شيكلي.. مخطط إسرائيلي لاقتلاع قرى النقب وتهجير سكانها
تاريخ النشر: 30th, May 2025 GMT
القدس المحتلة – تشهد منطقة النقب تصعيدا غير مسبوق في احتجاجات شعبية واسعة النطاق، وذلك رفضا لمخططات التهجير والاقتلاع التي تحركها الحكومة الإسرائيلية وتستهدف القرى البدوية مسلوبة الاعتراف. ويصحب هذه الاحتجاجات إضراب شامل عن المدارس والمجالس المحلية والمرافق العامة في تعبير قوي عن وحدة الموقف الشعبي الفلسطيني.
وتدفع حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية، بمخطط "شيكلي" قُدما، بإشراف وزير الشتات المكلف بـ"سلطة توطين البدو"، عميحاي شيكلي.
ويهدف هذا المخطط إلى مصادرة نحو 800 ألف دونم (الدونم يساوي ألف متر مربع) من أراضي النقب الذي يقطنه أكثر من 300 ألف عربي من بدو فلسطين، علما أنه كان بملكيتهم أكثر من 4 ملايين دونم قبل النكبة عام 1948، حيث سكنها حينها قرابة 100 ألف عربي، تم تهجير غالبيتهم العظمى، وبقي منهم قرابة 11 ألفا.
كما يهدف المخطط إلى تهجير أكثر من 150 ألفا من سكان 35 قرية ترفض السلطات الإسرائيلية الاعتراف بها من أصل 45 قرية، تمهيدا لإقامة بلدات استيطانية على أنقاضها، إذ تستهدف المرحلة الأولى من المخطط 11 قرية يقطنها أكثر من 8 آلاف نسمة. كما تشمل قرى ومدنا معترفا بها.
ويعتمد على مزيج من الحوافز والعقوبات، حيث يمنح أصحاب دعاوى الملكية مهلة قصيرة لإبرام "تسويات" مع إسرائيل، يحصلون بموجبها على جزء من الأرض وتعويض مالي، شرط إخلائهم لأراضيهم وتخصيصها للاستيطان اليهودي أو تجميع وإسكان بدو آخرين تم تهجيرهم من قراهم.
أما من يرفض أو يتأخر، فستقلص تعويضاته تدريجيا وصولا إلى شطب دعواه وإخراج مسطحات الأرض التي يقطن فوقها من مخطط البلدة، مما يفقدها أي قيمة قانونية. كما تنص الخطة على نقل السكان بشكل سريع إلى "قرى قانونية" بعد هدم منازلهم وإخلاء أراضيهم، وتسكينهم مؤقتا إلى حين بناء مساكن دائمة. وتبدأ هذه المرحلة التجريبية في بلدات كسيفة ومرعيت وسعوة.
إعلانوتفاعل آلاف من فلسطينيي 48 مع حراك الكرامة، الذي نظمته لجنة التوجيه العليا لعرب النقب، ومنتدى السلطات المحلية العربية، والمجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها، بدعم لجنة المتابعة العليا، رفضا لسياسات هدم البيوت والاستيطان، وتأكيدا على التمسك بالأرض والكرامة والحق الجماعي في البقاء والتطور.
وشهدت مدينة بئر السبع، أمس الخميس، مشهدا غير مسبوق، حيث خرج أكثر من 15 ألف شخص من مختلف القرى والتجمعات البدوية في أكبر مظاهرة تشهدها منطقة النقب منذ سنوات. وأكد المشاركون على ضرورة تحويل هذه الهبة الشعبية إلى نقطة انطلاق لمواجهة المخططات الاقتلاعية والتفجيرية، عبر بناء إستراتيجية نضالية موحدة ترتقي إلى حجم التحدي.
وتزامنا مع هذا الحراك، أقدمت السلطات الإسرائيلية على أكبر عملية هدم جماعي في قرية السر مسلوبة الاعتراف، حيث دمرت أكثر من 25 منزلا في يوم واحد، ضمن حملة تصعيدية شملت خلال أسبوعين أكثر من 45 منزلا. وتهدد أوامر الهدم الآن أكثر من 200 أخرى، وهو ما يشير إلى نية واضحة لإفراغ الأرض من أصحابها.
وحذر النائب وليد الهواشلة، عن القائمة الموحدة، من خطورة مخطط "شيكلي"، واصفا إياه بـ"أحد أخطر المخططات"، لكونه يفرض حلولا قسرية وينتهك الحقوق التاريخية للعرب في النقب، مما ينذر بإشعال صراعات داخلية بدلا من حل الأزمة.
وأضاف الهواشلة للجزيرة نت أن الحكومة الإسرائيلية تفرض قراراتها دون حوار حقيقي، وتحاول الاستيلاء على الأراضي تحت شعارات مضللة كـ"التنظيم" و"التطوير". وشدد على أن وقف سياسة الهدم والاعتراف بالقرى وحقوق سكانها، هو السبيل الوحيد لحل عادل ومستدام.
وأكد أن وعي السكان وتمسكهم بأرضهم، إلى جانب الوحدة والصمود، يمثل خط الدفاع الأول في مواجهة هذه المخططات، محذرا من تفاقم الظلم والتوتر نتيجة السياسات الإقصائية.
إعلانووفق الهواشلة، اضطرت العديد من العائلات للسكن في مبان عامة بعد أن هُدمت منازلها بالجرافات، مؤكدا أن "الاحتجاج الشعبي هو أقوى أدوات الضغط لإجبار الحكومة على التراجع".
من جانبه، وصف رئيس المجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها، عطية الأعصم، خطة "شيكلي" بأنها "تهديدية واستعلائية"، مؤكدا للجزيرة نت أن القرى البدوية ليست مجرد تجمعات عشوائية، بل هي امتداد لإرث ثقافي وتاريخي عميق.
وقال إن الخطة تواصل اعتماد الجرافات بدل الخدمات والتهديد بدل الحوار، مؤكدا رفض هذا النهج ومشددا على أن النقب لا يمكن أن يُبنى على أنقاض الثقة ولا على حساب أهله.
ودعا الأعصم إلى وقف الهدم والبدء بتخطيط مشترك يضم ممثلين عن القرى ومهنيين من داخل المجتمع البدوي، لضمان حلول تحترم الهوية وتلبي الاحتياجات. وشدد على ضرورة إقامة حوار رسمي ودائم بين الحكومة والسكان، يضمن مشاركتهم في رسم مستقبلهم واتخاذ القرارات المصيرية.
معركة وجودبدوره، أكد رئيس لجنة المتابعة العليا، محمد بركة، أن ما يجري في النقب هو معركة وجود لا نزاع على الأرض، وأن أدوات السيطرة القانونية والهندسية تُستخدم تحت غطاء "التنظيم"، محذرا من تبعات استمرار هذا النهج.
وقال بركة، في بيان له عمّمه على وسائل الإعلام وتلقت الجزيرة نت نسخة منه، إن "النقب ينتفض والكرامة لا تساوم"، مشيرا إلى أن الحراك يجب أن يكون نقطة انطلاق نحو إستراتيجية نضالية موحدة ترتقي إلى مستوى التحديات، وتتكامل فيها جهود الأحزاب واللجان الشعبية والحركات الشبابية.
من جهته، ثمّن عضو لجنة التوجيه العليا لعرب النقب، جمعة الزبارقة، حراك الكرامة، قائلا إنه شكل مشهدا وحدويا استثنائيا انطلق من بئر السبع بمظاهرة عفوية ضخمة، شارك فيها آلاف من أبناء النقب ومن مختلف مناطق الداخل الفلسطيني. وأكد أن هذه الهبّة الشعبية جاءت ردا مباشرا على تصعيد سياسة الهدم، ورسالة واضحة بأن جماهيره لن تصمت.
إعلانوأضاف الزبارقة للجزيرة نت أن الجماهير العربية، من خلال هذا الحراك، كسرت حاجز الخوف وفرضت حضورا سياسيا وشعبيا واضحا، مؤكدة أن صوت النقب لا يُقمع، وأن الحق حين يرفع يتحول إلى قوة قادرة على مجابهة البطش والعنصرية.
وشدد على ضرورة مواصلة النضال وتصعيد الحراك في كل مكان دعما لصمود أهل النقب، ورفضا لسياسات التهجير والهدم، داعيا إلى مواجهة النكبة المستمرة في غزة، ومحاولات الإبادة والتطهير العرقي التي تستهدف الفلسطينيين في كل أماكن وجودهم.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات أکثر من على أن
إقرأ أيضاً:
دراسة تحذّر من مخطط تهجير ممنهج بغزة وتدعو إلى اقتصاد مقاوم يتصدّى له
أصدر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات ورقة علمية جديدة تكشف عن أبعاد الخطة الإسرائيلية ـ المدعومة أمريكياً ـ لتهجير سكان قطاع غزة قسراً، داعياً إلى تبنّي خطة استجابة اقتصادية متكاملة لمواجهة هذا الخطر الوجودي. الدراسة، التي أعدها الخبير الاقتصادي الدكتور رائد محمد حلس، جاءت بعنوان: "السياسات الاقتصادية لمواجهة التهجير القسري الإسرائيلي للفلسطينيين في قطاع غزة (تشرين الأول/ أكتوبر 2023 ـ آذار/ مارس 2025)"، وطرحت مقاربة نقدية تعتمد على معطيات ميدانية، وتقترح حلولاً عملية لتعزيز صمود سكان القطاع في وجه التهجير المنهجي.
تُبرز الورقة تصاعد السياسات الإسرائيلية التي تستهدف التهجير القسري، مستخدمة أدوات مركبة تشمل العدوان العسكري، والحصار الاقتصادي، والتدمير المتعمد للبنية التحتية، إلى جانب التضييق على سبل العيش. وبلغت هذه السياسات ذروتها خلال حرب تشرين الأول/ أكتوبر 2023، التي خلّفت دماراً واسع النطاق ونزوحاً داخلياً جماعياً، في ظل ظروف إنسانية هي الأسوأ منذ سنوات.
تعتبر الدراسة هذه الممارسات جزءاً من مخطط أوسع لإعادة تشكيل الخريطة السكانية لقطاع غزة، وهو ما وصفته تقارير أممية بأنه يشكّل جريمة تهجير قسري محرّمة دولياً. وتحذر من أن بقاء التعامل مع الوضع في إطار الاستجابات الإغاثية المؤقتة سيُفضي إلى ترسيخ نتائج هذا المخطط، ويقوّض أي فرص مستقبلية للتعافي.
رؤية اقتصادية لمجابهة التهجير
من هذا المنطلق، تدعو الورقة إلى التحوّل من الاستجابة الطارئة إلى مقاربة استراتيجية تدمج الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية، وتعزز من قدرات السكان على الصمود، من خلال تمكين القطاعات الإنتاجية، وخلق فرص عمل، وتوسيع مظلة الحماية الاجتماعية.
وتقترح الدراسة التحرك على ثلاثة مستويات زمنية مترابطة:
قصير الأمد: عبر برامج حماية اجتماعية عاجلة، وفرص عمل مؤقتة، ودعم الأنشطة المدرّة للدخل.
متوسط الأمد: من خلال إعادة الإعمار والتنمية المحلية وتعزيز الاقتصاد الاجتماعي والتضامني.
بعيد الأمد: ببناء اقتصاد مقاوم يقوم على الإنتاج المحلي، والسيادة الاقتصادية، وفك الارتباط عن الاقتصاد الإسرائيلي.
كما شددت على أهمية إشراك المجتمعات المحلية والفئات الهشّة، ولا سيما النساء والنازحين، في عمليات التخطيط والتنفيذ، لتعزيز الإحساس بالانتماء والملكية الجماعية.
توصيات عملية لمواجهة المرحلة
وفي ختام الدراسة، أورد الباحث جملة من التوصيات أبرزها:
ـ تبني خطة اقتصادية متكاملة تشارك فيها مؤسسات الدولة والمجتمع المدني والقطاع الخاص.
ـ تعزيز التمكين الاقتصادي للنساء والنازحين بدعم المشاريع الصغيرة والتعاونيات.
ـ توفير فرص عمل من خلال برامج "النقد مقابل العمل" والتدريب المهني والرقمي.
ـ إعادة الإعمار بنهج عادل يضمن عودة آمنة ويقلل التبعية باستخدام تقنيات وموارد محلية.
ـ الاستثمار في الزراعة والصناعة لتقوية الاكتفاء الذاتي.
ـ دعم البحث العلمي والابتكار كمحركات لتعزيز الصمود والتطور المستدام.
تأتي هذه الدراسة في وقت يُجمع فيه مراقبون دوليون ومراكز بحثية على وجود توجه إسرائيلي متصاعد لترحيل الفلسطينيين من غزة بشكل قسري، بمباركة ضمنية من بعض الأطراف الدولية، أو على الأقل بصمتها. ويعزز هذا الواقع الحاجة إلى سياسات فلسطينية تحوّل غزة من منطقة تعتمد على المعونات إلى مساحة إنتاج ومقاومة اقتصادية، تقف سداً في وجه مشاريع التهجير والتفريغ السكاني.
كما تعكس الدراسة تزايد الوعي بأهمية المعالجة الاقتصادية للمأساة، وضرورة وضع حلول بنيوية ترتكز على العدل الاجتماعي، وتربط بين الإغاثة والتنمية، وتراهن على صمود الإنسان الفلسطيني في وجه محاولات اقتلاعه من أرضه.