محمد مستعد

تكشف أرشيفات وزارة الخارجية ووكالة المخابرات الأمريكيتين التي رفعت عنها السرية بعد 50 عاما، والمتعلقة بأنشطة وزير الخارجية الشهير هنري كيسنجر الذي توفي الخميس الماضي، عن عدة حقائق حول المسيرة الخضراء وأهميتها في التاريخ الوطني الراهن. وحسب دراسة للأستاذ عبد الله ساعف مدير مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية، فإن هنري كيسنجر اكتشف الصراع الإقليمي حول الصحراء في بداياته بمناسبة جولات كان يقوم بها في المنطقة بحثا عن حل لصراع أوسع هو الحرب العربية الإسرائيلية التي جرت في 1973.

حيث جاء إلى الرباط ليطلب المشورة من الملك الراحل الحسن الثاني بخصوص القضية الفلسطينية.

تأكد الاهتمام الأمريكي بالنزاع الناشئ في الصحراء بمجرد إعلان إسبانيا عزمها الانسحاب منه في 1975. وطيلة أسفاره وتنقلاته، سيواجه كيسينجر صعوبات كبيرة في تدبير العلاقات بين الرباط والجزائر ومدريد بخصوص مستقبل إدارة الأقاليم الجنوبية. وكان موقف إسبانيا يتأرجح بين المغرب والجزائر، فكان يميل، تارة، نحو هذا الطرف، وتارة نحو الطرف الآخر خلال فترة مرض فرانكو، وتولي الملك خوان كارلوس السلطة. أما الجزائر، فرغم دعمها المعلن للاتفاق المغربي الإسباني حول نقل السيادة على الصحراء إلى المغرب وموريتانيا، فإن موقفها لم يكن واضحا. واعتبرت واشنطن، حسب الوثائق المذكورة، أن هناك مناورة دبلوماسية لانتزاع اعتراف المغرب بجزائرية مدينة تندوف، ومصادقته على اتفاقيات إفران الموقعة بين البلدين في 1969، وفرصة للانتقام من  “حرب الرمال ”.

في خضم النقاشات التي جمعت بين كيسنجر والملك الراحل الحسن الثاني، ومن خلال عملية تفكيكها لرموز الاستعدادات للمسيرة الخضراء، كانت المخابرات الأمريكية تتساءل عما إذا كان المغرب يستعد للقيام بتدخل عسكري، خاصة مع المطالب المغربية الملحة بالحصول على عدة أسلحة. وقد طمأن الملك الأمريكيين، وأوضح لهم بأن ما يقوم بالإعداد له ليس له أي طابع عسكري. لكن الملك لم يأخذ بالاعتبار في أي وقت من الأوقات بنصيحة كيسنجر  “الحازمة للغاية”، والتي طالب فيها بإلحاح العاهل المغربي بالتراجع، وبالتخلي عن المسيرة الخضراء.

بعث كيسنجر بعدة رسائل إلى الملك يناشده فيها بأن يتراجع عن المسيرة، ويبلغه بتهديدات الرئيس الجزائري والسلطات الإسبانية. ولكن بدون جدوى. وينبغي، في هذا الصدد، أن نقرأ وثائق وزارة الخارجية ووكالة المخابرات المركزية لنعرف إلى أي حد كان الرفض القاطع للملك يثير الإعجاب. ورغم تحذيرات كيسنجر، واصل الحسن الثاني مشروعه. وقد نقل إليه وزير الخارجية الأمريكي كلام بومدين الذي كان يقول فيه بأن الملك الحسن الثاني يلعب بالنار وبأن: “المغرب ليس له أي مصلحة في أن يدخل في نزاع مع الثورة الجزائرية، في حين أن الجزائريين لا يخشون من هذا الاحتمال. فنحن ثوار، واعتدنا على القتال. وأنا ليس لدي عرش أخسره مثل الحسن… “. إلا أن الملك لم يغير من موقفه. كما نقل كيسينجر رسالة تحذير أخرى بعثها كورتينا (وزير الخارجية الإسباني)، وجاء فيها: “لقد تلقت قواتنا المسلحة الأوامر بصد أي محاولة للاجتياح. إن الحسن الثاني يلعب بعرشه، ويريد أن يصرف رأيه العام عن مشاكله الداخلية. إسبانيا ليس لديها أية نية لتدفع ثمن أخطائه. لهذا أطلب منكم أن تبذلوا كل ما في استطاعتكم لتجنب العواقب المأساوية التي من المؤكد أنها ستترتب عن هذه المسيرة “.

يتوقف الأستاذ عبد الله ساعف عند مجموعة من الخلاصات لحدث المسيرة الخضراء، ليؤكد أنها شاهد على العقلية الاستراتيجية للمغاربة، وعلى مهاراتهم التكتيكية. كما أنها كشفت عن قدر كبير من البراغماتية، والمناورة بروح من الاعتدال والحكمة التي فاجأت الأصدقاء والأعداء. كما أن المسيرة كانت المنطلق لتحولات سياسية جذرية على الصعيد الداخلي، ولكن في ظل الاستمرارية. ففي وقت كانت هناك مخاطر قصوى، تم تدشين حرب مباشرة لمواجهة دول كانت تقوم بدعم أعداء الوحدة الترابية للبلاد. لقد “كانت هذه الحرب فرصة للنظام لرفع التحدي، ولترسيخ جذوره، وتقويتها”.

 

كلمات دلالية الحسن الثاني هنري كيسينجر

المصدر: اليوم 24

كلمات دلالية: الحسن الثاني المسیرة الخضراء الحسن الثانی

إقرأ أيضاً:

د. أحمد المطارنة يكتب بحق العيسوي

صراحة نيوز- كتب د. أحمد المطارنة

“اللَّهُمَّ مَن وَلِيَ مِن أَمرِ أُمَّتي شيئًا فَرَفَقَ بِهِم، فَارفُقْ به.”
بهذا الدعاء النبوي الشريف تُوزَن القلوب التي تتصدر المشهد، وتُقاس عظمة الرجال لا بما نالوه، بل بما قدّموه.
وفي زمنٍ كثر فيه مَن يتحدثون عن الوطن، وقلّ من يخدمه بصمت، يبرز اسم معالي أبو الحسن، لا كمسؤول فحسب، بل كضمير حيّ يعيش بين الناس، لا فوقهم.

ولو قُدّر للقلوب أن تنطق، لسمعنا قلبه يهمس:
“لم أدخل هذا الطريق طمعًا بسلطة، بل إيمانًا أن الأوطان تُبنى بالأكتاف لا بالخطابات. ما سعيتُ إلى مجد شخصي، بل إلى أثر يبقى في الناس، لا في الكراسي. ما كنتُ يومًا فوق أحد، بل كنتُ دائمًا بينكم، أصغي وأبذل وأتعلم.”

لقد تعلم معاليكم من مدرسة الملك عبدالله الثاني أن الشرف لا يُقاس باللقب، بل بمدى القرب من الناس، وأن القيادة ليست سلطة، بل مسؤولية تبدأ من صدق النية وتنتهي عند وجع المواطن.
كنتم كما عهدكم الناس: لا تُغريكم المظاهر، ولا تُشغلكم الأضواء.
تستمدون نوركم من دعاء أمّ، وابتسامة يتيم، ورضا فقير.
رجل لا يغلق بابًا في وجه صاحب حاجة، ولا يلتفت عن صوتٍ ضعيف يطلب الإنصاف.
لم يطرق مواطنا بابكم إلا وخرج بكرامة، لا بكلمات.

وفي زمنٍ يضجّ بالتكلف ويقلّ فيه الإخلاص، أنتم من القلائل الذين يتركون أثرًا هادئًا من الطمأنينة والعدل.

أنتم يا معالي أبو الحسن، من سلالة الرجال الذين يُطمئن وجودهم القلوب، ويُضيء حضورهم دهاليز الإدارة بالإنسانية.
ما من موقفٍ وُضعتم فيه إلا وخرجتم منه بأكثر من حلّ، وبأكثر من قلب ممتنّ.

يا معالي أبو الحسن، أنتم ممن لا يُعرّفهم المنصب، بل يُعرّف بهم المنصب.
من الرجال الذين إذا مرّوا، تركوا أثرًا لا يُمحى، وذكرًا لا يُنسى، وثقةً تنبت في النفوس.

لكم من القلب دعاء صادق، أن يحفظكم الله، ويزيدكم توفيقًا، ويُبقيكم عنوانًا للعدل، وسندًا لهذا الوطن الذي أحببتموه بصدق، وخدمتموه بضمير، فأحبّكم لأجله الناس.

مقالات مشابهة

  • شهادة الطَّفْ.. حسنية أولا وحسينية ثانيا.. فمن هو الإمام الحسن بن علي؟!
  • ميسي يعادل إنجاز هنري التاريخي بأداء ساحر في الدوري الأمريكي
  • مصر.. اتصالات مكثفة لاستمرار وقف الحرب بين إيران وإسرائيل
  • اتصالات مكثفة لوزير الخارجية لتثبيت وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل
  • “سجل مشروعك وانطلق” صندوق الملك عبدالله الثاني يطلق مشروع عربات الطعام / تفاصيل وشروط
  • إعلان الأسماء الفائزة بجائزة "المدرسة الخضراء" للعام الأكاديمي 2024–2025
  • د. أحمد المطارنة يكتب بحق العيسوي
  • سلطان عُمان والملك تشارلز يبحثان القضايا الإقليمية والدولية
  • الملك يؤكد في برقية إلى ترامب تطلعه لترسيخ العلاقات المتميزة بين المغرب والولايات المتحدة
  • الملك محمد السادس يشيد بالتعاون والتقدير المتبادل بين المغرب وأمريكا على خلفية تهنئة لترامب