صريخ وعويل ونواح وأهات أمهات ثكلي وتمتمات قلوب آباء طعنها ألم فقد فلذة الكبد فجأة، مأتم جماعي وحزن مقيم سكن قرية بأكملها، وسرادق عزاء امتد فى مشهد مهيب وموجع، والسبب سائق طائش يقول إنه فقد السيطرة على عجلة القيادة، فدهس السيارة "الميكروباص" تحت عجلاته بلا هوادة، فتناثرت الأشلاء وصعدت الأرواح إلى بارئها، تاركة خلفها قصصا دامية، وتساؤلات حائرة لن نجد لها إجابات أبدا ودوما.
ثماني عشرة فتاة لم يزد عمر الكبرى منهن على 23 عاما، دفعهن تحمل المسئولية وعدم الارتكان إلى ظروف الواقع، إلى العمل رغم حداثة أعمارهن، وهى قصة مأساوية متكررة، تحكمها أسباب عدة، فهذه طالبة فى كلية الهندسة لم تتعال ولم تخجل من الذهاب مع رفيقاتها إلى جني محصول العنب مقابل 130 جنيها يوميا، أرادت أن تخفف عن أسرتها مصروفات الكلية، وتلك انتهت للتو من امتحانات الشهادة الإعدادية، وكانت تحلم باقتناء جهاز هاتف، وثالثة كانت تنتظر زفافها بعد أسبوعين، بعد أن رفضت أن ترهق أهلها فى مصروفات تجهيز العرائس التى لا تنتهي بحكم عادات بالية فى القرى والأرياف.
كل واحدة من البنات لها قصة، وما أكثر القصص المؤلمة التى يعيشها كثير من البسطاء فى صمت، عزة النفس عنوانهم، والستر أبلغ أمانيهم، يسعون لكسب رزقهم من عمل أيديهم، لا يسألون الناس إلحافا، يشحنون فى سيارات ميكروباص أو نصف نقل يتكدسون فوق بعضهم، يقودها سائق أرعن متهور، يتمايل بهن يمينا ويسارا يتخطى تلك السيارة ويقفز أمام الأخرى فى حركات بهلوانية، تشعلها سيجارته الممزوجة بالمخدرات، ولا يوفقها حذر من خطورة الطريق، أو حتى مجرد محاسبة ومراقبة للقيادة الطائشة على الطرق، فيتحول الركب إلى نعش تتناثر أشلاؤه على الاسفلت.
من منا لم يشاهد تلك العربات النقل التى تحمل فى صندوقها فتيات فى عمر الزهور وقد تكدسن فوق بعضهن بينما تتمايل بهن العربة يمينا ويسارا وهن يغالبن تيارات الهواء فى الشتاء القارس أو لفحة الشمس الحارقة فى نهار الصيف، تلك هى الصورة لنساء وفتيات تهربن من ذل الحاجة وسياط الفقر فى رحلة سعي وراء لقمة عيش محفوفة بالمخاطر وربما الأهوال، وصفحات الحوادث فى أرشيف صحفنا يمتلئ بسواد لحظات قاسية أودت بحياة الكثيرات منهن، مرة غرقا فى نهر النيل وأخرى تحت عجلات قطار وثالثة فى حادث مروع.
هل نسينا ما حدث منذ عام تقريبا لفتيات معدية أبو غالب، وهو حلقة من سلسلة حوادث الفقر والإهمال، حيث سبع عشرة فتاة رحن ضحية الحادث غرقا، أعمارهن لا تتجاوز العشرين عاما والغالبية أقل من ذلك بكثير، تكدسن مع سبع أخريات فى عربة ميكروباص واحدة ليصبح العدد 24 راكبا فى مركبة لا تتجاوز مقاعدها على الـ14 راكبا، كن ذاهبات للعمل فى مزرعة لجمع زهور الياسمين.
وقتها تم حبس السائق وصرفت تعويضات لأسر الضحايا، ثم طويت الصفحة وما أشبه الليلة بالبارحة، أمس تكرر نفس المشهد على الطريق الإقليمي بالمنوفية، المواقع الاخبارية نقلت لنا لقاءات مع أمهات شهيدات لقمة العيش، ما أصعب وما أقسى ما تحملنه من حزن، على فقد بناتهن، لا تكفي كل الكلمات للمواساة ولا أكبر التعويضات لتحل محل فلذات الأكباد، هل سنستمر فى هذه الدائرة المفرغة من الإهمال ثم الحوادث المفجعة، دون أن يحاسب المتسبب بعقوبة رادعة، ودون أن يتم النظر فى منح التراخيص لسائقين معدومي الكفاءة، ودون أن تتم مراقبة القيادة الآمنة على كل المحاور؟!.. .ليتنا نعيد النظر فى كل هذه الامور حتى لا نفيق كل فترة على مأساة جديدة ننعى فيها "زهرات الحزن".
المصدر: الأسبوع
إقرأ أيضاً:
مأساة في بني سويف.. مصرع طفلتين شقيقتين غرقًا في ترعة أثناء اللعب
شهدت قرية قمن العروس التابعة لمركز الواسطى بمحافظة بني سويف، واقعة مأساوية بعد مصرع طفلتين شقيقتين غرقًا في ترعة القرية أثناء لهوهما، ما أثار حالة من الحزن بين أهالي المنطقة.
تلقت مديرية أمن بني سويف إخطارًا من مستشفى الواسطى المركزي، بوصول كل من الطفلة جومانا.م.ج، 7 سنوات، وشقيقتها كارما، 3 سنوات، جثتين هامدتين، وذلك إثر تعرضهما للغرق في إحدى الترع المجاورة لمحل إقامتهما.
وبتوقيع الكشف الطبي المبدئي عليهما، أكد مفتش الصحة أن سبب الوفاة هو اسفكسيا الغرق، دون وجود أي إصابات ظاهرية تشير إلى عنف أو شبهة جنائية.
وحررت الأجهزة الأمنية محضرًا بالواقعة، وجارٍ اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، كما بدأت التحقيقات لمعرفة ملابسات الحادث.
وخيمت أجواء من الحزن على القرية، وسط دعوات الأهالي بضرورة تأمين الترع والمصارف المجاورة للمنازل، خاصة في القرى والمناطق الريفية، لحماية الأطفال من مثل هذه الحوادث المؤلمة.