أدت الظروف التى واجهتها مصر خلال العقود الأخيرة إلى تصنيفها كواحدة من دول الفقر المائى، بسبب ندرة المياه، أى أن كمية المياه المتاحة غير كافية لتلبية الأنشطة السكنية والزراعية والصناعية وغيرها لضمان استمرار عوامل التنمية، وهذا الأمر دفع الدولة إلى البحث عن فرص جديدة للموارد المائية، وتحسين قدراتها على إعادة استخدام المياه.

ورفعت الدولة استثماراتها فى قطاعات الرى والمياه، وأعطت الأولوية لمشروعات عديدة متباينة فى مجالات تحلية مياه البحر وإعادة تدوير مياه الصرف بمحطات المعالجة الثلاثية، وتجميع مياه السيول والأمطار من المخرات فى خزانات وغيرها من المشروعات العملاقة، حيث ركزت الدولة على ثلاثة محاور كبرى، الأول يتعلق بمشروعات لمعالجة مياه الصرف الزراعى والثانى مشروع تأهيل وتبطين الترع والثالث تحلية مياه البحر ما أسهم فى تخفيف حدة الأزمة المائية.

وأكدت وزارة الرى أن أول المحاور كان تنفيذ محطات المعالجة لإعادة استخدام مياه الصرف بإنشاء محطات المعالجة الثلاثية التى تعتبر واحداً من أكبر القطاعات التى يتم الاستثمار فيها، وسعت الدولة إلى استخدام المياه المستصلحة فى الرى لوجود محتوى المغذيات من النيتروجين، والفوسفور داخلها، وهو ما يمكن أن تزيد فائدته إن تم التحكم فى تركيزاته ليعمل كسماد، وتهدف الفكرة إلى إعادة استخدام مياه الصرف فى زيادة حجم الموارد المائية الموجهة للزراعة، خاصة أن القطاع الزراعى هو أكبر مستهلك للمياه بنسبة تعادل 82% وأصبح من الممكن استخدام مياه الرى لزرع أنواع مختلفة من المحاصيل مع اختلاف نسب التنقية والملوثات المتبقية داخلها، حيث حصلت مصر على 20% من إمداداتها للمياه السنوية من مياه الصرف الصحى المعالجة خلال عامى 2018 و2019، بعد حزمة من الإجراءات الهندسية والتنموية المختلفة ونجحت فى توفير 13.65 مليار متر مكعب من المياه من خلال محطات المعالجة من بين 80.25 مليار متر مكعب استخدمت خلال العام الأخير ومن أهم المشروعات كان مشروع محطة بحر البقر الذى تم افتتاحه عام 2021 لمعالجة مياه الصرف الصحى التى تعد الأكبر فى العالم وتقع شرق قناة السويس وتبلغ مساحتها 155 فداناً لمعالجة حوالى 5 ملايين متر مكعب من المياه يومياً وحطمت المحطة ثلاثة أرقام قياسية فى موسوعة جينيس للأرقام القياسية فور افتتاحها كأكبر محطة معالجة وقتها، وأكبر منشأة بيئية لمعالجة الحماة، وأكبر محطة لتوليد وتشغيل الأوزون فى العالم.

وحطمت مصر هذا الرقم القياسى بمحطة مياه الصرف الصحى والزراعى بمدينة الحمام وهو مشروع آخر بدأ تنفيذه بقطاع الموارد المائية والمياه فى شهر فبراير 2021 قبل أن يفتتح فى أواخر 2022 وضمت المحطة الجديدة لمعالجة 6 ملايين متر مكعب من المياه يومياً وهو ما يسمح برى 500 ألف فدان غرب دلتا النيل.

وأوضحت الوزارة أن المحور الثانى تمثل فى مشروعات إعادة تأهيل وتبطين المجارى المائية وهو واحد من أحدث المشروعات للحفاظ على ثروات مصر من الموارد المائية، والأهم على الإطلاق، ويهدف المشروع إلى الحفاظ على كميات المياه المهدرة على مدار عقود جراء تسرُّبها للتربة وهروبها إلى باطن الأرض ومن المتوقع توفير حوالى 5 مليارات متر مكعب من المياه التى كانت تهدر بطول مجارى الشبكة المائية فى كافة أنحاء الجمهورية، وعند حساب المخطط النهائى لبرنامج تأهيل وتطوير الترع الرئيسية على مستوى الجمهورية، تصل تكلفته إلى 18 مليار جنيه، ويشمل المخطط الذى أطلق فى 2020 تبطين وصيانة 7.5 ألف كيلومتر من الترع والقنوات.

وأكدت الوزارة أنه يجرى فى الظروف العادية تبطين 50 كم من الترع سنوياً، إلا أن الحاجة المُلحة أدت إلى تعديل الخطة القومية فى البداية لتبطين حوالى 2000 كيلومتر من الترع كل سنة ولمدة عشرة أعوام، ثم تم التعديل مرة أخرى ليتقرر الانتهاء من تنفيذ المشروع خلال عامين فقط، لتعويض زمن التأخير فى إطلاقه واعتباره مشروعاً قومياً نظراً للاعتبارات الخاصة بالأزمة المائية الحرجة التى تعانى منها البلاد وقُسم المشروع إلى مرحلتين تنفذان فى 19 محافظة الأولى 3.5 ألف كيلومتر، والثانية 4 آلاف كيلومتر وتكلفة تنفيذ المرحلة الثانية وحدها 8 مليارات جنيه.

وأضافت أن المحور الثالث يتمثل فى 3 مشروعات معالجة وتحلية المياه، وتنتج 1.5 مليار متر مكعب فى قطاع مياه الشرب حتى عام 2030، ثم 3 مليارات متر مكعب عام 2037 وقررت الحكومة فى مايو 2022 التوسع فى مشروعات تحلية مياه البحر، خاصة فى المدن الساحلية والحدودية، من خلال بناء 14 محطة جديدة، حيث توجد حالياً 82 محطة تحلية فى مصر بطاقة إجمالية 917 ألف متر مكعب يومياً، ورغم أن تكلفة إنتاج متر مكعب واحد فى محطات التحلية تصل إلى 15 ألف جنيه، وتكلفة إنشاء محطة تحلية واحدة تعادل أربع مرات تكلفة إنشاء محطة تنقية مياه عادية، فإن الدولة قررت أن تعمل بكل قواها فى كل الاتجاهات الممكنة لكى تضمن مستقبلاً مائياً أكثر أماناً لطموحاتها التنموية. 

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: الأمن الغذائى الزراعة الأسماك أفريقيا الثروة الداجنة متر مکعب من المیاه محطات المعالجة میاه الصرف

إقرأ أيضاً:

متغيران..

يتم الحديث عن الاختلاف، وعن التقارب، وعن التغيير، وعن التضاد، وعن التسامح، وعن المواجهة، وفي كل ذلك هناك متغيران فاعلان، يظهر أحدهما على حساب الآخر، قد يشار إلى أحدهما على أنه متغير إيجابي، والآخر سلبي، وفي هذه الضدية، ليس شرطا أن تكون النتائج إيجابية بالمطلق، ولا سلبية بالمطلق، وإنما هناك مراوحة بين خطأ وصواب، وبين شروق وغروب، ويظل الحاكم في كل ذلك هو هذا الإنسان الذي أوتي الحكمة، والتعقل، والبصيرة، والقدرة على استشراف ما بعد النفق المظلم، ولأن المسألة مرتبطة أكثر بالإنسان في تحديد النتائج؛ تظل هذه التضادية معاشة في كل مشروعات الحياة اليومية، ويظل هذا الصراع قائما، وهذا ما يعطي الحياة ألقها وبهرجتها، واستمرار توهجها، ففي اتفاقاتها المطلقة تلبس الحياة عباءة تخيم على أنشطتها، ويصاب الإنسان بالملل، ويرى يومه صورة متكررة، باعثة على الكسل، وقد يعيش تململا يفقده همته، وطموحاته، وتعزيز آماله التي يريد.

فالتقييمات المرتبطة بالصورة الاحتفالية لحياة الناس - بيوت ضخمة وسيارات فارهة ومستوى معيشي عالي الجودة وسفر، ومع التضاد من ذلك في صورة الفقر، بكل صوره المأساوية، كل ذلك يقاس على متغيري الغنى والفقر، وتتداخل معهما مسائل جانبية، تقيَّم على أنها على درجة كبيرة من الأهمية، من ضمنها: جد واجتهاد، وتسلسل هرمي للأمرين ذاتهما (غنى/ فقر) وحظ وعلاقات، ذكاء وتصرف حكيم وعدم القناعة بالقليل وعدم التسليم لواقع معين والدخول في معترك المخاطر «مغامرات» وفي كل واحدة من هذه المشار إليه بمفردتها تتضمن متغيران، إن علا أحدهما كان ذلك على حساب الآخر، مع الإيمان بتبدل المواقف في ذات الأمر، فالجد يتقاطع مع الكسل، والذكاء مع الغباء، وحسن التصرف مع سوئه، والقناعة مع المزيد من التحقق والكسب، وحتى التسلسل الهرمي يمكن أن يتحايل عليه، ولذا عايشنا أسرا كانت على قدر كبير من الغنى وبحبوحة العيش، غدت أجيالها على خط الفقر، وفي المقابل أسرا أخرى تسلسلت عبر هرم الفقر؛ ربما؛ لأجيال متعاقبة؛ أضحى أبناؤها أو أحفادها على قدر معقول من الغنى والحياة الرغدة الهانئة ــ وإن كانت صورتهم الاحتفالية وفق المقياس المادي الظاهر ــ فالمهم أن متغير الغنى طغى على متغير الفقر، على عكس الأسر المتسلسلة عبر هرم الغنى. 

قد يصل البعض إلى قناعة أن العلم هو الوحيد الذي يمكن أن يوجد التوازن بين متغيري الفقر والغنى، وأن التسلسل الهرمي يخضع بالضرورة إلى هذا الفاعل، وكما جاء في قول الشاعر: «العلم يبني بيوتا لا عماد لها؛ والجهل يهدم بيوت العز والشرف» ولكن لا يمكن الجزم المطلق بذلك، فهناك متغيرات أخرى قد تدخل في هذا المعترك، فتحدد صورا جديدة، غير مرئية، أو معروفة من قبل، لتحدث تغيرات جذرية في الاتجاه ذاته، وهو ما يشار إليه؛ وفق ما جاء أعلاه: «حظ وعلاقات، ذكاء وتصرف حكيم وعدم القناعة بالقليل وعدم التسليم لواقع معين والدخول في معترك المخاطر «مغامرات»» والأمثلة كثيرة في الحياة عن أناس لا يملكون قدرا كبيرا من العلم والمعرفة، ومع ذلك أصبحوا على درجة كبيرة من الرخاء المادي، ومن التحقق الوجاهي، ويشار إليهم بالبنان، سواء في المجتمعات الصغيرة، أو المجتمعات الكبيرة المعقدة، ولذلك يضرب بالمثل الذي جمع مجموعة من الطلاب في صف ما ــ في المراحل الأولى من التعليم ــ أن المجموعة التي لم تكمل تعليمها، ترأست زملاءها الذي أكملوا تعليمهم؛ عندما تعينوا في مؤسسات يديرها هؤلاء الزملاء الذين فرقتهم الحياة قبل نيف من الزمان، فمتغيرا الجهل والعلم، ليس من الضرورة أن يفضيا إلى تناقض كبير في أدوار الحياة اليومية، والجهل هنا لن يقاس على أنه «الجهل بالمعرفة المطلقة» وإنما على أنه يمكن أن يحتاج صاحبه إلى بعض المفاتيح للصناديق المهمة، وحتى ذوو المعرفة يمكن أن يمارسوا تصرفات الجاهل عندما يخالف معرفته، ويذهب إلى حياة ما تهمس له به نفسه. 

مقالات مشابهة

  • أمانة جازان تُشغّل محطة تصريف مياه الأمطار الثالثة في جيزان
  • محافظ أسوان يتفقد مشروع محطة معالجة صرف صحى إقليت لخدمة 150 ألف نسمة
  • متغيران..
  • «أيميا باور الإماراتية» تشارك في توسعة محطة تحلية المياه في المغرب
  • تحلية مياه البحر .. حل باهظ التكلفة
  • حظر شامل لاستخدام مياه الصرف الصحي غير المعالجة.. وغرامات تصل لـ 600 ألف ريال-عاجل
  • عمار بن حميد: «شرطة المستقبل» محطة استراتيجية في صناعة الأجيال
  • خلال الاحتفال بالذكرى الـ 69 للتأميم.. قناة السويس تفتتح محطة مياه 26 يوليو بالإسماعيلية و3 كباري عائمة وانضمام وحدات بحرية جديدة
  • قناة السويس تفتتح محطة مياه 26 يوليو بمحافظة الإسماعيلية و3 كباري عائمة وانضمام وحدات بحرية جديدة
  • قناة السويس تطلق اسم 26 يوليو على محطة مياه الإسماعيلية الجديدة