ناحية الجنوب.

وبسبب تلك الملاحظات بات العلماء يعرفون الآن أن المجال المغناطيسي للكوكب كله ينقلب من حين لآخر، وأشارت الدراسات في هذا النطاق إلى أن الانقلاب المغناطيسي للأرض ينعكس على فترات زمنية تتراوح بما بين 100 ألف إلى مليون سنة.

وبفحص السجلات الجيولوجية أصبحنا الآن نعرف أن هذا الانقلاب في الأقطاب المغناطيسية حدث نحو 200 مرة خلال الـ80 مليون سنة السابقة.

وسجلت آخر مرة انقلب فيها المجال المغناطيسي للأرض قبل نحو 780 ألف سنة، وفي الآونة الأخيرة كانت هناك أسئلة ومناقشات بحثية بين العلماء إزاء ظاهرة سميت "الرحلات المغناطيسية الأرضية"، وهي تغيرات قصيرة العمر، ولكنها مهمة في شدة المجال المغناطيسي والتي تستمر من بضعة قرون إلى بضع عشرات الآلاف من السنين.

وخلال الرحلة الكبرى الأخيرة بحسب فريق من الباحثين في هذا النطاق والتي سميت "حدث لاشامب"، أظهرت بعض الأدلة أنه منذ نحو 41 ألف سنة ضَعُف المجال المغناطيسي بشكل كبير وانعكس القطبان، لتعود مرة أخرى بعد نحو 500 عام من ذلك التاريخ، لكن هذا الافتراض يحتاج مزيدا من التأكيدات.

المجال المغناطيسي الناتج عن حركة الحديد المنصهر في قلب الأرض يحمي كوكبنا من الإشعاع الكوني (وكالة الفضاء الأوروبية) ما الذي يعنيه أن تنعكس أقطاب الأرض؟

تحدث الانقلابات في المجال المغناطيسي للأرض على فترات طويلة تصل إلى آلاف أو عشرات الآلاف من السنوات، ففي البداية يضعف المجال المغناطيسي للأرض مع الزمن، ثم يتشتت ويصبح الكوكب متعدد الأقطاب فيفقد الثنائية المعهوده (شمال وجنوب)، وبعد ذلك تنقلب الأقطاب تماما.

فلو حدث وانقلبت أقطاب الأرض الآن فإن ذلك يعني فشل كل أجهزتنا الملاحية وعلى رأسها البوصلات، ولو كنت تائها في الصحراء الغربية المصرية مثلا ووددت استخدام البوصلة للتوجه شمالا إلى البحر المتوسط، لوجدت بعد مسيرة عدة أيام أنك عبرت الحدود السودانية جنوبا لأن البوصلة وجهتك للاتجاه العكسي.

أما بالنسبة لتأثير الانقلابات المغناطيسية على الحياة على الأرض فإنه ما زال محل جدل بحثي، فلم يرصد العلماء إلى الآن تزامنا لحالات انقراض واسعة مع انعكاس أقطاب الأرض.

إلا أن بعض المحاولات البحثية ما زالت جارية في هذا النطاق، لأن ضعف المجال المغناطيسي للأرض من المفترض أنه سيسمح بنفاذ كم أكبر من الإشعاع الشمسي الضار إلى الأرض، وبالتالي سترتفع نسب الإصابة بأمراض كالسرطان.

وإلى جانب ذلك، فإنه إذا حدث انقلاب لأقطاب الأرض في عالمنا الرقمي المعاصر، فإن ذلك سيؤدي إلى مشكلات كبرى لمنظومات الاتصال التي يقوم عليها اقتصاد العالم المعاصر كاملا، لكن المطمئن في الأمر أن العلماء يعرفون أن الانقلابات المغناطيسية تأخذ وقتا طويلا لتحدث، وهو ما يتيح الفرصة للبشر لتطوير أدوات للتكيف مع الأمر.

يشير فريق من الباحثين إلى أن الأرض خلال 200 سنة مضت اختبرت ضعفا في مجالها المغناطيسي (ناسا) هل ستنقلب أقطاب الأرض قريبا؟

ازدادت مؤخرا سرعة حركة القطب المغناطيسي الشمالي من 16 إلى 54 كيلومترا سنويا، ويشير فريق من الباحثين إلى أن الأرض خلال 200 سنة مضت اختبرت ضعفا في مجالها المغناطيسي، وهو ما قد ينبئ بانعكاس مغناطيسي خلال عدة آلاف من السنوات.

لكن ذلك ليس مؤكدا بأي حال من الأحوال، لأن هذه النوعية من التغيرات حدثت من قبل ولم تترافق مع انقلابات مغناطيسية، كما أن الانقلابات المعناطيسية السابقة لم تمتلك أي نمط مرتّب يُسهل استنتاج موعدها القادم، وإلى الآن لا يمكن للعلماء عبر أي طريقة علمية أن يعرفوا بثقة متى سيحدث انعكاس الأقطاب التالي.

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

وزير الخارجية الجزائري يؤكد: لن نسمح بالعبث بأمن واستقرار جوارنا في منطقة الساحل

أكد وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، خلال كلمته في الاحتفال باليوم العالمي لإفريقيا بمقر الوزارة بالعاصمة الجزائر، على ثبات موقف بلاده حيال الوضع الأمني والسياسي في منطقة الساحل، مشددًا على أن الجزائر لن تسمح بأي محاولات تهدد أمن واستقرار دول جوارها.

وأوضح عطاف أن الجزائر متمسكة بمبادئها وثابتة على مواقفها رغم المحاولات المتكررة لإحداث توتر في علاقاتها مع دول الساحل الصحراوي، قائلاً: “الجزائر لم ولن تدير ظهرها لانتمائها الإفريقي بصفة عامة ولجوارها الساحلي بصفة خاصة، ولن تسمح بالعبث في أمن واستقرار جوارها وفضاء انتمائها، لأن أمنها واستقرارها مرتبط بأمن واستقرار جوارها”.

وشدد الوزير على حرص الجزائر الشديد على سيادة دول الجوار وسلامة أراضيها ووحدتها الوطنية، مؤكداً أن بلاده ستظل داعمة لكل الجهود التي تهدف إلى مواجهة التحديات الأمنية والسياسية التي تواجه المنطقة، سواءً داخل الجزائر أو لدى أشقائها.

يأتي هذا التصريح في ظل التوتر الحاد بين الجزائر وتحالف دول الساحل الثلاث (مالي، النيجر وبوركينافاسو)، والتي تفاقمت عقب حادثة إسقاط الجيش الجزائري لطائرة مسيرة تابعة للجيش المالي اخترقت المجال الجوي الجزائري نهاية مارس الماضي.

وأدى هذا الحادث إلى تصعيد دبلوماسي حيث قررت دول الساحل سحب سفرائها من الجزائر، وهو ما ردّت عليه الجزائر بالمثل، بالإضافة إلى إغلاق المجال الجوي الجزائري أمام الملاحة الجوية القادمة من أو المتجهة إلى دولة مالي.

وتعد هذه الأزمة اختبارًا جديدًا للعلاقات الإقليمية التي توازن بين الأمن والسيادة الوطنية، وسط تحديات متنامية تواجه منطقة الساحل في مجالات مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية والتعاون الأمني.

هذا وتشهد منطقة الساحل الإفريقي تحديات أمنية كبيرة تشمل نشاطات الجماعات المسلحة، وتهريب الأسلحة والمخدرات، مما يجعلها بؤرة توتر مستمرة. تعد دول الساحل (مالي، النيجر، بوركينافاسو) من بين الدول التي تواجه هذه التحديات الأمنية، حيث تحاول الجزائر، باعتبارها دولة محورية في شمال إفريقيا، الحفاظ على استقرار المنطقة ومنع انتقال التهديدات إلى أراضيها.

وتصاعد التوتر بين الجزائر وتحالف دول الساحل بعد حادثة إسقاط الطائرة المسيرة المالية التي اخترقت المجال الجوي الجزائري، ما أدى إلى تبادل إجراءات دبلوماسية حادة منها سحب السفراء وإغلاق المجال الجوي، مما يعكس حالة التوتر في العلاقات الإقليمية التي تؤثر على جهود مكافحة الإرهاب والتعاون الأمني في المنطقة.

مقالات مشابهة

  • أساسيات الرنين المغناطيسي فى دورة تدريبية لفنيين الأشعة بصحة أسيوط
  • صحة أسيوط تختتم الدورة التدريبية على أساسيات الرنين المغناطيسي
  • مصادر: البيت الأبيض متفائل بإمكانية إنهاء الحرب في غزة قريبا
  • المملكة تحقق الريادة في مجال المياه بمنجزاتٍ رائدةٍ وابتكاراتٍ تحقق الاستدامة
  • سوريا وألمانيا تبحثان التعاون في المجال التربوي
  • جمعية رجال الأعمال المصريين تبحث مع 13 شركة صينية فرص التعاون في السياحة
  • اكتشاف قد يحل أحد أعقد ألغاز النظام الشمسي .. اصطدام كوني خلق ظاهرة غريبة على القمر
  • ترامب يخلط أوراق العالم.. قبة نووية لكندا وتحالف متعدد الأقطاب مع موسكو وبكين
  • أجواء إيجابية في البصرة.. أرنولد مرتاح والتذاكر تطرح قريباً
  • وزير الخارجية الجزائري يؤكد: لن نسمح بالعبث بأمن واستقرار جوارنا في منطقة الساحل