يمانيون – متابعات
تحظى المواقفُ اليمنية المناصرة لإخواننا في قطاع غزة بتأييدٍ كبير من قبل الأحرار في العالمين العربي والإسلامي، فالمواقف الشعبيّة والعسكرية والسياسية تتصدر المواقف العربية والإسلامية، حتى أصبحت أخبار اليمن يتم تناقلها جنباً إلى جنب مع أخبار غزة.

وعلى مدى أكثر من 70 يوماً لم تتوقف المسيرات والوقفات الاحتجاجية اليمنية في العاصمة صنعاء وعموم محافظات الجمهورية، إلى جانب ما تقدمه القوات المسلحة من عمليات بطولية نوعية متعددة كإطلاق الصواريخ والطائرات المسيَّرة، والاستيلاء على السفن الصهيونية في البحر الأحمر، ومنع السفن العالمية من التوجّـه إلى الموانئ الإسرائيلية عبر البحر الأحمر، وكلّ هذه المواقف شكلت عامل قوة وسندًا كبيرًا مناصرًا لإخواننا المظلومين في قطاع غزة.

ويرى مدير مطار صنعاء الدولي، خالد الشايف، أن المشاركة الكبيرة لليمن في هذه المعركة المقدسة يدل على عظمة القيادة الثورية اليمنية الممثلة بالسيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي –يحفظه الله-، مُشيراً إلى أن اليمن كان يفتقر للقيادة واليوم وفقه الله بالقائد الحكيم الذي أعاد لليمن مكانته.

كلام الشايف جاء خلال مداخله له في مؤتمر دولي عقد عبر منصة “zoom” لملتقى كتاب العرب والأحرار، يوم الجمعة الماضية، وشارك خلال المؤتمر أكاديميون وعلماء ومفكرون وبرلمانيون يمنيون وعرب وأجانب تحت عنوان مناصرة إخواننا في قطاع غزة.

وتحدث الشايف عن عظمة القيادة الثورية اليمنية، وعن البحر الأحمر، والتحَرّكات الأمريكية المكثّـفة فيه، بالتزامن مع العمليات النوعية للقوات المسلحة، مؤكّـداً أن منع السفن الأجنبية من الوصول إلى الموانئ الصهيونية مثل صفعة وخسارة كبيرة للعدو الصهيوني، وأن أية مشاركة أمريكية في هذا المضمار ستكون خسارة كبرى لواشنطن.

ويتفق رئيسُ الحملة الدولية لكسر الحصار عن مطار صنعاء الدولية العميد حميد عبد القادر عنتر، مع ما يطرحه الشايف فيما يتعلق بالعمليات اليمنية في البحر الأحمر والتي كبدت العدوّ الإسرائيلي خسائرَ فادحة.

وبخصوص الخروج المليوني المشرِّف للشعب اليمني في الساحات نصرةً لإخواننا في غزة يؤكّـد عنتر أن هذه المشاركة لا مثيل لها في العالم، وهي تسجل صورة ناصعة ومشرفة لليمن في مواقفه المساندة لفلسطين وقضيتها المحقة والعادلة، مُشيراً إلى أن اليمن يترجم أقواله إلى أفعال بتوجيهات السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي.

وخلال مداخلته في الفعالية يؤكّـد أُستاذ التاريخ في جامعة صنعاء الدكتور حمود الأهنومي، أنَّ “من الواجب الشرعي والأخلاقي والقومي والإنساني وقوف اليمن مع شعب غزة”، منوِّهًا إلى أن “أمريكا استخدمت الفيتو، واليمن كذلك استخدم فيتو البحر الأحمر، وأغلق باب المندب أمام السفن المتجهة نحو الصهاينة”.

ووصف الأهنومي قرار اليمن بالجريء والشجاع، موضحًا أن “الشعب اليمني خرج بالملايين ليؤيد ويدعم القضية الفلسطينية، وهذا بفضل القيادة التي لها رؤية حضارية”.

وتحدث عبد الله علي هاشم الذارحي، عن الفعاليات والدعم المالي الذي تقوم به اليمن لدعم فلسطين، كما تحدث عن العمليات العسكرية والبحرية والبيانات التي أطلقها المتحدث الرسمي للقوات المسلحة اليمنية العميد الركن يحيى سريع، مؤكّـداً أن السيد عبد الملك الحوثي -يحفظه الله- سيد القول والفعل.

بدوره تحدث الناطق باسم وزارة الصحة الدكتور أنيس الأصبحي، عن سبب الحرب على اليمن والمتمثل بموقعه الاستراتيجي في باب المندب والبحر الأحمر، مُشيراً إلى أن “الأمريكيين يعرفون هذا الخطر، والكيان الصهيوني ليس فقط هدفه فلسطين بل يريد الأمن القومي الصهيوني، والذي يمتد في البحر الأحمر وباب المندب”.

وتحدث عن الأمن القومي العربي في مواجهة هذا الخطر، داعياً إلى وجوب اصطفاف كُـلّ الأحرار مع دول المحور لإسقاط مشروع ونظرية الأمن القومي الصهيوني.

أما رئيس ملتقى التصوف في اليمن العلامة عدنان الجنيد، فيؤكّـد أن “صمود الشعب الفلسطيني في قطاع غزة أُسطوري ولا مثيل له”، لافتاً إلى أن “اليمن كان له موقفٌ شجاعٌ وقويٌّ خلال هذه المساندة المباركة مع غزة”.

من جانبه يقول عضو رابطة علماء اليمن القاضي عبد الكريم الشرعي: “إن عملية “طُـوفان الأقصى” حدث تاريخي عظيم، شاكراً المقاومة الفلسطينية التي تتصدى لأمريكا وبريطانيا والسويد وفرنسا وألمانيا”.

وأشَارَ إلى أن “اليمن استخدم حق فيتو البحار في البحر الأحمر وباب المندب، وأن من لا يقف مع فلسطين عليه مراجعة دمه وعروبته”.

العينُ بالعين والسنُّ بالسن:

ويتطرق الإعلامي عبد الرحمن فايع، إلى عددٍ من المواضيع الهامة فيما يتعلق بالأحداث والتطورات الجارية في قطاع غزة، والعدوان الصهيوني المتوحش بحق سكان القطاع.

ويؤكّـد فايع أن عملية “طُـوفان الأقصى” أظهرت حقيقة المسيرة اليمنية للعالم، وعن تحَرّكها الجاد مع القضية الفلسطينية، داعياً إلى ضرورة زيادة الاهتمام بالمجال الإعلامي؛ لأَنَّ له دوراً كَبيراً في كشف الكثير من الحقائق.

من جانبه يقول المتحدث باسم وزارة حقوق الإنسان، عارف العامري: إن “الصهاينة استطاعوا توظيف القادة العرب لحماية مصالحهم مقابل البقاء على كراسي الحكم، كما تطرق إلى العمليات البحرية للقوات المسلحة اليمنية في البحر الأحمر وباب المندب”، لافتاً إلى أنه لم يتم استخدامها من قبل.

وعلى صعيدٍ متصل طالب اللواء عبد الله الجفري، الشعوب العربية للقيام بإسقاط الأنظمة المطبعة ومقاطعة البضائع الأمريكية، وإغلاق السفارات تجاه المطبعين والصهاينة، مؤكّـداً أن الحرب اليوم هي حرب وجود، وحرب بين الإسلام والكفر، وأنه لن تتحرّر فلسطين والقدس إلا إذَا تحرّرت مكة؛ فالطريق من مكة أولاً.

وبشأن العمليات اليمنية يؤكّـد الجفري أن “القوات المسلحة اليمنية تمكّنت من توجيه ضربات مؤلمة لأهداف وأماكن حساسة في عمق الكيان المحتلّ تحت قاعدة العين بالعين والسن بالسن”، موجِّهاً التحية للسيد القائد عبد الملك الحوثي، القائد الحكيم، ولشعب غزة الصامد تحت ضربات العدوان والحصار.

ويعتبر الدكتور علي الزنم -عضو مجلس النواب اليمني- القوة هي أَسَاس اللغة التي يفهمها العالم بشكل جيد، موضحًا أن تراجع المواقف في أمريكا ودول الغرب، جاءت بعد أن وجدت تحَرّكات الشعوب والمظاهرات في عددٍ من الدول الغربية، داعياً دول الطوق المجاورة لفلسطين المحتلّة للمشاركة الفاعلة والمساهمة لدعم فلسطين، وعدم التطبيع.

وأكّـد في حديثه عن دور اليمن والقيادة الثورية اليمنية بقيادة السيد عبد الملك الحوثي، مؤكّـداً أن “الوقوف المشرف لليمن ومحور المقاومة جعل قضية فلسطين حية في قلوب أحرار العالم كله”.

رئيسُ الاتّحاد العربي للإعلام الإلكتروني فرع اليمن هشام عبد القادر، من جانبه يؤكّـد أن ما يقوم به محور المقاومة هو تبادل للأدوار، وتحمل للمسؤولية، وذلك كتبادل أنوار الشمس والقمر بالليل والنهار.

ويؤكّـد أن البحرَ الأحمر ومعركة البحار وباب المندب هي الدور الذي تقوم به اليمن؛ لأَنَّ المناخ والوقت مناسبَان، وهو حَقٌّ شرعي وإنساني للوقوف مع فلسطين؛ لأَنَّ العدوَّ يحب الحياة والمال، والجانب الاقتصادي اليوم هو في باب المندب والبحر الأحمر، والنصر سيكون من اليمن.

حصارٌ ومجازرٌ كبيرة في غزة:

وأمام هول ما يجري من عدوان وحصار غاشم للصهاينة في قطاع غزة ينظر العالم العربي والإسلامي بإعجاب كبير للمسيرات الجماهرية المليونية للشعب اليمني في عموم المحافظات.

وبعثت رئيسة ملتقى كتاب العرب والأحرار، ورئيس موقع رؤى الثقافي، عريب أبو صالحة، بالشكر والثناء للقيادة الثورية في اليمن ممثلة بالسيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي.

وتدعو كُـلّ دول المحور لتطوير عملية الأداء للدفاع عن غزة، مؤكّـدة في كلمتها خلال المؤتمر أن غزة لا تسقط، ويجب ألا تسقط، فإذا سقطت سقط كُـلّ دول المحور.

من جانبه يقول رئيس تجمع الشتات الفلسطيني العميد خالد السعدي، في كلمةٍ له خلال الفعالية: “إن أعظم حدث إلى جانب “طُـوفان الأقصى” هو الطوفان البشري وخروج الملايين اليمنية لتأييد شعب غزةَ”.

ووجَّه السعدي شكره لليمن على ما يقوم به تجاه غزة وفلسطين من تضامن وعمليات عسكرية متنوعة في البحر أَو عن طريق إطلاق الصواريخ الباليستية والطائرات المسيَّرة، مؤكّـداً أن النصر الأكيد لفلسطين، وأن الهزيمة ستلاحق الصهاينة أينما حلو.

من جانبه بعث الباحث في الشأن السياسي غالب الدعمي، من العراق التحية للشعب اليمني وقيادته الحكيمة ولكل دول المحور، مؤكّـداً أن العدوّ يتحَرّك بشكل قوي، ولا بُـدَّ من دول المحور أن تتحَرّك بشكل أقوى، وأن النصر حليف دول المحور في نهاية المطاف.

بدوره يشدّد العميد الركن عبد السلام سفيان، وهو خبير استراتيجي، على وجوب استخدام وسائل وطرق متعددة لإجبار العدوّ الإسرائيلي على وقف العدوان والحصار على قطاع غزة، لافتاً إلى أن سياسة التهجير قد فشلت، كما أن العدوّ الصهيوني فشل في تحقيق كُـلّ أهدافه.

أما الكاتب والمحلل السياسي اللبناني الدكتور إسماعيل النجار، فتحدث في مداخلته عن صمود شعب غزة الذي يضحي يوميًّا بأطفاله ونسائه وشبابه وشيوخه ويعاني من ألم الشتاء البارد، والحصار، ثم تطرق إلى وقوف اليمن مع القضية الفلسطينية مع غزة، مؤكّـداً أن الدور الذي تقوم به اليمن كبير جِـدًّا وهو نيابةً عن الأُمَّــة، والتي لم تقم به دول الطوق دولة مصر وغيرها من المطبعين، مؤكّـداً أن اليمن يمارس حقه الطبيعي، ويترجم الأقوال إلى أفعال.

وبارك العمليات اليمنية في البحر الأحمر، موضحًا أنها جعلت العدوّ يغير مسار رحلته إلى طريق الرجاء الصالح؛ وهو ما يؤدي إلى زيادة في التكاليف والنقل، وارتفاع أسعار البضائع التي ستصل إلى أمريكا والصهاينة.

بدورها تقول هيفاء الحروب، من فلسطين المحتلّة: إن “حجم الدمار والحصار في قطاع غزة لا يمكن وصفه أَو تخيله، مؤكّـدة أن حجم الألم في قلوب شعب فلسطين كبير جِـدًّا، لكنهم صامدون”.

وتتساءل: “أين العرب والمسلمون مما يحدث؟”، موضحة أن اليمن وقيادته ومحور المقاومة هم الذين يقفون إلى جانب فلسطين، بينما البقية في صمت مطبق ومذل”.

وأشَارَت إلى أن غزة مستهدفة منذ سنوات كثيرة، وأن الصهاينة يلجؤون إلى استفزاز المقاومة الفلسطينية وحركة المقاومة حماسة بتدنيس الأقصى، وأن الصهاينة يريدون تهجير أبناء غزة؛ لأَنَّها منطقة استراتيجية على البحر، وَيريدون أخذها مثلما أخذوا عكا وحيفا وتل أبيب، وهم الآن يستفزون المقاومة في جنين بالتهجم على المساجد والأطفال بعمر سنتين والذين يحملون أعلام فلسطين يقومون بسجنهم.

وتتفق الإعلامية ربا شاهين، مع الطرح السابق، وتشير إلى أن هناك مجازرَ كبيرةً تحدثت في قطاع غزة، وأن الصهاينة يقتلون الأجنة والأطفال.

وتؤكّـد أن السيد القائد عبد الملك الحوثي، رجل القول والفعل وقد وقف مع فلسطين، مؤكّـدة نقلها وإيصال كُـلّ الكتابات الإنسانية حول فلسطين، داعية للمزيد من التضامن مع فلسطين بالمسيرات المليونية وبأي شكل من أشكال المساندة.

أما الإعلامية مريم دولابي، فأشَارَت إلى وقوف إيران وحزب الله والحشد الشعبي إلى جانب فلسطين، موضحة أنه لا يجوز الظهور من أعلى السطح للإعلان بالصوت، وأن هناك تضحيات يقدمها حزب الله على الحدود الفلسطينية.

وقالت: “إن حزب الله منظمة عالمية أرهبت عالم العدوّ في كُـلّ أنحاء العالم”.

المسيرة

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: عبد الملک الحوثی فی البحر الأحمر وباب المندب فی قطاع غزة الیمنیة فی مع فلسطین من جانبه أن الیمن إلى جانب شعب غزة مؤک ـدا إلى أن

إقرأ أيضاً:

البرهان يناور بذكاء ويتوعد الدعم السريع

تخيل بلدا يقف على جرف هارٍ تدفعه حرب ضارية إلى الهاوية، وجيشا يقاتل على جبهات متشعبة، واقتصادا ينهار طبقة بعد أخرى، بينما تتنازع قوى عالمية على أرضه وموانئه وذهبه وموقعه الاستثنائي.

وفي قلب هذا المشهد يقف رئيس مجلس السيادة الانتقالي وقائد الجيش، الفريق أول عبدالفتاح البرهان، محاولا أن يمسك بالعصا من وسطها: يلوح للغرب بإمكانية الشراكة، ويشد في الوقت نفسه خيوط الارتباط بالشرق الصاعد.

ليس ذلك تقلبا سياسيا ولا انتقالا عشوائيا بين المحاور، بل مناورة وجودية فرضتها الجغرافيا القاسية، وحرب أنهكت الدولة والمجتمع، وتوازنات دولية تجعل من السودان ساحة اختبار كبرى في صراع النفوذ على البحر الأحمر والقرن الأفريقي.

وفي هذا السياق تحديدا، برزت آخر رسائل البرهان إلى الغرب عبر مقاله الذي اختار له بعناية صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية بتاريخ 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2025؛ رسالة لم تكن مقال رأيٍ عابرا، بل مذكرة سياسية مشفرة، صيغت بقدر محسوب من الإيحاء لتصل مباشرة إلى دوائر صناعة القرار.

الانحياز إلى الشرق يعني سلاحا متاحا، لكن يفضي إلى عزلة مالية خانقة والانحياز إلى الغرب يعني دعما اقتصاديا محتملا، لكن يفضي إلى فقدان الإسناد العسكري، وخطر الانفجار الداخلي، ولهذا يصبح الاصطفاف الكامل قاتلا

الرسالة السياسية والصفقة غير المعلنة

في مقاله المثير، حمل البرهان قوات مليشيا السريع مسؤولية الحرب، رافضا توصيف الصراع بأنه "صراع جنرالين"، ومؤكدا أنها حرب تمرد على الدولة.

لكنه لم يكتفِ بهذا التوصيف؛ بل بنى المقال كله على فكرة واحدة: إذا ساعدتموني على تفكيك مليشيا الدعم السريع وإنهاء التمرد، فسأكون جاهزا للمضي في مسار التطبيع، وتقديم صيغة حكم مدني ترضيكم.

لوح البرهان بالانتقال الديمقراطي، وذكر الغرب بأن الصراع يهدد مصالحه في البحر الأحمر، وفتح باب الشراكة الاقتصادية، مشيرا إلى دور للشركات الأميركية في إعادة الإعمار. بدا المقال أقرب إلى عرض تفاوضي مكتمل الأركان: دعم عسكري وسياسي مقابل شرعية واستقرار وتعاون أمني.

هذه الرسالة ليست معزولة؛ فهي تأتي في وقت تتنامى فيه تحركات البرهان على الساحة الدولية: خطابات في الأمم المتحدة، إشارات إيجابية في الملفات الإنسانية، وانفتاح محسوب على المؤسسات الغربية.

إعلان

لكن هذه الإشارات لا تعني انقلابا إستراتيجيا نحو الغرب، بل هي جزء من لعبة أكبر توازن فيها القيادة السودانية بين مكاسب اللحظة، ومخاطر الاصطفاف الحاد.

بين القيمة الجيوسياسية وكلفة الاصطفاف

يحتل السودان موقعا استثنائيا. فهو بوابة البحر الأحمر، وممر التجارة العالمية، وخزان ضخم للمعادن والأراضي الزراعية. ولهذا تتصارع عليه القوى الكبرى اليوم، كما لم تفعل من قبل.

الصين ترى في السودان امتدادا لطريقها التجاري نحو أفريقيا. استثماراتها الضخمة في الموانئ والبنية التحتية والزراعة، تجعلها تبحث عن طريقة لتفادي انهيار كامل قد يبتلع مصالحها. وبكين، رغم هدوئها المألوف، تدرك أن الفوضى في السودان تعني خسارة سنوات من العمل الاقتصادي والإستراتيجي، ولذلك تتحرك بدقة: دعم محدود للجيش، وضغط خلفي لتثبيت الاستقرار دون الاصطدام بالغرب مباشرة.

أما روسيا فقد استعادت أدواتها غير النظامية عبر "أفريكا كوربس"، البديل الجديد لفاغنر، بهدف ترسيخ وجود إستراتيجي دائم على البحر الأحمر. بالنسبة لموسكو، السودان ليس مجرد شريك إستراتيجي، بل هو مفتاح لدخول القرن الأفريقي بعمق، وتحقيق توازن مع الضغوط الغربية في أوكرانيا، وأوروبا.

الغرب من جهته يراقب بقلق تمدد الشرق. لكنّ لديه شرطا واحدا لم يتغير: لا دعم اقتصاديا حقيقيا دون التقدم في ملف التطبيع، وهندسة المسرح السياسي الداخلي، واستبعاد تيار بعينه.

هكذا يجد السودان نفسه أمام معادلة مستحيلة:

الانحياز إلى الشرق يعني سلاحا متاحا، لكن يفضي إلى عزلة مالية خانقة. الانحياز إلى الغرب يعني دعما اقتصاديا محتملا، لكن يفضي إلى فقدان الإسناد العسكري، وخطر الانفجار الداخلي.

ولهذا يصبح الاصطفاف الكامل قاتلا، والمناورة بين الشرق والغرب أشبه بخيط نجاة رفيع، لكن لا بد من السير عليه.

عدم الانحياز الذكي ورهان الداخل

ضمن هذه الحسابات الدولية المعقدة، يبرز مسار ثالث يفرض نفسه بقوة:

عدم الانحياز الفعال، وهو ليس حيادا سلبيا كما في الستينيات، بل إستراتيجية قائمة على مزيج من الانفتاح الانتقائي، والمداورة الدبلوماسية.

هذا المسار يعني:

تعاونا اقتصاديا عميقا مع الصين، دون الارتهان لها. شراكة أمنية مع روسيا، دون التحول إلى بوابة لها على البحر الأحمر. انفتاحا على الغرب، دون الوقوع في فخ الشروط الثقيلة التي قد تشعل الداخل. بناء دور إقليمي يعتمد على الجغرافيا لا على الأيديولوجيا.

بهذه المقاربة، يتحول السودان من ساحة صراع إلى لاعب يجيد توظيف الصراع لصالحه.

بيد أن كل هذا لن ينجح إذا لم يتم حسم المعركة الأهم: معركة الداخل. فالرهان الحقيقي ليس على واشنطن ولا بكين ولا  موسكو، بل على قدرة القيادة السودانية على:

توحيد الجبهة الداخلية، إعادة بناء المؤسسات، وقف النزيف الاقتصادي، وفرض إرادتها على القوى الإقليمية المتدخلة.

فمن دون جبهة داخلية متماسكة، تصبح المناورة الخارجية مجرد لعبة خطرة قد تسقط عند أول هزة. ومن دون قرار وطني صارم، لن تستطيع الخرطوم تحويل ثقلها الجيوسياسي إلى قوة حقيقية.

الخلاصة: المناورة ليست خيارا.. بل قدرا سياسيا

ما يقوم به البرهان اليوم ليس استسلاما للغرب ولا انحيازا للشرق، بل مناورة إجبارية تهدف إلى جمع السلاح من منطقة، والشرعية من أخرى، والمساعدات من ثالثة، دون دفع الأثمان كاملة لأي طرف.

إعلان

هي محاولة لاستثمار موقع السودان الفريد في معركة الهيمنة على البحر الأحمر، وتحويل الأزمة إلى ورقة تفاوض كبرى. غير أن هذه اللعبة الخطرة لن تجدي نفعا إذا لم يُستعَد الداخل أولا.

ففي النهاية، لا تحدد الدول الكبرى مصائر الأمم بقدر ما تحددها إرادة أبنائها.

وقدرة السودان على الخروج من النفق لا تتوقف على لعبة التوازن الدولية فحسب، بل على قوة البيت الداخلي، وتمكن القيادة من فرض رؤيتها على من يحاولون تشكيل مستقبل السودان من الخارج.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطبيان إمكانية الوصولخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • تطوير ميناء المخا.. رهان اقتصادي يعيد إحياء بوابة تجارة هامة في اليمن
  • البرهان يناور بذكاء ويتوعد الدعم السريع
  • اليمن.. القوات المسلحة الجنوبية تطلق "عملية الحسم" في أبين
  • وسيم السيسي يكشف حقيقة حديثه عن الزئبق الأحمر
  • الفلفل الأحمر الحار يسرع الحرق ويحسن عملية التمثيل الغذائي
  • درة تسعرض أناقتها في ختام مهرجان البحر الأحمر.. شاهد
  • البحر الأحمر يكشف المستور.. لماذا شيطن الغرب العمليات اليمنية المساندة لغزة؟
  • ناسا تكشف حقيقة الأضواء الحمراء الشبيهة بقناديل البحر
  • جائزة عمر الشريف تُمنح لـ هند صبري في مهرجان البحر الأحمر السينمائي
  • تطل بالأبيض مي عمر تخطف الأضواء في مهرجان البحر الأحمر 2025