أهلا بك في جهنم.. الكاتبة لمى خاطر للجزيرة نت: هكذا تعامل الأسيرات في سجون الاحتلال
تاريخ النشر: 12th, December 2023 GMT
الخليل- قالت الكاتبة والأسيرة الفلسطينية المحررة لمى خاطر، إن الاحتلال الإسرائيلي فقد عقله ويتعمد إلى جنب الإيذاء الجسدي، إحداث إيذاء نفسي بحق المعتقلين الفلسطينيين، خاصة من الأطفال والنساء، بشكل مختلف عن أي وقت سابق.
وأعربت الأسيرة المحررة في الدفعة السادسة فجر الخميس 30 نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم، في حديثها للجزيرة نت، عن استغرابها لتسخير الاحتلال إمكانات هائلة وكبار الضباط، وحتى وزراء لتتبع وملاحقة منشورات على شبكات التواصل الاجتماعي، واعتقال المئات على خلفية منشوراتهم، وفسّرت ذلك بأنه تعبير عن الإفلاس والإخفاق.
وتطرقت إلى ما حملته تجربتها الاعتقالية الثانية من تهديد ووعيد وإهانة، معدّة ذلك محاولة لردع مجتمع الرجال بالمساس بالفئة الأضعف وهي النساء والأطفال.
مع ذلك قالت، إن ما يتعرض له الأسرى متوقع من دولة محتلة، لكنه لا يقارن بما يتعرض له قطاع غزة، مبدية إعجابها بمقاومته.
وفيما يلي نص الحوار كاملا مع الكاتبة الفلسطينية.
قوات الاحتلال الإسرائيلي تعتقل الأسير المحرر حازم الفاخوري، زوج الأسيرة الكاتبة لمى خاطر، عقب اقتحام منزله في #الخليل وتكسير محتوياته، علمًا أنه أفاد قبل أيام عبر حسابه على "فيسبوك" أن عائلته تعرضت لتهديدات متواصلة منذ اعتقال زوجته.#الجزيرة #حرب_غزة pic.twitter.com/4QriVC9Tu2
— الجزيرة فلسطين (@AJA_Palestine) November 12, 2023
بداية حدّثينا عن لحظات اعتقالك في 26 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وما المختلف عن اعتقالك في 2018؟طريقة الاعتقال هذه المرة تختلف تماما عن المرة السابقة، شعرت وكأنها التجربة الاعتقالية الأولى من ناحية القسوة والهمجية وطريقة التعامل ومستوى الغل والحقد ومحاولة الإيذاء الجسدي والنفسي لي وللعائلة، وحتى المنزل حطمت وخربت معظم محتوياته.
قرابة الساعة الثانية فجرا دهم نحو 20 جنديا، جميعهم ملثمون، منزلي على عجل، وبالكاد تمكنت من ارتداء جلبابي وحجابي. أجلسوني مع أولادي وزوجي في زاوية بالمنزل دون أن يسمحوا لنا بالحركة، وحتى استخدام المرحاض الذي كنت بأمسّ الحاجة له.
وصل ضابط المنطقة في المخابرات الإسرائيلية، وبدأ كلامه بالقول "سمعت أنه في زبالة في هاي الدار جيت أنظفها" في إشارة إليّ وإلى زوجي، وبدأ يوجه لنا كلاما بذيئا جدا، وعندما طلب منه زوجي عدم تكرار ألفاظه أمام الأطفال، قال "هذا لا يهمني، لم يعُد هناك قوانين في التعامل معكم، وكل شيء مباح".
ما نوع التهديدات التي وُجهت لك ولزوجك؟وُجّه لي ولزوجي تهديدات كبيرة مدعيا أنه حذّر زوجي من سلوكي، وأني أحرّض الناس في الخليل كي يشاركوا في المسيرات، وأني كنت "مبسوطة" يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وأكتب على مواقع التواصل.
هددنا بالقتل، كان يتحدث بلغة إجرامية وكلمات بذيئة، سرقوا هاتفي وأجهزة الحاسوب المحمولة التي يستخدمها أولادي للدراسة، مزقوا ملابسي، حتى النفايات ألقوا بها أرضا، وأفسدوا المواد التموينية كالأرز والسكر والطحين بحجة التفتيش، قطعوا أسلاك الثلاجة والغسالة، وتكرر ذلك مرتين خلال اعتقالي، إحداها بعد اعتقال زوجي خلال اعتقالي.
ماذا عن طريقة التعامل خلال نقلك إلى السجن؟فور اعتقالي قيدوني وأغمضوا عيناي وألقوا بي في أرضية المركبة العسكرية بين أقدام الجنود، وكنت أشعر بسقوط أغراضهم عليّ وأسمع شتائمهم، وصلت إلى معسكر للجيش في محيط الخليل، وكان الاستقبال بكلمة "دواعش حماس" و"أهلا بك في جهنم".
في المعسكر أجلسوني مغمضة العينين على كرسي في مكان قد يكون غرفة تحقيق، وهددني شخص، قدّرت بأنه ضابط مخابرات، بالقول، إن معه 20 جنديا ويفكرون في اغتصابي، كما فعلت حماس بالبنات اليهوديات. رددت عليه بأن كلامه غير صحيح وأنه لم يحدث اغتصاب، إنما ادّعاءات إعلامية ليمارس جنودهم المجازر في غزة. ردّ بألفاظ مقززة لا يمكن ذكرها، وقال، إني لن أغير رأيي حتى يُفعل بي وببنتي الفعل نفسه.
هددني -أيضا- بالذهاب إلى بيتي وحبس أولادي وحرقهم، وبأنه يجري تحضير حفل استقبال لي في سجن عوفر يقصد التحقيق، وأني لن أخرج من السجن.
وماذا وجدت في سجن عوفر حيث التحقيق؟هناك وضعوني في زنزانة على البلاط ولم يسمحوا لي ولو بشربة ماء أو طعام، وتكرر التحقيق نفسه، وتهمة النشاط في حماس، والمشاركة في فعاليات والكتابة على مواقع التواصل دون أي أدلة.
بعد انتهاء التحقيق في سجن عوفر نقلوني إلى سجن هشارون، وهو مركز توقيف مؤقت قبيل النقل إلى سجن الدامون للأسيرات، هناك حبسوني مع 5 أسيرات في زنزانة انفرادية مخصصة لشخص واحد، كان بها أسير جنائي يهودي مصاب بمرض جلدي مُعْد، وأحضروا لنا 3 فرشات و3 بطانيات. كنا ننام بالتناوب، ولا نستطيع الجلوس بحرية.
مضت 24 ساعة بلا طعام، ثم قدموا لنا 3 وجبات من الخبز وعلب شمينت (زبادي) بوزن 20 غراما تقريبا للعلبة، مع 3 حبات صغيرة بندورة، و3 حبات خيار لكل الأسيرات.
أما عن قضاء الحاجة فكان المرحاض دون باب وبمواجهة باب الزنزانة، ومن تستخدمه تحتاج إلى مساعدة أسيرات أخريات لوضع البطانية لتسترها.
بقينا على هذه الحالة 4 أيام، بعدها نقلونا إلى سجن الدامون، وتعرضنا هناك للقمع حيث أخرجت المجندات كل مقتنيات الأسيرات، بما في ذلك الطعام والفراش والبطانيات، وعدنا فرادى بعد التفتيش العاري، وكثير من الكلمات البذيئة، وكان هذا من أصعب المواقف.
بعد اعتقالها فجر 26 أكتوبر الماضي.. محامي الكاتبة الفلسطينية لمى خاطر يكشف عن تعرضها للتهديد بـ"الاغتصاب والإهانة وحرق أطفالها"#حرب_غزة pic.twitter.com/UiIVG9NFL7
— قناة الجزيرة (@AJArabic) November 7, 2023
ما الفرق في ظروف سجن الدامون اليوم مع فترة اعتقالك السابقة؟التضييقات شديدة، لا يوجد أي جهاز كهربائي أو تلفاز أو راديو أو تواصل مع الأهل، فضلا عن الاكتظاظ. لا يوجد إلا القليل من الطعام السيئ كمّا ونوعا، بعض الأسيرات لم يأكلن إلا الخبز والملح. الغرف تفتح نصف ساعة فقط يوميا للاستحمام وغسيل الملابس.
ما تفسيرك لهذه الطريقة في التعامل، خلافا لاعتقالات سابقة؟المقصود هو الإيذاء النفسي خاصة للبنات المعتقلات لأول مرة، ما يعكس حجم الحقد والوحشية لدى السجانين.
كنا في عزلة تامة، نشعر وكأننا في صراع مع الزمن، أوقات رتيبة وزمن يمشي ببطء شديد، لا يوجد أي شيء نعمله، حتى الكتب مصادرة.
سمعنا شهادات لأسيرات تعرضن للضرب، كيف يحدث ذلك؟نعم هناك أسيرات تعرضن للضرب في سجن الشارون خلال القمع والتفتيش، وفي سجن الدامون تعرضن للضرب المبرح والقمع مرتين في 7 و19 أكتوبر/تشرين الأول الفائت، وضُربن بالغاز من مسافة صفر وداخل غرفهن، وهذا نوع من الانتقام.
ماذا عن إجراءات المحاكمة للأسيرات، هل تجرى لهن جلسات فعلية؟أنا حوكمت بعد أسبوعين من اعتقالي، بالسجن الإداري 6 أشهر، والسجن الإداري يكون عند عدم القدرة على إثبات التهم وغير محدد بسقف زمني. أما المحاكمة فهي شكلية ومن خلال تطبيق زووم، بحيث كنا ننقل إلى غرفة في السجن بينما المحكمة في سجن عوفر.
هل هناك من أوصل معاناة الأسيرات للقضاة؟كنا نشرح للقاضي ظروف السجن دون جدوى، وحين زارني المحامي، ونقلت له صورة المعاناة وأوصلها للإعلام، أخضعوني للتحقيق وعاقبوني بمنع زيارات المحامين. وهذا حدث مع أسيرات أخريات تحدثن بمعاناتهن مع المحامين.
منذ بدء العدوان على غزة، تزايد اعتقال النساء، لماذا بتقديرك؟
هذه سياسة لمحاولة كسر المحرّمات داخل المجتمع الفلسطيني، ومحاولة إيقاع الإيذاء النفسي لمجتمع الرجال في فلسطين كنوع من الانتقام ومحاولة الردع. كما أنه نتاج غضب شديد بعد صدمة كبيرة لإسرائيل التي تتعرض لضربة إستراتيجية في معركة طوفان الأقصى، العملية كسرت هيبة الاحتلال وغطرسته ومرّغت أنفه في التراب.
يحاولون تفريغ أحقادهم في الفئات الضعيفة في المجتمع، التي يعتقدون أن المساس بها قد يؤثر في الرجال. واضح أن إسرائيل فقدت عقلها على كل المستويات.
أضف إلى ذلك محاولة استخدام أكبر عدد من النساء رهائن لصفقة محتملة، وهذا ما حصل، وينطبق على أسيرات غزة المعتقلات بشكل عشوائي من بين النازحين.
لوحظ في الشهرين الماضيين تزايد الاعتقال على خلفية الكتابة على شبكات التواصل الاجتماعي، لماذا؟أمر يثير الاستغراب بالفعل، لم نفهم حجم السخافة في معايير الاعتقال إلا عندما دخلنا السجن، واكتشفنا أن بعض الأسيرات اعتقلن بسبب مشاركة دعاء أو آية قرآنية فُهم منها التضامن مع غزة، خاصة أسيرات الداخل (48)، واتهمن بالتحريض.
إحدى الأسيرات اعتقلت لأنها كتبت عبارة "يا رب التوفيق والسداد" لأمر شخصي صبيحة 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وجرى اعتقالها.
من طريق التعامل وتحريك الجيش واقتحام البيوت، يظن الأسير أو الأسيرة أنه أمام تهمة خطيرة، ثم يتبين أنها كتابة أو مشاركة منشور على فيسبوك، يخضع بسببها للتحقيق، وتتعامل معه النيابة والقاضي وحتى السجانين وكأنه ارتكب جرما كبيرا.
هذا برأيي مؤشر سخافة، أن ينشغل كبار ضباط الشاباك وبرتب عالية بعبارات أو منشورات أو مقابلات أو تحليلات صحفية.
بينما تخوض بلاده حربا في غزة، ينشغل وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير في التضييق على الأسرى ونشر صور معتقلين بسبب منشورات على فيسبوك، ما تفسيرك لذلك؟فعلا سؤال يطرح نفسه، وهل يمكن أن نُعدّ اعتقال امرأة أو طفل من المنزل على منشور صغير إنجازا كبيرا يستحق تصويره ونشره؟ لا يمكن للاحتلال أن يجبر إنسانا لينظر للأمور من عينه أو من منظار إسرائيلي. ومن الطبيعي أن يتعاطف الفلسطيني مع غزة ومقاومتها، بينما الأرواح تقتل كل يوم والبيوت تدمر.
ما يفعله بن غفير وحتى ضباط الشاباك في المناطق الذين ينشرون على صفحاتهم صور المعتقلين مقيدي الأيدي، كله تعبير عن إفلاس كبير للمؤسسة العسكرية، من أكبر قيادي فيها حتى أصغر جندي.
"طبعاً فرحتنا منقوصة لأنه فيه كتير شهداء بغزة.. نكلوا بكل الأسيرات.. ضربوا كل الأسيرات وقمعوهم"..
الأسيرة المحررة عهد التميمي (23 عاماً) تحدثت عن ظروف اعتقالها وتهديد الاحتلال بقتل والدها المعتقل في السجون الإسرائيلية وعن وضع 10 أسيرات من غزة اعتقلتهن قوات الاحتلال خلال العدوان… pic.twitter.com/V0bmqsCccr
— AJ+ عربي (@ajplusarabi) November 30, 2023
ماذا عن ساعات ما قبل الإفراج وكيف مرّت بالأسيرات المحررات؟كانت ساعات عصيبة جدا، نقلونا من سجن الدامون الساعة التاسعة والنصف صباحا، بعد تفتيش عار ومهين ومقابلة مخابرات السجن وسيل من التهديد والوعيد، إلى سجن عوفر الذي وصلناه الساعة الثانية ظهرا. وضعونا في زنزانة انفرادية باردة على البلاط ودون طعام حتى الإفراج عنا عند الثانية من فجر اليوم التالي.
قلت: إن الأسيرات تعرضن للتهديد، ما طبيعته؟ وهل من شروط للإفراج؟في سجن الدامون هُدّدنا باقتحام المنازل وإعادة الاعتقال إذا أقمنا مظاهر احتفالية أو استقبلنا مهنئين، أو أجرينا مقابلات صحفية، هددونا بالمحاسبة ومضاعفة العقوبة فيما بعد.
وفي سجن عوفر وقبيل الإفراج اقتادونا إلى التحقيق مجددا، مع وجود 6 ضباط، تعرضنا لتهديد قميء ورخيص، مع استدعاء الكلام السابق نفسه والألفاظ البذيئة.
قالوا، إن الصفقة لا تهمهم، وحذّروني من كتابة أي حرف على مواقع التواصل، وأنه مع أي مقابلة سأكون أول أسيرة تعود إلى السجن وتحاسب.
خلال ساعات ما قبل الإفراج حاولوا جعل الإفراج خالٍ من أي مضمون، وصلنا حافلات الصليب في حالة تعب وإرهاق نتيجة الإنهاك والبرد والجوع.
ألا تخشين تنفيذ التهديدات وإعادة اعتقالك بعد الحديث عن تجربتك لوسائل الإعلام؟أقلّ ما يمكن للإنسان فعله أن يعبّر المرء عن رأيه في الاحتلال، وليس للسجين أن يرضخ لإرادة السجان أو ينفذ (أجندته)، حتى لو كان هناك كلفة. بالنسبة لنا كوننا فلسطينيين، فإن معركة غزة حرّرت كثيرا من الوعي، وحررت الإنسان من المخاوف على أمور يسيرة، خاصة إذا ما قارنا أنفسنا وكل الأذى الذي تعرضنا له، مع ما يحدث لأهلنا في غزة من مجازر وتدمير.
هل من إضافة أخيرة؟كل ما مر بنا من سجن واعتقال وتخريب منازل وتهديد يأتي في ظل حرب يعتقد أنها وجودية بالنسبة له، وبالنسبة لنا رفعت غزة رؤوسنا عاليا في الأداء المبهر لمقاومة لا يمكن أن تخيفها كل سياسات الاحتلال وتهديداته وإجراءاته.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: أکتوبر تشرین الأول سجن الدامون فی سجن عوفر إلى سجن
إقرأ أيضاً:
دبلوماسيون وخبراء يكشفون للجزيرة نت تحديات رئيس الوزراء السوداني الجديد
الخرطوم- أثار تعيين كامل إدريس، رئيسا لوزراء السودان، أمس الثلاثاء، ردود فعل متباينة بعد أن ظل هذا المنصب الرفيع شاغرا لأكثر من 3 سنوات. وفيما راهن الكثيرون على نجاحه في إحداث اختراق بالملفات الشائكة التي تنتظره داخليا وخارجيا، جزم آخرون بفشله بسبب الواقع المتأزم جراء الحرب.
ويتكئ إدريس على خبرة دولية واسعة بحكم عمله ورئاسته لعدد من المنظمات والهيئات الدولية مثل المنظمة العالمية للملكية الفكرية ومحكمة التحكيم والوساطة الدولية، وغير ذلك من التجارب التي رفعت من سقف توقعات البعض بمقدرته على إحداث اختراق في علاقات السودان مع المجتمع الدولي.
خطاب قويمن جانبه، قال المحلل السياسي والكاتب الصحفي عثمان ميرغني للجزيرة نت، إن السياسة الخارجية هي الملعب المفضل لقدرات وخبرات كامل إدريس. ويمكنه تحقيق اختراق مؤثر في وقت وجيز لكن بشرط أن يتغلب على الأجسام المضادة الداخلية التي لها هواجس مزمنة تجاه العلاقات الدولية.
وأضاف ميرغني أن المجتمع الدولي منفتح وراغب في الانخراط الإيجابي مع السودان وشعبه، لكن دائما هناك قلق من ضعف الإرادة السياسية السودانية تجاه علاقات دولية مثمرة والتركيز على المساعدات المباشرة فقط.
إعلانوأشار إلى أن تعزيز صورة البلاد الخارجية يحتاج ربما لخطاب داخلي قوي يرسم ملامح سودان مختلف في فهمه وتطلعاته للتعاون الدولي.
من جهته، قال السفير عبد المحمود عبد الحليم، مندوب السودان الدائم في الأمم المتحدة بنيويورك، إن الأستاذ كامل شخصية مقتدرة ودبلوماسي محنك يملك الرؤية المستبصرة لقراءة الملعب السياسي واللاعبين وأدوارهم، ويملك الرؤية العارفة والفلسفة المدركة وخطة اللعب المفضية لإنجاح الحراك في هذه الفترة المفصلية والحرجة في تاريخ السودان.
وفي حديث للجزيرة نت، قال إن على رئيس الوزراء الجديد إدراك أن تجربة الحرب وبشاعتها قد أوجبتا -ليس فقط ضرورات تطبيع وإعادة الحياة، وإنما- إعادة التأهيل العاطفي والسيكولوجي للمواطن جنبا إلى جنب. وعليه تبعا لذلك الاهتمام بالرسائل التي تبعث بها تحركاته واستجماع فضيلتي الصبر وقوة العزيمة، كما أن عليه، و"هو الدبلوماسي الحاذق"، إدراك أن التوافق الذي يحتاجه العمل في إطار المنظمات الدولية ضرورة في السياق الوطني.
وحول أبرز التحديات التي تواجهه، قال السفير عبد المحمود إن الحرب أحدثت دمارا غير مسبوق جعل كافة متطلبات استعادة الحياة أبرز العقبات، "كأن تقذف بمريض إلى غرفة العناية المركزة لإعادة عمل أعضاء جسده المتعطلة".
ودعا رئيسَ الوزراء للتركيز على المشاورات التي ستجرى ويجريها مع قيادة الدولة، وذلك قبل أداء القسم على الصلاحيات التي ينبغي أن تكون واضحة وكاملة، ليتفرغ بعدها لاختيار وزراء أكْفاء وبقوام وزاري غير مترهل وبآجال زمنية دقيقة لإدارة الحكومة، وخاصة قطاعات الخدمات والأمن والصحة والتعليم، وإيلاء الاهتمام الضروري للمؤسسية والتنسيق.
تحدياتوجاء قرار عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني بتعيين شخصية مدنية رئيسا للوزراء بصلاحيات كاملة كخطوة طال انتظارها منذ شغور المنصب باستقالة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك في يناير/كانون الثاني 2022.
إعلانوقال عثمان ميرغني إن إدريس يواجه تحديات أساسية تتمثل في القدرة على مواجهة مقاومة داخلية متعددة من الأطراف الرسمية والسياسية، خاصة التي تتركز في محاولة إعاقة مشروعاته وإفشالها لتأكيد عدم الحاجة لوجود رئيس وزراء.
ووفقا له، فإن من وصفهم بأمراء الحرب سيجتهدون في محاولات منع إدريس من التواصل الخارجي الفعال لإنهاء الحرب خاصة في مسار التفاوض وإصلاح العلاقات الثنائية مع الدول المؤثرة على الملف السوداني.
ومن التحديات الأساسية، حسب ميرغني، التعامل مع ملعب سياسي سوداني يعاني من استقطاب حاد جدا مما قد يعقّد جهوده لتقوية الصف الداخلي برفع سقف القواسم المشتركة بين المؤثرين السياسيين، أفرادا وأحزابا وتحالفات.
من ناحيته، قال الأمين العام الأسبق لمجلس الوزراء السوداني عمر محمد صالح، للجزيرة نت، إن هناك تحديات "جساما" داخليا وخارجيا يواجهها إدريس، أبرزها كيفية المحافظة على وحدة الصف الوطني التي تحققت جراء "حرب الكرامة" التي وحدت وجدان الشعب خلف قواته المسلحة، وذلك بالوقوف على مسافة واحدة من كافة القوى السياسية الوطنية التي ساندت الجيش.
ومن التحديات أيضا -حسب صالح-:
استكمال هياكل الحكم وتشكيل مجلس وزراء من تكنوقراط غير حزبيين للعمل وفق برنامج وطني متفق عليه بعيدا عن أي مؤثرات خارجية. وتحقيق أحلام المواطن السوداني في العودة العاجلة لدياره ببسط الأمن وإصلاح ما دمرته "المليشيا" (يقصد قوات الدعم السريع). وترتيب أولويات إعادة الإعمار في ظل ميزانية موجّهة لدعم المجهود الحربي. أولوياتأما عن الصعوبات الخارجية التي تواجه رئيس الوزراء الجديد، فأشار صالح إلى:
إعادة دور السودان الفاعل في المنظمات الدولية والإقليمية دون تفريط في السيادة الوطنية. واستقطاب الدعم الخارجي من "الأشقاء والأصدقاء" لدعم جهود إعادة الإعمار. إلى جانب ضبط وتقييد الوجود الأجنبي بالبلاد "بعد أن ثبتت مشاركة كثير من اللاجئين كمرتزقة في الحرب". إعلانويرى مقربون من رئيس الوزراء السوداني -تحدثوا للجزيرة نت- أن أولوياته ستكون تشكيل حكومة "رشيقة" تعمل على تحسين الوضع المعيشي للمواطنين واستعادة الخدمات العامة المتدهورة، إضافة إلى إعادة إعمار ما دمرته الحرب.
وحسب محللين سياسيين ودبلوماسيين تحدثوا للجزيرة نت، فإنه من المبكر الحكم بنجاح إدريس في التعاطي الإيجابي مع التحديات الداخلية والخارجية، ورهنوا ذلك بالتزام القيادات العسكرية في مجلس السيادة بعدم التدخل في إدارة الجهاز التنفيذي، حيث عزا كثيرون حالة الشلل وعدم الاستقرار التي أصابت الأداء الحكومي "لتدخلاتهم المزاجية".
وأشار السفير عبد المحمود إلى أن نجاح رئيس الوزراء خارجيا يعتمد على جودة السياسات وأداء الواجبات والمهام والمسؤوليات الداخلية. ودعاه للعمل مع مجلس وزرائه للتوصل إلى خطة وطنية مترابطة الحلقات لإعادة التأهيل، لتشكّل أساسا لطلب العون الخارجي بما في ذلك إمكانيات عقد مؤتمرات تعهدية للمانحين شاملة التغطية أو قطاعية.
وقال إنه بحكم شبكة علاقاته الخارجية وموقعه، يُتوقع أن يكون له دور كبير ومهم إزاء النشاطات والتحركات الدبلوماسية التي ستشهدها الفترة القادمة، بما في ذلك إنجاح خارطة الطريق وإيلاء الاهتمام للانخراط الإيجابي في استعادة نشاطات السودان في الاتحاد الأفريقي.
واعتبر السفير عبد المحمود أن قضية مشاركة المجتمع الدولي في إعادة البناء والإعمار تعدّ تحديا رئيسيا على الجبهة الخارجية في الفترة المقبلة.