كثيراً ما يخلط الناس بين اللذة والفرح ويعتبرون أن اقتناص اللذات الحسية قرين الشعور بالفرح والسعادة، لكن الفلاسفة ميزوا بين هذه المفاهيم؛ فلدينا منذ العصر اليونانى وحتى العصور الحديثة مذهب فلسفى يدعى مذهب اللذة وقد تأسس على يد فيلسوف قورينائى قديم يدعى أرستبوس الذى وحد تماماً بين اللذة والسعادة ورأى أن الشعور بالسعادة لا يتأتى إلا بممارسة والاستمتاع باللذات الحسية المختلفة وتطرف فى ذلك لدرجة أن اتخذ من صديقته المستهترة لاييس رمزاً للذة! وقد وصل التطرف فى الدعوة إلى اللذة عند هجسياس آخر ممثلى هذا التيار اللذى القديم إلى أن دعا إلى الانتحار إذا ما فقد الإنسان القدرة على ممارسة هذه اللذات الحسية إذ لا معنى لاستمرار الحياة لديه دونها! وقد حاول أبيقور فى فلسفته الأخلاقية الداعية إلى اللذة أيضاً الحد من هذا التطرف فدعا إلى الاعتدال فى ممارسة اللذات والاكتفاء بما هو ضرورى منها دون مغالاة أو تطرف!
لكن الحق أن الفيلسوف الفرنسى المعاصر هنرى برجسون كان فى اعتقادى أكثر الفلاسفة تميزاً فى رؤيته للعلاقة بين اللذة والفرح حينما قال فى كتابه الشهير «الطاقة الروحية»: إن اللذة ما هى إلا حيلة ابتدعتها الطبيعة لتحصل من الكائن الحى على بقاء الحياة وهى لا تدل على الاتجاه الذى اندفعت فيه الحياة، ومن هنا ميز بين اللذة والفرح مؤكداً أن الفرح هو الذى ينبئ بأن الحياة قد نجحت واتسعت ونالت الظفر، وقد ربط برجسون بين الشعور بالفرح وبين الخلق وتجدد الحياة قائلاً: «حينما يكن فرح يكن خلق، وعلى قدر غنى الخلق يكون عمق الفرح».
لقد حاول برجسون فيما سبق أن يلفت انتباهنا إلى أن السعادة الحقيقية للإنسان ليست فى استثمار قواه الجسدية بقدر ما هى فى إعمال قواه العاقلة المبدعة التى تضيف بإبداعاتها واكتشافاتها إلى الحياة حياة جديدة ومتجددة.
والخلاصة أن سعادة الإنسان الحقيقية ليست فى الجرى وراء إشباع الشهوات الجسدية والإفراط فى ممارسة اللذات الحسية لأنه إذا اقتصر فى حياته على ذلك إنما يتوقف عند كونه حيواناً غرائزياً فاقداً العقلانية والإنسانية! وإنما السعادة الحقة فى «الفرح» بما يحققه من تنمية لذاته العاقلة وما استطاع أن يضيفه من خلال ذلك على الوجود ومظاهر الحياة البشرية من حوله، إن دافعية الحياة الإنسانية وتميزها تكمن فى قوة العاطفة والحب والسمو الأخلاقى، تكمن فى الإبداع العلمى والفنى الذى يرقى بالإنسان وعواطفه النبيلة ليقبل على الحياة بفرحة طفل لا يعرف من مآسى البشر الأجلاف الأشرار شيئاً ويتطلع إلى مستقبل دائم الإشراق والتجدد!
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: نحو المستقبل الفيلسوف الفرنسي
إقرأ أيضاً:
عيد ميلاد مايك تايسون.. قصة اعتناقه الإسلام ولماذا أطلق على نفسه “مالك”
يحتفل اليوم الـ 30 من يونيو نجم الملاكمة على مر التاريخ مايك تايسون بعيد ميلاده وهو الذى يحظى بشهرة واسعة اكتسبها من داخل حلبة الملاكمة حتى دخوله لعالم التمثيل من خلال قائمة طويلة من الأفلام.
وهو ما جعله محط أنظار المنتجين لاستغلال شعبيته في عالم الملاكمة من أجل المشاركة في الأفلام، بفضل أرقامه القياسية فى عالم الملاكمة.
هذا وقد اهتمت المواقع والصحف العالمية قبل سنوات بقصة اعتناق مايك تايسون الإسلام، والذى نسترجع ذكرياتها خلال السطور التالية على لسانه في إحدى مقابلاته التليفزيونية الذي قال فيها إنه شأن كل المشاهير كان يتعرض دومًا لاستفزازات الإعلام وعدسات مصوري الباباراتزى.
الأمر الذى لم يتأقلم معه ليحاول قدر الإمكان الابتعاد عن تلك الأجواء، حتى فوجئ بتهمة الاغتصاب مرفوعة ضده من ملكة الجمال (ديزايرى واشنطن)، والذى وصفها بأنها مُلفّقة للانتقام من نجاحاته، ما تسبب في دخوله السجن ليتعرف على بعض الأشخاص الذين أقنعوه باعتناق الإسلام.
تايسون استرجع تلك الذكريات ووصفها بأنه لم يكن يتعرف على دين الإسلام رغم معرفته المسبقة بأن مثله الأعلى (محمد علي كلاى) اعتنقه، موضحاً في الحوار الذى نشر له بأن السجن قضى على غروره، ومنحه فرصة للتعرف على الإسلام وإدراك تعاليمه السمحة التي كشفت له عن حياة أخرى لها طعم مختلف.
كما أكد أن الإسلام أمده بقدرة فائقة على الصبر، وعلمه شكر الله حتى على الكوارث، ومن ثم قرر اعتناق الإسلام واختار لنفسه اسم (عمر عبدالعزيز) قبل أن يغيره فيما بعد إلى مالك عبدالعزيز، باعتبار أن اسم مالك هو الاسم الإسلامى المقابل لاسم مايك.
أيضاً أكد أنه أعجب بالإسلام بعدما وجد فيه إجابات عن كل الأسئلة عن الحياة والموت، وأشد ما أقنعه في القرآن أنه يحترم الديانتين اليهودية والمسيحية.
اليوم السابع
إنضم لقناة النيلين على واتساب