الأمن القومي والتركيبة السكانية.. هذا ما يخشاه الإيرانيون من تزايد المهاجرين الأفغان
تاريخ النشر: 12th, July 2023 GMT
طهران- لم تكن إيران غريبة يوما عن جارتها الشرقية أفغانستان التي تصدرت لسنوات قائمة أكبر الدول المصدرة للاجئين في العالم. وبفعل ذلك، تحولت الجمهورية الإسلامية باستضافتها المهاجرين الأفغان إلى رابع أكبر دولة مضيفة للاجئين على مستوى العالم.
وبدأ اللاجئون الأفغان بالتدفق نحو إيران منذ احتلال الاتحاد السوفياتي لبلادهم عام 1979، ثم إبان حكم طالبان الأول (1996-2001)، وتصاعد إثر الغزو الأميركي لكابل عام 2001، إلا أن موجة الهجرة الأفغانية بلغت ذروتها عقب عودة طالبان إلى الحكم في صيف 2021.
وبينما كانت الإحصاءات الرسمية تشير إلى أن عدد اللاجئين الأفغان في إيران حتى قبيل عودة طالبان إلى الحكم لم يتجاوز قرابة مليوني و500 ألف نسمة، فإنه لا توجد إحصاءات دقيقة عن أعداد المهاجرين الأفغان في البلاد عقب موجة الهجرة الأخيرة بسبب عبور أعداد كبيرة جدا من المهاجرين الحدود المشتركة بصورة غير شرعية.
وبينما ذهبت بعض التقديرات إلى أن أعداد اللاجئين الأفغان في إيران بلغت 10 ملايين حتى نهاية 2022، أعلنت المنظمة الدولية التابعة للأمم المتحدة أن نحو مليونين و489 ألف مواطن أفغاني هاجر إلى إيران خلال عامي 2021 و2022، مما يعني زيادة عدد المهاجرين الأفغان في إيران إلى 5 ملايين، وهو ما يتناسب مع الإحصاءات الواردة على لسان وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، العام المنصرم.
في غضون ذلك، أظهرت نتائج تحقيق استقصائي -أجري على مدى العامين الماضيين- أن عدد المهاجرين الأفغان إلى إيران بلغ 8 ملايين، وأن نصفهم غير مسجلين لدى السلطات المعنية، وفق الباحث الاجتماعي ورئيس تحرير شهرية "ميدان آزادي" هادي كسائي زاده، الذي عايش المهاجرين الأفغان خلال عامين ورافق عددا من حملات الهجرة السرية من الحدود الأفغانية إلى جنوبي العاصمة طهران.
وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح كسائي زاده أن نتائج تحقيقه جاءت متطابقة لتقديرات جمعية الدفاع عن النساء والأطفال اللاجئين في إيران، موضحا أن قرابة 50% من المهاجرين الأفغان (نحو 4 ملايين نسمة) يتمركزون في مدن محافظة طهران على مقربة من العاصمة، و25% منهم في مدينة مشهد (شمال شرق)، في حين تنتشر النسبة المتبقية في مدينتي قُم وأصفهان (وسط) وجزيرة قشم (جنوب).
مهن ومحاكم خاصةووفق الباحث الإيراني، فإن الجالية الأفغانية تسيطر على العديد من المهن في البلاد منها الزراعة وتدوير النفايات والبناء والحراسة واليد العاملة في المدن الصناعية، مما أدى إلى تزايد البطالة في أوساط العمال الإيرانيين لأنهم لا يستطيعون منافسة الأفغاني الذي يعمل بأجر منخفض.
وبالعودة إلى نتائج التحقيق الاستقصائي، يشرح كسائي زاده أن المهاجرين الأفغان يشكلون "مافيا" في بعض المهن داخل إيران، وأن لديهم سلطة قضائية خاصة بهم تتمتع بقضاة ونيابة عامة وسجون للبت في الخلافات الناجمة بينهم.
ويوضح الباحث أن 50% من الشكاوى في محاكم جنوب طهران مرتبطة بالجالية الأفغانية، ناهيك عن أن عددا منهم يهربون بعد ارتكاب الجريمة، لأنهم غير مسجلين في برنامج تعداد الأجانب الموجودين في إيران.
وكانت الحكومة الإيرانية أطلقت العام الماضي برنامج تعداد الجاليات الأجنبية لتنظيم المهاجرين الموجودين بطريقة غير شرعية في البلاد، إلا أنه لم يشارك فيه سوى نحو مليونين و300 ألف، خشية التعرف عليهم وترحيلهم أو أن يتسبب الختم الإيراني على جواز سفرهم بمشكلة في حال قرروا الهجرة إلى الدول الغربية، وفق مراقبين.
ومنذ ذلك الحين، قدّمت الحكومة الإيرانية مشروع قانون لتنظيم الرعايا الأجانب بما فيه تأسيس "منظمة الإقامة" للبت في شؤونهم، ورغم أن البرلمان الإيراني صادق بالقراءة الأولى على المشروع في الخريف الماضي، لكنه يواجه معارضة شديدة حالت دون المصادقة النهائية عليه حتى الآن.
ويقول معارضو القانون الجديد إنه يرمي إلى شرعنة حضور المهاجرين الموجودين بصورة غير شرعية ولم يأخذ تهديدهم للأمن القومي والغذائي في البلاد في الحسبان، في حين يتهم مراقبون آخرون السلطات الرسمية بالتمهيد لإعطاء الجنسية الإيرانية إلى بعض الفئات من المهاجرين لتعويض تراجع المواليد في البلاد واستمرار نزيف هجرة النخب الإيرانية إلى الخارج.
في غضون ذلك، يقول الباحث كسائي زاده، إن مشروع القانون لا يضع شروطا لاستقبال المهاجرين ولا يستهدف شرائح محددة في إطار قوانين قبول اللاجئين، كما أنه لا يأخذ إحصاءات الثروات البشرية من الإيرانيين بعين الاعتبار، مما يؤدي إلى تزايد البطالة في البلاد.
ويضيف الباحث الإيراني أن الجالية الأفغانية لم تندمج في الثقافة الإيرانية رغم حضورها لسنوات عديدة داخل الجمهورية الإسلامية، وإن ولاءها يبقى لبلدها الأم، وأن التوتر الأخير بين طهران وكابل حول حصة إيران من مياه نهر هيرمند خير دليل على ذلك، إذ كانت أصوات الرعايا الأفغان عالية دعما لحكومة طالبان، على حد قوله.
ويخشى كسائي زاده من تغيير التركيبة السكانية في إيران في حال شرعنة حضور الرعايا الأفغان الموجودين بصورة غير قانونية في بلاده، موضحا أن بعض القرى والبلدات جنوب العاصمة طهران تكاد تخلو من المواطنين الإيرانيين، وأن كفة الأغلبية أضحت تميل لصالح الجالية الأفغانية.
تأييد لاحتواء المخاطر
في المقابل، يرى الباحث السياسي الإيراني فرزاد رمضاني بونش، أن سن القوانين من أجل تنظيم الواقع الأفغاني في البلاد ضروري من أجل التخطيط، للاستفادة من طاقات الرعايا الأجانب وتخصصاتهم وتحصيل الضرائب منهم، لأن الدولة تقدم دعما ماليا كبيرا على السلع الأساسية والخدمات الأخرى.
ويضيف بونش للجزيرة نت أن التعداد السكاني للمهاجرين يزيد من التزامهم بالقوانين الإيرانية، ويساهم في تحييد المخاطر الأمنية المحتملة، ويحول دون تغيير التركيبة السكانية في البلاد، ويعزز من قدرة طهران للتخطيط من أجل توظيف تلك الطاقات المتوفرة لديها.
وخلص بونش إلى أن الهجرة أصبحت ظاهرة عالمية لا يمكن القضاء عليها، وأن تشريع القوانين وإقامة مؤسسات لتنظيم شؤون المهاجرين واللاجئين تساعد في احتواء تداعيات هذه الظاهرة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: فی البلاد
إقرأ أيضاً:
اجتماع ثلاثي بين إيران والسعودية والصين: تأكيد على الالتزام بـاتفاق بكين وتوسيع التعاون
اجتماع ثلاثي جديد ضم إيران والسعودية والصين اليوم في طهران، وذلك في لحظة إقليمية شديدة التوتر استدعت من الدول الثلاث تثبيت المسارات الدبلوماسية وتعزيز قنوات الحوار.
بعد مسار متدرّج بدأ في الصين ثم السعودية، عقدت الدول الثلاث اجتماعها الثالث للجنة المشتركة لمتابعة تنفيذ اتفاق بكين عام 2023 في العاصمة الإيرانية، بحضور نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية مجيد تخت روانجي، ونائب وزير الخارجية السعودي وليد الخريجي، ونائب وزير الخارجية الصيني مياو ديو.
تعزيز الالتزاماتجدّدت إيران والسعودية التزامهما الكامل بتنفيذ جميع بنود اتفاق بكين، بما يشمل احترام السيادة ووحدة الأراضي والاستقلال والأمن، استنادًا إلى ميثاق الأمم المتحدة وميثاق منظمة التعاون الإسلامي والقانون الدولي.
وشدّد الجانبان على أن تعزيز علاقات حسن الجوار والحوار والتعاون الإقليمي يُعدّان ركيزة أساسية للحفاظ على الأمن والاستقرار والازدهار الاقتصادي في المنطقة.
ورحّبت الدول الثلاث بالتقدّم المتواصل في العلاقات السعودية–الإيرانية، وبما أتاحته هذه المرحلة من فرص للاتصال المباشر بين البلدين على مختلف المستويات والقطاعات، خصوصًا في ظل التوترات والتصعيد الذين يشهدهما الإقليم وما يشكلانه من تهديد للأمنين الإقليمي والدولي. كما أشارت إلى أهمية الزيارات واللقاءات المتبادلة بين كبار المسؤولين.
مواقف سياسية مشتركةأصدرت الدول الثلاث بيانًا دعت فيه إلى وقف فوري لـ"العدوان الإسرائيلي" في فلسطين ولبنان وسوريا، وأدانت الانتهاكات التي طالت السيادة ووحدة الأراضي الإيرانية، في حين عبّرت طهران عن تقديرها للمواقف الواضحة لكل من الرياض وبكين.
ورحّبت إيران والسعودية بالدور الإيجابي المستمر للصين في متابعة تنفيذ اتفاق بكين، بينما جدّدت بكين استعدادها لدعم الخطوات التي تتخذها الدولتان لتطوير العلاقات والعمل ضمن خطة بكين لتعزيز السلام بين أبرز قوتين على ضفّتي الخليج.
وتوقفت الدول الثلاث عند التقدّم المحرز في الخدمات القنصلية بين السعودية وإيران، والذي مكّن أكثر من 85 ألف حاج إيراني من أداء الحج، وأكثر من 210 آلاف من أداء العمرة عام 2025 بسهولة وأمان.
Related "بصمات أمريكية واضحة".. طهران تُحمّل واشنطن فاتورة احتجاجات 2022 وتطلب تعويضًا بـ22 مليار دولار"الإيرانيون وصلوا إلى بات يام".. عمدة إسرائيلي يحذر المواطنين من التخابر مع طهراناستمرار إغلاق المدارس والجامعات.. أزمة تلوث الهواء في طهران تهدد حياة السكانكما أعربت عن ارتياحها للتطور المتزايد في الحوار بين المؤسسات والمراكز والأفراد في البلدين في مجالات البحث والتعليم والإعلام والثقافة والأكاديميا، بما في ذلك تبادل الوفود والمشاركة في فعاليات مشتركة، مع تطلع واسع إلى توسيع التعاون الاقتصادي والسياسي وسواه.
كما أكدت الدول الثلاث دعمها لحل سياسي شامل في اليمن يستند إلى المبادئ المعترف بها دوليًا وتحت إشراف الأمم المتحدة.
ويُذكر أن السعودية وإيران كانتا قد أعلنتا استئناف العلاقات الدبلوماسية في 10 مارس 2023 بعد توقيع اتفاق بكين بوساطة صينية، وهو الاتفاق الذي شكّل نقطة تحوّل في خفض التوتر بين البلدين وإعادة بناء الثقة بينهما.
انتقل إلى اختصارات الوصول شارك محادثة