أوردت صحيفة الغارديان اليوم قصص آلاف الفلسطينيين المسنين، الذين أجبروا على النزوح مرارا وتكرار وفقدوا بيوتهم أو دمرت وفقما كتبت شاهدة على هذه المأساة.

وتحكي كاتبة هذا المقال غادة عقيل -وهي لاجئة فلسطينية من الجيل الثالث وأستاذة زائرة في قسم العلوم السياسية في جامعة ألبرتا- أن أصل صهرها أبي عصام (88 عاما) وزوجته أم عصام (84 عاما) من السوافير، القرية التي لم تعد موجودة وطمست مع أكثر من 500 بلدة وقرية فلسطينية في نكبة عام 1948، حيث تم الطرد الجماعي للفلسطينيين من منازلهم وأراضيهم بعد قيام إسرائيل.

وهربا من الدمار الذي لحق بالسوافير في 1948، لجأ أبو عصام إلى قرية حمامة القريبة. وعندما تعرضت القرية أيضا للهجوم، واصلت عائلته رحلتها إلى بلدة السدود الفلسطينية (أسدود حاليا)، ثم إلى المجدل (عسقلان حاليا)، ثم إلى بيت حانون في قطاع غزة، وانتهت أخيرا في مخيم خان يونس للاجئين.

وفي ذلك الوقت، كان أبو عصام يافعا. واليوم يتوكأ على عصاه، ويتوقف ليستريح برهة ثم يستأنف المشي. ومع ذلك، يظل مستقبله غير مؤكد اليوم كما كان في 1948.

وتقول عقيل إن خان يونس، المكتظة بأهلها بالفعل، أصبحت ملاذا للفارين من القصف في شمال غزة، فقط ليلاحقهم الهجوم هناك.

وفي أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أجبر أبو عصام وزوجته وابنتاهما سناء ونجوى وأسرة ابنهما الأكبر عبد الله، ومعه زوجته شفاء وأطفاله الخمسة، على الفرار بعد قصف مسكنهم في المخيم، مما أسفر عن مقتل العديد منهم.

وأجبرت الأسرة مرة أخرى على المشي مسافة 3 كيلومترات تقريبا عبر الأنقاض إلى شقة ابنهما عمر الجديدة التي اشتراها العام الماضي في مدينة حمد بحثا عن الأمان.

نكبة ثانية

لكن المدينة الجديدة تعرضت لغارات جوية عنيفة، مما أدى إلى تدمير العشرات من الأبراج السكنية ومنازل مئات العائلات. ومن قدر الله أن نجت العائلة من الغارات، فاضطر والداه للتحرك مرة أخرى. وهذه المرة بحثوا جميعا عن ملاذ في مدينة خان يونس، في بيت واحدة من أحفاده عائشة، المحامية البالغة 27 عاما.

أبو عصام في خان يونس (الغارديان)

وفي الليلة التالية، قصفت إسرائيل الحي ولم يصب منزل عائشة مباشرة، لكنه أصبح غير صالح للسكن. فجمعت عائشة وعائلة زوجها بعض الضروريات، وتوجهوا إلى مخيم رفح للاجئين للانضمام إلى أقارب آخرين. وحينها قرر أبو عصام العودة إلى منزله في خان يونس، وأثناء الرحلة دخلت زوجته في غيبوبة سكري، وكان الوصول بها إلى بر الأمان صراعا إضافيا.

وتتابع عقيل سرد معاناة عائلة أبي عصام التي لا تكاد تنتهي. وفي الثامن من ديسمبر/كانون الأول، تعرض منزل ابن أخيه لقصف مباشر استشهد فيه نجل ابن أخيه محمود وزوجة ابنه وطفلهما الرضيع. وجلس أبو عصام مع أحفاده السبعة بينما كان الجيران ينتشلون الجثث من تحت الأنقاض. وصلى عليهم صلاة الجنازة في الشارع لأن المسجد القريب سوي بالأرض.

وبعد الدفن، قرر أبو عصام البحث عن مأوى في المدرسة التابعة للأمم المتحدة القريبة من مستشفى ناصر، ليكون قريبا من أي مرفق صحي إذا تدهورت صحة زوجته. ولم تقبله المدرسة في البداية لأنها كانت تفيض بساكنيها، لكن دموع زوجته وسنهما والتوسلات جعلت المدرسة توافق في النهاية على استضافتهما.

وخلصت الكاتبة إلى أن هناك عشرات الآلاف من الأشخاص مثل أبي عصام وأم عصام ينتقلون من مكان إلى آخر، وهم بالفعل في مرحلة نزوحهم الخامسة أو السادسة، ويواجهون المجاعة في ظروف مروعة، مع عدد قليل من المراحيض، والحد الأدنى من الطعام والشراب المقنن للحفاظ على الحياة.

وفي الثامنة والثمانين من عمره، خاض أبو عصام النكبة مرتين. وفي كل مرة يقف المجتمع الدولي، بقيادة الحكومات الغربية، موقف المتواطئ الكامل. ولن ينسى الفلسطينيون أبدا، ولن يغفروا أبدا ذلك.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: خان یونس أبو عصام

إقرأ أيضاً:

الغارديان: إسرائيل تحاول إلقاء مسؤولية المجاعة في غزة على حماس والأمم المتحدة

قالت صحيفة "الغارديان" البريطانية في تقرير أعده بيتر بيومنت، إن إسرائيل ووسط الشجب الدولي على المجاعة في غزة تحاول تحويل اللوم وإبعاد نفسها عن مسؤولية تجويع الفلسطينيين الواسع في غزة. 

وفي الوقت الذي قدمت فيه عشرات الحكومات ومنظمات الأمم المتحدة وشخصيات دولية أخرى أدلة عن مسؤولية إسرائيل، حاول المسؤولون والوزراء في إسرائيل الإيحاء بأنه لا يوجد جوع في غزة، وأنه إذا كان الجوع موجودا، فهو ليس خطأ إسرائيل، أو إلقاء اللوم على حماس أو الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة في مشاكل توزيع المساعدات.

وتواصلت الجهود الإسرائيلية حتى مع ظهور أحد وزراء حكومتها، وزير التراث اليميني المتطرف، عميحاي إلياهو، وهو يصف سياسة غير مبررة للتجويع والإبادة الجماعية والتطهير العرقي، وهي سياسة نفتها إسرائيل وقالت إنها ليست سياسة رسمية.

ووسط دلائل على تزايد أعداد الوفيات بسبب الجوع في غزة، بما في ذلك وفيات العديد من الأطفال، وصور وروايات صادمة عن سوء التغذية، حاولت إسرائيل التنصل من المسؤولية عما وصفه رئيس منظمة الصحة العالمية بـ"المجاعة الجماعية من صنع الإنسان".



وقد أيدت 28 دولة هذا الرأي في بيان مشترك صدر هذا الأسبوع، بما في ذلك بريطانيا، والذي ألقى باللوم صراحة على إسرائيل. وجاء في البيان: "لقد وصلت معاناة المدنيين في غزة إلى مستويات غير مسبوقة".

وأضاف البيان: "إن نموذج تقديم المساعدات الذي تنتهجه الحكومة الإسرائيلية خطير، ويؤجج عدم الاستقرار، ويحرم سكان غزة من كرامتهم الإنسانية". وجاء فيه: "ندين إيصال المساعدات بالتنقيط والقتل اللاإنساني للمدنيين، بمن فيهم الأطفال، سعيا لتلبية احتياجاتهم الأساسية من الماء والغذاء".

وكان بعض المسؤولين الإسرائيليين أكثر حذراً بعض الشيء في تصريحاتهم العلنية، بمن فيهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي وعد بشكل مبهم بأنه "لن تكون هناك مجاعة" في غزة. إلا أن إحاطة غير رسمية قدمها مسؤول أمني إسرائيلي كبير قبل فترة للصحافيين دفعت إلى موقف أكثر حزما، مؤكدا "لا يوجد جوع في غزة"، ومدعيا أن صور الأطفال الجائعين على الصفحات الأولى حول العالم تظهر أطفالاً يعانون من "أمراض مزمنة".

وظهر ديفيد مينسر، المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية، على قناة "سكاي نيوز" قائلا هذا الأسبوع: "لا توجد مجاعة في غزة،هناك مجاعة للحقيقة". 

وفي تناقض مع هذا الادعاء، قالت منظمة "أطباء بلا حدود" إن ربع الأطفال الصغار والأمهات الحوامل أو المرضعات الذين فحصتهم في عياداتها الأسبوع الماضي يعانون من سوء التغذية، وذلك بعد يوم من إعلان الأمم المتحدة أن واحدا من كل خمسة أطفال في مدينة غزة يعاني من سوء التغذية.

ومع ذلك، فإن محاولات إسرائيل للتملص من المسؤولية تقوضها مسؤوليتها الوحيدة والشاملة: فهي، كقوة احتلال في صراع، ملزمة قانونا بضمان توفير سبل العيش لمن هم تحت الاحتلال.



وبينما حاولت إسرائيل باستمرار إلقاء اللوم على حماس لاعتراض المساعدات الغذائية، فقد قوّض هذا الادعاء تقييم أمريكي مسرب، اطلعت عليه "رويترز"، لم يجد أي دليل على سرقة ممنهجة من قِبل الجماعة الفلسطينية المسلحة للإمدادات الإنسانية الممولة من الولايات المتحدة.

وبعد فحص 156 حادثة سرقة أو فقدان لإمدادات ممولة من الولايات المتحدة أبلغت عنها منظمات شريكة في المساعدات الأمريكية بين تشرين الأول/ أكتوبر 2023 وأيار/مايو 2025، قالت إنها لم تجد "أي تقارير تزعم أن حماس" استفادت من الإمدادات الممولة من الولايات المتحدة.

كما كثفت إسرائيل مؤخرا جهودها لإلقاء اللوم على الأمم المتحدة في مشاكل توزيع المساعدات، مشيرة إلى "عدم تعاون المجتمع الدولي والمنظمات الدولية".

وتتناقض مزاعم إسرائيل مع أدلة واضحة على جهودها لتقويض توزيع المساعدات.

ورغم التحذيرات الدولية من المخاطر الإنسانية التي يشكلها حظر أونروا، الوكالة الأممية الرئيسية للفلسطينيين والمنظمة الأكثر خبرة في غزة، من إسرائيل، فقد أُغلقت عملياتها، مما عقد جهود الإغاثة.

وبدلا من ذلك، اعتمدت إسرائيل، بدعم من الولايات المتحدة، على مؤسسة غزة الإنسانية الخاصة عديمة الخبرة والمثيرة للجدل؛ وكانت مواقعها محورا للعديد من عمليات القتل الجماعي للفلسطينيين اليائسين على يد الجنود الإسرائيليين.

مقالات مشابهة

  • غزة.. 100 ألف طفل ورضيع يواجهون الموت نتيجة انعدام الغذاء
  • الغارديان: إسرائيل تحاول إلقاء مسؤولية المجاعة في غزة على حماس والأمم المتحدة
  • الغارديان: إسرائيل تحاول حرف مسؤولية المجاعة في غزة على حماس والأمم المتحدة
  • 9 شهداء بنيران الاحتلال قرب نقطة المساعدات الأمريكية جنوب خان يونس بغزة
  • خبراء فلسطينيون: العمليات اليمنية تعيد رسم خارطة الصراع مع الكيان الإسرائيلي
  • الاحتلال يقصف خيمة نازحين في مواصي خان يونس بغزة
  • الأونروا: لا أحد آمن في غزة والناس يواجهون نزوحا مستمرا
  • الإعلامي الحكومي:100,000 طفل في غزة يواجهون خطر الموت الجماعي
  • أعضاء بالكونغرس الأمريكي: 75% من سكان غزة يواجهون جوعًا كارثيًا وسط حصار مستمر
  • الغارديان: الغرب أمام اختبار حاسم لوقف المجاعة والإبادة في غزة